يوافق الحادي عشر من شهر شعبان الذكرى العطرة لولادة علي الأكبر بن الإمام الحسين (ع)، وبهذه المناسبة نسلط الضوء على لمحات من أوصافه وصفاته.
ابنا: تمتّع آل الرسول صلّى الله عليه وآله بأوصاف جميلة وصفات جليلة ، أوصاف ظاهرة على شخصيّاتهم للعيان ، وصفات كامنة تتجلّى منهم عند التعرّف إليهم ومعايشتهم كما لاحظها وعايشها المعاصرون لهم.
تمتّعوا بتجميع الكمالات لديهم دون استثناء أو افتقار لشيء صغير أو كبير ، تمتّعوا بتجمّع كبريات المواصفات وحُسنيات الصفات النبيلة الساميات ؛ فلم يتركوا جميلاً جليلاً إلاّ ولهم فيه خصوصيّة ، وما من قبيح حقير إلّا ولهم في النهي عنه وحربه ممارسات وظيفية ؛ ذلك لأنّ تمتّعهم بما ذكرنا هو من أخصّ خصوصيّاتهم التي أهّلتهم للرسالة ، بل هو ـ بتعبير أدقّ ـ من أهمّ اختصاصاتهم ؛ إذ إنّهم ينبغي أن يكونوا في مستوى ما يدعون إليه.
وليس من المعقول أن يكونوا روّاداً لنظريّات ومبادئ وهم بعيدون عنها أو يفتقرون لمؤهّلاتها ومتطلباتها ؛ سواء أثناء الدعوة أم خلال التطبيق لما لديهم من مقرّرات ؛ فالنظرية والتطبيق ممّا لا يمكن فصلهما قطّ ، وبذلك فإنّ اختصاصهم الفعّال هو كونهم المثل الأعلى والقدوة الحُسنى.
ولو قمنا باستقصاء النظر في مميّزاتهم ، واستقرأنا مواصفاتهم وأخصّ خصوصيّات شخصيّاتهم لما عدونا علي الأكبر عنهم فيما كانوا عليه ممّا لم يشاركهم أحد فيه ، بل هو في ذروة المميّزات ، وله الحظّ الأكبر والقسط الأوفر منها ؛ بحكم أنّه شبيه جدّه النبي صلّى الله عليه وآله الذي حاز قصب السبق ؛ إذ كان الأوّل كما كان المنبع والمصدر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
وما قولنا بأنّه شبيه جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله مأخوذ من راوٍ أو مؤرّخ أو شاهد عيان بسيط ومعاصر عادي ، وإنّما هو مأخوذ عن شاهد دقيق النظر ، صادق صدوق ؛ فقد صرّح بذلك والده الإمام الحسين عليه السّلام ، وعنه روى الراوي وأرّخ المؤرّخ ، لا سيّما وأنّ الإمام عليه السّلام أعرف الناس برسول الله صلّى الله عليه وآله ، وأكثرهم التصاقاً به ، وأشدّهم تعلّقاً به ، كما أنّه ورث منه واكتسب عنه.
فلمّا ولد نجله علي الأكبر وشبّ يافعاً فقد أخذ يوحي بصورته وأخلاقه ومنطقه إلى الرسول صلّى الله عليه وآله ، فأضحى ذكراه وتذكاره حتّى كان الناس من أهل المدينة يشتاقون لرؤياه سلام الله عليه.
ثمّ ليس أكثر من أبيه الإمام الحسين عليه السّلام حضوراً لملامح جدّه ومعالم تلك الشخصيّة العظيمة ؛ وعليه فإنّ كلامه ـ والذي سنسجّل نصه في القسم الثاني بمكانه المناسب ـ الذي يؤكّد محاكاة علي للنبي صلّى الله عليه وآله ، وأنّه أشبه الناس به خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً ، كلام بمستوى الحضور الحقيقي.
وكان « علي الأكبر » من أصبح الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً (۱) حسبما اتّفق المؤرّخون فضلاً عن اتّفاقهم وإجماعهم على مضمون تصريح أبيه الحسين عليه السّلام من كونه مثيل الرسول صلّى الله عليه وآله من حيث الخلقة والأخلاق والنطق.
وحري بنا أن نعود لتسجيل بعض ما ورد عن النبي الأعظم بالذات ، فقد كان صلّى الله عليه وآله يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع وأقصر من المشذب ـ أيّ الطويل القامة ـ ، عظيم الهامة ، رجل الشعر (۲) ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحواجب ، سوابغ في غير قرن (۳) ، بينهما عِرق يدرّه الغضب ، أقنى العِرنين (٤) ، وله نور يعلوه يحسبه من لم يتأمّله أشم (٥) ، كثّ اللحية (٦) ، سهل الخدين (۷) ، أدعج ، ضليع الفم (۸) ، أشنب مفلج الأسنان (۹) ، دقيق المسرُبة (۱۰) ، كأن عُنقه جيد دُمية في صفاء الفضّة ، معتدل الخلق بادناً متماسكاً ، سواء البطن والصدر ، عريض الصدر ... حتّى يقول : خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جُلّ نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه ويبدر من لقي بالسلام (۱۱). تلك بعض أوصافه المقدّسة.
ومن بعض صفاته الجليلة تقرأ : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ، ليس له راحة ، ولا يتكلّم في غير حاجة ، طويل السكوت ، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه (۱۲) ، ويتكلّم بجوامع الكلم ، فصلاً لا فضولاً ولا قصيراً فيه.
دمثاً (۱۳) ليس بالجافي ولا بالمهين ، يُعظم النعمة وإن دقّت ، ولا يذم منها شيئاً ، ولا يذم ذوّاقاً ولا يمدحه ، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها ، إذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شيء حتّى ينتصر له ، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ، وإذا غضب أعرض وأشاح (۱٤) ، وإذا فرح غضّ من طرفه. جُلّ ضحكه التبسّم (۱٥). وغير تلك الصفات والأوصاف الشيء الكثير لذلك الرجل الكامل ، سيّد الكمالات وصاحبها.
على أن ما يروى بهذا الصدد إنّما هو محاولة لتقريب شخصه الشريف للأذهان.
وبعد ، فلنا أن نؤكّد حقائق هامة قبل أن نختم الموضوع ، فنقول : بأنّ حرصنا للوقوف على الأوصاف والصفات ، وتأكيد التقاء علي الأكبر بالنبي الأعظم صلّى الله عليه وآله في مميّزاته يرجع إلى أسباب هامّة ومبررات موضوعيّة جادّة ، منها مثلاً :
١ ـ إجلاء الشخصيّة الحيوية السامية ، لا لأنّها منتسبة إلى الرسول صلّى الله عليه وآله ، وإنّما لما اتّسمت به ممّا توفّر في شخص الرسول صلّى الله عليه وآله بالذات ، ولمضمون الشخصيّة ومحتواها ، وبحكم أنّها تشكل المثل الأعلى.
٢ ـ إنّ الانتساب للرسول صلّى الله عليه وآله كان يكفي للاحترام والامتناع عن القتل ، ولكن الأوصاف والصفات كانت تشكّل حجّة أكبر بجمعها مع النسب الشريف المقدّس ؛ ومن هنا كان العدوّ يخشى قتل علي الأكبر أو يتجنّبه كما قيل ، لا لأنّه سليل الرسول صلّى الله عليه وآله ، بل لما فيه من اجتماع لمواصفات الرسول صلّى الله عليه وآله (۱٦) ، بيد أنّهم تناسوا ذلك كلّه فانتهكوا حرمته.
٣ ـ إنّ أوصافهم وصفاتهم تعطي إيحاءات راقية ، ومفاهيم خلقية ، وقيماً ومثلاً نبيلة لها دورها في إبراز مصداقية المعاني السامية الكريمة التي تكمن فيهم والتي يتسربلون بها.
٤ ـ وأخيراً فمن الضروري جدّاً إدراك هذه الناحية ، وهي أنّه ليست المميّزات المتطابقة مهمّة بقدر أهميّة تطابق المواقف الرساليّة. وقد شهد التاريخ لعلي الأكبر مواقف جدّه الصلبة الصارمة ، وشهد له أنّه شبيه جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله خلقاً وخُلقاً ومنطقاً ، وموقفاً وعملاً.
فنحن إذ نقف على الخصال الخيرة المتطابقة فليس على حساب تطابق النتائج ، لا سيّما وأنّ ثمة علاقة بين المميّزات المتشابهة كمقدّمات وبين المواقف المصيريّة كنتائج.
الهوامش
۱. كتاب « لواعج الأشجان » ـ للسيّد الأمين / ١٣٦.
۲. رجل الشعر : أيّ ليس بمجعد ولا مسترسل.
۳. أيّ دقيق وطويل الحاجبين. والسوابغ : الاتّصال بينهما.
٤. أيّ محدب الأنف.
٥. الشمم : ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه.
٦. أيّ كثيف الشعر في اللحية.
۷. أيّ قليل اللحم.
۸. يعني واسع وعظيم الفم.
۹. أشنب الأسنان : أيّ أبيضها. ومفلج : أيّ مفرج بينها.
۱۰. المسربة : الشعر وسط الصدر إلى البطن.
۱۱. انظر كتاب « مكارم الأخلاق » ـ للشيخ الطوسي / ١١ ـ ١٢ ، ط ٦ بيروت / ١٢٩٢ هـ.
۱۲. الأشداق : جوانب الفم ، ويعني أنّه لا يفتح كل فاه. وفي بعض النسخ « بابتدائه » وليس بأشداقه.
۱۳. الدماثة : سهولة الخلق.
۱٤. أشاح : بمعنى أظهر الغيرة ، والشائح : الغيور.
۱٥. للمزيد راجع المصدر نفسه « مكارم الأخلاق ».
۱٦. جاء عنه أثناء دخوله ساحة المعركة أنّه أخذ يكر عليهم وهم لا يجسرون على قتله ؛ لأنّه شبيه بجدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وفيه شجاعة حيدر عليه السّلام. سفينة النجاة ١ / ٧٤.
مقتبس من كتاب : [ حياة علي الأكبر عليه السلام ] ، الصفحة : ۱۹ ـ