عامّة وخاصّة :
السؤال : هل الإمامة مذكورة في القرآن ؟ وهل هي مختلفة عن إمامة الأئمّة (عليهم السلام)؟ وهل إمامة الأئمّة موجودة في القرآن ؟ ما هي الإمامة العامّة ؟ وما هي الإمامة الخاصّة ؟ وشكراً .
الجواب : الإمامة العامة : هي ملاحظة الإمامة وبحثها بغض النظر عن مصاديقها . ومن الآيات التي دلّت على الإمامة العامة : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } (1) .
و : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } (2) .
و : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } (3) .
والإمامة الخاصّة : هي بحث وملاحظة إمامة شخص معيّن ، مثل إمامة إبراهيم (عليه السلام) وإمامة علي (عليه السلام) . وكمثال النصوص الإمامة العامة المقطع الأول من الآية الأخيرة والذي دلّ على إمامة إبراهيم (عليه السلام). ومثل حديث الغدير ، وحديث
____________
1- السجدة : 24 .
2- الأنبياء : 73 .
3- البقرة : 124 .
|
الصفحة 355 |
|
الثقلين ، وحديث المنزلة ، وغيرها ممّا ذكرها الفريقان في مصنّفاتهم الكلامية والحديثية ، والتي دلّت على إمامة علي (عليه السلام) .
وبمقتضى الآيات التي تفرض طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) مضافاً إلى طاعة الله ، فإنّ الإمامة الخاصّة هي تكون في الحقيقة من المعتقدات والأركان الأساسية في الدين ، التي دعا إليها الوحي والقرآن بمعونة كلام صاحب الوحي (صلى الله عليه وآله) .
وهذا نظير عدد الفرائض وركعاتها ، ممّا اتفقت عليه كلمة أهل القبلة ، فهو وإن لم يكن مصرّحاً في القرآن ، ولكن بفضل سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) يندرج في المعارف القرآنية ، بما أنّه مورد لطاعته (صلى الله عليه وآله) .
( حمدي . سوريا . 26 سنة . طالب جامعة )
السؤال : ما أُودّ طرحه لا يحيّرني فحسب ، وإنّما يؤرّقني ، وأنا بحاجة ماسّة إلى الجواب ، حتّى أنّني أتمنى أحياناً أنّ يظهر لي الإمام المهديّ (عليه السلام) ويخلّصني ممّا احتواه قلبي من شكوك ، لأنّني عندما أدقّق بموضوعية في ما نحن عليه ، لا أستطيع أن أطمئن أنا على قناعة كاملة بفساد مذهب العامّة وعدم صحّته ، ولا أشكّ بهذا أبداً ، لكن هل نحن نمتاز عنهم ، إنّنا نمتلك معظم ثغراتهم .
إنّ نظرية الإمامة عندنا قائمة من الناحية الفلسفيّة ، على أنّه من غير الممكن ترك النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) الأُمّة في حال من الاختلاف والحيرة ، إن كان فيمن يرعى شؤونها ، أو من ترجع إليه في أحكامها الشرعية ، ونقول : إنّه يجب أن يترك لنا النبيّ شخصاً معصوماً كي يعطينا الحكم الشرعي الإلهيّ ، وكأنّ النبيّ موجود .
فلنفرض أنّ النبيّ عيّن إماماً غير معلوم ، وغير ظاهر ، فما الحاجة به ــ صدقني أقول هذا وأنا مؤمن بوجود الإمام المهديّ (عليه السلام) لكن الحيرة تقطعني ـ إذ ولمجرد عدم ظهوره وعلومه تتّجه الأُمّة نحو تعيين رئيس من قبلها ، وهذا
|
الصفحة 356 |
|
الرئيس غير معصوم طبعاً ، فالأُمّة منطقياً بحاجة إلى رئيس ، وتشترك بذلك جميع الشعوب والأُمم ــ بغض النظر أكان معصوماً أو غير ذلك ـ إنّها حاجة فطرية .
ولكن مع وجود المعصوم الظاهر ، تقام الحجّة على الأُمّة ، وتكون آثمة إذا رضيت برئيس غيره ، ولكن مع عدم ظهوره أو العلم به ، ولفترة طويلة جدّاً كـ (1200) سنة ، فنظرية الإمامة كلّها إذاً ، والتي يمكن أن نقبل بضرورتها لمدّة (250) سنة ـ ولاحظ الفرق بين الزمنين ـ بحاجة إلى مراجعة وإيضاح وتفسير للوصول إلى حقيقة الأمر ، ليكون الأساس الذي نبني عليه عقائدنا وفقهنا أساساً متيناً غير متأرجح ، فما معنى أن نفسّر الآية الكريمة { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } (1) بأنّها خاصّة بالإمام علي وخلفه من الأئمّة (عليهم السلام) فقط ؟
ومن ثمّ وبعد الغيبة بـ (1200) سنة ، نعود ونفسّرها بأنّها تشمل كلّ المؤمنين، وهذا ما تبني عليه نظرية ولاية الفقيه بعض براهينها ، وهنا حتّى المؤمنين الفقهاء الأتقياء الفضلاء ، هم غير معصومين ، وبالتالي يمكن أن يمارسوا الظلم بشكل من الأشكال ، فهل نظرية الإمامة صالحة فقط لـ 250 سنة ؟ والدنيا سائرة إلى ما شاء الله ، فيمكن أن تمتدّ الدنيا عشرة آلاف سنة أُخرى ، فما تأثير 250 سنة أمام 10000 سنة ، وبالتالي تصبح مدّة الـ250 سنة أمام هذا الزمن الضخم مثل 23 سنة فترة نبوّة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) .
وعندما نقول : بأنّ دور الأئمّة (عليهم السلام) هو تبليغ الرسالة ، ونقلها بالشكل الصحيح والسليم ، فالإمام المهديّ غاب ، وبدأنا نأخذ المعلومات والأحاديث عنهم ، من رواة فيهم التقي والمنافق والكذّاب ، فأصبح حالنا مثل حال العامّة ، الذين نفتخر بالتميّز عنهم .
نتميّز عنهم بماذا ؟ بأنّنا أخذنا علومنا من أهل البيت ، إنّنا لا نأخذ من أهل البيت ، بل من رواة نقلوا عن أهل البيت ، مثلما يأخذون هم عن رواة نقلوا عن الرسول ، في رواياتهم الكثير الكثير من الكذب ، وفي رواياتنا مثل ذلك ، ونحن نقول : إنّ الرسول وأهل البيت كلامهم واحد فالمصدر نفسه ،
____________
1- المائدة : 55 .
|
الصفحة 357 |
|
وحالنا مثل حالهم ، فماذا يميّزنا نحن كشيعة في هذا الزمن ؟
إذا كان الجواب بأنّنا عرفنا الكاذب من الصادق من الصحابة ، فهذا يمكن بدون نظرية الإمامة ، بحيث مثلاً أنّ من ظلم واحداً من أهل البيت (عليهم السلام) تسقط عدالته ، ونحن عندنا مشكلة الصحابة أكبر ، لأنّنا يجب أن ندقّق ونفحص حياة وسيرة كلّ صحابي من أصحاب الأئمّة أيضاً ، فإذا كان في أصحاب النبيّ كذّابون ، أفلا يكون في أصحاب الأئمّة نفس الشيء ؟ فالمشكلة عندنا أكبر وأعقد ، فصحابة النبيّ الذين رووا حديثه معروفون على الأغلب ، ويمكن تمييز الصادق من الكاذب لأنّ سيرتهم معروفة .
أمّا أصحاب الأئمّة ، ففيهم من لا نعرف عنه إلاّ الاسم ، حتّى أحياناً يكون الاسم موهناً بعض الشيء ، وهذا كلّه أدّى بمراجعنا إلى الاختلاف في الأحكام الشرعية ، وحتّى في العقائد نسبة لاختلاف الروايات ، فإذا كان عندهم حنفي ومالكي وشافعي وحنبلي ، فعندنا أضعاف ما عندهم ، فإذا كان من أكبر ضرورات وجود الإمام المعصوم هو حسم الاختلاف ، ونحن كشيعة مؤمنون بذلك ، فلماذا نحن مختلفون ؟ بماذا نحن متميّزون ؟
آسف على الإطالة ، ولكن أرجو أن أطمئن لديني ومذهبي على يدكم ، شكراً لكم على إتاحة الفرصة لسؤالكم .
الجواب : في الجواب نقول : إنّ نظرية الإمامة لها منبعان ، أو مصدران ، فالإمامة ليست بدعاً عقليّاً كي نوردها ونحصرها في هذا المضمار بالخصوص ، ثمّ نورد عليها النقوضات والإيرادات ، بل نظرية الإمامة طرحها الأوّليّ ومصدرها الأصليّ هو القرآن الكريم ، الشرعية الإسلامية هي المصدر الأوّل لنظرية الإمامة ، وهي متمثّلة بالقرآن ، والسنّة النبوية :
فأوّل طرح شرعي للإمامة قوله تعالى مخاطباً إبراهيم بقوله : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } (1) ، ومن الواضح أنّ هذه الإمامة هي غير النبوّة التي كان يتمتّع بها إبراهيم (عليه السلام) ، وذلك :
1ـ إنّ هذه الإمامة جاءت بعد ابتلاء إبراهيم (عليه السلام) ، ومن ضمن ابتلاءات
____________
1- البقرة : 124 .
|
الصفحة 358 |
|
إبراهيم هي ذبح ولده إسماعيل (عليه السلام)، وإبراهيم (عليه السلام) رزق بالأبناء في سنّ الشيخوخة ـ أي بعد نبوّته ـ وبعد ما جاءت الملائكة لإنزال العذاب على قوم لوط (عليه السلام) .
2ـ إنّ إبراهيم (عليه السلام) طلبها لذرّيته ، ومن الواضح أنّ هذا الكلام يعطي أنّ إبراهيم (عليه السلام) كانت له ذرّية ، فلذلك طلب لها هذا المقام ، والذرّية لم يرزقها إبراهيم إلاّ بعد نبوّته كما تقدّم .
3ـ إنّ هذه الإمامة هي غير النبوّة ، وخصوصاً على مباني أهل السنّة ، وذلك لأنّهم يجوّزون على النبيّ (عليه السلام) المعصية الصغيرة ، والمعصية ظلم لأنّها طاعة للشيطان ، وطاعة الشيطان ظلم ، كما يقول القرآن الكريم ، قال تعالى : { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا } (1) ، بسبب عصيانهما أمر الله تعالى ، فحكما على أنفسهما بالظلم ، والآية ذيّلت منصب الإمامة بجوابها لإبراهيم (عليه السلام) بأنّه : { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } ، فعليه لابدّ أن يكون الإمام معصوماً عن تعدّي حدود الشريعة ، لأنّ ذلك ظلم ، والظالم ليس بإمام .
وفي الحقيقة هذا من الإشكالات المطروحة على الفكر السنّي ، لأنّهم يفسّرون الإمامة بالنبوّة ، فيردّ عليهم غير ما تقدّم من الكلام في النقطة الأُولى والثانية هذا : وهو أنّكم تجوّزون المعصية في حقّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، والآية تقول : بأنّ الظالم لا يستحقّ هذا المنصب ـ منصب الإمامة الذي هو النبوّة عند أهل السنّة ـ والمعصية ظلم فكيف يوفّق بين ذلك ؟!
إذ أمّا تلتزمون بعصمة النبيّ ، وأمّا أن تؤمنوا بأنّ الإمامة غير النبوّة ، كما هو الصحيح .
فإذاً ، فكرة الإمامة طرحها القرآن الكريم ، وأنزلها الله على نبيّه من ضمن الأُمور التي يجب تبليغها للناس ، بل نجد أنّ السنّة النبوية أوّل أمر تطرحه إلى جنب توحيد الله تعالى هو الإمامة ، فلمّا نزل قوله تعالى : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } (2) دعا النبيّ (صلى الله عليه وآله) بني عمومته ، وبشّرهم بأنّه مبعوث من الله تعالى، وأنّ معه مؤازر ومناصر ويكون خليفته من بعده ، وذلك الخليفة هو
____________
1- الأعراف : 23 .
2- الشعراء : 213 .
|
الصفحة 359 |
|
علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وهذا ممّا رواه السنّة والشيعة على حدٍ سواء ، وصحّحه السنّة والشيعة ، فتجده في تفسير القرآن العظيم تحت تفسير هذه الآية ، وتجده في خصائص الإمام علي (عليه السلام) للنسائيّ (1) بسند صحيح ، وغيرها من المصادر ، فالمسألة قرآنية قبل أن يأتي بها العقل المقدّس ، وهناك الكثير من الآيات والروايات الشريفة التي تثبت الإمامة ، هذا أوّلاً .
وثانياً : البحث في العقل له بحثان :
أ ـ البحث الفلسفيّ .
ب ـ البحث الكلاميّ .
والأوّل مبنيّ على مسائل جمّة ، كواسطة الفضل والإنسان الأكمل ، أو الموجود الأشرف ، وقضية الارتباط الإلهيّ بينه وبين عباده .
والثاني مبنيّ على التفريق بين قضيتين ، قضية وجود معصوم ، أو إنسان كامل في الكون ، وقضية الوصول إلى الإنسان الكامل ، أو المعصوم .
وبتعبير آخر : مسألة الوجود والظهور ، فمثلاً عند الاستدلال بقاعدة اللطف لإثبات إمامة المعصوم ، وأنّه لابدّ من وجود المعصوم في كلّ زمان ، يقولون : وجود المعصوم لطف ، وتصرّفه لطف آخر (2)، فليست المسألة مقصورة على دليل عقليّ واحد ، أو قاعدة عقليّة .
ثمّ عند التنزّل وفرض أنّ العقل يحكم بلزوم وجود المعصوم ، لكن حكم العقل على نحو الاقتضاء ، أي العقل يدرك ذلك لا بنحو العلّة التامّة ، وإنّما بنحو اللزوم الناقص ، فإذا قام الدليل الشرعي القطعي على وجود مانع من ظهور المعصوم فيرتفع حكم العقل بلزوم ظهوره ، ويبقى فقط مدركاً للزوم وجوده .
وبتعبير آخر : العقل يدرك الهيكلية العامّة للنظام الكوني ، وأنّ النظم الشرعية تبتني على وجود رابطة بين عالم الغيب والشهادة ، وإلاّ فسدت الغاية التي من أجلها خلق الكون .
____________
1- خصائص أمير المؤمنين : 86 .
2- تجريد الاعتقاد : 221 .
|
الصفحة 360 |
|