زيديّ يسأل عن 44 سؤالاً :
السؤال : انطلاقاً ممّا كلّفنا الله به من البحث والسؤال عن مشكلات الدين ، وسعياً لتطهيره عن شائبات شبه المبطلين ، وممّا لا يمكن إنكاره من انتماء المذهب الاثني عشري لمذاهب المسلمين ، فإنّه كغيره يجب البحث في صحّته من عدمها ، ومناقشة عقائده قبل الحكم بصحّة مذهب ما ، وإنّ أهمّ ما يتبادر إلى ذهن المتتبع لأقوال أتباعه ، ويستشكله من ينظر في عقيدة أصحابه ، هي هذه الإشكالات التي نطالب إخواننا منهم كشف ما تضمّنته من المعضلات ، غير متوانين عن تبيين الحقّ الذي يعلمونه ، والاعتراف ببطلان ما قد يرونه ، عملاً بقوله تعالى : { وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } (1) ، وقوله : { وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } (2) ؛ نسأل الله أن يكتب فائدة ذلك لجميع المسلمين ،
____________
1- آل عمران : 187 .
2- البقرة : 42 .
|
|
|
وأن ينفع به من أراد اليقين ، آمين ربّ العالمين .
س 1 : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) ، فهل نحن مكلّفون بموجب هذا الحديث بمعرفة الإمام ذاتاً ؟ بحيث لو طلب من أحدنا الإشارة إليه وتعيينه وتحديده من بين مجموعة من الناس لاستطاع ، أم أنّا مكلّفون بمعرفته صفة ؟ أم أنّه يكفينا مجرد معرفة كونه حيّاً وموجوداً كحجّة ، حتّى ولو كان غائباً ؟!
الجواب : نزولاً عند رغبتكم نجيبكم على أسئلتكم ، عسى الله أن ينفع بها إخواننا المؤمنين ، ويهدينا وإيّاكم وإيّاهم جميعاً إلى سواء السبيل ، وإليكم الجواب عن مسائلكم حسب تسلسلها في رسالتكم :
ج 1 : إنّ الحديث مذكور في التراث الإسلاميّ السنّي والشيعيّ ، وذلك يبعث على الاطمئنان بصحّته إجمالاً لتفاوت ألفاظه ، ولسنا بصدد تحقيق ذلك ، غير أنّا نقول :
الواجب في معرفة الإمام (عليه السلام) ـ كما هو الواجب في معرفة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ تشخيصه اسماً ونعتاً وعنواناً ، أمّا معرفته بذاته ـ كما تفسّرون ـ فليس بواجب ، إذ لو قلنا بذلك لخرج أهل العصور التالية بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن الإسلام ، وهذا لا يقوله أحد ، ومن قال به وادعى لزوم معرفة النبيّ والإمام بذاتهما ، كذّبه واقع الحال حتّى في بعض معاصريهما ، إذ لم يكن جميع المسلمين في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله) يعرفونه بذاته ، وكتب السير والتاريخ تشهد بذلك .
ودونك تراجم الصحابة في مصادرها ، تجد تقسيمهم إلى عدّة أقسام ، ومنهم من كان صحابياً ولم يره (صلى الله عليه وآله) مع معاصرته له ، فهل كلّ أُولئك ماتوا ميتة جاهلية ؟ لأنّهم لم يعرفوا نبيّهم بذاته ، بحيث لو طلب من أحدهم الإشارة إليه وتعيينه وتحديده من بين مجموعة من الناس استطاع ؟
ويدحض هذا ، ما ترويه بعض كتب السيرة في قدوم النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة مهاجراً ، ومعه أبو بكر ، فكان المسلمون في استقباله ، ومنهم من كان يسأل أيّهما النبيّ ؟ فهل يمكن أن نقول : أنّ أُولئك الذين ماتوا وهم لم يعرفوا النبيّ (صلى الله عليه وآله)
|
|
|
ماتوا ميتة جاهلية ؟ معاذ الله أن يقول ذلك أحد من المسلمين .
ولمّا كانت الإمامة امتداداً للنبوّة ، وخلافة عنها في إتمام رعاية رسالتها لأنّها فرع عنها ، فهل لك أن تقول : بأنّه يجب في الفرع أكثر ممّا في الأصل ؟ إنّما الواجب معرفة النبيّ أو الإمام معرفة إجمالية بأسمائهما وأوصافهما ، وتواتر الحجّة على صحّة وجودهم ، والإيمان بحجّتهم نبوّة أو إمامة .
س 2 : إنّ الله تعالى حيّ وموجود معنا في كلّ مكان ، وهو الحجّة الأكبر، فما هي الحاجة إلى حجّة دونه ؟ ما لم يكن بين حجّية الله تعالى وحجّية الإمام فرق ؟ أم أنّ هناك فرقاً ، فما هو ؟!
ج 2 : صحيح أنّ الله تعالى موجود حي ، ولكن ليس هو الحجّة ، بل الصحيح أن نقول : له الحجّة كما في الكتاب المجيد { فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ } (1) ، لأنّ معنى الحجّة هو البرهان والدليل ، وهو حال من مستدلّ وهو غيره ، والله سبحانه هو جاعل الحجّية فلا يقال هو الحجّة ، إنّما الحجّة له على خلقه بإرساله الرسل وبعثه الأنبياء (عليهم السلام) ، فهم الحجج .
فتنبّه إلى غلط التعبير عندك ـ وهو الحجّة الأكبر ـ فالله سبحانه بمنّه وفضله ولطفه بعباده بعث لهم أنبياء ، وجعل لهم أوصياء من بعدهم يرعون رسالاتهم ، وبذلك يستدلّ على خطأ من يقول : الله هو الحجّة الأكبر .
ثمّ أنا لو سلّمنا جدلاً بصحّة تلك المقولة ، كيف السبيل إلى الأخذ عنه ، وهو يرى ولا يُرى ، فلابدّ للناس من وسيلة يبلغهم عنه أوامره وزواجره ، وهم الأنبياء ، ومن بعدهم الأوصياء ، ونحن على ذلك .
س 3 : ما هي الحكمة من غياب الإمام ؟ وكيف يتناسب الغياب مع أعمال وواجبات الإمامة ؟
ج 3 : ليست الغيبة بدعة في التاريخ ، ولا في الدين ، فقد غاب غير واحد
____________
1- الأنعام : 149 .
|
|
|
من الأنبياء نتيجة اضطرارهم ، والخوف على أنفسهم ، فقد قال موسى (عليه السلام) : { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ } (1)، وما لنا نذهب في التاريخ السحيق ونغيب في متاهاته ، ولكن هلمّ بنا إلى تاريخ الإسلام القريب ، ألم يغب رسول الله (صلى الله عليه وآله) مضطرّاً في حصار الشعب طيلة ثلاث سنوات ؟ فماذا كان المسلمون يستفيدون منه ، وهو في الشعب محجوب عنهم ؟ ألم يغب عن مسلمي مكّة حين هاجر إلى المدينة خائفاً يترقّب ؟
وما دمنا كمسلمين نؤمن بأنّ الله تعالى هو الذي يأمر أنبياءه بالغيبة والهجرة حفاظاً عليهم ، ولم يبعدهم عن الطبيعة البشرية من خوف على السلامة ، كان علينا التسليم بأنّ ذلك كان لمصلحة ، وأن كنّا لا ندرك سرّها أسوة بما نجهل كثيراً من أسرار وحكم في أُمور الشريعة ، فليس لنا ولا يحقّ لنا أن نسأل : لماذا غيّب الله موسى عن فرعون عند ولادته ؟ ثمّ ردّه الله ليربّيه في قصره ، ليكون له عدوّاً وحزناً ؟
وليس لنا أن نسأل : لماذا أمر الله نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله) بالهجرة حين أنزل عليه { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ } ؟ (2) .
وليس لنا أن نسأل : لماذا صلاة الصبح ركعتان ؟ وصلاة الظهر أربعاً ؟ والمغرب ثلاثاً ؟ وهكذا .
وكلّ ما أمكننا أن ندرك من وجه الحكمة في غيبة بعض الأنبياء (عليهم السلام) ، هو الحفاظ على حياتهم من شرّ أعدائهم ، فكذلك كانت الحكمة في غيبة الإمام المهديّ (عليه السلام) الحفاظ على سلامته ، مادام ظرفه كظروفهم من حيث ملاحقة العدو له ، وطلب القضاء عليه ، ألم تقرأ في تاريخ الغيبة ما صنع المعتمد العباسي في جدّه وسعيه وإمعانه في التفتيش عن الإمام المهديّ (عليه السلام) ، حتّى حبس الجواري برهة من السنين ، فذلك من وجه الحكمة فيما نعلم .
____________
1- الشعراء : 21 .
2- الأنفال : 30 .
|
|
|
س 4 : كيف سيعرف الإمام المهديّ الغائب عند خروجه بعد غيابه مئات السنين ؟
ج 4 : يُعرف عندما يؤذن له بالظهور بالآيات البيّنات الخارقة للعادات ، وسمّها بالمعجزات ، كالنداء من السماء باسمه (عليه السلام) ، وصلاة النبيّ عيسى خلفه ، ونحو ذلك ، فقد روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : ( يخرج المهديّ وعلى رأسه ملك ينادي : إنّ هذا المهديّ فاتبعوه ) (1) .
وروي عن علي (عليه السلام) قال : ( إذا نادى منادٍ من السماء : إنّ الحقّ في آل محمّد ، فعند ذلك يظهر المهديّ على أفواه الناس ، ويشربون حبّه ، ولا يكون لهم ذكر غيره ) (2) .
س 5 : إذا كان الغياب لحكمة ما ، فلماذا لا تكون تلك الحكمة سبباً لأن يكون معدوماً ؟ حتّى إذا حان وقته أوجده الله ؟!
ج 5 : السائل يحسب أنّ الحكمة في الخلق هي بافتراضنا ، وليست بأمر بارئ الخلائق ، فهو الذي يقضي بحكمه ويقدّر بحكمته ، فلا يقال : لماذا جعل الليل والنهار متعاقبين ؟ ولم يجعل الزمان كلّه نهاراً أو كلّه ليلاً ؟ وهذا ما نطق به القرآن مندّداً بمن لا يدرك وجه الحكمة ، ولا يسلّم لأمره تعالى في ذلك ، فقال : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (3) .
____________
1- مسند الشاميين 2 / 72 ، ينابيع المودّة 3 / 296 و 299 و 344 و 385 و 392 .
2- كنز العمّال 14 / 588 .
3- القصص 71 ـ 73 .
|
|
|
فنحن إذاً نتبع ما بيّن لنا الله تعالى وجه الحكمة فيه ، وما لم يبيّن لنا ذلك ، ليس من حقّنا ـ كمسلمين ـ الاعتراض عليه ، فنقول : لماذا ولماذا ؟
ثمّ لو سلّمنا جدلاً أنّ الحكمة أن يكون معدوماً ، فإذا حان وقت ميعاده أوجده الله تعالى ، فذلك يستلزم خلوّ الزمان من إمام يرجع إليه ، وعندها تكون الحجّة للناس على الله حيث لا حجّة إمام يرجعون إليه ، فيبطل الثواب والعقاب ، وتنتفي الحكمة من خلق الخلق ، حيث يقول الله سبحانه : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } (1) .
س 6 : ما الفائدة من عصمة الإمام وعلمه وهو غائب ؟ واذكروا لنا الفوائد العملية التي انتفع بها سابقاً ، وينتفع بها حالياً المسلمون عامّة ، والشيعة خاصّة من الإمام المهديّ في فترة غيبته الطويلة ؟!
ج 6 : الفائدة من الإمام المهديّ (عليه السلام) في غيبته ، كالفائدة من الشمس إذا تجلّلها السحاب ، كما ورد في الحديث المروي في ( كمال الدين وتمام النعمة ) للشيخ الصدوق (قدس سره) فراجع (2) .
على أنّ في الغيبة نحو اختبار للناس على حدّ ما جاء في القرآن المجيد : { الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } (3) ، فتلك سنّة الله في خلقه ، ولن تجد لسنّته تحويلاً .
س 7 : تحاولون إضفاء صفات على أئمّتكم عامّة ، وعلى الإمام المهديّ الغائب خاصّة ، منها : أنّه يطوف العالم ، ويعرف شيعته ، ويتّصل بالخلّص منهم ، ويلقي إليهم أوامره ، وأنّه يعلم الغيب ، ومفوّض من الله بالتصرّف في الكون ، فسبحان الله هل هذه إلاّ صفات ربّ العالمين ؟!
____________
1- الذاريات : 56 .
2- كمال الدين وتمام النعمة : 207 .
3- العنكبوت : 1 ـ 2 .
|
|
|
ج 7 : ليست الصفات المشار إليها تخرجهم عن الطبيعة البشرية ، ولا نقول فيهم إلاّ أنّهم : { عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } (1) ، على أنّ بعض ما ذكرت ليس مختصّاً بهم وحدهم ، فإنّ الخضر حيٌّ ويطوف العالم ، ويتّصل بمن أراد أن يلقاه ، فيلقي إليه من علمه ، كما تعلّم منه موسى (عليه السلام) ، فهل وجدت من قال بربوبيته ؟
س 8 : لم يرو أنّ أحد الأئمّة الاثني عشر غاب ؛ فلماذا اختلفت السنّة الإلهيّة في الأئمّة عند المهديّ ؟ حتّى غاب هذا الزمن الطويل ؟ خاصّة وأنّ معظم الأئمّة الاثني عشر ينطبق عليهم نفس علّة غياب المهديّ ؟ وهي الخوف وعدم الناصر كما تقولون ؟!
ج 8 : إنّما اختلفت السنّة في الإمام المهديّ (عليه السلام) ، لأنّه خاتم الأئمّة الاثني عشر ، الذين أخبر عنهم جدّهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأمر بالتمسّك بهم ، كما في حديث الثقلين ـ المتواتر نقله ـ وأخبر أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض .
ولأنّه الموعود المنتظر لإقامة الأمن والعوج ، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلمت وجوراً ، فهو في مطادرة من أعدائه أكثر ممّا كان عليه آباؤه من الخوف ، وإن كانت لهم غيبات في غياهب السجون طالت أو قصرت ، لكنّها لفترات محدودة .
ومع ذلك فقد ولّدت تلك الحالة عند بعض الشيعة القول بمهدية بعض الأئمّة ، كما في الواقفة الذين وقفوا بالإمامة على الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ، وجاءت الأحاديث بذمّهم .
س 9 : لماذا لا نجوّز أنّ الله تعالى قد بدا له في أمر إماتته ، ونقل المهدوية إلى غيره ممّن سيولد لاحقاً ، ويعيش حياة طبيعية كسائر الأئمّة من آبائه ؛ خاصّة وأنّ هناك مرجّحاً لذلك ، وهو طول غيبته التي لها إلى الآن
____________
1- الأنبياء : 26 ـ 27 .
|
|
|
مئات السنين ؟!
ج 9 : ليست مسألة البداء في أمر إمامة المهديّ (عليه السلام) بواردة بل منفية ، لأنّها لو كانت واردة لوجب على الله من باب اللطف أن يعرّف الناس إماماً غيره ، ولا يتركهم هملا ، لئلا تخلو الأرض من حجّة قائم لله بأمر الشريعة ، وحيث لم يعيّن غيره فتعيّن هو ، ولا يكون التعيين إلاّ بالنصّ ، وفي الإمام المهديّ (عليه السلام) لو تمّ القول بالبداء فممّن يكون النصّ ؟ بينما كان النصّ عليه موجوداً باسمه ونعته من قبل وجوده ، وحتّى بعد ولادته .
س 10 : لماذا لا نجوّز أنّه شخصية وهمية افترضت من قبلكم تقيّة ، لئلا يندثر مذهبكم بعد انعدام ذرّية الحسن العسكريّ ؛ خاصّة وأنّ هناك مرجّحاً لذلك ، وهو وجود العمل بنظرية التقيّة لديكم ، ودفاعكم عنها دفاعاً شديداً ، وتميّزكم بها دون سائر المذاهب الإسلاميّة ؟!
ج 10 : مادام أقصى ما لديكم لماذا ولماذا ، فلا أرى يجدي معكم الحوار ، لأنّ المتعنت ليس لديه فوق لماذا من مخرج ؟
ومع ذلك فنقول لكم : إذا افترضنا جدلاً كما تقول : فمن هو الإمام الذي يقود الأُمّة في فترة خلوّ الأرض منه ، إذا لم يكن هو المصلح المنتظر ؟ وكيف يكون شخصية وهمية ، وقد ثبت وجوده الخارجي ، وشهد بولادته القابلة عمّة أبيه حكيمة ، وأُمّه وأبوه ، وأراه لبعض خواصّه ، ولو أغمضنا النظر عن ذلك كلّه ، فما رأيكم في علماء العامّة الذين لا يؤمنون بالتقيّة ، وشهدوا بولادته ؟ وصحّة نسبه ، وأنّه ابن الحسن العسكريّ (عليه السلام) ؟
س 11 : كيف تقبلون رواية ولادة الإمام المهديّ عن امرأة واحدة فقط ، وهي جارية أبيه نرجس ، أم أنّ هناك رواة غيرها ، ومن هم ؟!
ج 11 : نحن لم نقبل رواية الولادة عن امرأة واحدة فقط ، وهي جارية أبيه نرجس ، بل هناك غيرها ، وهي القابلة عمّة أبيه حكيمة ، وشهادة القابلة في إثبات الولادة والاستهلال مقبولة عند جميع المسلمين ، فدونك ما يقول علماؤهم
|
|
|
، وأئمّة المذاهب منهم .
قال أبو حنيفة : ( لأنّ أنساب المسلمين وأحوالهم ، يجب حملها على الصحّة ، وذلك أن تكون ولدته منه في نكاح صحيح ) (1) .
وقال النوويّ : ( ويقبل فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والرضاع ، والعيوب التي تحت الثياب شهادة النساء المنفردات ، لأنّ الرجال لا يطّلعون عليها في العادة ، فلو لم تقبل فيها شهادة النساء منفردات ، بطلت عند التجاحد ، ولا يثبت شيء من ذلك ) (2) .
وإذا أخذنا بالإقرار ، فقد جاء في البحر الزخّار ـ وهو من المصادر المهمّة لدى علماء الزيديّة ـ :
فصل : ( ويصحّ إقرار الرجل بولد أو والد إجماعاً ، بشرط مصادقة البالغ ، وعدم شهرة نسب آخر ) (3) .
فتبيّن لنا : أنّ مذاهب المسلمين تقول بما قلناه في الإقرار ، وشهادة النساء المنفردات ، فعلام التشهير بمن يرتّب الآثار على ذلك ؟
س 12 : هل تجب الحدود على أهلها في حال الغيبة ؟ أم أنّها تسقط ؟ وهل يجوز سقوطها مئات السنين ؟ وما هي الحكمة إذاً من تشريعها ؟!
ج 12 : من قال لك تسقط الحدود في زمن الغيبة ؟ أو تعطّل الأحكام فيها ؟ وهذا الشيخ المفيد (قدس سره) يقول : ( فأمّا إقامة الحدود : فهي إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى ، وهم أئمّة الهدى من آل محمّد (عليهم السلام) ، ومن نصّبوه لذلك من الأمراء والحكّام ، وقد فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان ) (4) .
س 13 : في أحاديث الأئمّة مجمل ومتشابه وتقيّة ، فمن أين لنا بإمام
____________
1- المغني لابن قدامة 5 / 336 ، الشرح الكبير 5 / 285 .
2- المجموع 20 / 256 .
3- البحر الزخّار 5 / 12 .
4- المقنعة : 810 .