عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

الإمام الحسين (عليه السلام) راية تنتصر

في خضمّ الصراع الأبدي بين النور الإلهي المتمثّل بنور العقل والأنبياء والعلماء ، وبين خداع الشيطان ، ومحاولة الطغاة ؛ لتغييب الأنبياء ودورهم ، وقتل الأولياء ، في هذا الخضمّ جاءت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) .

فقد تفجّرت هذه الثورة الربّانيّة في الواقع كحركة تصحيحيّة كبرى ، وحركة مكمّلة ومتمّمة لحركة الأنبياء جميعاً ؛ لتكون ميزاناً بين الحقّ والباطل ، وبين علماء الله ووعّاظ السلاطين .

وهي نهضة وقيام ، ومسيرة وملحمة ، ومهما تمادينا بالوصف ما بلغنا عشر معشار حقيقتها .

ولكن الإمام الصادق (عليه السلام) يعلمنا كيف نخاطب عملاق هذه الثورة ، فنقف ونقول : (( السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله ، السلام عليك يا ورارث نوح نبي الله ...)) .

فالذي يعرف تاريخ آدم وقصّته ، يعرف مدى آفاق هذه الكلمة , إذ هو وارث مَنْ أسجد الله له الملائكة أجمعين ، وهو وارث النبي نوح شيخ المرسلين (عليه السلام) ، الذي أنجاه الله تعالى من الطوفان ، وجعله أبا للبشريّة الجديدة ، وهو وارث النبي إبراهيم (عليه السلام) محطّم الأصنام ، وصاحب الملّة المسلمة ، وهو وارث النبي موسى (عليه السلام) الذي دمّر عرش فرعون ، وهو وارث النبي عيسى روح الله (عليه السلام) وكلمته ، وهو وارث جميع الأنبياء والرسل بما يمثّلون من رسالة إلهية عظمى ، وآخرهم النبي محمد (صلّى الله عليه وآله) .

ولذلك فإنّ الواحد منّا بحاجة إلى أسفار وأسفار نكتب فيها عن السرّ الأعظم الذي استطاع به الإمام الحسين (عليه السلام) تلخيص تاريخ كلّ النبوّات في لحظات ، وحقيقة تاريخ الصراع الأزلي بين الحقّ والباطل .

إنّ الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) قد ختم الصراع بين الحقّ والباطل لمصلحة الحقّ ، بخاتم النصر ، والفتح المبين ، وكانت شهادته ميعاداً للأنبياء ـ وموعداً لهم مع النصر الأبدي المؤزّر .


الصفحة (2)

إنّ النصر الحسيني أنضمّ إليه كلّ المجاهدين عبر التاريخ ، فحاربوا الطغاة وقمعوهم ، وأسكتوهم وأنزلوهم عن عروشهم ، فأصبح الإمام الحسين ثار الله والحبل المتصل بكلّ السنن الإلهية ، وبملكوت السماوات والأرض .

وهو الذي خصّه نصّ الزيارة الواردة عن الأئمّة المعصومين ، والذي ينعت الحسين بأنّ السماوات والأرض بكتا مقتله الشريف ؛ أي إنّ السماوات والأرض قد تجاوبتا مع حركة الإمام الحسين (سلام الله عليه) ، فساعدتا ونصرتا مَنْ نصر الحسين ، وهذا معنى بكاء السماوات والأرض .

ثمّ السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره ، والوتر الموتور ، أي إنّ هذه القتلة ، وهذه الشهادة ، وهذا الدم الذي أُريق لا يمكن أن ينتهي إلاّ بانتصار الحقّ كلّه على الباطل كلّه ، فهذه الكرة الأرضية يجب أن تُطهّر من كلّ فاسق وفاجر ، ومنافق وجائر .

إنّ العلماء الربانيّين الذين أتقنوا الدرس جيداً فأصبحوا مصابيح للأمّة الإسلامية ، لم يحملوا ولن يحملوا سوى راية الثورة الحسينيّة ؛ لأنّها مصدر طاقتهم ووقودهم ، فكان الواحد منهم يتمنّى أن يُقتل في سبيل الله ؛ فيحذو حذو سيّد الشهداء (عليه السلام) ؛ ليكون فداءاً لدين الله .

ولولا تضحيات هؤلاء العلماء لما قام للمسلمين قائمة ، ولكان طواغيت الزمان يحرمون الناس من الهواء الذي يتنفسونه ، فكان علمهم وتضحيتهم وشهادتهم هي التي فضحت الطواغيت والشياطين .

وكم رأينا من العلماء الشهداء الذين حملوا أرواحهم على أكفّهم يتوقعون الشهادة في كلّ حين ، فكانت شجاعتهم وبطولاتهم ، وهممهم وعلوّ طموحهم ، قد حوّلهم إلى صروح شامخة بوجه كلّ سلطان طاغوت وشيطان مارد . فهم حافظوا على اتقّاد المصباح المنير للأمّة .

ومن مقابل ذلك ، فضحت حركة الإمام الحسين (عليه السلام) علماء السوء الذين تتعدد أنواعهم :

فمنهم مَنْ كان يتخفّى وراء الصلاة في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ويدّعي أرجحيتها على الالتحاق بركب الحسين (عليه السلام) ، غافلاً أو متغافلاً


الصفحة (3)

عن قوله سبحانه وتعالى : ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ )(1) .

وهناك صنف آخر من علماء السوء يتذرّع بأسلوب الإصلاح الداخلي ، فيقول : نذهب مع السلاطين ؛ لكي نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ، ونقضي بالحقّ ، ولكنّه يعرف قبل كلّ فرد بأنّه سينخرط شيئاً فشيئاً في مسيرة يزيد وابن زياد ؛ ليكون كشريح القاضي الذي أفتى بقتل ابن رسول الله وأصحابه .

فالإمام الحسين (عليه السلام) ترجم عملياً قول النبي (صلّى الله عليه وآله) : (( إذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك فبئس العلماء وبئس الملوك )) ، كما ترجم قول أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح حينما ولاّه القضاء : (( يا شريح ؛ جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي ، أو وصي نبي ، أو شقي )) ، ولكن شريح لم يع الدرس ، أو تغافل عنه عن سابق إصرار ، فكان الأمر بحاجة إلى وضوح وتجسّد ومثال ظاهر للعيان .

وبحركة الإمام الحسين وثورته وضعت النقاط على الحروف ، واكتشف الناس واقعهم وحقيقتهم ، فكانت لله الحجّة البالغة عليهم .

كما فضح سيّد الشهداء نوعاً آخر من العلماء الذين ارتأوا بالاعتزال السلبي عامل خلاص من الفتنة ، والمحنة والابتلاء الإلهي ، فأقنعوا كثيراً من الناس بمقولة : ما لنا والدخول بين السلاطين ، التي يختلط في طيّاتهم الحقّ بالباطل ، وتتأتى فيها الفرصة الذهبية لأهل الباطل فيقضون فيها على أهل الحقّ ، تماماً كما خان الناس مسلم بن عقيل ، وسلّموه إلى ابن زياد وحيداً فريداً ، وذلك حينما علموا منه أنّه لا يعدهم بالمال ، وتوفير المصالح الشخصية والدنيوية .

لقد علّمت حركة الإمام الحسين (عليه السلام) الناس بأن لا يتركوا قادتهم وعلماءهم في ساعة العسرة ؛ لأنّ الأمر سينتهي بهم كما انتهى بأهل الكوفة ، الذين قتل ابن زياد قادتهم ، ثمّ تفرّغ لهم ، فراح يكيل لهم الضربة بعد الضربة ، والظلم تلو الظلم .

ـــــــــــــــــــ

(1) سورة التوبة / 19 .


الصفحة (4)

ورغم ذلك نرى إنّ سيّد الشهداء خاطبهم في خضمّ واقعة كربلاء بندائه : (( يا شيعة آل أبي سفيان ؛ إن لم يكن لكم دين ، فكونوا أحراراً في دنياكم )) ، فالذي لا يدافع عن القيادة الحقّة ليس من شيعتها ، وإنّما من شيعة القيادة الباطلة المتجسّدة بالسلوك الأموي والمخطّط له ، وهو أبو سفيان (لعنه الله) .

ولذلك يحدّثنا القرآن عن ضرورة التفريق بين خطّ النفاق وخطّ الإيمان ، كما يحدّثنا عن الكفر والإيمان ؛ لأنّ النفاق يتماوج ويتظاهر بالإيمان ، كما إنّ القرآن الكريم يحرّضنا على ضرورة التعرّف على القيادة المؤمنة فنتبعها ، ثمّ نتعرّف على أهل النفاق والكفر فنجابههم ؛ لأنّهم لا يبطنون للمؤمنين وخطّ الإيمان سوى الكراهة والحقد ، والحسد والعزم على الظلم .

وثورة الإمام الحسين (عليه السلام) قد كشفت للتاريخ والأجيال حقيقة الخطوط ورجالاتها ، وأناطت كلّ خطّ بأشخاصه ، فكان حرياً بالمؤمنين عبر العصور أن يستضيئوا بمصباح الحسين الذي هو مصباح الهدى ، وأن يركبوا سفينة الحسين التي هي سفينة النجاة من أمواج الظلم والطغيان ، والظلام المنتشر بفعل إصرار الشياطين والطواغيت .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا
ملامح شخصية الإمام جعفر الصادق عليه السلام
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير ...
فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة
معرفة فاطمة عليها السلام
علي مع الحق - علي مع القرآن - شبهة وجوابها - خلاصة ...
صدق الحدیث
السيد الشاه عبدالعظيم الحسني رضوان الله عليه
كلمات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) القصار

 
user comment