هل تطلبينها لأجل تغيير لون شعرك عدة مرات في اليوم؟ أم لكي تطلّي عليها عدة مرات في اليوم الواحد وكأنك مشجب ثياب متحرك يضعون عليه في كل ساعة ثوباً ويأخذون آخر؟ لا ليس لأجل ذلك، وإنما لأن الفطرة تفرض عليك التأهب غداً للزوج القادم، ولماذا لا تكونين كذلك منذ الآن؟ لقد كنت تجعلين من ذاتك صورة سحرية أمام الزوج الخيالي. أما في الوقت الحاضر فيجب أن تتجلي كصورة حقيقية أمام الزوج الحقيقي، وتربي أولاداً صالحين. السرّ الكامن وراء حرمة التزين أمام الغير، هو أن فطرة الفتاة لا تبيح لها التزين قبل الزواج، وهي حتى وإن فعلت ذلك، فإنها تفعله بدافع الحصول على الزوج وليس بدافع الحصول على أي رجل أجنبي، وبما أن التزين للأجنبي لا يتساوق مع الفطرة، فهو يترك تأثيرات سلبية في الذرية، وذلك لأن نظرة السوء التي تتخطفها الأبصار من تلك المرأة تسري إلى جميع خلايا جسدي الناظر والمنظور إليه وحتى إلى الكروموسومات، بل وحتى إلى خلايا بدن الجنين في البطن. وهذا بمثابة نوع من وضع العلامات على خلايا الذرية، أي أنها تكتسب صفات أخرى إلى جانب صفات الأب.
الفتاة التي كانت كل أحلامها تدور حول الزوج ليلاً ونهاراً، ما لها إذا استيقظت من النوم ووجدت الزوج إلى جانبها، ما لها لا ينعكس عليها شعاع واحد من تلك الأحلام. لعلها كانت تحلم بزوج سحري خليق حتى بأن يُعبد ولكنها وجدته اليوم غير جدير حتى بأن يُقَبَّل!
أيتها الفتاة العزيزة، إن كل شخص يبحث عن الكمال، وهذا يُعدّ بحد ذاته دليلاً على أن كل شيء يسير إلى الله (وإلى الله المصير) (إليه راجعون) (إلى ربنا منقلبون) وكل ما يحبه الشخص بالقوة مغروس في فطرته. ولكن مَن الذي استطاع إخراج ما هو مغروس في فطرته بشكل غير متناه، إلى حيّز الفعل المحدود؟ أوَليس العمل سوى إخراج النية أو الإرادة الموجودة في النفس بالقوة على شكل قول أو فعل بواسطة الأعضاء والجوارح؟ فالأحلام الوردية التي تداعب مخيلتك عن الزوج، تداعب مخيلته عنك أيضاً. فلا أنت التي أرادك هو، ولا هو الذي أردته أنت. وانظري إلى قول الله تعالى لرسوله الكريم، (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) وأنت أيضاً تحملين أحلاماً وردية تطمحين إلى أن تتحقق على أرض الواقع.
كنتِ ذات يوم تلعبين بالدّمية، أي بطفلك الذي كُنتِ ترسمينه في عالم الخيال، ثم بالمرآة، أي مع فتى أحلامك. وعليك في الوقت الحاضر التمسك بزوجك لكي يتسنى لك الوصول إلى مرحلة إنجاب الذرية. والفتاة التي تكون على العكس من ذلك فتاة مبغوضة. بمعنى أنها إذا لم تكن تحب الزوج الذي يجب أن تحبه وتحب الذرية ـ شاءت أم أَبت ـ فمعنى ذلك أنها أخذت المرآة أولاً ثم لعبت بالدمية ثانياً، وهي في الحقيقة لم تلعب بها وإنما كانت تمارس بها عملاً جنونياً.
لقد كنت ترين في أحلام اليقظة في الليل والنهار ـ وخاصة في الليل، لأن الليل أكثر قدرة على إخفاء ما يُراد إخفائه ـ وكأنك ترتدين ثوب النوم الذي يعجب زوجك، وتسرحين شعرك. ولكن لا يلاحظ عليك حالياً أي أثر من تلك الأحلام. فلماذا تتوقعين بدلاً من ذلك أن تجدي في زوجك كل ما كنت تحلمين به؟!
كنتِ في كل ليلة تطوفين في أحلام اليقظة، وتتزينين أكثر من الليلة التي سبقتها لأنك كنت تقتربين أكثر فأكثر نحو أُمنيتك، وكنت تجدين في نفسك في كل ليلة أقرب إلى الزوج من الليلة التي سبقتها. ولكنك عندما وصلتِ الآن إلى زوجك، وأصبحتِ في المنعطف الحسّاس من حياتك، صرت تقتربين في كل يوم نحو مجيء الذرية أكثر من اليوم الذي سبقه، وتقتربين معه إلى الولادة، وتسيرين ومن خلال وجود الزوج والولد نحو التجزئة على اعتبار أن وجود الزوج والأولاد يُنذر بحصول التجزئة كأن يموت الزوج أو يكبر الأولاد، ويذهب كل واحد منهم إلى شأنه. ولهذا السبب تفقدين اهتمامك بالزينة حين الوصول إلى الوحدة. ومن هنا فإن الإسلام لا يبيح لك نسيان الحياة، وترك شؤون اللعب بالدمية والمرآة، والزواج والنكاح، بل يأمر حتى المرأة اليائسة بالتزين لزوجها. ومن الواضح أن لهذا الحكم تأثيره من الناحية النفسية، لأن المرأة التي تتزين وتتصابى تجد نفسها مرغمة على العمل لكي لا تُعتبر زينتها منافية لما يبدو عليها من العجز والقعود عن العمل. ومن هنا فإنك أيتها المرأة المتحررة من آثار الطمث عليك أن تتزيني أنتِ أيضاً لزوجك بأمر الإسلام، لكي لا يشعر الرجل أو المرأة حتى عند دنو الأجل، بفقدان معالم الكمال والجمال. وإذا علمت بأن زوجك ـ حتى وإن كان كهلاً ـ يحب المرأة الجميلة أكثر من المرأة غير الجميلة، فأنت مخيرة عند ذاك في انتخاب الطريق الأفضل.
عَزَم عجوز أصلع في الثمانين من عمره على الزوج، وكان قصير القامة ويبدو وكأنه لا رقبة له، وكانت آثار الجدري واضحة على وجهه بكل جلاء وقد تركت حفراً على بشرته كانت تبدو وكأن عمقها يصل إلى عظام وجنتيه، وظهرت على أنفه الكبير الأفطس حبّات كثيرة بدت وكأنها جزيرة طافية في بحر. وتزوج الرجل. وبعد انتهاء شهر العسل أراد عالم الدين في الحارة ملاطفته ومجاملته فقال له: كيف حالك أيها العريس العزيز، هل أنت سعيد بالزواج ومرتاح مع زوجتك؟ فقال العجوز: نعم إنني سعيد بزواجي وأحترم زوجتي وتحترمني، فأنا أحترمها لأنها أكبر مني سناً، وأما هي فتحترمني لأنني أجمل منها. ومن هنا نلاحظ مدى تأثير الجمال في الأساطير وفي الواقع.