عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

الإمام علي بن الحسين - الملقب بـ زين العابدين والسجاد (عليه السلام)-2

ثورة المختار:

زاد موت يزيد من تفجّر الثّورات ضدّ الحكم الأمويّ، فاشتعلت ثورة المختار بن أبي عبيد الثقفيّ في الكوفة أيضاً سنة 66 للهجرة.

خرج المختار في الكوفة، ودعا الناس للطلب بثأر الحسين (عليه السلام)، فمال إليه الناس، واستولى على بيت المال فوزّع ما فيه من الأموال على من انضمّ إلى حركته، فاستتبّ له الأمر في الكوفة، وحاول تقوية مركزه فكتب إلى الإمام زين العابدين (عليه السلام) يدعوه إلى تأييده ويعرض عليه البيعة، ويروى أنّ الإمام تجاهل دعوته، لأنّ تحرّك المختار لم يكن خالصاً من المصالح الشخصيّة، ولمّا يئس المختار من الإمام كتب إلى عمّه محمد بن الحنفيّة ، وأشاع بين الناس كذباً أنّ محمد بن الحنفيّة هو قائم آل محمدٍ، وأنّه يدعو إليه، فخدع بعض الناس بهذه الأكاذيب. ومن هنا ظهرت الفرقة الكيسانيّة إلى الوجود.

إنّه عزيز ذو انتقامٍ:

 وعلى أيّ حالٍ، فلقد تتّبع المختار قتلة الحسين (عليه السلام)، والمشتركين في حربه، وعلى الأخصّ قادتهم كعمر بن سعدٍ وغيره، فلم يترك أحداً منهم إلاّ ونكّل به، وكان يصنع بهم مثل ما صنعوه مع الحسين وأصحابه، وكان المختار بحقّ عدوّاً عنيداً للأمويّين. وقد ظفر أخيراً بعبيد الله بن زيادٍ فقطع رأسه، وأرسله مع رأس عمر بن سعدٍ، بالإضافة إلى هدايا كثيرةً بينها جارية إلى الإمام زين العابدين في المدينة.

ما إن رأى الإمام الرأسين حتى خرّ ساحداً شكراً لله تعالى وقال: ((الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي، وجزى الله المختار خيراً)). وقبل الجارية والهدايا، وقد أنجبت له تلك الجارية ولداً هو (زيد بن عليّ) الثّائر الشهيد. وكان زيد مجاهداً صادقاً، قام لصون دين الله من التّحريف. فحمل رسالة آبائه، وناضل وجاهد، حتّى قتل على منهاج المجاهدين في سبيل الله.

أخلاقه من أخلاق جدّيه محمد وعليّ:

 كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) عالماً فقيهاً، ذا اطّلاع واسع على أمور الدين، وعلوم القرآن الكريم، وكان جواداً سخيّا،ً كما كان ورعاً تقيّاً، ذا مهابةٍ ووقارٍ، ويروى أنّه غادر يوماً مجلساً لعمر بن عبد العزيز. فقال عمر لمن حوله: من أشرف الناس؟ أجابه بعض المتزلّفين: أنتم يا أميرالمؤمنين، فقال: كلاّ، أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفاً. وهذا

يدلّ على ما كان يتمتّع به (عليه السلام) من مكانةٍ رفيعةٍ واحترام كبير. ويروى عن سماحته وسموّ خلقه ما جرى له مع مروان بن الحكم ألدّ أعداء أهل البيت، وهو من أشار على الوليد عامل يزيد على المدينة بقتل الحسين (عليه السلام)، وهو من شمت بمقتله (عليه السلام)، وهو من انضمّ إلى الناكثين في صفين والبصرة، ومع ذلك فمروان هذا لم يجد من يحمي عياله ونساءه غير زين العابدين (عليه السلام)، وذلك يوم ثار أهل المدينة ضدّ الأمويّين فضمّهم (عليه السلام) إلى عياله، وعاملهم بما كان يعامل به أهله وعياله. وليس هذا غريباً على من اجتباهم الله وخصّهم بالكرامة والعصمة. وإنّ أخلاق الإمام زين العابدين من أخلاق جدّيه محمد رسول الله وعليّ أميرالمؤمنين (عليهم أفضل الصلاة والسلام). ألم يعف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن رؤوس الشّرك والنفاق بعد أن ظفر بهم، وقال لهم قولته الشّهيرة: اذهبوا فأنتم الطّلقاء؟ ألم يعف أميرالمؤمنين عن مروان نفسه، وقد قاد الجيوش لحربه في البصرة؟ ألم يعف عنه بعد أن وقع أسيراً في قبضته، وتركه مع علمه بأنّه سينضمّ إلى معاوية ويحاربه في صفّين؟ وقد فعل؟ إلاّ إنّها السّماحة الهاشميّة...

 سخائه وجوده(عليه السلام):

أمّا عن سخائه وجوده فيروى أنّ بيوتاً في المدينة كانت تعيش على صدقات الإمام (عليه السلام) ولا تدري من أين تعيش. فلمّا مات (عليه السلام) فقدوا ما كان يأتيهم، فعلموا بأنّه هو الذي كان يعيلهم وقالوا: ما فقدنا صدقة السرّ حتى فقدنا عليّ بن الحسين زين العابدين.

الصحيفة السجادية ورسالة الحقوق:

 وأمّا بحار علمه (عليه السلام) فعميقة بلا قرار، وحيث لم يتسنّ له أن يرتقي المنابر ويقف في المجتمعات لإرشاد الناس إلى ما يصلحهم من أخلاق الإسلام وآدابه، فقد استخدم أسلوب الوعظ والإرشاد في حوارٍ ومناجاة مع الله سبحانه، يستعطفه ويمجّده في ستين دعاءً عرفت (بالصحيفة السجّاديّة)، رواها عنه والده الإمام الباقر (عليه السلام) وزيد بن عليّ وغيرهما من الثّقات، ولا تزال إلى يومنا هذا يتداولها المؤمنون ويواظبون على قراءتها. وهي أدعية شاملة حافلة بآداب الإسلام وأخلاقه، وبكلّ ما يقرّب المؤمن من الله سبحانه. كما وضع (عليه السلام) رسالةً لأصحابه وشيعته تتضمّن ما يجب عليهم من واجباتٍ وما يجب

لهم من حقوقٍ، وتشمل خمسين مادّةً في هذا الموضوع، تتناول الأخ والجار والصديق والزوج والحاكم وغيرهم وقد عرفت (برسالة الحقوق)، رواها عنه العديد من الثّقات الأسناد. إلى ما هنالك من كلماتٍ قصارٍ ووصايا وأحاديث رويت عنه (عليه السلام).

لا عجب في كلّ ما تقدّم، فزين العابدين (عليه السلام)، هو رابع الأئمة الأطهار المجتبين، ورثة العلم عن رسول ربّ العالمين، مشاعل نورٍ تضيء للأجيال طريقها إلى الخير والصلاح، فحريٌّ بنا أن ننهج إلى الجهاد، ونسلك مسالكهم في التّعامل مع طواغيت العصر. فقد جاهد (عليه السلام) بيده مع جدّه وأبيه، وجاهد بلسانه عند ما استدعت الظّروف ذلك، وصدق رسول الله إذ أكّد أنّ عترته هي مع القرآن والقرآن معها، وأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مكانة السيدة المعصومة (عليها السلام):
يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا
ملامح شخصية الإمام جعفر الصادق عليه السلام
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير ...
فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة
معرفة فاطمة عليها السلام
علي مع الحق - علي مع القرآن - شبهة وجوابها - خلاصة ...
صدق الحدیث
السيد الشاه عبدالعظيم الحسني رضوان الله عليه

 
user comment