في صحيح البخاريّ ومسلم :
السؤال : أُريد أن تتفضّلوا عليّ بذكر الأحاديث من كتب السنّة ، التي تؤيّد ما تنتهجه الشيعة في جمع الصلوات ؟
الجواب : لا يخفى أنّ حجّتنا التي نتعبّد فيما بيننا وبين الله تعالى في مسألة الجمع بين الصلاتين ، وفي غيرها من المسائل ، إنّما هي في صحاحنا عن أئمّتنا (عليهم السلام) .
وقد نحتجّ على أهل السنّة بصحاحهم لظهورها فيما نقول ، وحسبنا منها ما قد أخرجه الشيخان في صحيحيهما ، وإليك ما أخرجه مسلم في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر من صحيحه ، إذ قال :
( 1ـ حدّثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر .
2ـ وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ... عن ابن عباس قال : صلّيت مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) ثمانياً جميعاً ، وسبعاً جميعاً ، قلت : يا أبا الشعثاء ، أظنّه أخّر الظهر وعجّل العصر ، وأخّر المغرب وعجّل العشاء ، قال : وأنا أظنّ ذاك .
3ـ وحدّثنا أبو الربيع الزهرانيّ ... عن ابن عباس : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر والمغرب والعشاء .
4ـ حدّثنا أبو الربيع الزهرانيّ ... عن عبد الله بن شقيق قال : خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس ، وبدت النجوم ، وجعل الناس
|
الصفحة 251 |
|
يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة ، فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسنّة لا أُمّ لك ؟
ثمّ قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء .
قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته ، فصدّق مقالته .
5ـ وحدّثنا ابن أبي عمر ... عن عبد الله بن شقيق العقيليّ قال : قال رجل لابن عباس : الصلاة ، فسكت ، ثمّ قال : الصلاة ، فسكت ، ثمّ قال : الصلاة ، فسكت ، ثمّ قال : لا أُمّ لك أتعلّمنا بالصلاة ؟ وكنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
6ـ حدّثنا أحمد بن يونس ... عن ابن عباس قال : صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظهر والعصر جميعاً بالمدينة ، في غير خوف ولا سفر .
7 ـ وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ... عن ابن عباس قال : جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء بالمدينة ، في غير خوف ولا مطر ، فقيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أمّته ) (1) .
هذه الصحاح صريحة في أنّ العلّة في تشريع الجمع إنّما هي التوسعة بقول مطلق على الأُمّة ، وعدم إحراجها بسبب التفريق ، رأفة بأهل الأشغال ، وهم أكثر الناس .
وإليك ما اختاره البخاريّ في صحيحه :
1ـ حدّثنا أبو النعمان ... عن ابن عباس : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر والمغرب والعشاء (2) .
2ـ حدّثنا آدم قال ... عن ابن عباس قال : صلّى النبيّ (صلى الله عليه وآله) سبعاً جميعاً ،
____________
1- صحيح مسلم 2 / 151 .
2- صحيح البخاريّ 1 / 137 .
|
الصفحة 252 |
|
وثمانياً جميعاً (1) .
3ـ عن ابن عمر وأبي أيوب وابن عباس : أن النبيّ (صلى الله عليه وآله) صلّى المغرب والعشاء ـ يعني جمعهما ـ في وقت إحداهما دون الأُخرى (2) .
وهذا النزر اليسير من الجمّ الكثير من صحاح الجماعة كاف في الدلالة على ما نقول .
ويؤيّده ما عن ابن مسعود إذ قال: جمع النبيّ(صلى الله عليه وآله) بين الأُولى والعصر، وبين المغرب والعشاء ، فقيل له في ذلك ، فقال : ( صنعت هذا لكي لا تحرج أُمّتي ) (3) .
والمأثور عن عبد الله بن عمر إذ قيل له : لم ترى النبيّ (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء مقيماً غير مسافر ؟ أنّه أجاب بقوله : لأن لا يحرج أُمّته إن جمع رجل (4) .
وبالجملة : فإنّ علماء الجمهور كافّة متصافقون على صحّة هذه الأحاديث ، وظهورها فيما نقول من الجواز مطلقاً ، فراجع ما شئت ممّا علّقوه عليها يتّضح لك ذلك ، وحسبك ما نقله النوويّ عنهم في تعليقه على هذه الأحاديث من شرحه لصحيح مسلم .
( يعقوب نور . الكويت . ... )
رسول الله أوّل من جمع بينهما :
السؤال : لماذا نرى في المذهب الشيعيّ الجمع بين الصلاتين ، كالظهر والعصر مثلاً .
____________
1- المصدر السابق 1 / 140 .
2- المصدر السابق 1 / 141 .
3- المعجم الأوسط 4 / 252 .
4- كنز العمّال 8 / 246 .
|
الصفحة 253 |
|
الجواب : في الحقيقة أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) هو أوّل من جمع بين الصلاتين في وقت واحد ، من غير ضرورة تلجئه إليه ، من سفر أو مطر أو غير ذلك ؛ والأخبار بذلك كثيرة في الصحاح الستّة ، ومسند أحمد ، وموطأ مالك ، وعلى سبيل المثال : عن ابن عباس قال : ( جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء بالمدينة ، من غير خوف ولا مطر ، قيل لابن عباس : وما أراد بذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أُمّته ) (1) .
مضافاً إلى أنّ في الجمع تسهيلاً على المكلّفين ، فيؤدّي هذا الأمر بالمآل إلى توسيع نطاق الالتزام بالصلاة عند الكلّ .
( شهيناز . البحرين . سنّية . 20 سنة . طالبة جامعة )
السؤال : لماذا الجمع بين الصلاتين ؟ وقد أمر الله بخمس صلوات في اليوم ، مع أنّ الشيعة يعرفون هذا ، ولكنّهم اتبعوا الإمام الحسين ، مع أنّه جمع الصلاتين لأنّه كان في حرب وهذا جائز ، أمّا عندما لا يكون للمرء ظروف تستدعيه للجمع ، فعليه أن يصلّي الصلوات منفردة ، وإلاّ فما الفائدة من تسميته بصلاة العصر أو العشاء ؟ إذا كنّا سنصليه في غير وقته ؟
الجواب : إنّ الجمع بين الصلاتين لم يكن من مختصّات الشيعة وحدهم ، بل اشترك جميع المسلمين في رواية جواز الجمع بين الصلاتين ، من دون عذر ولا مطرٍ ولا سفر ، وهذه الصحاح هي دليلنا على جواز الجمع .
ولنا أن نتساءل الآن عن سبب تحريم الجمع بين الصلاتين ؟ مع ما ورد في
____________
1- مسند أحمد 1 / 223 و 354 ، صحيح مسلم 2 / 152 ، سنن أبي داود 1 / 272 ، سنن النسائيّ 1 / 290 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 167 ، السنن الكبرى للنسائيّ 1 / 491 ، المعجم الأوسط 5 / 113 ، المعجم الكبير 10 / 327 ، تاريخ بغداد 5 / 404 ، سير أعلام النبلاء 13 / 275 .
|
الصفحة 254 |
|
جواز الجمع من صحاح صريحة ، فهل هناك دليل على حرمة الجمع يمكن أن تجدينه أيّتها الأُخت ؟
لا أظنّك ستجدين دليلاً واحداً يقول بعدم جواز الجمع ، نعم هناك اعتذارات وتوجيهات لهذه الصحاح التي ذكرناها ، كلّها لا تقوى على إبطال قول الإمامية بجواز الجمع .
والإمامية تقول بالتفريق في الصلاة ، وتقول أيضاً بجواز الجمع ، فلا مانع في الإتيان بكلتي الرخصتين ، ولئلا يشقّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أُمّته ، فقد أجاز الجمع بين الصلاتين ، وأنتِ ترين كم هو محرج حقّاً أن يواظب الإنسان ـ خصوصاً في هذا العصر مع تفاقم الانشغالات والالتزامات ـ الالتزام بالتفريق بين الصلاتين .
وإلى هنا ، فقد تبيّن أنّ الشيعة الإمامية لم تأخذ جواز الجمع من الإمام الحسين (عليه السلام) ، بل أخذته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) استناداً إلى ما ذكرناه من الصحاح .
وبذلك تبيّن أيضاً عدم العلاقة بين تسمية صلاة الظهر وصلاة العصر وبين الجمع بينهما ؛ فإنّ الحكم لا يغيّر من حقيقة الموضوع ، فضلاً عن تسميته .
( تايف بن جرمان الهذلي . السعودية . سنّي )
السؤال : فرض الله خمس صلوات على المسلمين ، وأراد تبارك وتعالى : إتيان الصلاة في وقتها ، هل تصلّون الخمس صلوات في أوقاتها ؟ ولكم جزيل الشكر ، وبحفظ الله .
الجواب : إنّ الشيعة الإمامية ينفردون تطبيقيّاً في الجمع بين الصلاتين ، ويذهبون إلى جوازه مطلقاً بلا خلاف بينهم ، بل الجمع عندهم من البديهيات ، وهم يعملون به في جميع الآفاق ، تابعين في ذلك أئمّتهم (عليهم السلام) ، الذي نهجوا نهج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولذا لا تجد لهذه المسألة عنواناً في فقههم ـ مع أنّه موجود في
|
الصفحة 255 |
|
أخبارهم ـ بينما على العكس من ذلك في فقه غيرهم .
فلقد جوّز مالك والشافعيّ وأحمد الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء في السفر والمطر و ... على تفصيل عندهم ، في حين منع أبو حنيفة ذلك !!
وممّا اتفق عليه الفريقان ـ شيعة وسنّة ـ هو الجمع بين الظهر والعصر في عرفة ، وبين المغرب والعشاء في المزدلفة ؟ والدليل على صحّة ما يذهب إليه الإمامية هو القرآن الكريم ، والسنّة النبويّة المطهّرة ، التي ترويها كتب الجمهور !
مواقيت الصلاة في القرآن :
1ـ قوله تعالى : { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } (1) يقول الفخر الرازيّ ـ وهو أحد أعلام المفسّرين من أهل السنّة ـ : ( فإن فسّرنا الغسق بظهور أوّل الظلمة ، كان الغسق عبارة عن أوّل المغرب ، وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات ، وقت الزوال ، ووقت أوّل المغرب ، ووقت الفجر .
وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر ، فيكون هذا الوقت مشتركاً بين هاتين الصلاتين ، وأن يكون أوّل المغرب وقتاً للمغرب والعشاء ، فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين ، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء مطلقاً .
إلاّ أنّه دلّ الدليل على أنّ الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز ، فوجب أن يكون الجمع جائزاً بعذر السفر وعذر المطر وغيره ) (2) .
وعلى عادته في عدم استغلال النتائج ، وتنكّره لصحّتها ، مع كامل اعترافه الصريح بدلالة الآية على جواز الجمع ، يفضّل الرازيّ التشبّث ببعض
____________
1- الإسراء : 78 .
2- التفسير الكبير 5 / 384 .
|
الصفحة 256 |
|
الروايات الملائمة لأهوائه !
كما أيّد البغداديّ هذا الأمر بقوله : ( والحمل على الزوال أولى القولين : لكثرة القائلين به ، وإذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلّها، فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر ، { إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } أي ظهور ظلمته ، وقال ابن عباس : بدو الليل ، وهذا يتناول المغرب والعشاء ، { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } يعني صلاة الفجر ) (1) .
2ـ قوله تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ } (2) .
يقول القرطبيّ في تفسير هذه الآية : ( لم يختلف أحد من أهل التأويل في أنّ الصلاة في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة ... قوله تعالى : { طَرَفَيِ النَّهَارِ } قال مجاهد : الطرف الأوّل صلاة الصبح ، والطرف الثاني صلاة الظهر والعصر ، واختاره ابن عطية ... والزلف المغرب والعشاء ... ) (3) .
وفي تفسير القرآن العظيم عن مجاهد في قوله تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ... } قال : ( هي الصبح في أوّل النهار ، والظهر والعصر مرة أُخرى ... .
وقال الحسن في رواية ابن المبارك عن مبارك بن فضالة عنه : وزلفاً من الليل يعني المغرب والعشاء ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : هما زلفا الليل ، المغرب والعشاء ...، وكذا قال مجاهد ومحمّد بن كعب وقتادة والضحّاك : أنّها صلاة المغرب والعشاء ) (4) .
فهذه الآيات ، وأقوال المفسّرين قد دلّت بصراحة على أنّ أوقات الصلاة
____________
1- تفسير الخازن 3 / 140 .
2- هود : 114 .
3- الجامع لأحكام القرآن 9 / 109 .
4- تفسير القرآن العظيم 2 / 478 .
|
الصفحة 257 |
|
ثلاثة ، وهذا يعني أنّ جمع الصلاة عند الشيعة الإمامية موافق للأصل .