عربي
Tuesday 23rd of July 2024
0
نفر 0

مستمسكات الثورة


مستمسكات الثورة :
ارتفعت الزهراء بأجنحة من خيالها المطهر الى آفاق حياتها الماضية ودنيا أبيها العظيم التي استحالت حين لحق سيد البشر بربه الى ذكرى في نفس الحوراء متألقة بالنور تمد الزهراء في كلّ حين بألوان من الشعور والعاطفة والتوجيه ، وتشيع في نفسها ضروبا من البهجة والنعيم ، فهي وان كانت قد تأخرت عن أبيها في حساب الزمن اياماً أو شهوراً ، ولكنها لم تنفصل عنه في حساب الروح والذكرى لحظة واحدة.
واذن ففي جنبيها معين من القوة لا ينبض ، وطاقة على ثورة كاسحة لا تخمد ، وأضواء من نبوة محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ونفس محمّد تنير لها الطريق ، وتهديها سواء السبيل.
وتجردت الزهراء في اللحظة التي اختمرت فيها ثورة نفسها عن دنيا الناس ، واتجهت بمشاعرها الى تلك الذكرى الحية في نفسها لتستمد منها قبسا من نور في موقفها العصيب ، وصارت تنادي : ـ
الي يا صور السعادة التي أفقت منها على شقاء لا يصطبر عليه . .


( 15 )


الي يا أعز روح علي ، وأحبها الي . . حدثيني وأفيضي علي من نورك الالهي . كما كنت تصنعين معي دائماً.
الي يا أبي أناجيك ان كانت المناجاة تلذ لك ، وابثك همومي كما اعتدت أن أفعل في كل حين ، وأخبرك أن تلك الظلال الظليلة التي كانت تقيني من لهيب هذه الدنيا لم يعد لي منها شيء.

قد كان بعـــدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب


الي يا ذكريات الماضي العزيز حدثيني حديثك الجذاب ورددي على مسامعي كل شيء لا تثيرها حربا لا هوادة فيها على هؤلاء الذين ارتفعوا أو ارتفع الناس بهم الى منبر أبي ومقامه ، ولم يعرفوا لآل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) حقوقهم ، ولا لبينهم حرمة تصونه من الاحراق والتخريب ، ذكريني بمشاهد أبي وغزواته ألم يكن يقص علي ألواناً من بطولة أخيه وصهره واستبساله في الجهاد ، وتفوقه على سائر الأنداد ، ووقوفه الى صف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أشد الساعات ، وأعنف المعارك التي فر فيها فلان وفلان وتقاصر عن اقتحامها الشجعان أيصح بعد هذا أن نضع أبا بكر على منبر النبي وننزل بعلي عما يستحق من مقام.
خبريني يا ذكريات أبي العزيز أليس أبو بكر هو الذي لم يأتمنه الوحي على تبليغ آية الى المشركين ؟ . وانتخب للمهمة علياً فماذ يكون معنى هذا ان لم يكن معناه ان علياً هو الممثل الطبيعي للاسلام الذي يجب ان تستند اليه كل مهمة لا يتيسر للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مباشرتها.
اني لا تذكر بوضوح ذلك اليوم العصيب الذي أرجف فيه المرجفون لما استخلف أبي علياً على المدينة وخرج الى الحرب ، فوضعوا لهذا


( 16 )


الاستخلاف ما شاؤا من تفاسير ، وكان علي ثابتاً كالطود لا تزعزعه مشاغبات المشاغبين ، وكنت أحاول أن يلتحق بأبي ليحدثه بحديث الناس وأخيراً لحق بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم رجع متهلل الوجه ضاحك الاسارير ، تحمله الفرحة الى قرينته الحبيبة ليزف اليها بشرى لا بمعنى من معاني الدنيا بل بمعنى من معاني السماء. فقص علي كيف استقبله النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ورحب به وقال له : انت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي(1) وهارون موسى كان شريكا له في الحكم ، واماماً لاُمته ، ومعداً لخلافته ، فلا بد أن يكون هارون محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولياً للمسلمين وخليفته فيهم من بعده.
ولما وصلت الى هذه النقطة من افكارها المتدفقه صرخت ان هذا هو الانقلاب الذي انذر االله تعالى في كتابه اذ قال : ( وما محمّد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم). فها هم الناس قد انقلبوا على أعقابهم. واستولى عليهم المنطق الجاهلي الذي تبادله الحزبان في السقيفة حين قال أحدهما نحن أهل العزة والمنعة ، واولوا العدد والكثرة ، واجابه الآخر : من ينازعنا سلطان محمّد (ص) ونحن اولياؤه وعترته وسقط الكتاب والسنة في تلك المقاييس ثم اخذت تقول : ـ
يا مبادىء محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) التي جرت في عروقي منذ ولدت كما يجري الدم في العصب ، ان عمر الذي هجم عليك في بيتك المكي الذي اقامه النبي مركزاً لدعوته قد هجم على آل محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في دارهم واشعل النار فيها أو كاد . .
____________
(1) ورد حديث المنزلة في صحيح البخاري ومسلم وخصائص النسائي ومستدرك الحاكم وجامع الترمذي ومروج الذهب.


( 17 )


يا روح امي العظيمة انك القيت علي درساً خالداً في حياة النضال الاسلامي بجهادك الرائع في صف سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسوف أجعل من نفسي خديجة علي في محنته القائمة.
لبيك لبيك يا أماه اني أسمع صوتك في أعماق روحي يدفعني الى مقاومة الحاكمين.
فسوف أذهب الى أبي بكر لأقول له لقد جئت شيئاً فريا ، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، ولأنبه المسلمين الى عواقب فعلتهم والمستقبل القائم الذي بنوه بأيديهم وأقول : لقد لقحت فنظرة ريثما تحلب ، ثم احتلبوها طلاع القعب دماً عبيطاً ، وهناك يخسر المبطلون. ويعرف التالون ، غب ما أسس الاُولون.
ثم اندفعت الى ميدان العمل وفي نفسها مبادىء محمّد ( صلى الله اليه وآله وسلم ) وروح خديجة ، وبطولة علي. واشفاق عظيم على هذه الاُمة من مستقبل مظلم.

* * *


طريق الثورة :
لم يكن الطريق الذي اجتازته الثائرة طويلا ، لان البيت الذي انبعث منه شرر الثورة ولهيبها هو بيت علي (ع) بالطبع الذي كان يصطلح عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بيت النبوة وهو جار المسجد لا يفصل بينهما سوى جدار واحد ، فلعلها دخلته من الباب المتصل به ، والمؤدي اليه من دارها مباشرة ، كما يمكن أن تكون مدخلها الباب العام ولا يهمنا تعيين أحد الطريقين ، وان كنت أرجح أنها سلكت الباب العام لأنّ


( 18 )


سياق الرواية التاريخية التي حكت لنا هذه الحركة الدفاعية يشعر بهاذ فان دخولها من الباب الخاص لا يكلفها سيراً في نفس المسجد ولا اجتياز طريق بينه وبين بيتها ، فمن أين للراوي أن يصف مشيها ، وينعته بأنه لا يخرم مشية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو لم يكن معها بالطبع ، ولو تصورنا أنها سارت في نفس المسجد ، فلا ينتهي سيرها بالدخول على الخليفة ، وانما يبتدىء بذلك ، لأن من دخل المسجد صدق عليه أنه دخل على من فيه ، وان سار في ساحته مع أن الراوي يجعل دخولها على أبي بكر متعقباً لمشيها ، وهذا وغيره يكون قرينة على ما استقريناه.

* * *

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

خطبة الإمام الحسين ( عليه السلام ) الأولى يوم ...
محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ...
هل صحّ حديث (لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة) من طرق ...
انتشار التشيّع في الريّ(2)
إخبار النبي ( صلي الله عليه وآله وسلّم) بقتل ...
نقش الخواتيم لدى الأئمة (عليهم السلام)
حياة الإمام علي بن موسى الرضا غريب طوس (عليه ...
وصول سبايا الإمام الحسين(عليه السلام) إلى الكوفة
أنَّ الذي تصدى لدفن الحسين (ع) ومن كان معه من ...
أحوال مؤمن آل فرعون و امرأة فرعون

 
user comment