سماع واسماع صوت المرأة :
يطرح بهذه المناسبة سؤال وهوهل ان سماع صوت المراة جائز ؟ أم لا ؟ وقد طرح هذا السؤال بشكل إجمالي في بحث سابق ولتتميمه يجب رعاية نكتتين ، الأولى هي انه هل ان سماع صوت المرأة جائز أم لا ؟ والثانية : هل يجوز للمرأة ان تسمع صوتها للآخرين أم لا ؟ فهناك بحث يتعلق بالسماع وبحث آخر يتعلق بالاسماع ، هناك ناحية مشتركة في هاتين المسألتين حيث ان كليهما ممنوع في تلك الناحية المشتركة ، وهناك ناحية مختصة حيث ان كليهما مأذون فيها وفي الحقيقة ان البحث له ثلاث حالات :
الحالة الأولى : ان الرجل إذا أراد سماع صوت المرأة بقصد التلذذ
والريبة فقد ارتكب معصية ، ولكن لأن المرأة لم تتكلم بهذا القصد وتتكلم للقيام بعمل عادي لذا فالاسماع ليس له حرمة عليها . فما هو حرام هو السماع بتلذذ أو ريبة . والاسماع ليس حراماً . إلا أن تفهم المرأة ان الرجل يسمع كلامها بقصد التلذذ حيث يجب ان تتجنب المرأة من باب حرمة التعاون على الاثم .
الحالة الثانية : هي أن تريد المرأة ان تتكلم بقصد تهييج وتحريك الأجنبي . فاسماعها حرام ، وإذا سمع الرجل بهذا القصد يصبح مبتلى بالحرمة أيضاً .
الحالة الثالثة : هي ان تتكلم المراة بشكل عادي وليس قصدها تحريك وتهييج ، والرجل يسمع بشكل عادي وليس قصده التلذذ والريبة ، هنا السماع جائز والاسماع ليس ممنوعاً .
وقال عدد في حرمة الاسماع : إذا أرادت المراة أن توصل صوتها إلى أجنبي بقصد التهييج والتحريك ، فقد ارتكبت حراماً واستدلوا بهذه الآية :
( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ) (1) .
هذا الاستدلال فيه اشكالان أحدهما وارد والآخر غير وارد .
اما الاشكال غير الوارد فهو ان صدر هذه الآية خاص بنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي صدر الآية هناك :
( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ) .
حيث يتضح من صدر الآية ان هذا الحكم من مختصات نساء
____________
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 32 .
النبي صلى الله عليه وآله وسلم . طبعاً لعله يمكن الأجابة بسهولة عن هذا الاشكال بأن هذا هو لتأكيد المسالة ، وإلا فهذا الحكم ليس خاصاً بنساء النبي ويشمل جميع النساء .
اما الاشكال الوارد فهو ان النبي له دلالة على الحرمة ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ) وفي موضع آخر قال :
( وقلن قولاً معروفاً ) (1) .
أي تكلمن كلاماً جيداً ، وفي موضع آخر يقول : ( فلا تخضعن بالقول ) أي أدين الكلام جيداً بحيث لا يكون محتوى كلامكن محركاً ولا تكون كيفية أداء كلامكن مهيجة .
لا شك ان الاسماع أي ايصال الصوت إلى سمع الرجل إذا كان بقصد التهييج والتحريك فهو حرام ، والفتوى أيضاً على هذا ، ولكن هذه المسألة خارجة عن محل البحث ، لأن البحث ليس في ان تقرأ المرأة ، أو ان امرأة توصل صوتها إلى سمع الناس بقصد التهييج والتحريك ، بل إن البحث في أن امرأة تريد ان تدرس أو تريد أن تعظ .
إن المرأة تستطيع ان تدريس المسألة الاقتصادية والحقوقية فيصبح طلابها قضاة ، وان كانت لا تستطيع هي ان تكون قاضياً ، المرأة تستطيع ان تدرس الفقه في مستوى عالٍ فيصبح طلابها مراجع تقليد وان كانت لا تستطيع ان تكون مرجع تقليد . وهو بناء على أن الذكورة تكون شرط في المرجعية وإلا إذا قيل ان تكون المرأة مرجع تقليد للنساء فهذا ليس فيه محذور ، إن إذا أرادت ان تكون مرجع تقليد للعموم ، في حالة ان لا يكون هناك اختلاط عمومي أو أمثال ذلك فذلك له محل بحث الغرض هو رغم ان
____________
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 32 .
البعض ادعوا الاجماع أو الشهرة ، ولكن هناك محل لبحث تحليلي ـ أما ما مر سابقاً فكان ان الاسماع إذا لم يكن يقصد التهييج او التحريك . فهو جائز ، كما أن السماع إذا لم يكن بقصد التلذذ والريبة فهو جائز .
رأي الشهيد الأول :
بعض الفقهاء كالمرحوم الشهيد الأول ـ رضوان الله تعالى عليه ـ لديهم كلام حاد في هذا المجال فقد قال في متن اللمعة ـ باب النكاح ـ :
( وكذا يحرم على المرأة ان تنظر إلى الأجنبي أو تسمع صوته إلا لضرورة ـ كالمعاملة والطب ) (1) ـ .
لذا احتمل بعض فقهائنا ان تكون هذه النسخة من اللمعة غلطاً وقال : ( والمظنون ان نسخة اللمعة غلط ) وإلا فمن المستبعد ان تصدر مثل هذه الفتوى من فقيه كالشهيد الأول .
الحجاب حق إلهي :
هناك شبهة في أذهان بعض الأشخاص وهي أنهم يتصورون أن الحجاب هو محدودية للمرأة وحصار أوجدته لها العائلة والارتباط بالزوج . وعلى هذا فالحجاب علامة ضعف وتحديد للمرأة (2) .
ان حل هذه الشبهة وتبيين الحجاب في رؤية القرآن الكريم هو ان المرأة يجب ان تدرك بشكل كامل ان حجابها لا يتعلق بها فقط حتى تقول إنني صرفت النظر عن حقي ، حجاب المراة لا يتعلق بالرجل حتى يقول الرجل انني راضٍ ، حجاب المرأة ليس مالك العائلة حتى يعطي اعضاء العائلة موافقة ، حجاب المرأة هو حق إلهي ، لذا نرى في العالم الغربي والمناطق
____________
(1) شرح اللمعة ، ج 5 ، ص 99 .
(2) مستمسك العروة الوثقى ، مبحث جواز النظر في النكاح .
المبتلية بالقانون الغربي إذا تلوثت المرأة المتزوجة وأعطى زوجها رضى ، تعلن قوانينهم ان الملف أغلق ، أما في الإسلام فليس هكذا ، حرمة المرأة لا تختص بالمرأة نفسها وليست هي للزوج ولا هي خاصة بأخيها وأبنائها . كل هؤلاء إذا وافقوا فالقرآن لا يرضى ، لأن حرمة المرأة وحيثية المرأة مطروحة بوصفها حق الله ، والله سبحنه خلق المرأة برأسمال العاطفة ، حتى تكون معلمة للرقة وتأتي بدعوة العاطفة ، إذا ترك مجتمع ما درس الرقة و العاطفة هذا وذهب وراء الغريزة والشهوة يبتلى بنفس الفساد الذي ظهر في الغرب ، لذا ليس لشخص حق أن يقول انني وافقت على عدم الحجاب ، يتضح مما يقوله القرآن الكريم أن عصمة المرأة ، هي حق الله ، وجميع أعضاء العائلة وأعضاء المجتمع وخاصة المرأة نفسها هم أمناء أمانة إلهية . المرأة مطروحة بنظر القرآن بوصفها أمينة حق الله . أي ان هذا المقام وهذه الحرمة والحيثية التي هي حق الله ، أعطاه للمرأة وقال لها ان تحفظ حقه هذا بوصفه أمانة ، عند ذلك يظهر المجتمع بالشكل الذي ترونه في إيران ، صبرت إيران حتى آخر لحظة ولم تقم بالعمل الذي يكون على خلاف العاطفة والرقة والرأفة والرحمة . مع أن أعداءنا اعتبروا قتل الأبرياء والمدنيين مشروعاً منذ اللحظة الأولى للهجوم على المناطق السكنية .
ان المجتمع الذي يحكم فيه القرآن ، هو مجتمع العاطفة ، وسرّه هو أن نصف المجتمع يتولاه معلموا العاطفة ، والأمهات هن اللاتي يدرسن الرأفة والرقة سواء شئنا أم أبينا ، وسواء عرفنا أم لم نعرف . والرأفة والرقة مؤثرة في جميع المسائل (1) .
____________
(1) بحار الأنوار ، ج 103 . ص 238 .
فلسفة الحجاب في القرآن :
بناء على هذا فليس هناك فرق بين المرأة والرجل في أي قسم وأي بعد من الإبعاد للسير إلى مدارج الكمال ، ولكن يجب أن تكو الأفكار قرآنية ، أي كما ان القرآن جمع بين الكمال والحجاب والفكر والعفاف ، نجمع نحن أيضاً في النظام الإسلامي بين الكتاب والحجاب ، أي ان تعظمة المرأة هي في :
( ان لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال ) .
عندما يتكلم القرآن الكريم بشان الحجاب يوقل إن الحجاب عبارة عن نوع من الاحترام والحرمة للمرأة في ان لا ينظر إليها غير المحارم بنظرة حيوانية ، لذا يرى النظر إلى النساء غير المسلمات بدون قصد الفساد جائزاً وعلة ذلك هي ان النساء غير المسلمات ليس لهن حظ من هذه الحرمة .
إذا كان شخص عاجزاً عن تشخيص قواعد القيم ، من الممكن ان يعتبر الحجاب قيداً ـ معاذ الله ـ في حين ان القرآن الكريم عندما يذكر مسألة لزوم الحجاب يقول :
( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) (1) .
إنما يبين علة وفلسفة ضرورة الحجاب هكذا :
( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) (2) .
نتيجة البحث :
إن المرأة والرجل متساويان في المعايير الأساسية ، وهناك مجموعة
____________
(1) سورة النور ، الآية : 31 .
(2) سورة الأحزاب ، الآية : 59 .
مزايا للرجل وهي مزايا تنفيذية وفي مقابلها مسؤوليته اكثر أيضاً ، فلو لم يقم بتلك المسؤولية يكو وزره أكثر . بناء على هذا نستنتج أولاً : أن التهم التي لصقوها بالإسلام وقالوا ان الإسلام حرم نصف المجتمع من كثير من الحقوق ، غير صحيحة ، ثانياً : إن ذكر المرأة على أنها مظهر ضعف وحقارة هي تعصبات وتقاليد جاهلية انتشرت في ثقافة المجتمعات الإسلامية منذ القديم ، وهذه يجب أن ترفع . ثالثاً : إذا شعر شخص بأن المراة يجب أن لا تستفيد من العلوم والوسائل التربوية وأمثالها التي تقدم للمجتمع خدمات قابلة للعرض ، فيجب صرف النظر عن هذا الاعتقاد ولتحصل الرغبة بأن تتعلم المرأة كالرجل هذه العلوم والمعارف ، وتخدم المجتمع ، إلا في المحل الذي جعل للرجل بشكل استثنائي . رابعاً : أن ( وعاشروهن بالمعروف ) ليس لها اختصاص بالمسائل داخل المنزل ، بل هي جارية في كل المجتمع ، والمسألة الخامسة هي ان المرأة في مقابل الرجل غير المرأة في مقابل الزوج ، أي أن المرأة يجب أن تمكن في مقابل الزوج ، أما المرأة في مقابل المجتمع ، فهي مثل أي فرد من أفراد المجتمع ، وفي المسائل العائلية تكون المرأة احياناً قواماً وقيوماً والرجل يجب أن يطيع ، فالابن يجب ان يطيع الأم ولو كان في مستوى عالٍ من التخصص العلمي .
ملاحظة : رغم ان هناك شبهات قابلة للطرح في مسألة تساوي المراة والرجل ، ولكن بملاحظة القواعد العامة المذكورة ومعرفة الخطوط الاساسية لنظام القيم في الإسلام ، وتبيين محور السعادة والشقاء ، يكون جوابها واضحاً .