عربي
Sunday 19th of May 2024
0
نفر 0

نظرية‌ الغلبة‌ عند فقهاء الجمهور

نظرية‌ الغلبة‌ عند فقهاء الجمهور:

وضع‌ الامويون‌ نظريتهم‌ السياسية‌ القائمة‌ علي‌ الطاعة‌ المطلقة‌للسلطان‌ في‌ جميع‌ الاحوال‌، وبغض‌ّ النظر عن‌ الملكات‌ الاخلاقيّة‌والخلفيّة‌ التاريخيّة‌ التي‌ يرجع‌ اءليها، والالتزام‌ العملي‌ والسلوكي‌ بالاءسلام‌،وهذا الشرط‌ لم‌ يأت‌ بمؤيّد قرآني‌، أو رواية‌ أو دليل‌ عقلي‌ أو أخلاقي‌عليه‌، يسمح‌ لهم‌ بارتقاء هذا المقام‌، ثم‌ّ حرّموا الخروج‌ علي‌ سلطان‌ الجورومحاربته‌ وغيرها من‌ شروط‌ الاءذلال‌ والترويض‌ التي‌ مارسوها مع‌ الامّة‌،واعتمدوا بذلك‌ علي‌ اءعطاء صفة‌ شرعيّة‌ لانفسهم‌ من‌ خلال‌ هذه‌ النظرية‌،بعد اءعطائها المبررات‌ الشرعية‌ وتقديمها اءلي‌ المجتمع‌ لتمثّل‌ نظرية‌الاءسلام‌ السياسية‌ الوحيدة‌ في‌ الفكر السياسي‌ الاءسلامي‌؛ ولهذا وضعوا لهاهيكلاً روائياً ضخماً ينسجم‌ تماماً مع‌ أهوائهم‌، قائماً علي‌ اختلاق‌الروايات‌ ونسبتها اءلي‌ نبي‌ّ الاءسلام‌ محمد6، وساهم‌ هذا التراث‌المكذوب‌ في‌ التأثير علي‌ الفقهاء المتأخرين‌ عن‌ الزمن‌ الاُموي‌؛ حيث‌اعتمدت‌ رؤيتهم‌ السياسية‌ وطبيعة‌ الحكم‌ الاءسلامي‌ علي‌ ذلك‌ التراث‌الاموي‌ المختلق‌.

فنتيجة‌ لكثرة‌ ما أنتجته‌ الفترة‌ الاموية‌ من‌ روايات‌ عن‌ النبي‌ّ6،وهي‌ الفترة‌الزمنيّة‌ التي‌ كان‌ التدوين‌ للحديث‌ فيها محظوراً، تلقي‌ الفقهاءالروايات‌ باعتبارها من‌ الحقائق‌ الواقعيّة‌ المسلّمة‌ بالصحّة‌، وكأنّهم‌ لايشكّون‌ بعدم‌ صدورها من‌ الرسول‌6؛ فجاءت‌ أحكامهم‌ علي‌ سياق‌الروايات‌ الاموية‌ المنسوبة‌ اءلي‌ الرسول‌6.

فكانت‌ الا´راء الفقهية‌ في‌ هذا المجال‌ تنطلق‌ من‌ الفقهاء، اعتماداً علي‌الاحاديث‌ وسيرة‌ بني‌أميّة‌ التي‌ لم‌ يستنكرها الصحابة‌ والتابعون‌وا´خرون‌ كذلك‌ لا يمتلك‌ قيمة‌ً واقعيّة‌، وقد صرّح‌ معاوية‌ عن‌ سبب‌سكوت‌ الصحابة‌ والتابعين‌ بعد صراع‌ مرير مع‌ الخط‌ّ الاموي‌ بقوله‌ وهويخاطب‌ أهل‌ المدينة‌: فاءنّي‌ والله وليت‌ أمركم‌ حين‌ توليته‌، وأنا أعلم‌ أنّكم‌لا تسرّون‌ بولايتي‌ ولا تحبّونها، واءنّي‌ لعالم‌ بما في‌ نفوسكم‌ من‌ ذلك‌،ولكنّي‌ خالستكم‌ بسيفي‌ هذا مخالسة‌.

وقال‌ عتبة‌ بن‌ أبي‌سفيان‌ في‌ خطاب‌ عنيف‌: فلا تمدّوا الاعناق‌ اءلي‌غيرنا فاءنّها تنقطع‌ دوننا، ورب‌ّ متمن‌ حتفه‌ في‌ أمنيّته‌، اقبلوا العافية‌ ماقبلناها منكم‌ وفيكم‌ واءيّاكم‌، ولو فقد أتعبت‌ من‌ كان‌ قبلكم‌ ولن‌ تريح‌ من‌بعدكم‌.

فالصحابة‌ والتابعون‌ كانوا تحت‌ هذا المستوي‌ من‌ المحاصرة‌والاءرهاب‌ الاموي‌، لا يعبّر سكوتهم‌ عن‌ دليل‌ رضا وقناعة‌، وهل‌ جاءبنوأميّة‌ اءلي‌ الحكم‌ ببيعة‌ الصحابة‌ حتّي‌ يعطوا للصحابة‌ قيمة‌ ونوعاً من‌الاهتمام‌؟ اءنّهم‌ جاءوا بالسيف‌، واستمرّ وجودهم‌ بالسيف‌ وأفتي‌ لهم‌الفقهاء بجواز ذلك‌ العمل‌؛ وعلي‌ الامّة‌ الطاعة‌ والخروج‌ عليهم‌ خروجاًعلي‌ الله، والميتة‌ خارج‌ طاعتهم‌ ميتة‌ جاهلية‌.

أوّلاً: الاءمام‌ الشيخ‌ أبوجعفر الطحاوي‌ الحنفي‌ (المتوفي‌' عام‌ 321) في‌رسالته‌ (بيان‌ السنّة‌ والجماعة‌) ولا نري‌ الخروج‌ علي‌ أئمّتنا ولا ولاة‌ أمرناواءن‌ جاروا، ولا ندعو علي‌ أحد منهم‌ ولا ننزع‌ يداً من‌ طاعتهم‌، ونري‌طاعتهم‌ من‌ طاعات‌ الله عزّوجل‌ّ فريضة‌ علينا ما لم‌ يأمروا بمعصية‌»

ثانياً: قال‌ الاءمام‌ أبواليسر محمد بن‌ عبدالكريم‌ البزودي‌: الاءمام‌ اءذاجار أو فسق‌ لا ينعزل‌ عند أصحاب‌ أبي‌حنيفة‌ بأجمعهم‌، وهو المذهب‌المرضي‌ّ... ثم‌ّ قال‌: وجه‌ قول‌ عامّة‌ أهل‌ السنّة‌ والجماعة‌، اءجماع‌ الامّة‌ ،فاءنّهم‌ رأوا الفسّاق‌ أئمّة‌، فاءن‌ّ أكثر الصحابة‌ كانوا يرون‌ بني‌أميّة‌ وهم‌بنومروان‌ حتي‌ كانوا يصلّون‌ الجمعة‌ والجماعة‌ خلفهم‌، ويرون‌ قضاياهم‌نافذة‌، وكذا الصحابة‌ والتابعون‌ وكذا من‌ بعدهم‌ يرون‌ خلافة‌ بني‌عباس‌وأكثرهم‌ كانوا فساقاً، ولان‌ّ القول‌ بانعزال‌ الائمّة‌ بالفسق‌، اءيقاع‌ الفساد في‌العالم‌».

ثالثاً: قال‌ الاءمام‌ أبوبكر محمد بن‌ الطيب‌ الباقلاني‌ (المتوفي‌' عام‌ 403ه): اءن‌ قال‌ قائل‌: ما الذي‌ يوجب‌ خلع‌ الاءمام‌ عندكم‌؟ قيل‌ له‌: يوجب‌ ذلك‌أمور منها: كفر بعد اءيمان‌، ومنها تركه‌ الصلاة‌ والدعاء، ومنها عند كثير من‌الناس‌ فسقه‌ وظلمه‌ بغصب‌ الاموال‌ وضرب‌ الابشار وتناول‌ النفوس‌المحرّمة‌، وتضييع‌ الحقوق‌ وتعطيل‌ الحدود. وقال‌ الجمهور من‌ اهل‌الاءثبات‌ وأصحاب‌ الحديث‌: لا يخلع‌ بهذه‌ الامور ولا يجب‌ الخروج‌ عليه‌بل‌ يجب‌ وعظه‌ وتخويفه‌ وترك‌ طاعته‌ في‌ شي‌ء مما يدعو اءليه‌ من‌ معاصي‌الله، اءذ احتجّوا في‌ ذلك‌ بأخبار كثيرة‌ متضافرة‌ عن‌ النبي‌ّ6، وعن‌الصحابة‌ في‌ وجوب‌ طاعة‌ الائمّة‌ واءن‌ جاروا واستأثروا بالاموال‌، وأنّه‌قال‌(ع): واسمعوا وأطيعوا ولو لعبد أجدع‌، ولو لعبد حبشي‌، وصلّوا وراءكل‌ّ برّ وفاجر.

وروي‌ أنّه‌ قال‌: واءن‌ أكلوا مالك‌ وضربوا ظهرك‌، وأطيعوهم‌ ماأقامواالصلاة‌».

رابعاً: قال‌ الشيخ‌ نجم‌الدين‌ أبوحفص‌ عمر بن‌ محمد النسفي‌(المتوفي‌' عام‌ 537 ه): لا ينعزل‌ الاءمام‌ بالفسق‌ والجور، وتجوز الصلاة‌خلف‌ كل‌ّ برّ وفاجر.

وعلّل‌ ذلك‌ التفتازاني‌ بقوله‌: لانّه‌ قد ظهر الفسق‌ واشتهر الجور من‌الائمّة‌ والامراء بعد الخلفاء الراشدين‌، والسلف‌ كانوا ينقادون‌ لهم‌ويقيمون‌ الجمع‌ والاعياد باءذنهم‌ ولا يرون‌ الخروج‌ عليهم‌»

لهذا المستوي‌ أُنزل‌ مقام‌ القيادة‌ في‌ الاءسلام‌، وجعلوه‌ لكل‌ّ من‌ هب‌ّودب‌ّ، ولكل‌ّ من‌ استطاع‌ الغلبة‌ بأي‌ّ وسيلة‌ ولاي‌ّ هدف‌، وبهذا أفرغ‌الاءسلام‌ من‌ محتواه‌ الفاعل‌ والمؤثّر في‌ الحياة‌، لان‌ّ القيادة‌ ذات‌ موقع‌متقدم‌ في‌ الاءسلام‌، ومن‌ الاسس‌ التي‌ تقوم‌ عليها الرسالة‌، ولذلك‌ قال‌ تعالي‌مخاطباً رسوله‌6 بقوله‌: (يا أيّها الرسول‌ بلّغ‌ ما أنزل‌ اءليك‌ من‌ ربّك‌ واءن‌ لم‌تفعل‌ فما بلّغت‌ رسالته‌ والله يعصمك‌ من‌ الناس‌ اءن‌ّ الله لا يهدي‌ القوم‌ الكافرين‌).

فالخطاب‌ الاءلهي‌ جعل‌ قضية‌ القيادة‌ واءهمالها يعادل‌ عدم‌ تبليغ‌الرسالة‌، فكان‌ الله تعالي‌ يقول‌ لرسول‌ الله6: اءذا لم‌ تجعل‌ للامّة‌ قائداًبعدك‌ بمستوي‌ الرسالة‌ وقضاياها الفاعلية‌ والموضوعية‌، وعلي‌ مستوي‌عال‌ٍ من‌ الاءخلاص‌ للمبادي‌ والاهداف‌ الرساليّة‌، فكأنّك‌ لم‌ تبلغ‌ ولم‌ تفعل‌شيئاً؛ لان‌ّ الاءمامة‌ حركة‌ الرسالة‌ في‌ الحياة‌، وأراد الله للرسالة‌ أن‌ تكون‌حاكمة‌ علي‌ الفكر والسلوك‌ والعواطف‌ لتقويمها وتفعيلها ضمن‌ الدائرة‌الاءيجابية‌ لحياة‌ الاءنسان‌، والقيادة‌ تحمي‌ المسيرة‌ من‌ الزلل‌ والانحراف‌،والقيادة‌ الامينة‌ هي‌ التي‌ تحمل‌ فكر وهموم‌ وقضايا الامّة‌، ولا يليق‌برسالة‌ العدل‌ الالهي‌ أن‌ تجعل‌ لاهل‌ الفسوق‌ والجور والظلم‌، مقام‌ الاءمامة‌.

 

البدائل‌ الاُمويّة‌:

كان‌ يتحرّك‌ معاوية‌ بخطي‌ حثيثة‌ لوضع‌ مثل‌ أعلي‌ للمسلمين‌ مغايرللمثل‌ الاعلي‌ الذي‌ دعا اءليه‌ الرسول‌6 وجسّده‌ بسلوكه‌ ونشاطاته‌الخاصة‌ والعامة‌ والذي‌ يتمثّل‌ بالاءسلام‌ وقيمه‌ ومبادئه‌، فكان‌ يسعي‌ بجدوفعاليّة‌ ونشاط‌ وساعياً من‌ أجل‌ أن‌ يجعل‌ لكل‌ّ شي‌ء من‌ الاءسلام‌ بديلاً من‌الجاهليّة‌ بعد أن‌ يخلع‌ عليه‌ الظاهر الاءسلامي‌ّ. وسنذكر بعض‌ هذه‌ النماذج‌:

 

1 ـ الشخصيّة‌ النموذجيّة‌:

أبوسفيان‌ كان‌ الاكرم‌ من‌ بين‌ جميع‌ الشخصيّات‌ الاءسلاميّة‌، اءلاّ ماوصل‌ الله لنبيّه‌، ولذلك‌ كان‌ يقول‌: «اءن‌ّ لي‌ فضائل‌ كثيرة‌، وكان‌ أبي‌ سيّداًفي‌ الجاهلية‌ وصرت‌ ملكاً في‌ الاءسلام‌.

وقال‌ معاوية‌ مرّة‌ أخري‌: «وقد عرفت‌ قريش‌ ان‌ّ أباسفيان‌ كان‌أكرمها، وابن‌أكرمها، اءلاّ ما جعل‌ الله لنبيّه‌6 فاءنّه‌ انتخبه‌ وأكرمه‌، واءنّي‌لاظن‌ّ أن‌ّ أباسفيان‌ لو ولد الناس‌ لم‌ يلد اءلاّ حازماً.

فقال‌ له‌ صعصعة‌ بن‌ صوحان‌: قد كذبت‌ وقد ولدهم‌ خيرٌ من‌أبي‌سفيان‌، مَن‌ْ خلقه‌ الله بيده‌، ونفخ‌ فيه‌ من‌ روحه‌، وأمر الملائكة‌فسجدوا له‌، وكان‌ فيهم‌ البرُّ والفاجر والاحمق‌ والكيّس‌».

 

2 ـ المجتمع‌ النموذجي‌:

في‌ مقابل‌ اهتمام‌ الرسول‌6 بأهل‌ المدينة‌ المنوّرة‌ التي‌ احتضنت‌الاءسلام‌ ونبي‌ّ الاءسلام‌ وأصحابه‌ المهاجرين‌، وكان‌ فيها كثير من‌ الصحابة‌الذين‌ اشتركوا ببدر وأحد والمواقع‌ الاخري‌، اكتسبت‌ المدينة‌ أهمّية‌خاصّة‌، وللمدينة‌ وأهلها موقع‌ خاص‌ّ في‌ نفوس‌ المسلمين‌ لانّها وصيّة‌الرسول‌6، وأهلها أنصار الرسول‌6.

اءلاّ أن‌ّ معاوية‌ لا يحمل‌ ذكريات‌ طيّبة‌ عن‌ المدينة‌، ولم‌ يترك‌ صورة‌حسنة‌ في‌ أذهان‌ أهل‌ المدينة‌، ثم‌ّ الاهم‌ّ انّه‌ لا يستطيع‌ أن‌ يمرّر أفكاره‌ولا يحقّق‌ آماله‌ من‌ خلال‌ الانصار الذين‌ كان‌ مع‌ الاءمام‌ علي‌(ع) أغلبهم‌.

وجاءت‌ الاحاديث‌ الكثيرة‌ في‌ شرف‌ المدينة‌ المنوّرة‌؛ فقد قال‌رسول‌ الله6: «المدينة‌ حرم‌ ما بين‌ عير اءلي‌ ثور، فمن‌ أحدث‌ فيها حدثاً، أو آوي‌محدثاً فعليه‌ لعنة‌ الله والملائكة‌ والناس‌ أجمعين‌».

وقال‌6: «الصلاة‌ في‌ مسجدي‌ تعادل‌ ألف‌ صلاة‌ في‌ غيره‌، اءلاّ المسجدالحرام‌ فاءنّه‌ أفضل‌ منه‌».

«من‌ مات‌ في‌ المدينة‌ بعثه‌ الله في‌ الا´منين‌ يوم‌ القيامة‌».

وقال‌ الاءمام‌ علي‌ّ(ع): «المدينة‌ حرم‌ الله وحرم‌ رسوله‌».

مع‌ هذه‌ السابقة‌ والمقام‌ العظيم‌، اءلاّ أنّه‌ لا يخدم‌ ملك‌ معاوية‌، بل‌ يعتبرشتيمة‌ له‌ ولا´بائه‌ وحزبه‌، ولذلك‌ حاول‌ اءظهار أهل‌ الشام‌ علي‌ أنّهم‌ الصفوة‌المختارة‌ من‌ المسلمين‌، وأنّهم‌ مبعث‌ فخر الرسول‌6 والمجتمع‌الاءسلامي‌ النموذجي‌ الذي‌ يسعي‌ الاءسلام‌ لتحقيقه‌؛ ولهذا جاء عن‌ معاوية‌بشأن‌ أهل‌ الشام‌: «اءن‌ّ الله أكرم‌ هذا الامر بأهل‌ الشام‌، الذابين‌ عن‌ بيضته‌التاركين‌ لمحارمه‌، ولم‌ يكونوا كأمثال‌ اهل‌ العراق‌ المنتهكين‌ المحارم‌والمحلّلين‌ ما حرّم‌ الله والمحرّمين‌ ما أحل‌ّ الله».

وكانت‌ بيعة‌ أهل‌ المدينة‌ تتحقق‌ بها الخلافة‌ لمن‌ كسبها، والامصارالاُخري‌ تبع‌ لهم‌ اءلاّ أن‌ّ معاوية‌ بدل‌ّ ذلك‌ وقال‌: واءنّما كان‌ الحجازيون‌ هم‌الحكّام‌ علي‌ الناس‌ والحق‌ّ فيهم‌، فلمّا فارقوه‌ كان‌ الحكّام‌ علي‌ الناس‌أهل‌الشام‌».

فكان‌ معاوية‌ بحاجة‌ اءلي‌ مجتمع‌ خاضع‌ لاءرادته‌ قادر علي‌ تحقيق‌أمنياته‌، وهكذا مجتمع‌ بحاجة‌ اءلي‌ تربية‌ خاصّة‌ ومفاهيم‌ خاصّة‌ تنسجم‌مع‌ الاهداف‌ الاموية‌؛ ولذلك‌ كان‌ اءسلام‌ أهل‌ الشام‌ علي‌ أيدي‌ بني‌أُميّة‌،وعملية‌ التربية‌ والتعليم‌ كذلك‌، ولم‌ يسمح‌ لغيرهم‌ الاءقامة‌ في‌ الشام‌ اءلاّ من‌كان‌ يتطابق‌ مع‌ الامويين‌ فكراً وسلوكاً، فأهل‌ الشام‌ لا يعرفون‌ من‌المسلمين‌ غير معاوية‌ ومن‌ يرتبط‌ به‌، وبهذا كُوّن‌ مجتمع‌ يقول‌ عنه‌معاوية‌: «وقد كنت‌ في‌ أصلح‌ جند وأطوعه‌» وقال‌: «وكنت‌ في‌ أطوع‌جند وأقلّه‌ خلافاً».

وقد شخّص‌ الاءمام‌ علي‌(ع) علّة‌ الانقياد المطلق‌ لمعاوية‌ بقوله‌: «ألا واءن‌ّمعاوية‌ قاد لمّة‌ً من‌ الغواة‌، وعمّس‌ عليهم‌ الخبر حتي‌ جعلوا نحورهم‌ أغراض‌المنيّة‌».

فأهل‌ الشام‌ نتيجة‌ لسياسة‌ معاوية‌ واءخفائه‌ الحقائق‌ عنهم‌ وحصرمجتمعهم‌، وعدم‌ السماع‌ لغيرهم‌ اءلي‌ اشتراك‌ معهم‌ أو اختلاطهم‌ بغيرهم‌بقوا مجتمعاً غير منفتح‌ علي‌ المعارف‌ الاءسلامية‌، ويجهل‌ الشخصيات‌الاءسلامية‌ اءلاّ معاوية‌ وأباسفيان‌.

وقد ذكر المسعودي‌: انه‌ عندما «نزل‌ عبدالله بن‌ علي‌ الشام‌، ووجه‌اءلي‌ ابي‌العباس‌ السفاح‌ أشياخاً من‌ أهل‌ أرباب‌ النعم‌ والرياسة‌ من‌ سائرأجناد الشام‌، فحلفوا لابي‌العباس‌ السفاح‌ أنّهم‌ ما علموا لرسول‌ الله6قرابة‌ ولا أهل‌ بيت‌ يرثونه‌ غير بني‌أُميّة‌ حتي‌ وليتم‌ الخلافة‌»

فمعاوية‌ يريد للمجتمع‌ أن‌ يكون‌ بهذا المستوي‌ من‌ الوعي‌ أو أقل‌ّ،لانّه‌ في‌ كلام‌ آخر له‌ يقول‌: ابلغ‌ عليّاً أنّي‌ أقاتله‌ بمائة‌ ألف‌ ما فيهم‌ من‌يفرّق‌ بين‌ الناقة‌ والجمل‌».

وهذا المستوي‌ لا يمكن‌ أن‌ يحصل‌ في‌ مكان‌ آخر؛ لان‌ّ الصحابة‌ اين‌ما حلّوا كانوا ينشرون‌ الوعي‌ الديني‌ والاحكام‌ الاءسلامية‌، ويذكرون‌التأريخ‌ الاءسلامي‌ لانّهم‌ جزء منه‌، ومعاوية‌ لا يذكر ذلك‌ لانّه‌ جزء من‌الجبهة‌ المواجهة‌ للاءسلام‌، ولا يسمح‌ لاحدٍ من‌ الصحابة‌ الاءقامة‌ في‌ الشام‌اءلاّ لمن‌ هو علي‌ شاكلته‌؛ ولهذا أصج‌ المجتمع‌ الشامي‌ نموذجياً في‌ نظرمعاوية‌ وبني‌أُميّة‌ ودعا الامصار الاُخري‌ بالاقتداء به‌ .

 

3ـ النظام‌ السياسي‌ّ:

يقوم‌ التعامل‌ السياسي‌ في‌ الاءسلام‌ علي‌ ركيزتين‌ وهما:

أ ـ الحق‌ّ.

ب‌ ـ العدل‌.

وهما ضابطتان‌ تحكمان‌ علي‌ كل‌ّ المسائل‌ المتعلّقة‌ بالحكم‌، اءلاّ أنّهمالم‌ يسلما من‌ التغيير والتحريف‌؛ ولهذا وضعت‌ مبادي‌ أخري‌ تتوافق‌ مع‌الاطماع‌ الاموية‌:

1ـ مصلحة‌ السلطة‌

ب‌ ـ مصلحة‌ السلطان‌

وقامت‌ علي‌ هذا الاساس‌ الحكومة‌ الامويّة‌ بتغيير جذري‌ لاصول‌الاءسلام‌:

أوّلاً: الخلافة‌

وهي‌ تمثّل‌ القيادة‌ بعد الرسول‌6 والاساس‌ في‌ الاءسلام‌؛ ولذلك‌جعلها الله تعالي‌ شرط‌ قبول‌ تبليغ‌ الرسالة‌ وكمالها كما في‌ قوله‌ تعالي‌: (ياأيّها الرسول‌ بلّغ‌ ما أنزل‌ اءليك‌ من‌ ربّك‌ واءن‌ لم‌ تفعل‌ فما بلّغت‌ رسالته‌).

وقوله‌ تعالي‌: (اليوم‌ أكملت‌ لكم‌ دينكم‌ وأتممت‌ عليكم‌ نعمتي‌ ورضيت‌ لكم‌الاءسلام‌ ديناً).

ولذلك‌ وضعت‌ لها شروط‌ كثيرة‌ وهي‌ لا تصلح‌ لكل‌ّ شخص‌، وقدقال‌ تعالي‌ لاءبراهيم‌ عندما جعله‌ اءماماً: (اءنّي‌ جاعلك‌ للناس‌ اءماماً، قال‌ ومن‌ذرّيتي‌ قال‌ لا ينال‌ عهدي‌ الظالمين‌).

أمّا معاوية‌ فقد جعل‌ الخلافة‌ مجردة‌ من‌ أي‌ّ شرط‌ للصلاح‌ والاءعان‌والسابقة‌ والعلم‌، واكتفي‌ بالسيطرة‌ بالسيف‌، وقد خاطب‌ أهل‌ المدينة‌بقوله‌: «والله وليت‌ أمركم‌، حين‌ توليته‌، واءذ أعلم‌ أنّكم‌ لا تُسرّون‌ بولايتي‌ولا تحبّونها، واءنّي‌ لعالم‌ بما في‌ نفوسكم‌ من‌ ذلك‌، ولكنّي‌ خالستكم‌بسيفي‌ هذا مخالسة‌»

وقام‌ معاوية‌ مخاطباً أهل‌ الكوفة‌ بعد صلح‌ الاءمام‌ الحسن‌(ع): «ماقاتلتكم‌ لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا وقد عرفت‌ أنّكم‌تفعلون‌ ذلك‌، ولكن‌ اءنّما قاتلتكم‌ لاتأمّر عليكم‌، فقد أعطاني‌ الله ذلك‌وأنتم‌ كارهون‌»

وقال‌: «اءنّي‌ لا أحول‌ بين‌ الناس‌ وبين‌ ألسنتهم‌ ما لم‌ يحولوا بينناوبين‌ملكنا».

فهو بهذا ألغي‌ الشوري‌ وبيعة‌ أهل‌ الحل‌ّ والعقد من‌ الصحابة‌ حتي‌علي‌ المستوي‌ الظاهري‌، واستبدلها بالسيف‌ والاضطهاد ثم‌ّ بولاية‌ العهدالتي‌ لم‌ يسبقه‌ بها سابق‌ في‌ الاءسلام‌.

وقد انتقد هذه‌ الطريقة‌ في‌ الوصول‌ اءلي‌ السلطة‌ سعد بن‌ أبي‌وقّاص‌؛فقال‌ لمعاوية‌: السلام‌ عليك‌ أيّها الملك‌، فضحك‌ معاوية‌ وقال‌: ما كان‌عليك‌ يا أبااءسحاق‌ لو قلت‌: يا أميرالمؤمنين‌؟ فقال‌: أتقولها جذلان‌ضاحكاً؟ والله ما أحب‌ّ أنّي‌ وليتُها بما وليّها به‌».

ثانياً: البيعة‌

البيعة‌ عهد وميثاق‌ علي‌ الطاعة‌، يؤديها أشراف‌ المجتمع‌ علي‌المسائل‌ المهمّة‌ والرئيسيّة‌ التي‌ لها أثر علي‌ الحياة‌ العامّة‌، وتؤدي‌ عن‌وعي‌ واءدراك‌ واختيار ورضا بالامر الذي‌ تتم‌ّ عليه‌ البيعة‌، ويشترط‌ مؤدّوالبيعة‌ أو المبايع‌ له‌ بعض‌ الشروط‌، والمسلمون‌ غالباً ما يشترطون‌ العمل‌بكتاب‌ الله وسنّة‌ رسوله‌6 وأضاف‌ بعضهم‌ «سيرة‌ الشيخين‌» اءلاّ أن‌ّخلفاء بني‌أُميّة‌ كانوا يريدون‌ البيعة‌ فقط‌، واءذا وضع‌ شرط‌ لا يفون‌ به‌،وسيرة‌ عثمان‌ بن‌ عفان‌ نموذج‌ لذلك‌، وقد أدّي‌ عمله‌ خلاف‌ الشروط‌ اءلي‌قتله‌ وفتح‌ باب‌ الفتنة‌.

ومعاوية‌ اءضافة‌ اءلي‌ عدم‌ الوفاء بالعهد كان‌ يأخذ البيعة‌ بالاءكراه‌ والقوة‌.وذكر اليعقوبي‌ طريقة‌ مبايعة‌ أهل‌ الكوفة‌ بالعبارات‌ التالية‌:

«وأحضر الناس‌ لبيعته‌، وكان‌ الرجل‌ يحضر فيقول‌: والله يا معاوية‌اءنّي‌ لابايعك‌ واءنّي‌ لكاره‌ لك‌، فيقول‌: بايع‌، فاءن‌ّ الله قد جعل‌ في‌ المكروه‌خيراً كثيراً، ويأبي‌ الا´خر فيقول‌: أعوذ بالله من‌ شرّ نفسك‌».

أمّا يزيد بن‌ معاوية‌ فقد تقدّم‌ أكثر من‌ سابقيه‌، وطلب‌ من‌ أبناءالمهاجرين‌ والانصار علي‌ أن‌ يبايعوا بأنّهم‌ عبيد ليزيد عندما قتل‌ يزيدمن‌ أهل‌ المدينة‌ «خلقاً من‌ الصحابة‌ (رضي‌ الله عنهم‌) ومن‌ غيرهم‌،ونهبت‌ المدينة‌ واُفتض‌َّ فيها ألف‌ عذراء».

«دعا مسلم‌ الناس‌ اءلي‌ البيعة‌ ليزيد علي‌ أنّهم‌ خول‌ له‌، يحكم‌ في‌دمائهم‌ وأموالهم‌ وأهليهم‌ ما شاء»

فكان‌ الرجل‌ من‌ قريش‌ يؤتي‌ به‌ فيقال‌: بايع‌ ا´يّة‌ أنّك‌ عبد قن‌ّ ليزيدفيقول‌: «نبايعك‌ علي‌ كتاب‌ الله وسنّة‌ رسوله‌، فيضرب‌ أعناقهم‌»

 

4 ـ النظام‌ الاقتصادي‌:

لم‌ يتقيد خلفاء بني‌أميّة‌ بضابطة‌ أو نظام‌ اقتصادي‌ّ سوي‌ قاعدة‌واحدة‌ وهي‌: الارض‌ لله، وأنا خليفة‌ الله، فما آخذ من‌ مال‌ الله فهو لي‌ وماتركت‌ منه‌ كان‌ جائزاً لي‌»

5 ـ المشروع‌ الثقافي‌:

المشروع‌ الاموي‌ الثقافي‌ يتلخص‌ بالنقاط‌ التالية‌:

أـ بغض‌ آل‌ البيت‌: وسبّهم‌ ولعنهم‌ علي‌ المنابر، ومطاردة‌ محبّيهم‌وتصفيتهم‌ جسدياً ومنعهم‌ العطاء.

ب‌ ـ فضائل‌ الخلفاء ونشرها مقابل‌ فضائل‌ الائمّة‌ من‌ أهل‌ البيت‌:.

ج‌ ـ اءثارة‌ عقيدة‌ المرجئة‌ والجبرية‌ وتبنّيها والدعوة‌ لها.

د ـ التزام‌ الخلفاء خط‌ّ الفجور والفسق‌ وشرب‌ الخمور ونشره‌ في‌المجتمع‌، وقد ذكر ذلك‌ ابن‌عبدربّه‌ بقوله‌: يزيد صاحب‌ طرب‌ وجوارح‌وكلاب‌ وقرود وفهود ومنادمة‌ علي‌ الشراب‌، وغلب‌ علي‌ أصحاب‌ يزيدوعمّاله‌ ما كان‌ يفعله‌ من‌ الفسوق‌، وفي‌ أيّامه‌ ظهر الغناء بمكّة‌ والمدينة‌،واستعملت‌ الملاهي‌، وأظهر الناس‌ شرب‌ الشراب‌»

فبناءاً علي‌ ما تقدم‌ فقد نقض‌ بنوأُميّة‌ كل‌ّ ما يرتبط‌ بالنظرية‌ السياسية‌في‌ الاءسلام‌.

أوّلاً: استبدل‌ التعيين‌ الاءلهي‌ للاءمام‌ بالغلبة‌ بالسيف‌ والسيطرة‌ بالجوروالظلم‌، واءن‌ سبقه‌ غيره‌ اءلاّ أن‌ّ اءمكان‌ اءصلاح‌ الامور متحقق‌ لولاهم‌.

ثانياً: اءحلال‌ الهوي‌ والرغبة‌ والذوق‌ الشخصي‌ محل‌ الشرع‌ الاءلهي‌المقدس‌، ولم‌ يسبقهم‌ أحد بالتجرؤ علي‌ الاءسلام‌.

ثالثاً: عدم‌ التعهد بالعمل‌ بالكتاب‌ والسنّة‌ في‌ اءدارة‌ الدولة‌.

رابعاً: عدم‌ الالتزام‌ الشخصي‌ بالقيم‌ والقوانين‌ الاءسلامية‌.

خامساً: اءلغاء فريضة‌ الامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر واءرهاب‌وقتل‌ العاملين‌ بها.

سادساً: جعل‌ الحكومة‌ الاءسلاميّة‌ وراثيّة‌.

سابعاً: التجاوز علي‌ المقدّسات‌ الاءسلاميّة‌ وانتهاك‌ الحرمات‌.

ثامناً: اءشاعة‌ الفحشاء والمنكر ابتداء من‌ مؤسسات‌ الدولة‌ ثم‌ّ عامة‌المجتمع‌.

وقد تبين‌ أن‌ّ المنهج‌ الاموي‌ اءفرازات‌ من‌ تأريخهم‌ العدائي‌ للاءسلام‌،وأوضح‌ دليل‌ علي‌ ذلك‌ موقفهم‌ الفكري‌ والعملي‌ من‌ الاءسلام‌ عقيدة‌ونظاماً وعاطفة‌، ولقد تهيأت‌ لهم‌ فرصة‌ لا يخشون‌ فيها أحد؛ فأظهرواكوامن‌ عقولهم‌ ونفوسهم‌ وعواطفهم‌ بشكل‌ لا يعتذرون‌ منه‌ ولا يستحون‌،وقد امتلات‌ كتب‌ التواريخ‌ بأخبارهم‌ وفجورهم‌.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

اهل البیت فی کلام الرسول
نعمة الحياء
من معاجز أمير المؤمنين عليه السّلام
سيرة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصحابة وتحريم متعة الحج
العتبتان الحسينية والعباسية تستعدان لإقامة ...
لماذا فرض الله صيام 30 يوما على الامه؟؟
المعايير البلاغية عند الامام الصادق(عليه السلام)
لماذا لابدّ من صب اللعن على أعداء الإمام الحسين ...
في قلع الأصنام عن الكعبة

 
user comment