الاءمام الحسين(ع)
في مواجهة الانحراف
سعد متعب
المقدّمة:
لا شك أن رسالة الاءسلام اعظم واكمل الرسالات الاءلهية التي بعث اللهبها خير خلقه علي الاءطلاق، وكانت أحد أهدافها الرئيسية اءقامة العدلومواجهة الظلم بكلّ انواعه واتجاهاته. ليهنأ الاءنسان ويعيش بكرامة،وتتوفر له فرصة التحرك في مدارج الكمال.
ولم تكن هذه المسألة خطابا او شعاراً استهلاكياً للحصول علي اكثرأنصار، واءنّما هي استراتيجية الاءسلام في حركته نحو سعادة الاءنسانيةواءدارة الحياة وتنظيم الحقوق، وقد كان كتاب الله صريحاً في هذا المجالوالحديث والسلوك النبوي نموذجاً تطبيقياً لما جاء به الوحي.
والاءمامة بعد رسول الله (ص) كانت المنهج الذي يحفظ الاءسلام فيحركته الفكرية والتطبيقية باتجاه أهداف الاءسلام ليمتد الي كلّ الاجيالوكلّ الناس.
اءلاّ أن التحرك غير المسؤول الذي تلي رحلة الرسول (ص) من بعضالصحابة أدي الي تغيير الواقع الاءسلامي، واتجاه حركة الاُمة الاءسلاميةونفوذ أعداء الدين، وهذه نقطة بداية المأساة وحلول الكارثة؛ حيث لمتكتف بالسيطرة علي الحكم فحسب واءنّما قامت باحتلال موقع النبوةوالاءمامة، وبدأت تتخبط بشكل أضرّ بالاءسلام فكرياً وعملياً، لالتزامالاجيال التي تكترث باقوالهم وافعالهم باعتبارها تمثل الدين وجزءً مننصوصه المقدسة، ولم تنتهِ المسألة الي هذا الحد، واءنّما قاموا بعملياتاءقصاء للاسس التي يمكن الرجوع اليها لتقويم المسيرة فشملت:
1 - اءقصاء القرآن من الحياة، بتفسيره وفق هوي الحاكم.
2 - اءقصاء السنّة النبوية الشريفة.بمنع تدوينها ومنع المخلصين منالصحابة بنشر الحديث النبوي، واءعطاء المجال واسعاً للدخلاء عليالاءسلام لنشر اباطيلهم وأكاذيبهم .
3 - اءقصاء الاءمام الشرعي الذي اختاره الله تعالي للاُمة بعدالرسول(ص) .
وفي هذه الاجواء الخانقة فقدت الاُمة:
1 - الكتاب والسنة باعتبارهما المصدرين اللذين تأخذ منهمااحكامها الشرعية.
2 - الاءمام المعصوم الذي يمثّل الرسالة الاءسلامية وعياً وتطبيقاً.
واختفاء الكتاب والسنة والقيادة المعصومة بأي مستوي وشكل،يساهم بأضرار وخسارات عظيمة علي الاُمة يصعب جبرانها منها:
اـ ضياع التفسير الصحيح للاءسلام في أجواء الضجيج وكثرةالاجتهادات.
ب ـ فقدان الاُمة للقدوة الصالحة، لماكان الرسول مع الاُمة فهو القدوةوالاُسوة، ولما اختاره الله الي الرفيق الاعلي فحاجة الاُمة الي القدوة ـبأجيالها المتعاقبة - لم تنتهِ.
ج ـ الانقسام الي اتجاهات ومذاهب كثيرة تختلف في قراءتهاللاءسلام.
د ـ اءيجاد فرصة لنفوذ اعداء الاءسلام التقليديين للانتقام من الاءسلاموالمسلمين.
ه ـ خسارة الاءنسانية للمشروع الاءلهي للاءنقاذ علي جميع المستويات.وفي هذه الاجواء والظروف التي حذفت فيها المصادر الفكريةوالتطبيقية استحدثت وتوّلدت معطيات غريبة لا تنسجم مع روحالاءسلام، ساهمت في تغيير الحقائق والمعايير، وألبس الاءسلام ثوبالجاهلية بعد ما أفرغ من محتواه اءلاّ بالمقدار الذي يقوّم السلطة الحاكمةويمكنها من رقاب المحتمع.
وانتهي الامر الي اجتهادات فردية ارتجالية حلّت مكان الاحكامالاءسلامية، والتي كوّنت فيما بعد المدارس الفقهية التي خلطت جزءً منالسنّة مع تلك الا´راء فأنتجت فقه الاحكام الذي لا يبتغي اءلاّ استقرارعرروشهم، وكانت من اءفرازاته قانون الغلبة والسيف والكثرة، واءقرارحكام الجور والظلمة والطلقاء وابناء الطلقاء، ورفعوا بذلك جميعالالتزامات المفروضة علي الحاكم وذهب ضحية ذلك خيرة ابناء الاُمةورجالاتها المخلصين. واستولي علي الحكم الاءسلامي أصحاب المواقفالمخزية من الاءسلام ورسول الكريم(ص) أمثال بني اُمية، وهؤلاء جعلوامن أنفسهم الممثلين لتفسيرالاءسلام وطرح نظرته، وأعلنوا العداءوالحرب لا´ل بيت النبي(ص)، وللصحابة الذين لايرتضون سلوكهمالمنحرف، مع كلّ ذلك اعتبروا الخروج عليهم خروجاً علي الاءسلاموالجماعة وشق عصا الطاعة، وأحياناً يتهم المخالف لهم بالزندقة والكفر.
فالمسألة لم تنته بالسيطرة علي السلطة، واءنما تهدر وجود الاءسلامكدين للاءنسانية يريد انقاذها، فاءذا استمرّ الحال علي هذا المنوال فلم يبقمنه بنو اُميّة شيئاً يذكر.
ففي هذه الاجواء وهذه النشاطات الجادة لمحو الاءسلام كانت حركةالاءمام الحسين (ع) باتجاه الفكر لتحريك الوعي العام، وباتجاه الدين ونحوالاءمامة والخلافة ليحمّل الاُمة مسؤوليتها فيما يحدث، لانّ الاُسلوبالاُموي في السياسة والحكم، استطاع ان يجعل دور الاُمة هامشياً وتابعاًلاءرادتهم، وألفت ذلك الجماهير المسلمة التي عاشت تحت ظل السلطةالاُموية وسيفها القاهر.
ونتيجة للاءرهاب الذي تعرّضت له الاُمة من الاُمويين أخذتبالانصراف تدريجيا عن مراقبة الحكام والاخذ علي أيديهم حينيخطئون.
وبهذا تم اءقصاء الاُمة عن دورها الاساسي في المراقبة والتوجيهوممارسة دورها في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، الاداة العمليّةلتقويم الانحراف علي جميع المستويات، والا´ليّة السلميّة في مراحلهاالاوليّة لاسترجاع الحقوق واءيقاف الظالم عند حدوده؛ ومن اجل ذلكجعل الله اللعنة علي بني اسرائيل لتركهم هذه الوظيفة بقوله تعالي: لعنالذين كفروا من بني اسرائيل علي لسان داود وعيسي بن مريم ذلك بماعصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوايفعلون.
ولسعة مفهوم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يشملجميع انواع الاءصلاح الفكري والسياسي والاجتماعي كان بيان الاءمامالحسين (ع): «اءني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً واءنّما خرجت لطلبالاءصلاح في أمّة جدي أريد ان آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر».
فكانت ثورته (ع) لبناء اُمة قادرة علي أداء وظيفة الامر بالمعروفوالنهي عن المنكر والحفاظ علي جميع المستويات، سائرة علي خطيالحسين(ع) في أداء هذه الوظيفة متفاعلة مع منهجه وأهدافه تعيش همومالاءسلام، تستمد وتستلهم من حركته روح المقاومة، تفكر بالعطاء،وتحسب الربح والخسارة التي تحصل عليها المبادي والقيم الاءسلاميةالرفيعة .
الحسين في مواجهة الواقع المنحرف
اءقصاء اهل البيت: وأزمات المستقبل:
لقد ساهم التسامح في مسألة الاءمامة علي رسم نقطة البداية باتجاه لايلتقي مع الغايات الرساليّة، والرسالات السماويّة، فكانت بداية الافتراقونقطة الانطلاق التي رسمها الجهل بعواقب الافعال ونتائجها باب فتنة،فُتحت ولم تُغلق، ولم تكن هذه النهاية خافية علي الواعين من الاُمة واءنماكانت واضحة النتائج لكثير منهم، ولكن قصر النظر وتفسير الخلافة عليأنها سلطان ومكسب أدي الي أن يدخل البعض في صراع ومنافسة معالائمة الشرعيّين من جهة، ومع المنافسين لهم من امثالهم، وكانتحجّتهم علي امثالهم: (من ينازعنا سلطان محمّد وميراثه، نحن اولياؤهوعشيرته. اءلاّ مدل بباطل أومتجانف لاءثم ، أومتورط في هلكة).
فلم ينظر الي الخلافة ألاّ من جهة كونها سلطة ومقاماً دنيوياً، وهيرؤية هابطة ومتدنية لا تحمل أي بعد حضاري وديني ورسالي؛ ولهذاكانت ضريبتها علي الاُمة باهضة جداً، وجبرانها عسير وماساتها عامّةوفسادها واسع وجرحها عميق. وكلّفت الاخطاء التي اُرتكبت عمداً منالبعض بعد وفاة الرسول(ص) جهوداً ودماء وتضحيات، كان موقعهاالطبيعي ان توظّف في طريق البناء الحضاري وخدمة المجتمع الاءنساني،والي يومنا هذا شغل المسلمون بتلك السيرة لاءصرار البعض علي اتخاذهامبداً، وفرضها علي وعي المسلم والتزاماته باعتبارها المشروع الاءسلامي.وقد رأت الاُمة الاءسلامية الامتدادات او التفاعلات العمليّة عبر القرونالماضية وتأثيراتها السلبية في وعي المسلم وعناصر القوة للاءسلام،والمشروع الاءسلامي في اءقامة العدل والقسط ومحاربة الجور والظلم.
ومنذ اللحظة الاُولي كان موقف أهل البيت (ع) واضحاً من هذهالمسألة، وذلك لاءدراكهم خطورة المصير الذي ستنتهي اءليه الاُمة، ولذلككانت تقترن مطالبتهم بحقّهم في الخلافة، مواقفهم من المنهج الانحرافيوالتهديد الذي تختلقه التفاعلات والتعقيدات المستقبلية لهذا الامر،والنهاية المأساوية التي ستتعرض لها الاُمة. نتيجة تعاطيها وتسامحها معتلك المواقف غير المبدئية التي كانت تمثل اءسقاطات الذات علي الواقعالخارجي فصبغت بممارساتها الحياة بصبغتها، فأفرزت اُطروحاتاءنسانية ناقصة تحمل في ثناياها ازمات ومشاكل، ولدت لحظة
ولادة الا´راء الجديدة الغربية عن روح الاءسلام، وتفاقمت الي الحد
الذي وضع المجتمع الاءسلامي في موقف يقتل ذرية رسوله(ص)ويعرّضهم للسبي.