الاعتقاد بالمهدي الموعود في نظر السنة المتشيعين
لو نظرنا إلى القرن الرابع والخامس الهجري؛ فإننا نجد أن أهل السنة كانوا قد ارتضوا بعض الاعتقادات الشيعية، (مع تغيير طفيف)، وازدادت هذه الظاهرة بعد انتشار التصوف بين المسلمين السنة، لاسيما بعد عرض مشروع الانسان الكامل في التصوف. وكان المعتزلة هم اول من تأثروا بهذه النظرة، فاتسعت رؤيتهم حول الأئمة: وقالوا بان عليا7 هو افضل الصحابة، اما الخلفاء الراشدون فانهم يتلونه في المنزلة والأفضلية.[i]
و اعتقد المتصوفة من بين الفرق الإسلامية ان الإمام الثاني عشر للشيعة هو قطب الأقطاب أو بدل الابدال، وهو الانسان الكامل في هذا الوجود. وبعد ظهور السلسلة الصوفية، ربط اغلب المتصوفة سلسلتهم عن طريق معروف الكرخي بالإمام الرضا7، ثم ربطوا نسبهم بالإمام علي7. كانت هذه الفرقة من أتباع أحد المذاهب الأربعة في الفقه، والخلفاء الراشدون ائمتهم، عرفوا بهذه المصطلحات: «هو شيعي»، «هو يتشيع»، أهل السنة الاثنا عشر إماماً، السنة المتشيعون وغيرها من المصطلحات. وصنف بعضهم كتباً في الإمام المهدي4، وقبلوا أحياناً اغلب القضايا الفكرية المرتبطة بالإمام المهدي4. استدل علماء الامامية بأقوالهم كشواهد لتأييد مذهبهم، وعليك مراجعة كشف الاستار عن وجه الغائب عن الأبصار للميرزا النوري، حيث ذكر فيه تسعة وثلاثين شخصية من كبار علمائهم في تأييد المذهب الامامي حول الاعتقاد بالإمام المهدي4.[ii]
إن اغلب المتشيعين السنة يعتقدون ان الإمام المهدي4 هو من ولد الحسين7، أبوه الإمام الحسن العسكري7، ولد في النصف من شعبان سنة 255 هـ، له غيبتان، أحداهما صغرى، والأخرى كبرى، وهو الآن غائب عن الانظار، وانه يخرج في آخرالزمان «بحكمة ومشيئة إلهية»، ويخرج معه عيسى7، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
و من معتقداتهم ايضاً ان رجلاً يخرج من الشام يدعى السفياني قبل خروج المهدي4، فتبلع الأرض جيشه بالبيداء، ويظهر المهدي بلون عربي وجسم اسرائيلي، فيلتحقق به المسلمون سنّة وشيعة، ويلبون ندائه، وينصرونه بأموالهم وأنفسهم، وفيهم وزراء المهدي7، ثم يهبط عيسى بن مريم من السماء، على ناحية مأذنة دمشق الشرقية، والناس يصلون العصر خلف المهدي4، وينزل معه ملكان، فيقتدي عيسى7 بالإمام المهدي ويصلي خلفه، ويكسر عيسى الأصنام عند خروجه مع المهدي4، ويقتل الخنزير، وتتشبّه النساء بالرجال، وتكثر الشهوات، ويقتل اليماني في اليمن، وذوالنفس الزكية بين الركن والمقام، فترتفع صيحة في السماء، وهي من علائم ظهور الإمام المهدي4. وتخرج الرايات السود من خراسان، روي عنه6 انه قال: «اذا رأيتموهم، فالحقوا بهم ولو حبوا على الثلج». ويبايعون الامام7 في مكة، ثم يذهبون معه إلى الكوفة، ويبعث بجيوشه إلى الأمصار والمدن، فيفتح القسطنطينية، ويعمّ حكمه شرقا وغربا، ويظهر خلفه سحابا، فينادي المنادي: إن هذا جيش خليفة الله المهدي4.
فتخرج الأرض كنوزها، وتعمر البلاد الاما عمرها فترة حكمه، ويصل كل محتاج، وينادي المنادي: هذا المهدي، يحثو المال حثوا، ويقول7 في خطبته: أنا بقية الله، فلا يبقى في العالم نصراني ولايهودي يعبد غيرالله، ولا يرتضون لهم إلاّ الإسلام دينا، يدخلون فيه أفواجا، ولايعبدون غيرالله، يحكم سبعة أو ثمانية سنين، ولاخير في حكم بعد حكمه، وحياة بعد حياته.
إن الاعتقاد بالمهدي عند هذه الفرقة من أهل السنة له أهمية متميزة وخاصة، حيث تكتمل الابعاد المعنوية والاجتماعية في عمله، ويكتمل التوحيد والمبادئ والقيم، وينعم العالم بالسلام، وتصل المجتمعات إلى الكمال.
روي في بعض الاخبار: «أن رجلاً جاء ليتصدق على الفقراء، فلم يعثر على فقير ليتصدق عليه». وهذا الاعتقاد يقرب من اعتقاد الشيعة الامامية بالمهدي4، لكنه لايرقى إلى أداء الشيعة واعتقادهم فيه4.
إن الأمر المهم هو بيان بحث الغيبة للامام المهدي4، وأن لـه7 انجازات عالمية وكونية. ومن أبرز القائلين بهذا الاعتقاد من كبار علماء السنة هم:
محمد بن طلحة الشافعي (م 602 هـ) مؤلف مطالب الشمول في مناقب آل الرسول، أبوالفرج عبدالرحمن بن الجوزي الحنفي المعروف بسبط بن الجوزي (م 654 هـ) مؤلف تذكرة الخواص،[iii] ابن الصباغ المالكي (م 855 هـ) مؤلف الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة، محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (م 658 هـ) مؤلف البيان في أخبار صاحب الزمان، شمس الدين محمد بن طولون الحنفي (م 953 هـ) مؤلف الشذرات الذهبية في ترجمة الأئمة الاثني عشرية عند الامامية، عبدالوهاب الشعراني الشافعي (م 973 هـ) مؤلف اليواقيت والجواهر، ابن حجر الهيثمي المالكي (م 974 هـ)، مؤلف الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة،[iv] حمدالله المستوفي (م 750 هـ) مؤلف منتخب التواريخ، الخواجة محمد بارسا (م 822 هـ) مؤلف فصل الخطاب، الفضل بن روزبهان (م 972 هـ) مؤلف وسيلة الخادم إلى المخدوم،[v] عبدالواسع الباخرزي مؤلف مقامات الجامي، والملاحسين الكاشفي (م 910 هـ) مؤلف روضة الشهداء.[vi] ويمكن اضافة ابن خلكان (م 681 هـ)، وابن عربي (م 638 هـ) إلى هذا القسم رغم التناقض الواضح في كلامه.
[i] ـ انظر: مقدمة شرح نهجالبلاغة، ابن أبي الحديد، ويعتقد كافة معتزلة بغداد وبعض معتزلة البصرة بهذا الاعتقاد.
[ii] ـ ص 20-86، الطبعة الأولى ، منشورات مؤسسة النور للمطبوعات، بيروت 1408 هـ ق، ويشير هنا: إلى ان بعض من ذكر في هذا الكتاب في الفقه والكلام كانوا من الشيعة. ذكر داود الالهامي في كتاب «أئمة أهل البيت في اقوال أهل السنة» بعض آراء علماء أهل السنة حول الاعتقاد بالمهدي4 وأغلبهم من السنة المتشيعين. (تك: داود الالهامي، ائمة أهل البيت في أقوال أهل السنة، ص 479-507، الطبعة الأولى: انتشارات مكتب الإسلام، قم 1377 ش ق، رسول جعفريان، تاريخ التشيع في ايران، ص 725-732، الطبعة الأولى: منشورات انصاريان، قم، 1375 ش ق، وقد افرد جعفريان فصلاً خاصاً بالسنة الاثني عشر إماماً، وذكر أسماءهم.
[iii] ـ هو على خلاف السنة المتشيعين، فإنه قال بعصمة الأئمة7، مع ان كثيراً من أهل السنة المتشيعين لايقولون بذلك.
[iv] ـ ألف هذا الكتاب في الرد على الامامية، ولكنه قبل في نفس الوقت فكرة الإمام المهدي4 عند الشيعة الامامية.
[v] ـ الف كتابا اسماه نهج الباطل في الرد على كتاب نهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلّي، وكذا الرد على الإمامية، ولكنه في نفس الوقت قبل فكرة الإمام المهدي4.
[vi] ـ. في خصوص هؤلاء الاشخاص عدا كتب هؤلاء المصنفين والكتاب (طبعاً الكتب الموجودة عند المؤلف)، كنا قد ذكرنا ثلاثة كتب: للميرزا حسين النوري، داود الالهامي، ورسول جعفريان، وقد استفدنا كثيراً من كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة.