الفرق بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي :
السؤال : أرجو منكم توضيح الفارق : بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي ، وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي ؟
وببيان آخر : إنّ المعصوم في ذاته يمكن أن يصدر منه الخطأ ، فعدم ارتكابه للمعصية هو عن اختيار ، وذلك يرجع لانكشاف الواقع لـه كما هو ، أمّا بالإمكان الوقوعي فهو لا يمكن أن يعصي ، وذلك للزوم المحال في صدور المعصية منه خارجاً .
أرجو من سماحتكم بيان وجه المحالية بالشرح والتوضيح مع ضرب الأمثلة ، وهل يلزم من القول بمحالية وقوع المعصية منه خارجاً على نحو الإمكان الوقوعي كون الإمام مجبوراً وغير قادر على فعل المعصية خارجاً ؟
____________
1- غافر : 53 .
|
الصفحة 338 |
|
هذا هو سؤالي ، أرجو التوضيح التامّ للمسألة يخرج منه اللبس والإيهام ، ودمتم مسدّدين .
الجواب : العصمة هي مناعة وصيانة عن الوقوع في الخطأ والمعصية ، ولكن ليست هذه الحصانة تنفي قدرة واختيار المعصوم (عليه السلام) ، بل صدور الخطأ ممكن منه (عليه السلام) من حيث الفرض ، ولكن لا يقع عملاً ، وهذا ما يسمّى بالإمكان الوقوعي ، أي أنّ الزلل ممكن منه (عليه السلام) وقوعاً ـ وليس ممتنع ذاتاً ـ ولكن لا يرتكب المعصية ، وذلك وفقاً لأدلّة العصمة .
والمقصود من الاستحالة في المقام هي الاستحالة الوقوعية لا الذاتية ، وهذه الاستحالة الوقوعية هي نتيجة الاعتماد على أدلّة العصمة .
فالترتيب المنطقي للموضوع هكذا : إنّ صدور السلبيات من المعصوم (عليه السلام) ممكن نظرياً بالإمكان الوقوعي ، ولكن نظراً إلى أدلّة العصمة نلتزم باستحالة ذلك بالاستحالة الوقوعية .
فترى أنّ هذه الاستحالة لا تفرض حالة جبرية على المعصوم (عليه السلام) ، بل هي نتيجة الأخذ بأدلّة العصمة .
وإن شئت عبّرت عن الموضوع : بأنّ المعصوم (عليه السلام) لا يصدر منه الخطأ والمعصية في الخارج ، وإن كان صدورها منه (عليه السلام) ممكن الوقوع عقلاً .
( كميل . عمان . 22 سنة . طالب جامعة )
آية التطهير تدلّ على عصمة أهل البيت :
السؤال : يشكّك البعض في آية التطهير ، قائلين بأن لو كان بالفعل تدلّ على العصمة ، فلم حكم شريح القاضي على أمير المؤمنين لصالح ذاك اليهودي ؟ ولم يفعل مثل ذو الشهادتين ؟ فإن كان الإمام (عليه السلام) معصوماً وجب على شريح تصديقه .
الجواب : إنّ القواعد العلمية في كُلّ مجال تقتضي أن يفسّر المردّد أو المشكوك على ضوء المقطوع والمتيقّن ؛ وفي المقام : فإنّ دلالة آية التطهير لا يشوبها
|
الصفحة 339 |
|
شكّ ولا ريب في إفادتها العصمة لأهل البيت (عليهم السلام) ، وأمّا ما توهّم كنقض في هذا المجال فجوابه من وجوه :
1ـ إنّ الأدلّة القائمة على لزوم العصمة في الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) ليست منحصرة في آية التطهير فحسب ، بل وإنّ لها دلائل كثيرة عقلية ونقلية من الكتاب والسنّة ـ كما هو مقرّر في علم الكلام ـ .
2ـ إنّ في مسألة خزيمة ، كان طرف النبيّ (صلى الله عليه وآله) أعرابياً مسلماً ، وبحسب الظاهر كان يجب على هذا الأعرابي الإيمان بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) وعصمته وأقواله ، فلا يحقّ لـه أن يعارض قول النبيّ (صلى الله عليه وآله) أو أن يحاججه ، وشهادة خزيمة كانت من باب حفظ الظواهر والموازين ، وإلاّ لم تكن هناك حاجة إلى شهادة شاهد أساساً .
وأمّا في موضوع حكم شريح ، كانت الدعوى بين أمير المؤمنين (عليه السلام) ويهودي ، فحينئذ لا مجال لفرض قبول عصمة أمير المؤمنين (عليه السلام) في أقواله وأفعاله من جانب ذلك اليهودي ، وعليه فلابدّ وأن تكون الحكومة والقضاء بينهما بالطريقة المألوفة من الأيمان والبيّنات ، فنفذّ شريح الأسلوب القضائي المتعارف بين الناس ، مع غضّ النظر عن مقام الإمامة ، حتّى لا يتوجّه إشكال مبنائي بينه (عليه السلام) وبين اليهودي .
3ـ ليس لنا علم ويقين بأنّ أشخاصاً ـ كشريح ـ كانت لهم تلك المعرفة الحقيقية بمقام الإمام (عليه السلام) وعصمته ، حتّى تكون تصرّفاتهم على ضوء تلك العقيدة الصحيحة ؛ بل وإنّ البعض منهم كانوا يرون الإمام (عليه السلام) كخليفة ليس إلاّ ، وعليه فيمكن أن يكون أسلوب شريح في هذا الموضوع على ضوء هذا الاحتمال .
بقي أن نعلم بأنّ الإمام (عليه السلام) خوفاً من إثارة الفتن ، وحفظاً لمصالح عليا ، رجّح إبقاء أمثال شريح ـ مع ما كانوا عليه ـ في منصبه القضائي ، ريثما تتهيّأ الأرضية المناسبة لتبديله أو إقصائه .
|
الصفحة 340 |
|
( عبد الكريم . المغرب . 45 سنة . دكتوراه في الطبّ )
السؤال : لدّي إشكال في قضية انتفاء عصمة المرجعية عند الشيعة في عصرنا ؛ إذ أنّ تقليد غير المعصوم يفضي إلى إمكانية الخطأ ؛ والله تعالى يقول : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (1) ، وقولـه : { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ... } (2) .
الجواب : إنّ عقيدة الإمامية هي عصمة الإمام (عليه السلام) لا غيره ـ كما هو واضح ومبرهن بالأدلّة العقلية والنقلية ـ لأنّ العصمة في كُلّ شخص على خلاف الأصل ، إذ القاعدة الأوّلية في كُلّ إنسان السهو والغفلة والخطأ والنسيان ، إلاّ ما أخرجه دليل العصمة من شمول هذه القاعدة .
ومن جانب آخر نعلم بأنّ دليل العصمة لا يتولّى إثبات عصمة ما عدا المعصومين المعنيين (عليهم السلام) .
بقيت هنا نقطة فيها من الإبهام وهي : أنّه قد يتساءل البعض كيف نفرّق بين مقام الإمام (عليه السلام) والمجتهد ؟ ونلتزم بالعصمة في الأوّل دون الثاني ، إذ أنّهما كليهما يتولّيان زعامة الدين والطائفة ، فلماذا هذا التمييز ؟
والجواب يكمن في نحوية الزعامة والمسؤولية ، فالإمام المعصوم (عليه السلام) يلقى على عاتقه بيان الأحكام الواقعية المتلقّاة من مصادر الوحي والنبوّة ، وعليه فالعصمة شرط لازم في نطاق وظيفته ؛ وإلاّ فلا يمكن الاعتماد على أيّ حكم صادر منهم (عليهم السلام) بأنّه حكم إلهي .
____________
1- الأنعام : 164 .
2- البقرة : 166 .
|
الصفحة 341 |
|
وأمّا المجتهد فحوزة مسؤوليّته تقع في مجال السعي لحصول تلك الأحكام الواقعية ، فربّما يظفر على الحكم الواقعي ، وأحياناً يطبّق الحكم الظاهري ، وعلى أيّ حال فهو معرّض للخطأ في اجتهاده .
ثمّ إنّ الحكمة في هذا الاختلاف هي أنّ طروّ الخطأ والسهو في مجال وظيفة المجتهد ، لا يؤثّر في أركان العقيدة ، والمباني الأساسية للدين والمذهب ، إذ أنّ نطاق الاجتهاد هو بنفسه مضيّق ومحدود ، فمثلاً لا يجتهد المجتهد في أُصول الدين والمذهب ، والضروريات والموضوعات ، فلا تمسّ أخطاؤه المبدأ والعقيدة ، بخلاف احتمال خطأ الإمام (عليه السلام) ، فإنّه يضعضع أوامر السماء من الأساس ، فيتحتّم على المولى الحكيم أن يعصمه من الخطأ والزلل حذراً من تضييع الدين ؛ وهذا هو الفارق بين المقامين .
وأمّا مسألة اختلاف الأنظار والفتاوى ، فإنّه ممّا لابدّ منه بعد قبول أصل الاجتهاد ، ولكن هذا لا يصطدم مع أصل الدين والمذهب ، فإنّ الدين يبقى في كماله ، ولو أنّ فهم المجتهدين قد يختلف في تلقّيهم داخل ذلك النطاق المعترف به .
( ... . السعودية . سنّي . 25 سنة . طالب )
صلح الحسن وقتال الحسين لا ينفي عصمتهما :
السؤال : يزعم الرافضة أنّ الأئمّة معصومون ، فكيف تنازل الإمام الحسن المعصوم لمعاوية ؟ هل يعني هذا أنّ خلافة معاوية شرعية ؟ أم أنّ الحسن أخطأ ؟ وإذا كان مخطئاً كيف يتوافق هذا مع عقيدة العصمة ؟ ثمّ كيف تنازل عن الخلافة وقد نالها بنصّ إلهي كما تزعمون ؟
ولماذا خرج الحسين لمقاتلة الأُمويين ؟ وهو مخالف لما فعله الحسن من قبل ، فأيّهما كان مصيباً ، وأيّهما كان مخطئاً ؟
الجواب : إنّ الشيعة لا تعتقد شيئاً إلاّ على أساس الأدلّة والبراهين العقلية أو النقلية ، وتلتزم بأيّ مطلب يستدلّ عليه بالأدلّة الواضحة والجلية ، ولا تخشى
|
الصفحة 342 |
|
أيّ مانع في هذا المجال ؛ ولكن في نفس الوقت تتوقّع من الضمائر الحيّة والحرّة أن تنصف فيما تقول ، ثمّ لها الخيار في الحكم في المقام .
وأمّا ما طرحته من مسألة العصمة ، فإنّها مورد اتفاق الشيعة ، بما أنّها مستخرجة من الأدلّة القطعية من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ، وبعبارة أُخرى : إنّ دليل العصمة لم يكن دليلاً استقرائياً أو تمثيلياً ، بل هو دليل منتج من العقل والنقل .
وعليه فلا يتوهّم ورود النقض عليه ، إذ النقض لا يمكن وروده على الدليل القطعي ، فنستنتج أنّ النقوض المتوهّمة ليست على ما هي ، بل إنّها توهّمات خالية من الدلالة ، ثمّ بعد الفحص عنها نرى ماهية هذه التوهّمات كما يلي :
1ـ إنّ صلح الإمام الحسن (عليه السلام) لم يكن تنازلاً منه عن الإمامة الإلهية ، بل كان عملاً مرحلياً لكشف زيف معاوية في المجتمع الإسلامي ، فهو شبه مهادنة ، أو مصالحة مؤقّتة ، لأجل مصالح عامّة ـ قد ذكرت في مظانّها ـ ومعاوية لا يستحقّ الإمارة ، فكيف يستحقّ الخلافة ؟
ثمّ لا غرابة لهذا الموقف في سيرة المعصومين (عليهم السلام) ، فمثلاً بأيّ تفسير يجب أن نقتنع بصلح الحدبيية ؟ أليس النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان معصوماً في أفعاله وتصرّفاته ؟ وهل أنّ الصلح المذكور يقلّل ـ والعياذ بالله ـ من مرتبة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ؟ أو أنّه يعتبر تنازلاً ؟! فالصحيح أنّ أمثال هذه الموارد بأسرها هي من شؤون الإمام المعصوم (عليه السلام) ، وليس فيها أيّ إشعار أو إشارة بتنازل أو عدول عن الخطّ المستقيم .
2ـ إنّ موقف الحسين (عليه السلام) يختلف مع موقف أخيه الإمام الحسن (عليه السلام) في الظروف التي واجهها ، وذلك باختلاف معاوية عن يزيد في تصرّفاته ، فإنّ معاوية كان يتظاهر بالشعائر والالتزمات الدينية بحدّ وسعه ، لتغطية أفعاله الشرّيرة ، وهذا كان يسبّب ـ إلى حدّ كبير ـ التمويه على المسلمين ، فهم كانوا
|
الصفحة 343 |
|
لا يعرفونه حقّ المعرفة ، إلى أن عرّفه الإمام الحسن (عليه السلام) بتخليه الساحة لـه مؤقّتاً ، حتّى يراه المسلمون كما هو ، ويتّضح لهم ما كان وما يريد .
وعلى العكس فإنّ يزيد لم يكن يرى أيّ إحراج في إعلانه الفسوق والعصيان ، وإظهاره شعائر الكفر والشرك علانية ، فلا يبقى فرض مدّة أو طريقة لتعريفه لدى المسلمين ، بل أنّ الواجب كان يلزم على الإمام الحسين (عليه السلام) أن يقوم في وجهه حفظاً لدين جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) من التلاعب بيد الطغمة الظالمة ، المتمثّلة في كيان الخلافة آنذاك .
وبعد ذلك ألسنا نرى التمايز في ظروف زمانهما الذي ولّد اختلاف موقف أحدهما عن الآخر (عليهما السلام) .
( علي . المغرب . سنّي . 28 سنة . طالب جامعة )
ردّ توهّمات أهل السنّة في عصمة النبيّ :
السؤال : تعتقد الشيعة على خلاف أهل السنّة العصمة التامّة والكاملة للرسول محمّد (صلى الله عليه وآله) ، حتّى في الشؤون المتعلّقة بالحياة المعيشية ، فما قولكم في المسألة ؟
خاصّة وأنّ الكثير من النصوص القرآنية والشواهد التاريخية تثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشكّ ـ ما يذهب إليه أهل السنّة ، فما قولكم في واقعة أسرى بدر ؟ وترخيصه لبعض من تخلّف من المقاتلين في عدم المشاركة في الجهاد ، أو النزول عند الموقع المحدّد في واقعة بدر الكبرى ، وكذلك تأبير النخل في الحديث المشهور عنه (صلى الله عليه وآله) : " أنتم أعلم بشؤون دنياكم " حين بدا لـه عدم صواب رأيه ؟
المرجو إيفادنا بالشرح المستفيض والدقيق ، معزّزاً بالأدلّة الشرعية من مصادر أهل السنّة ، وكذلك الشيعة ما أمكن ، لكُلّ حادثة من الحوادث المذكورة أعلاه ، ولكم جزيل الشكر والامتنان .
|
الصفحة 344 |
|
الجواب : إنّ الأدلّة القائمة على العصمة التامّة ـ للأنبياء (عليهم السلام) عموماً ، ولنبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) خصوصاً ـ أدلّة عقلية ونقلية لا يعتريها الشكّ والريب ـ كما قرّر في محلّه ـ وعليه فلابدّ من تأويل ما جاء خلافه ـ إن صحّ سنده ـ فإنّ ما يوهم خلاف تلك القاعدة مردود ، إذ أنّ القاعدة المذكورة لم تبتن على الأمثلة حتّى يرد عليها النقض ، بل يجب أن يفسّر كُلّ حادث على ضوء تلك القاعدة .
ثمّ إنّ ما ذكرتموه في المقام ، لا يصلح لأن يكون مورداً للنقض لما يلي :
أوّلاً : إنّ ما ذكر في بعض كتب السير والتاريخ ـ من أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد نزل أدنى ماء ببدر أوّلاً ، وثمّ بعد ما أشار عليه الحباب بن المنذر بأن ينزل أدنى ماء من القوم ، ويصنع أحواضاً ويمنع المشركين من الماء ، صوّب الرسول (صلى الله عليه وآله) رأيه وأمر بتنفيذه ـ لم يصحّ لوجوه :
منها : إنّ المشركين هم الذين سبقوا بالنزول في بدر ، ولا يعقل أن ينزلوا في مكان لا ماء فيه ، ويتركوا الماء لغيرهم من المسلمين .
ومنها : إنّ العدوة القصوى التي نزلها المشركون كان فيها الماء ، وكانت أرضاً لابأس بها ، على العكس ممّا نزلها المسلمون ، وهي العدوة الدنيا ، إذ كانت غبار تسوخ فيها الأرجل ، ولم يوجد فيها الماء (1) .
ومنها : إنّ ابن الأثير ـ من أصحاب السير ـ ينصّ على أنّ المشركين وردوا الحوض ، فأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن لا يعترضوهم (2) .
ومنها : إنّ المنع من الماء لا ينسجم مع أخلاقيات ومبادئ الإسلام ونبيّه الأعظم (صلى الله عليه وآله) .
____________
1- فتح القدير 2 / 311 ، شرح نهج البلاغة 14 / 118 ، جامع البيان 10 / 14 ، زاد المسير 3 / 246 ، الجامع لأحكام القرآن 8 / 21 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 326 ، الدرّ المنثور 3 / 166 ، الطبقات الكبرى 2 / 27 .
2- الكامل في التاريخ 2 / 123 .
|
الصفحة 345 |
|
فإذاً ، الصحيح هو الرواية التي تقول بأنّ المسلمين لم يكونوا على الماء ، فأرسل الله السماء عليهم ليلاً حتّى سال الوادي ، فاتخذوا الحياض كما جاء في الذكر الحكيم : { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ } (1) ، وهذا هو سرّ بناء الأحواض لا ما ذكروه .
ثانياً : إنّ البعض قد ذكروا : أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) رخّص طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وعثمان في عدم المشاركة في بدر ، ثمّ ضرب لهم سهامهم من الغنائم .
وهذا أيضاً من الموضوعات ، إذ جاء في بعض الكتب : أنّ العلّة للتخلّف في الأوّليين ـ طلحة وسعيد ـ هو التجسّس لخبر العير بأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) (2) ، وجاء في بعضها الآخر : أنّهما كانا في تجارة إلى الشام (3) ؛ فإذا كانت العلّة هذه ، هل يعقل أن يضرب لهما سهامهما من الغنائم ؟! خصوصاً أنّ السيوطي وغيره ينكران هذه الفضيلة لغير عثمان (4) .
وأمّا في مورد عثمان ، فإنّ الرواية التي تذكر علّة تخلّفه ـ أنّها لتمريض زوجته رقية بأمر الرسول (صلى الله عليه وآله) ـ متعارضة مع الرواية التي تصرّح بأنّ العلّة هي إصابة عثمان نفسه بالجدري (5) .
____________
1- الأنفال : 11 .
2- السيرة الحلبية 2 / 203 ، أُسد الغابة 2 / 307 ، تاريخ المدينة 1 / 219 ، سبل الهدى والرشاد 4 / 19 .
3- التنبيه والإشراف : 205 ، المستدرك 3 / 368 ، الاستيعاب لابن عبد البر 2 / 765 ، المعجم الكبير 1 / 110 .
4- السيرة الحلبية 2 / 254 .
5- المصدر السابق 2 / 253 .
|
الصفحة 346 |
|
وأيضاً كان بعض المسلمين يعيّرون عثمان بعدم حضوره في بدر ، وهذا لا ينسجم مع رخصته فيه ، إذ كيف خفي هذا العذر على مثل عبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود (1) .
وأخيراً : لقد جاء في حديث مناشدة علي (عليه السلام) لأصحاب الشورى ـ وفيهم طلحة وعثمان ـ قولـه : " أفيكم أحد كان لـه سهم في الحاضر وسهم في الغائب " ؟ قالوا : لا (2) ، وهذا يفنّد كلام القوم من الأساس !!
ثالثاً : إنّ ما يذكر من خطأ اجتهاد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ والعياذ بالله ـ في موضوع أُسرى بدر لا أساس لـه من الصحّة ، فالآية التي يشير إليها البعض في المقام { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لـه أَسْرَى ... } (3) في وزان إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، فالمقصود من الآية المسلمون لا النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، إذ أنّ الالتزام به يكون بمعنى مخالفة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأوامر الوحي ، وهذا محالّ .
ولكنّ المعنى أنّ الصحيح في المقام هو الحكم الأوّلي في شأن الأسرى ببدرٍ كان القتل ، وهو حكم خاصّ بهم ، لا أنّ الفداء لا يحلّ أبداً في الأسرى ، إذ قد عمل به ـ الفداء ـ في واقعة عبد الله بن جحش قبل بدر بأزيد من عام ، ولم ينكره الله تعالى (4) ، وبعدما أصرّ المسلمون على مخالفة ذلك الحكم الأوّلي ، عاتبهم الله تعالى فاستحقّوا العذاب ثمّ عفا عنهم .
ويدلّ عليه أنّه جاء في بعض النصوص : أنّ جبرائيل (عليه السلام) أخبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بكراهة ما صنعه قومه من أخذ الفداء ، وأخبره بأنّ الله أمره أن يخيّرهم بين قتل الأسرى وأخذ الفداء ، على أن يقتل منهم في المستقبل بعددهم ، فرضوا بالفداء
____________
1- مسند أحمد 1 / 68 و 75 ، مجمع الزوائد 7 / 226 ، الدرّ المنثور 2 / 89 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 428 ، تاريخ مدينة دمشق 39 / 258 ، البداية والنهاية 7 / 231 .
2- كنز العمّال 5 / 725 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 435 .
3- الأنفال : 67 .
4- السيرة الحلبية 2 / 263 .
|
الصفحة 347 |
|
والشهادة (1)، وعلى الأخصّ فقد نصّ البعض على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) مال إلى القتل (2) .
رابعاً : إنّ حديث تأبير النخل ـ بالشكل الذي نقلوه ـ لا يوافق العقل والنقل ، لوجوه :
منها : إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يعيش في منطقة تغصّ بالنخل ، فهل يعقل أنّه لم يكن يعرف تأثير تأبير النخل وفائدته ؟ وأنّ النخل لا ينتج بدونه ؟! والحال نرى أنّ الرواية المزعومة تقول : بأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) نفى لزوم التأبير فتركوه .
ومنها : كيف نصدّق بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) يرضى بإدخال ذلك الضرر الجسيم عليهم ـ عدم نتاج نخلهم ـ بتصرّفه فيما ليس من اختصاصه ؟!
ومنها : إنّه (صلى الله عليه وآله) كيف يقول لهم ـ حسب الرواية المذكورة ـ أنّ العملية كانت من ظنونه ـ والعياذ بالله ـ وليس لهم أن يؤاخذوه بالظنّ ، في الوقت الذي كان يحثّ الناس على كتابة ورواية ما يصدر عنه (3) .
وصفوة القول : أنّ العصمة لها أدلّتها القيّمة من العقل والنقل ، فلا تنثلم بما نقل بخلافها مع وهن السند والدلالة .
( أحمد الأسدي . اندونيسيا . 26 سنة . خرّيج ثانوية )
النبيّ لم يكن مخاطباً في قولـه : { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ... } :
السؤال : قال تعالى : { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ ... } (4) .
____________
1- المصنّف للصنعاني 5 / 209 ، الطبقات الكبرى 2 / 22 ، عيون الأثر 1 / 373 ، الدرّ المنثور 3 / 202 .
2- الكامل في التاريخ 2 / 136 .
3- مجمع الزوائد 1 / 139 ، 151 ، الجامع الصغير 1 / 404 ، كنز العمّال 10 / 224 و 229 .
4- الكهف : 23 ـ 24 .
|
الصفحة 348 |
|
كيف يخاطب القرآن النبيّ هكذا ؟ ونحن نعرف عصمة النبيّ عن الخطأ ، هل النبيّ نسي أن يقول أن شاء الله ؟ أجيبوا جزاكم الله .
الجواب : الآية الكريمة لا تنافي العصمة عند النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، إذ الخطاب موجّه للمكلّفين ، والقرآن نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة ، وليس هو خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله) .
ثمّ على قول من قال أنّه خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله) ، فليس فيه ما يسيء إلى عصمته (صلى الله عليه وآله) ، إذ ذلك من الله تعالى تذكير لـه (صلى الله عليه وآله) ، بأنّ كُلّ أمر موقوف على إرادته واشائته ، فإن شاء كان ، وإن لم يشأ لم يكن ، وهو (صلى الله عليه وآله) غيرُ غافلٍ عن ذلك ، وقد شهد الله تعالى لـه بذلك ، فقال : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (1) ، وقال (صلى الله عليه وآله) : " أدّبني ربّي فأحسن تأديبي " (2) .
وقد كانت سنّة الأنبياء تعليق كُلّ شيء على إرادته تعالى ، فقال تعالى حكاية عن موسى : { قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا } (3) ، وقال حكاية عن شعيب : { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } (4) ، وقال حكاية عن إسماعيل : { قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } (5) .
وهكذا هي سنّة الأنبياء في مخاطباتهم ، بل تعليق الفعل على إرادته سيرة الصالحين ، فكيف بخيرة الصالحين وخاتم الأنبياء والمرسلين يصدر منه خلاف إرادته تعالى ، ومن ثمّ يعاتب عليه ؟ فثبت أنّ ذلك خطاب للمكلّفين دونه (صلى الله عليه وآله) .
____________
1- القلم : 4 .
2- شرح نهج البلاغة 11 / 233 ، الجامع الصغير 1 / 51 ، كشف الخفاء 1 / 70 .
3- الكهف : 69 .
4- القصص : 27 .
5- الصافات : 102 .
|
الصفحة 349 |
|
( حبيب . الدانمارك . سنّي حنفي . 20 سنة )