ثم إن قاضي القضاة ذكر في شرح المقالات لأبي القاسم البلخي: أن أبا علي ما مات، حتى قال بتفضيل علي عليه السلام، وقال: إنه نقل ذلك عنه سماعاً، ولم يوجد في شئ من مصنفاته، وأنه يوم مات استدعى ابنه أبا هاشم إليه - وكان قد ضعف عن رفع الصوت - فألقى إليه أشياء، من جملتها القول:
بتفضيل علي عليه السلام.
هذا وقد ذهب إلى تفضيل الإمام علي - من البصريين أيضاً - أبو عبد الله الحسين بن علي البصري رضي الله عنه وكان متحققاً في تفضيله، حتى أنه صنف فيه كتاباً مفرداً، وكذا قاضي القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد، وقد كان متوقفاً، ثم قطع على تفضيل الإمام علي بكامل المنزلة، وهناك أيضاً أبو محمد الحسن بن متوية صاحب التذكرة، وقد نص في كتاب الكفاية على تفضيله للإمام علي، عليه السلام، على أبي بكر، رضي الله عنه، واحتج لذلك، وأطال الاحتجاج.
ويقول ابن أبي الحديد: وأما نحن فنذهب إلى ما يذهب إليه شيوخنا البغداديون من تفضيله عليه السلام، وبينا في كتبنا الكلامية معنى الأفضل،
____________
(1) حديث الطائر رواه الترمذي في صحيحه 2 / 299، وابن الأثير في أسد الغابة 4 / 110 - 111، والهيثمي في مجمعه 9 / 126، والحاكم في المستدرك 3 / 130، والإمام أحمد في فضائل الصحابة 2 / 560 - 562، والبخاري في الكبير 1 / 202، 1 / 1 / 385، والذهبي في تذكرة الحفاظ 4 / 1042، والمحب الطبري في الرياض النضرة 2 / 211، وابن كثير في البداية والنهاية 7 / 351.
|
الصفحة 163 |
|
وهل المراد الأكثر ثواباً، أو الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة، وبينا أن الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، هو الأفضل وعلى التفسيرين معاً (1).
ويقول ابن الحديد: وأما الذي استقر عليه رأي المعتزلة - بعد اختلاف كثير بين قدمائهم في التفضيل وغيره - أن علياً عليه السلام أفضل الجماعة، وأنهم تركوا الأفضل لمصلحة رأوها، وأنه لم يكن هناك نص يقطع العذر، وإنما كانت إشارة وإيماء، لا يتضمن شئ منها صريح النص، وأن علياً عليه السلام، نازع ثم بايع، وجمح ثم استجاب، ولو أقام على الامتناع لم نقل بصحة البيعة، ولا بلزومها، ولو جرد السيف - كما جرده في آخر الأمر - لقلنا بفسق كل من خالفه على الإطلاق، - كائناً من كان - ولكنه رضي بالبيعة أخيراً، ودخل في الطاعة.
وبالجملة، أصحابنا (المعتزلة) يقولون: إن الأمر كان له، وكان هو المستحق والمتعين، فأن شاء أخذه لنفسه، وإن شاء ولاه غيره، فلما رأيناه قد وافق على ولاية غيره، اتبعناه ورضينا بما رضي (2) به.
وأما الشيعة فيؤمنون بالنص على الإمام علي، وقد وضعت الشيعة الإمامية العديد من الكتب في النص على الإمام علي عليه السلام، وجمعوا فيها الآيات والأحاديث من طرق الشيعة والسنة، سواء بسواء، ومن أشهر هذه الكتب:
الشافي للمرتضى، ونهج الحق للعلامة الحلي، والجزء الثاني من دلائل الصدق للمظفر، ونقض الوشيعة، والجزء الأول من أعيان الشيعة للسيد الأمين، والمراجعات لشرف الدين، والغدير للأميني (3).
وسوف نناقش هذه الأدلة - من القرآن والسنة - في مكانها من هذه المدرسة (الإمام علي والإمامة) وهو الجزء الثاني من هذا الكتاب.
____________
(1) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 20 / 222 - 226.
(2) شرح نهج البلاغة 10 / 226 - 227، أحمد صبحي: المذهب الزيدي ص 51.
(3) محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 429 - 439.
|
الصفحة 164 |
|
وعلى أية حال - وعوداً على رأي الزيدية في إمامة المفضول - فإن الإمام زيد، إنما يرى أن الإمامة يجب أن تكون مقصورة على الفاطميين - أبناء الإمام علي بن أبي طالب من سيدة نساء العالمين، السيدة فاطمة الزهراء - ولا تجوز أبداً إمامة غيرهم (1). وإن ذهب رأي شاذ قال بعضهم الزيدية، يجيز الإمامة في غير الفاطميين، من ولد علي عليه السلام (2).
وهكذا فقد جوز معظم الزيدية أن كل فاطمي زاهد عالم شجاع سائس عادل سخي، خرج بالإمامة إنما يكون إماماً واجب الطاعة، سواء كان من أولاد الحسن أو الحسين (3)، وقد سار على هذا المذهب أكثر علماء الحديث والفقهاء منهم سفيان الثوري وسفيان بن عيينة (4).
ويرجع الإمام يحيى بن الحسين أن السبب في اشتراط الإمام زيد أن يكون الإمام فاطمياً، أنه يرى أن أبناء سيدة نساء العالمين - فاطمة الزهراء - إنما
____________
(1) يحيى بن الحسين: رسائل العدل والتوحيد 2 / 76، ابن النديم: الفهرست ص 253، القلقشندي: صبح الأعشى 13 / 228، المقريزي: الخطط 2 / 352، تارخ ابن خلدون 1 / 165، 4 / 3، المقدمة ص 197، 200، شرح نهج البلاغة 9 / 87، الشهرستاني: الملل والنحل 1 / 159 - 160.
(2) شرح نهج البلاغة 9 / 87.
(3) الشهرستاني: الملل والنحل 1 / 160، المقريزي: الخطط 2 / 352.
(4) سفيان بن عيينة: أبو محمد سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، من الكوفة ثم انتقل إلى مكة، كان إماماً عالماً، ثبتاً حجة زاهداً ورعاً، مجمعاً على صحة حديثه وروايته، روى عن أعيان العلماء كالزهري، وعمرو بن دينار، ومحمد بن المنكدر، وأبي الزناد، والأعمش وغيرهم، وروى عنه الإمام الشافعي وشعبة بن الحجاج وابن إسحاق وابن جريح والزبير بن بكار وعمه مصعب، وعبد الرازق بن همام الصنعاني، ويحيى بن أكثم القاضي وخلق كثير. وقد ولد سفيان بالكوفة في منتصف شعبان سنة 107 هـ، وتوفي يوم السبت آخر جمادى الآخرة وقيل أول رجب عام 198 هـ، ودفن بالحجون بمكة (أنظر: وفيات الأعيان 2 / 391 - 393، تاريخ بغداد 9 / 174، حلية الأولياء 7 / 270 - 318، صفوة الصفوة 2 / 130، تهذيب التهذيب 4 / 117، ميزان الاعتدال 2 / 170، العقد الثمين 4 / 591، طبقات ابن سعد 5 / 497، شذرات الذهب (1 / 354 - 355).
|
الصفحة 165 |
|
سيقيمون أكثر من غيرهم عمود الدين، وسنن الإسلام (2).
على أن الشيعة الإمامية إنما تحصر الإمامة في أولاد مولانا الإمام الحسين، دون غيرهم من العلويين (2)، كما أن الشيعة الإمامية لا ترى إمامة المفضول، الأمر الذي سنشير إليه بالتفصيل، فيما بعد.
وذهبت الحجرية - أتباع سليمان بن حجر الزيدي - إلى أن الإمامة شورى، وأنها تنعقد بعقد رجلين من خيار الأمة، وأجاز إمامة المفضول، وأثبت إمامة أبي بكر وعمر، وزعم أن الأمة تركت الأصلح في البيعة لهما، لأن علياً كان أولى بالإمامة منهما، إلا أن الخطأ في بيعتهما لم يوجب كفراً، ولا فسقاً (3).
هذا وقد اختلف أهل السنة في إمامة المفضول، فأباها شيخنا أبو الحسن الأشعري (260 - 324 هـ/ 874 - 935 م)، وأجازها القلانسي (4).
وأما إمام الحرمين - أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني (419 - 478 هـ/ 1028 - 1085 م) - فالرأي عنده: أن الذي يقع التعرض له من الفضل، والقول في الفاضل والمفضول، ليس هو على أعلى القدر والمرتبة وارتفاع الدرجة، والتقرب إلى الله تعالى في عمله، فرب ولي من أولياء الله، هو قطب الأرض، وعماد العالم، ولو أقسم على الله لأبره، وفي العصر من هو أصلح منه للقيام بأمور المسلمين، فالمعنى بالفضل استجماع الخلال التي يشترط اجتماعها في المتصدي للإمامة.
____________
(1) يحيى بن الحسين: رسائل العدل والتوحيد.
(2) البغدادي: الفرق بين الفرق ص 22 - 23، تاريخ ابن خلدون 1 / 161، شرح نهج البلاغة 9 / 87، الشهرستاني: الملل والنحل 2 / 4 / ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل 4 / 77.
(3) البغدادي: الفرق بين الفرق ص 32 - 33.
(4) نفس المرجع السابق ص 352.
|
الصفحة 166 |
|
ومن ثم فقد صار طوائف من أئمتنا إلى تجويز عقد الإمامة للمفضول، مع التمكن من العقد للأفضل الأصلح، واعتلوا بأن المفضول، إذا كان مستجمعاً للشرائط المرعية، فاختصاص الفاضل بالمزايا، اتصاف بما لا تفتقر الإمامة إليه، فإذا عقدت الإمامة لمن ليس عارياً عن الخلال المعتبرة، استقلت بالصفات التي لا غنى عنها، ولا مندوحة، وليس للفضائل نهاية وغاية.
هذا وقد ذهب معظم المنتمين إلى الأصول من جلة الأئمة، إلى أن الإمامة لا تنعقد للمفضول، مع إمكان العقد للفاضل، ثم تحزب هؤلاء حزبين، وتصدعوا صدعين، فذهب فريق إلى أن المسألة من المظنونات التي لا تتطرق إليها أساليب العقول، ولا قواطع الشرع المنقول.
ثم يرى أنه لا خلاف، إذا عسر عقد الإمامة للفاضل، واقتضت مصلحة المسلمين تقديم المفضول، وذلك لصغو الناس، وميل أولي النجدة والبأس إليه، ولو فرض تقديم الفاضل لاشرأبت الفتن، وثارت المحن، ولم نجد عدداً، وتفرقت الأجناد بدداً، فإذا كانت الحاجة في مقتضى الإيالة تقتضي تقديم المفضول قدم لا محالة، إذ الغرض من نصب الإمام استصلاح الأمة، فإذا كان في تقديم الفاضل اختباطها وفسادها، وفي تقدم المفضول ارتباطها وسدادها تعين إيثار ما فيه من صلاح الخليفة، باتفاق أهل الحقيقة، ولا خلاف أنه لو قدم فاضل، واتسقت له الطاعة، ونشأ في الزمن من هو أفضل منه، فلا يتبع عقد الإمامة للأول بالقطع والرفع.
ثم يعود الجويني - في نهاية الفصل - فيكرر قوله: بأن الأفضل هو الأصلح، فلو فرضنا مستجمعاً للشراط، بالغاً في الورع الغاية القصوى، وقدمنا آخر أكفأ منه، وأهدى إلى طرق السياسة والرياسة، وإن لم يكن في الورع مثله، فالأكفأ أولى بالتقدم.
ولو كان أحدهما أفقه، والثاني أعرف بتجنيد الجنود، وعقد الألوية
|
الصفحة 167 |
|
والبنود، وجر العساكر والمقانب (جمع مقنب، هي الجماعة من الخيل دون المائة تجتمع للغارة)، وترتيب المراتب والمناصب، فلينظر ذو الرأي إلى حكم الوقت، فإذا كانت أكناف خطة الإسلام إلى الاستقامة، والممالك منتفضة عن ذوي العرامة، ولكن إذا ثارت بدع وأهواء، واضطربت مذاهب ومطالب وآراء، والحاجة إلى من يسوس الأمور الدينية أمس، فالأعلم أولى.
وإن تصورت على الضد، مما ذكرنا، ومست الحاجة إلى شهامة وصرامة، وبطاش، يحمل الناس على الطاعة ولا يحاش، فالأشهم أولى بأن يقدم (9).
ويذهب ابن أبي الحديد (586 - 656 هـ) إلى أن أحق الناس بالإمامة أقواهم عليها، وأعملهم بحكم الله فيها، وهذا لا ينافي في مذهب أصحابنا البغداديين من المعتزلة في صحة إمامة المفضول، لأنه ما قال: إن إمامة غير الأقوى فاسدة، ولكنه قال: إن الأقوى أحق، وأصحابنا لا ينكرون أنه - أي الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أحق ممن تقدمه بالإمامة، مع قولهم بصحة إمامة المتقدمين، لأنه لا منافاة بين كونه أحق، وبين صحة إمامة غيره (2).
ثم إن رأي ابن أبي الحديد هذا، إنما هو ترديد لقول سيدنا الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - أيها الناس: إن أحق الناس بهذا الأمر، أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه، فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل (3).
____________
(1) أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني: الغياثي - غياث الأمم في الثبات الظلم - تحقيق عبد العظيم الديب - الدوحة 1400 هـص 164 - 1271.
(2) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 9 / 328 (بيروت 386 م / 1967 م).
(3) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 9 / 328، الإمام محمد عبده: نهج البلاغة - تحقيق محمد أحمد عاشور، ومحمد إبراهيم البنا - كتاب الشعب ص 199.
|
الصفحة 168 |
|
عاشراً: الإمامة عند الشيعة الإمامية
يقول سيدنا الإمام علي بن موسى الرضا (148 - 203 هـ/ 765 - 818 م):
إن الإمام زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين، إن الإمامة أس الإسلام النامي، وفرعه السامي، وبالإمام توفير الفئ والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف، الإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، وهو الأمين الرفيق، والوالد الرقيق، والأخ الشفيق، ومفزع العباد، أمين الله في أرضه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، الداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله، عز المسلمين، وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين (1).
وفي رواية الكليني (أبو جعفر بن محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني - المتوفى 328 هـ(939 م)، قال الإمام الرضا: إن الإمام زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين إن الإمامة أس الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمامة تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج، وتوفير الفئ والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف، الإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى
____________
(1) السيد حسين يوسف مكي: عقيدة الشيعة في الإمام الصادق وسائر الأئمة ص 38 - 39 (دار الزهراء - بيروت 1407 هـ/ 1987 م) الكليني: كتاب أصول الكافي ص 96 - 97 (فارس 1281 هـ)، عطية مصطفى مشرفة: نظام الحكم بمصر في عصر الفاطميين (358 - 567 هـ/ 968 - 2271 م) ص 77 دار الفكر العربي - القاهرة 1367 هـ/ 1948 م).
|
الصفحة 169 |
|
سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة، المجللة بنورها العالم، وهي في الأفق، بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار.
الإمام البدر المنير، والسراج الظاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي... الإمام المطهر من الذنوب، والمبرأ من العيوب، المخصوص بالعلم، المرسوم بالحلم... معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعبادة، مخصوص بدعوى الرسول، ونسل المطهرة البتول... فهو معصوم مؤيد، موفق مسدد، قد أمن من الخطأ والزلل والعثار، يخصه الله بذلك، ليكون حجته على عباده، وشاهده على خلقه (1).
ويقول الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق (80 - 83 هـ/ 699 - 703 م - 148 هـ/ 765 م): إن الله - عز وجل - أعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل، إن زاد المؤمنون شيئاً ردهم، وإن نقصوا شيئاً أتمهم، وهو حجة الله على عباده (2).
والإمامة - عند الشيعة الإمامية - رياسة عامة في أمور الدين والدنيا، لشخص من الأشخاص، نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم (3)، ومن ثم فإن الناس متى كان لهم رئيس، منبسط اليد، قاهر عادل، يردع المعاندين، ويقمع المتغلبين، وينتصف للمظلومين من الظالمين، اتسقت الأمور، وسكنت الفتن، وردت المعائش، وكان الناس - مع وجوده - إلى الصلاح أقرب، ومن الفساد أبعد، ومتى خلوا من رئيس - صفته ما ذكرناه - تكدرت معائشهم وتغلب القوي على الضعيف، وانهمكوا في المعاصي، ووقع الهرج والمرج، وكانوا إلى الفساد أقرب، ومن الصلاح أبعد، وهذا أمر لازم لكمال العقل (4).
____________
(1) الكليني: كتاب أصول الكافي ص 84 - 86.
(2) أنظر: الجزائري: المبسوط في إثبات إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ص 9 (ط الحيدرية - النجف 1954 م)، البرسي: مشارق أنوار اليقين ص 162 (دار الفكر - بيروت 1384 هـ).
(3) الطوسي: تلخيص الشافي 1 / 201 (النجف 1965 م).
(4) المفيد: النكت الاعتقادية ص 39 (بغداد 1343 هـ).
|
الصفحة 170 |
|
وترى الشيعة الإمامية أن النبوة لطف (1)، ولما كانت الإمامة لطفاً (2)، فلذلك كل ما دل على وجوب النبوة، فهو دال على وجوب الإمامة، خلافة عن النبوة، قائمة مقامها، إلا من تلقى الوحي الإلهي بلا واسطة (3).
وترى الشيعة الإمامية عهد من إلى الأئمة، وتستدل على ذلك بقول مولانا الإمام جعفر الصادق، رضي الله عنه،: أترون أن الوصي منا، يوصي إلى من يريد؟ لا، ولكنه عهد من الله ورسوله لرجل فرجل، حتى ينتهي الأمر صاحبه (4).
هذا وترى كذلك أن الإمامة بالنص من الله ورسوله، وأن الأئمة منصوص عليهم (5).
على أن الجويني إنما يعارض ذلك، فيقول: ذهبت الإمامية إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما قد نص على علي رضي الله عنه في الإمامة، وتولي الزعامة، ثم تحزبوا أحزاباً.
فذهبت طوائف منهم إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على خلافة الإمام علي علي رؤوس الأشهاد، نصاً قاطعاً، لا يتطرق إليه مسالك الاجتهاد، ولا يتعرض له سبيل الاحتمالات، وتقابل الجائزات، وشفي من محاولة البيان كل غليل، واستأصل مسلك كل تأويل.
وليس ذلك النص مما نقلته الأثبات، والرواة الثقات، من الأخبار التي تلهج بها الآحاد، وينقلها الأفراد، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه (6) فعلي
____________
(1) المفيد: النكت الاعتقادية ص 47، المرتضى: الشافي ص 2، الطوسي: فصول العقائد ص 36.
(2) السبوري: النافع يوم الحشر ص 62 (قمم 1367 هـ).
(3) الكليني: الكافي 1 / 227.
(4) نبيلة عبد المنعم داود: نشأة الشيعة الإمامية - بغداد 1968 ص 311 - 312.
(5) الجويني: الغياثي ص 27 - 30.
(6) أنظر عن حديث الموالاة هذا (الإمام ابن حنبل: فضائل الصحابة 2 / 598 - 599، صحيح
=>
|
الصفحة 171 |
|
مولاه، وقوله صلى الله عليه وسلم، لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى (1)، إلى غيرها.
وذهب فريق من الزيدية إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما نص على معين في الخلافة، ولكنه صلى الله عليه وسلم، ذكر بالمرامز والملامح والمعاريض والصرايح، الصفات التي تقتضي الإمامة استجماعها، فكانت متوافية في الإمام علي، دون من عداه وسواه، فضلت الأمة، إذ وضعت الإمامة فيمن لم يتصف بتلك الصفات، ولم يتسم بتلك السمات.
وعلى أية حال، فسرعان ما تشوفت طائفة من أهل السنة إلى ادعاء النص على أبي بكر، رضي الله عنه، وذهبت طائفة أخرى - عرفوا بالعباسية - إلى الزعم بأن النبي عليه السلام، إنما نص على عمه العباس وخصصه بالإمامة من دون الناس (2).
____________
<=
الترمذي 2 / 298، صحيح ابن ماجة ص 12، المستدرك للحاكم 2 / 129، 3 / 109 - 110، 116، 533، 371، كنز العمال 1 / 48، 6 / 83، 397، تهذيب الخصائص للنسائي ص 50 - 54 (أحاديث أرقام: 60، 66، 67، 68، 69، 70، 71، 72، 73، 74) مسند الإمام أحمد 4 / 372، 4 / 281، الرياض النضرة 2 / 226، أسد الغابة 1 / 374، 3 / 139، 171، 4 / 108، 6 / 252، مجمع الزوائد 9 / 104، 105، 106، 107، 108، 119، 116، مشكل الآثار 2 / 307، مسند الطيالسي 1 / 23، فيض القدير 6 / 217. وقال ابن حجر: وهذا حديث كثير الطرق جداً، استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وسنعود لهذا الحديث بالتفصيل في مكانه من هذه الدراسة.
(1) أنظر عن حديث المنزلة هذا (صحيح البخاري 5 / 24، 6 / 3، صحيح مسلم 15 / 173 - 176، تهذيب الخصائص للنسائي ص 19 - 20، 28، 29، 39، 40، 41، 42، 43، 44، 45، 46، 47، (أحاديث أرقام 8، 9، 31، 41، 42، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 49، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 58، 112) الإمام ابن حنبل: فضائل الصحابة الجزء الثاني: (أحاديث أرقام 954، 956، 1006، 1041، 1045، 1079، 1091، 1093، 1131، 1143، 1153، 1168)، كنز العمال 3 / 154، 5 / 40، 6 / 154، 188، 395، 405، الطبقات الكبرى 3 / 14، 15، حلية الأولياء 4 / 345، 7 / 195 - 196، مجمع الزوائد 9 / 109 - 110، تحفة الأحوذي 10 / 228، الإستيعاب 3 / 34، الإصابة 2 / 509، صحيح الترمذي 10 / 235، المستدرك للحاكم 2 / 337، السيرة الحلبية 3 / 104، زاد المعاد 3 / 530، شرح نهج البلاغة 13 / 210 - 211.
(2) الجويني: الغياث ص 29 - 30.
|
الصفحة 172 |
|
وأياً ما كان الأمر، فالرأي عند الشيعة الإمامية إنما انحصرت في أبناء مولانا الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، وأنها ثابتة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب، وأنها لا تعود في عم أو أخ، ولا في غيرها من القربات بعد الحسنين (1).
وقد وردت روايات كثيرة عن الإمام جعفر الصادق، عليه السلام، وغيره من أئمة البيت، تدل على انحصار الإمامة في ذرية الحسين، قال المفضل: قلت للصادق عليه السلام، أخبرني عن قول الله تعالى: * (وجعلها كلمة باقية في عقبه) * (2)، قال: يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة، فقلت له: يا ابن رسول الله، فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين، دون ولد الحسن، وهما جميعاً، ولدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبطاه، وسيدا شباب أهل الجنة؟.
فقال: إن موسى وهارون كانا نبيين مرسلين أخوين، فجعل الله في صلب هارون، دون صلب موسى، ولم يكن لأحد أن يقول: لم فعل الله ذلك؟ فإن الإمامة خلافة الله عز وجل، ليس لأحد أن يقول لم جعلهما الله في صلب الحسين، دون صلب الحسن، لأن الله هو الحكيم في أفعاله، لا يسأل عن فعله، وهم يسألون.
وهذه الرواية، كما تدل على أن بني الحسن لا حق لهم في الإمامة، تدل على أن الإمامة من أفعال الله يجعلها لمن يشاء، وليست بالمبايعة والانتخاب والمشاورة (3).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الشيعة الإمامية إنما تذهب إلى أن
____________
(1) الكليني: الكافي 1 / 285.
(2) سورة الزخرف: آية 28.
(3) السيد حسين يوسف مكي: عقيدة الشيعة في الإمام الصادق وسائر الأئمة ص 32 - 33.
|
الصفحة 173 |
|
الإمام يجب أن يكون معصوماً لأنه لو جاز عليه الخطأ لافتقر إلى إمام آخر يسدده، كما أنه لو جاز عليه فعل الخطيئة، فإن وجب الإنكار عليه سقط محله من القلوب (1). هذا فضلاً عن أن الإمام حافظ للشرع، فلو لم يكن معصوماً، لم تؤمن منه الزيادة والنقصان (2).
ويقول الطوسي: ومما يدل على أن الإمام يجب أن يكون معصوماً، ما ثبت من كونه مقتدى به، ألا ترى أنه إنما سمي إماماً لذلك، لأن الإمام هو المقتدى به (3).
ويقول ابن المطهر بوجوب عصمة الإمام، لأن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم (4) عن جميع القبائح والفواحش، من الصغر إلى الموت، عمداً وسهواً، لأنهم حفظة الشرع، والقوامون به، حالهم في ذلك كحال النبي.
ويقول المفيد (5): العصمة من الله لحججه، هي التوفيق واللطف
____________
(1) المفيد: النكت الاعتقادية ص 48.
(2) نفس المرجع السابق ص 49.
(3) الطوسي: تلخيص الشافي 1 / 210 (النجف 1965).
(4) قال القاضي عبد الجبار في كتاب المغني: إن العصمة والأفضلية على الناس أجمعين من صفات النبي، فلو أعطيت للإمام لكان نبياً، وقال الشريف للمرتضى في كتاب الشافي: لم يكن النبي نبياً، لأنه أفضل ومعصوم، وكفى، بل لأنه يؤدي عن الله بلا واسطة، أو بواسطة الروح الأمين، والإمام - وإن كان معصوماً - وأفضل، فإنه يؤدي عن النبي، لا عن الله، فالفرق موجود وظاهر (محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 121).
(5) المفيد: هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام العكبري العربي الحارثي، المفيد بن المعلم، ولد في بغداد عام 333 هـ/ 944 م (أو 338 هـ/ 950 م)، وتوفي عام 414 هـ/ 1022 م، وله مصنفات كثيرة (ذكر فؤاد سزكين منها 24 مصنفاً) وانظر عن ترجمته (الرجال للنجاشي ص 311 - 316، الفهرست للطوسي ص 157 - 158، الفهرست لابن النديم ص 197، المنتظم لابن الجوزي 8 / 11 - 12، تاريخ بغداد 3 / 231، شذرات الذهب 3 / 199 - 200، أعيان الشيعة للعاملي 46 / 20 - 26، الذريعة 1 / 302، 590، 2 / 237، 258، 315، الأعلام للزركلي 7 / 245، معجم المؤلفين لكحالة 11 / 306 - 307، النجوم الزهرة 4 / 258، لسان الميزان لابن حجر 5 / 368).
|
الصفحة 174 |
|
والاعتصام من الحجج بها عن الذنوب والغلط في دين الله تعالى (1)، كما أن العصمة فضل من الله تعالى على من علم أنه يتمسك بعصمة... وليست العصمة مانعة من القدرة على القبيح، ولا مضطرة للمعصوم إلى الحسن، ولا ملجئة له إليه، بل هي الشئ الذي يعلم الله تعالى، أنه إذا فعله بعبد من عبيده، لم يؤثر معه معصية له (2).
هذا وقد انحصرت العصمة من الصفوة الأخيار، قال الله تعالى: * (والذين سبقت لهم منا الحسنى) * (3)، وقوله تعالى: * (وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) * (4)، فالأنبياء - والأئمة من بعدهم - معصومون في حال نبوتهم، وإمامتهم، من الكبائر كلها والصغائر (5).
ويشرح ابن المطهر عصمة الإمام بأنها ما يمتنع المكلف معه من المعصية، متمكناً منها ولا يمتنع عنها مع عدمها، ثم يقدم عدة أدلة على العصمة (6)، منها: أن الإمامة عهد من الله، ومن ثم فكل إمام ينصبه الله، ومنها قول الله تعالى: * (أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) * (7)، وكل من أمر الله بطاعته فهو معصوم، لاستحالة إيجاب طاعة غير المعصوم (8)، كما أن في قول الله تعالى: * (إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير
____________
(1) المفيد: شرح عقائد الصدوق ص 60.
(2) نفس المرجع السابق ص 61.
(3) سورة الأنبياء: آية 101.
(4) سورة ص: آية 47.
(5) المفيد: شرح عقائد الصدوق ص 61.
(6) تذهب الزيدية إلى عدم عصمة الإمام، ولعل السبب أنهم لا يجعلون الإمامة عن طريق الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن طريق الوراثة، ومن ثم فالإمام عند الزيدية، ليس ذلك الرجل المعصوم الذي بيده أسرار العلم الخفي ينقلها من إمام إلى إمام (الأشعري: مقالات الإسلاميين 1 / 121، 136، الصاحب بن عباد: الزيدية ص 159، 185، نصرة المذهب الزيدية ص 129).
(7) سورة النساء: آية 59.
(8) ابن المطهر: الألفين في إقامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب النجف 1953 ص 60.
|
الصفحة 175 |
|
المغضوب عليهم ولا الضالين) * (1)، فغير المعصوم ضال فلا يسأل اتباع طريقه قطعاً (2).
ومنها قول الله تعالى: * (إني جاعلك للناس إماماً * قال من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) * (3)، فإنه يدل على أن الإمامة تكون بالوصاية، وبجعل إلهي، وليس بالمبايعة والانتخاب (4) هذا وقد روي عن الإمام الباقر، الاستشهاد بالآية على المنع من إمامة الظالم، الذي ليس معصوماً (5).
هذا وتعتقد الشيعة الإمامية أن الإمام يجب أن يكون أفضل رعيته في جميع صفات الكمال من العلم (6) والكرامة والشجاعة والفقه والرأفة والرحمة وحسن الخلق والسياسة، ولا بد من تمييزه بالكمالات النفسية والكرامات الروحانية، بحيث لا يشاركه في ذلك أحد من الرعية (7).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن متكلمي الشيعة، إنما يقيسون الإمام على النبوة في كل استدلال لهم، ومن ثم فلكي يدللوا على وجوب إمامة الأفضل، استندوا إلى فكرة يسلم بها معهم سائر فرق المسلمين وهي: وجوب
____________
(1) سورة الفاتحة: آية 6 - 7.
(2) ابن المطهر: الألفين ص 60.
(3) سورة البقرة: آية 124.
(4) السيد حسين يوسف مكي: عقيدة الشيعة ص 35.
(5) البحار 7 / 319، عقيدة الشيعة ص 36.
(6) روي عن الإمام الصادق أنه قال لرهط من المعتزلة: إن أبي حدثني - وكان خير أهل الأرض، وأعملهم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ضرب الناس بسيفه، ودعاهم إلى نفسه، وفي المسلمين من هو أعلم منه، فهو ضال متكلف، ويقول أبو زهرة: أن هذه الرواية التي رواها الإمام جعفر الصادق عن أبيه العظيم، تدل على أنه هو وأبوه يريان أن الخليفة المختار، يجب أن يكون أعلم المعروفين الظاهرين، والعلم هنا، العلم بالإسلام، بالقرآن والسنة، ونظام الحكم وحسن السياسة، وتكون عنده القدرة لإدارة دفة الدولة الإسلامية كعمر بن الخطاب وأبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب (محمد أبو زهرة: الإمام الصادق ص 213).
(7) الجزائري: المبسوط ص 26، وانظر عن علوم الأئمة (الكليني: الكافي 1 / 312، 313، 314، 221، 223، وانظر البرسي: مشارق أنوار اليقين ص 165.
|
الصفحة 176 |
|
نبوة الأفضل، يقول المظفري: يجب أن يكون الإمام أفضل الناس، وإلا فكيف تجب طاعته واتباعه، وكيف يكون له القدرة، وكيف تحصل به السعادة، ولو جاز ذلك، لجاز أن يبعث الله رسولاً، وفي الناس من هو أليق وأجدر وأقدر على أداء الرسالة (1).
ويستند الشيعة في إمامة الأفضل إلى قول الله تعالى: * (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى) * (2).
وليس النص والعقل وحدهما اللذان يقضيان بوجوب إمامة الأفضل، بل إن الذوق يستنكر أن تكون للمفضول رياسة على الأفضل، ويعرض الإمام الرازي لهذا الرأي، فيقول: أليس يقبح أن يكون لمن لا يعرف في الفقه، إلا مبادئه، وأعداداً من مسائل الفقه، رياسة فيه على الإمام أبي حنيفة (80 هـ/ 150 - 699 - 767 م) مثلاً، فإذا كان الإمام إماماً لرعيته في أحكام الدين، وعلومه ومبادئه، وجب أن يكون أفضل منهم، وأكثرهم علماً وعبادة (3).
هذا ويعتبر الشيعة الإمام حجة فيما يؤديه كالرسول، وفي تجويز كونه مساوياً في الفضل بعض رعيته، أو أنقض فضلاً منهم، ما ينفر عن القبول أو الخضوع لرياسته.
ويرى الرازي أن دخول الفاضل تحت رياسة المفضول، مما يسهل على من هو أنقض فضلاً من الأمير، الدخول تحت طاعته، كما اختار النبي صلى الله عليه وسلم، عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فجعله في جيش أسامة، لما أنف بعض مشيخة قريش أن يكون في جيشه (4)، ففي إمامة المفضول رياضة للفاضل، وكسر ما فيه من نخوة.
____________
(1) أحمد صبحي: نظرية الإمامة لدي الشيعة الاثني عشرية - دار المعارف - القاهرة 1969 م ص 157، المظفري: الشيعة والإمام ص 34.
(2) سورة يونس: آية 35.
(3) الرازي: نهاية العقول في دراية الأصول 2 / 240 (مخطوط).
(4) ذهبت بعض المصادر إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل في جيش أسامة بن زيد بن حارثة أبا بكر
|
الصفحة 177 |
|
وهذا نقد لا يثبت للنقد، لأن الرازي قد اعترف في المثال الذي أورده، أن بعض مشيخة قريش قد أنفوا رياسة أسامة، اعتقاداً منهم بأفضليتهم، أو بوجود من هو أفضل منه، مع أنهم بذلك قد عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هم راجعوا أبا بكر في أمر سياسة أسامة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا ما يدل على أن رياسة المفضول يمجها الذوق والعرف العام، هذا فضلاً عن أن ما ذكره الرازي لتبرير إمامة المفضول متهافت كذلك، لأنه إذا كان تواضع الأفضل يسهل انقياد الرعية للأمير المفضول، فإنه من ناحية أخرى، يشجع المفضول الذي تقل درجته في الفضل - إلى حد الفسق - أن يغلب على أمر المسلمين بالقوة، مستنداً إلى تواضع الأفضل، أو سكوته على الحق، وهذا ما تم بالفعل في أمر الخلافة منذ تولاها الأمويون.
والواقع أن متكلمي أهل السنة وفقهاءهم، لم يسلموا بجواز إمامة المفضول، مستندين إلى أصل من أصول الدين، ولكنهم جوزوا ذلك، إما تبريراً لسلطان الخلفاء، ولخلع الصفة الشرعية على خلافتهم، وإما على سبيل معارضة آراء خصومهم من الشيعة، ليس إلا.
ولعل هذا إنما يبدو واضحاً - كل الوضوح - إذا رجعنا إلى رأي ابن حزم وموقفه العجيب من الإصرار على جواز إمامة المفضول، زاعماً أن معرفة الأفضل لا يمكن الوصول إليها، إلا بالظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، ثم إن قريشاً قد كثرت وطبقت الأرض من أقصى الشرق إلى أقصى
____________
<=
وعمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، وذهبت أخرى إلى أنه جعل أبا بكر وعمر فقط، واقتصرت ثالثة على عمر بن الخطاب، وذهبت رابعة إلى أنه جعل في هذا الجيش أبا بكر وعمر وأبا عبيدة وسعد بن أبي وقاص (السيرة الحلبية 3 / 227)، مغازي الواقدي 3 / 1118، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 2 / 334، تاريخ الطبري 3 / 226، محمد أبو زهرة:
خاتم النبيين 2 / 1215، الندوي: السيرة النبوية ص 347).
|
الصفحة 178 |
|
الغرب، ولا سبيل إلى معرفة الأفضل من قوم هذا مبلغ عددهم بوجه من الوجوه، وبدهي أن هذا إنما يستند إلى أن الإمامة باختيار.
وأما تبريز سلطة الخلفاء، فيتضح من قول ابن حزم: يكفي بطلان هذا القول (إمامة الأفضل) إجماع الأمة كلها على بطلانه، فإن جميع الصحابة ممن أدرك ذلك العصر، أجمعوا على صحة إمامة الحسن أو معاوية، فلو كان ما قاله القاضي أبو بكر الباقلاني (ت 403 هـ) حقاً - في وجوب الأفضل - لكانت إمامة الحسن ومعاوية باطلة (1).
وهكذا ينكر ابن حزم أن معاوية قد استولى على أمر هذه الأمة قهراً، وبالسيف، وصدق الإمام الحسن البصري، حيث يقول - فيما يروي الإمام الطبري وابن الأثير وغيرهم - أربع خصال كن في معاوية، لو لم يكن فيه منهن، إلا واحدة، لكانت موبقة، إنتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء، حتى ابتزها أمرها، بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة، وذو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً، يلبس الحرير، ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زياداً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وقتله حجراً، ويلاً له من حجر - مرتين (2).
ودخل سعد بن أبي وقاص على معاوية، فقال: السلام عليك أيها الملك، فغضب معاوية فقال: ألا قلت السلام عليك يا أمير المؤمنين؟ قال: ذاك إن كنا أمرناك، إنما أنت منتز (3).
وأما سيدنا الإمام الحسن - خامس الراشدين - فما جاء هنا، إنما هو رأي ابن حزم الأندلسي، وأما من بايعوه، فقد كانوا يعتقدون أنه أفضل الناس - بعد
____________
(1) أحمد صبحي: المرجع السابق ص 158 - 159.
(2) تاريخ الطبري 5 / 279 (دار المعارف - القاهرة 1979)، ابن الأثير، الكامل في التاريخ 3 / 487.
(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 217.
|
الصفحة 179 |
|
أبيه الإمام علي - وهو صحيح ما في ذلك من ريب.
وعلى أية حال، فإن أهل السنة والشيعة لا يحتدون في الجدل طويلاً حول إمامة الأفضل بسبب قوة منطق الشيعة في دعواهم، فضلاً عن أن موقف أهل السنة نفسه، لا يبدو واضحاً، هذا إلى أن جواز إمامة المفضول، أمر لا يبرره منطق أو دين، وإن وجد له تبرير من مقتضيات الواقع، أو حوادث التاريخ، وليست هذه هي التي تملي على الفقهاء والمشرعين أصول الأحكام.
على أن الجدل إنما يشتد ويحتد بين أهل السنة والشيعة حول المفاضلة بين الصحابة، ولا سيما الخلفاء الراشدين، وهو أمر ذو صلة وثيقة بوجوب إمامة الأفضل.
وتذهب الشيعة - بكل فرقها - إلى أن الإمام علي بن أبي طالب، إنما هو أفضل الصحابة أجمعين، وأنه يزيد فضلاً على أبي بكر، ومعارضة أهل السنة لدعوى الشيعة في أفضلية الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - إنما تنطوي على تسليم منهم بوجوب إمامة الأفضل، ومن هنا استقر رأي الأشاعرة على أن ترتيب الخلفاء في الفضل، إنما هو ترتيبهم في الخلافة (أبو بكر - عمر - عثمان - علي)، وقد نادى بهذا الرأي - الإمام أبو الحسن الأشعري (260 هـ/ 874 م - 324 هـ/ 1935) والإمام أبو حامد الغزالي (450 - 505 هـ)، ولم يكن هذا الرأي منهما عن اجتهاد مبعثه الحيدة التامة في المفاضلة، بقدر ما هو اعتبار أن ما جرى، فيما يتعلق بالخلافة الراشدة، لا بد أن يكون قد تم في اعتبارهم، وفقاً لوجوب إمامة الأفضل.
ثم يخلص الأستاذ الدكتور أحمد محمود صبحي إلى أن القاعدة العامة عند أهل السنة، إنما هي وجوب إمامة الأفضل، وأن جواز إمامة المفضول، ليس إلا استثناء تقتضيه الضرورة القصوى، وأن إمامة الخلفاء الراشدين قد جرت وفقاً لهذه القاعدة، وأن تبريرهم الاستثناء، وتجويزهم إمامة المفضول، لم يكن
|
الصفحة 180 |
|
إلا للدفاع عن الأمر الواقع، منذ أن ولي الأمر معاوية بن أبي سفيان (1).
هذا وترى الشيعة أن الإمام يجب أن يكون عالماً بما آل إليه الحكم فيه، والذي يدل: أن الإمام إمام في سائر أمور الدين، ومتولي الحكم في جميعه - جليله ودقيقه، ظاهره وغامضه - كما يجب أن يكون عالماً بجميع أحكام السياسة والشريعة (2).
هذا فضلاً عن أن يكون الإمام أشجع من في رعيته، ويدل على ذلك: أنه ثبت أنه رئيس عليهم، فيما يتعلق بجهاد الأعداء، وحرب أهل البغي، وذلك متعلق بالشجاعة، فيجب أن يكون أقواهم حالاً.
هذا إلى جانب أن يكون أعقل قومه، وأن لا يكون قبيح الصورة، ينفر الناس منه، هذا إلى جانب أن يكون منصوصاً عليه (3).
ولما كانت هذه الشروط جميعها لا بد من توافرها في الإمام، وأنها غير متوفرة، إلا في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك كانت الإمامة لهم، وفيهم دون غيرهم (4).
ولعل من الجدير بالإشارة هنا أن الخلافة أو الإمامة الفاطمية (358 - 567 هـ/ 968 هـ- 1171 م) إنما هي خلافة دينية وراثية تقوم على أسس المذهب الشيعي الإسماعيلي، وتستند إلى أساسين: - الأول: هو العلم اللدني أو الإلهي، الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن طريق الإمام علي عليه السلام، ثم أولاده من بعده، ثم إلى الفاطميين.
____________
(1) أحمد صبحي، المرجع السابق ص 160 - 161.
(2) الطوسي: تلخيص الشافي ص 245 (النجف 1965).
(3) نفس المرجع السابق ص 274.
(4) نبيلة عبد المنعم داود: المرجع السابق ص 316.
|
الصفحة 181 |
|
فالإمام الشيعي إذن، ليس شخصاً عادياً، وإنما هو فوق الناس، فهو المشرع، وهو المنفذ لا يسأل عما يفعل، لأنه معصوم من الخطأ، بسبب ما ورثه من علوم لدنية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك نوعان من العلوم: علم الظاهر، وعلم الباطن، أي ظاهر القرآن وباطنه، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم، الإمام علي بن أبي طالب هذين النوعين من العلوم، فأطلعه على خفايا الكون، والسر المكنون من هذه العلوم، وكل إمام ورث هذه العلوم لمن جاء بعده، ولهذا كان الإمام معلماً أكبر.
والثاني: الوصية أو النص على ولاية العهد، والخلافة الفاطمية - شأنها شأن أية خلافة شيعية - إنما ترى أن الإمام علي يستحق الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق الكفاية، فضلاً عن النص عليه بالاسم.
ومن ثم فإن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة، وإنما هي ركن الدين والإسلام، ولا يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم، أن يتركها للأمة، بل كان عليه تعيين إمام لهم معصوماً من الخطأ، وأن الإمام علي بن أبي طالب، هو الإمام الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم، بعده، ويستشهدون على ذلك بحديث الغدير والموالاة والمنزلة وغيرها من الأحاديث.
ومن هنا نشأت فكرة الوصية، ولقب الإمام علي بالوصي، بينما لقب من جاء بعده من الأئمة بلقب الإمام، ومرتبة الوصاية أعلى من مرتبة الإمامة، وأقل من مرتبة النبوة، ثم انتشرت الوصية بين الشيعة، فقالوا: إن الإمامة تنتقل من الآباء إلى الأبناء، وليس من الأخ إلى الأخ - بعد أن انتقلت من الحسن إلى الحسين - فالأب ينص على ابنه في حياته، وليس بالضرورة أن يكون الابن الأكبر، فالإمام يستطيع أن ينص على أي ابن له، فهذا أمر يخصه وحده، لأنه يتلقى علمه من الله عز وجل (1).
____________
(1) أحمد مختار العبادي: دراسات في تاريخ المغرب - الإسكندرية 1968 ص 53 - 54،
=>
|
الصفحة 182 |
|
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن القرآن الكريم، إنما قد أجمل الخطوط العامة لأصول الحكم الإسلامي، الذي هو أهل لحفظ وحدة المسلمين ودوام هدايتهم إلى الصراط المستقيم، وتجنيدهم أبداً في معركة التقدم والرقي، وصونهم من الزيغ والضلال.
ثم جاءت السنة النبوية، ففصلت ما أجمله القرآن، وتلك قاعدة عامة في تشريع الأحكام الإسلامية: القرآن يقرر أصل الحكم ويجمله، والسنة تفصله وتنفذه، والتفصيل في هذا الأمر، إنما هو تعيين الكف ء لمنصب الإمامة بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكون مرجع المسلمين وقدوتهم، في صراط الإسلام المستقيم.
ومن هنا يتبين أن منصب الإمامة لا يتعين إلا بأمر إلهي، فالإمام - بصفته مرجع المسلمين، ومنعقد طاعتهم وقدوتهم في أمر الدين والدنيا - يجب أن يكون حامل علم النبي صلى الله عليه وسلم، علم الوحي والأوامر الإلهية، فمنصبه في توجيه المسلمين ورعايتهم خطير.
وقد عرفنا أين آلت الإمامة، وكيف أصبحت؟ لما فوض المسلمون أمر اختيار الإمام إلى أنفسهم، حتى تقمصها الخلعاء والفساق والفجار والجهلة والسفاكون، وأصبحت الخلافة وراثة كسروية قيصرية (1).
روى البخاري في صحيحه (باب هلاك أمتي على يد أغيلمة سفهاء)، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال: أخبرني جدي قال: كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ومعنا مروان، قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: هلكة
____________
<=
وانظر عن الخلافة الفاطمية (عطية مشرفة: نظام الحكم بمصر في عصر الفاطميين - القاهرة 1948 ص 68 - 82).
(1) السيد هاشم محسن الأمين: مقدمة كتاب: الإمام علي بن الحسين والخلافة الإسلامية ص 8.
|
الصفحة 183 |
|
أمتي على يدي غلمة من قريش، فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة، فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت، فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان، حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلماناً أحداثاً، قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم، قلنا: أنت أعلم (1).
وبمرور الأيام أصبح تعيين الخليفة في يد خدم البلاط ومماليكه وإمائه وجواريه، بيدهم الحل والربط، يعبثون بمصائر الإسلام والمسلمين، رهناً بشهواتهم، والخليفة لعبة مبتذلة في أيديهم، يختارونه اليوم ويخلعونه غداً، ويبايعونه الساعة، ويسلمونه أو يقتلونه بعد ساعة.
هذا ومن حمل كتاب الله، وعلم نبيه من آل البيت، خائف يترقب، أو محبوس يتعذب، أو شريد غريب عن أهله ودياره، وأعداء الإسلام يقتطعون أرضه قطعة قطعة، ويقتلون أهله جماعة جماعة.
فاكتمال الدين إذن، إنما كان في التبليغ، تبليغ الرسالة كاملة، فيها تبيان كل شئ يحتاج المسلمون إلى تبيانه وفيها معالم الصراط المستقيم إلى الفوز العظيم، أعني اكتمال الدين ظل نظرياً، لم يتشخض في واقع المسلمين.
وأما تفصيل السنة النبوية، لما أجمله القرآن في موضوع الإمامة، فقد حصل في حادثين عظيمين من حوادث السيرة النبوية الشريفة، الأول: يوم غدير خم، والثاني: أيام المرض الذي توفي النبي صلى الله عليه وسلم، فيه، وفي كلا الحادثين كان التشديد باتباع أهل البيت وموالاتهم (2).
ففي حديث الغدير يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله (3).
____________
(1) صحيح البخاري 9 / 60 (2) الإمام علي بن الحسين والخلافة الإسلامية ص 8 - 10.
(3) أنظر عن روايات مختلفة للحديث الشريف (ابن حنبل: فضائل الصحابة 2 / 598 - 599،
=>
|
الصفحة 184 |
|
ثم هناك حديث الثقلين، روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم قال: قام فينا خطيباً بماء يدعى خماً، بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما، كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي (1).
رواه الإمام أحمد في المسند (2)، والبيهقي في السنن (3)، والدرامي في سننه (4)، والمتقي في كنز العمال (5)، والطحاوي في مشكل الآثار (6).
وروى الترمذي في صحيحه بسنده عن سعيد والأعمش عن حبيب بن ثابت عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به، لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيها (7).
____________
<=
السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 169، المستدرك للحاكم 2 / 129، 3 / 110، 116، 371، 533، كنز العمال 1 / 48، 6 / 83، تهذيب الخصائص للنسائي ص 50 - 54 مسند الإمام أحمد 1 / 84، 88، 118، 2307119، 4 / 368، 370، 372، 5 / 347، الرياض النضرة 2 / 226) (وسنشير إلى هذا الحديث الشريف بالتفصيل في مكانه من هذه الدراسة).
(1) صحيح مسلم 15 / 179 - 180 (بيروت 1981).
(2) مسند الإمام أحمد 4 / 366.
(3) سنن البيهقي 2 / 148، 7 / 30.
(4) سنن الدرامي 2 / 431.
(5) كنز العمال 1 / 45، 7 / 103.
(6) مشكل الآثار 4 / 368.
(7) صحيح الترمذي 2 / 308، وانظروا روايات أخرى للحديث الشريف (صحيح الترمذي 2 / 308، 5 / 163، كنز العمال 1 / 48، 6 / 390، ابن حنبل: فضائل الصحابة 1 / 171، 172 - 2 / 602،
=>
|
الصفحة 185 |
|
ويقول المحدث الفقيه ابن حجر الهيثمي (909 - 974 هـ) أن لحديث الثقلين هذا طرقاً كثيرة، وردت عن نيف وعشرين صحابياً، وله طرق كثيرة، وفي بعض تلك الطرق أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ذلك (الحديث) في حجة الوداع في عرفة، وفي أخرى أنه قاله في المدينة في مرضه، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنه قاله في غدير خم، وفي أرى أنه قاله بعد انصرافه من الطائف ولا تنافي، إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في كل تلك المواطن وغيرها، اهتماماً بشأن الكتاب العزيز، والعترة الطيبة الطاهرة (1).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن أساس الخلاف في الإمامة بين الشيعة الإمامية وأهل السنة أمران.
أحدهما: - أن الإمام عند الإمامية ينال الخلافة بالوراثة أو بالوصاية النبوية، على حد تعبيرهم، أما غيرهم فيرون أن الإمامة تكون بالبيعة والحكم بالفعل، وجمهور المسلمين لا يعتبرون حكم الملوك كعبد الملك وأولاده، والسفاح والمنصور وأولادهم وذريته، خلافة نبوية، بل يعتبرونها خلافة ملك، والخلافة النبوية لم تتحقق إلا في الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم، ويأخذون في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم الخلافة بعدي ثلاثون، ثم تصير ملكاً عضوضاً أي يعض عليه بالنواجذ (2).
ولست أدري لم بدأ العلامة أبو زهرة (محمد أحمد أبو زهرة 29 مارس 1898 م - 12 أبريل 1974 م) الملك الغضوض ب عبد الملك بن مروان (65 - 86 هـ/ 685 - 705 م) وأولاده من بني أمية، ثم أبو العباس السفاح (132 - 136 هـ/ 750 - 754 م) وأبو جعفر المنصور (136 - 158 هـ/ 754 -
____________
<=
المسند 3 / 14، 17، 26، 59، 4 / 371، معجم الطبراني الكبير 3 / 63، 3 / 200، مجمع الزوائد 5 / 181 - 182، 9 / 7163 164، 165، تهذيب الخصائص للنسائي ص 50 - 51، المستدرك للحاكم 3 / 109، 148، أسد الغابة 2 / 13).
(1) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 7 / 7 - 8 (دار الفكر - بيروت 1386 هـ/ 1966 م).
(3) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 7 / 12، وانظر آراء أخرى في نفس الكتاب 7 / 7 - 21.
|
الصفحة 186 |
|
77 م) وأولاده، من بني العباس، مع أن بداية الملك العضوض إنما كانت على يد معاوية بن أبي سفيان (40 - 60 هـ/ 660 - 680 م) - طبقاً لنص الحديث الشريف، فضلاً عن أحداث التاريخ، هذا إلى أن معاوية نفسه - كما أشرنا من قبل - إنما كان يقول: أنا أول الملوك، وأن سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، إنما كان يحييه بالملك، وليس بإمرة المؤمنين، هذا إلى أن شيخ الإسلام ابن تيمية، إنما أطلق عليه لقب الملك، وتابعه في ذلك ابن كثير، بل إن ابن كثير يقول والسنة أن يقال لمعاوية ملك، ولا يقال له خليفة لحديث سفينة الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً عضوضاً.
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى عدة أمور، اتصلت بالإمامة عند الشيعة، وهي العصمة والتقية والرجعة والمهدي والبداء والجفر ومصحف فاطمة.