(لكلّ شيء أساس وأساس الإسلام حبّنا أهل البيت)
ونعني بحبّ أهل البيت (عليهم السّلام) الحبّ العملي، وإلاّ فالحبّ القلبي لابدّ أن يكون مفروض الوجود قبل العمل ، إذ العمل لا يصح إلاّ به ، ففي الحديث المروي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لو أنّ عبداً عَبَدَ الله ألف عام ، ثم ذُبِحَ كما يُذبَحُ الكبش ، ثمّ أتى الله ببغضنا أهل البيت لردّ عليه عمله) (1) ، بل إنّ حبّهم علامة السعادة وعلامة طيب المولد ، ويدلّ عليه الحديث المروي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام) عن آبائه ، عن عليّ (عليه السّلام) قال: (قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: يا أبا ذر من أحبّنا أهل البيت ، فليحمد الله على أّول النعم ، قال: يا رسول الله وما أوّل النعم ؟ قال: طيب الولادة إنّه لا يحبّنا إلاّ من طاب مولده) (2).
ونعني بالحبّ ، الحبّ العملي وهو السير على نهجهم والأخذ عنهم ، واحترامهم وتعظيمهم ، وإحياء ذكرهم وتعاهدهم بالزيارة كلّ يوم سواء كان المؤمن قريباً من مراقدهم المقدّسة أم كان بعيداً عنها ، فيزور الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، ويزور الزهراء (عليها السلام) بزيارتها المخصوصة بها ، ويزور أمير المؤمنين وأبناءه (عليهم السّلام) بزيارة الجامعة الكبيرة أو الصغيرة ، أو زيارة أمين الله سواءً كان بعيداً أم قريباً من مراقدهم المقدّسة ، ويزورهم بزيارتهم المخصوصة إذا كان قريباً من مراقدهم المقدّسة ، ويزور الإمام الحسين (عليه السّلام) بزيارة عاشوراء كلّ يوم ؛ لما ورد من التأكيد عليها ، وعلى زيارة الجامعة وعلى صلاة الليل ، كما مرّ نقله عن الإمام المهدي (عليه السّلام)، ولا يخفى ما لزيارة عاشوراء من الآثار العجيبة حتى صارت ورداً يتخذ لقضاء الحوائج ، وذلك أمر مشهور وكذلك يتعاهد الإمام المهدي بزيارته ، بأحد زياراته ولو زيارة (سلام الله الشامل التامّ) والدعاء بتعجيل فرجه.
وبالجملة حبّ أهل البيت (عليهم السّلام) العملي أمر لازم على كلّ موالٍ لهم ، ويتأكّد في السالك إلى الله.
يقول الإمام الهادي (عليه السّلام) في زيارة الجامعة: (من أراد الله بدأ بكم ، ومن وحّده قبل عنكم ، ومن قصده توجّه بكم) ، وفي الحديث المروي عن الإمام الرضا (عليه السّلام) عن آبائه (عليهم السّلام) قال: (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعليّ (عليه السّلام): يا عليّ أنت حجّة الله ، وأنت باب الله ، وأنت الطريق إلى الله ، وأنت النبأ العظيم ، وأنت الصراط المستقيم ، وأنت الملأ الأعلى) ، هذا مضافاً إلى أنّ السلوك الموصل والمضمون به حصول الغاية إنّما يكون بالسير على النهج الذي رسموه هم وأكّدوا عليه في هذا المجال ، فإنّهم أدرى وأخبر بما يوصل إلى الله وإلى رضاه ، وقد أكّد الإمام في زيارة الجامعة على ذلك، حيث قال: (إلى الله تدعون وعليه تدلّون ، ثمّ قال : وإلى سبيله ترشدون) فإنّهم عيبة علم الله ، وحجّته وصراطه ونوره وبرهانه ، والمتتبع لسيرتهم ، وتاريخ حياتهم يجد العبادة لله في أبرز صورها سمة ظاهرة على سلوكهم ، بل هي نهجهم الذي لا يفارقونه ولا يفارقهم.
فهذا أمير المؤمنين (عليه السّلام) يناجي ربّه كلّ ليلة ، ثمّ يخرّ في غشيته ، ومثله ولده زين العابدين (عليه السّلام) ، ويعرف عن الإمام الكاظم طول عبادته ، وعرف عنه سجدته الطويلة حتى أشتهر بصاحب السجدة الطويلة ، وكلهم على ذلك النهج يسيرون ، وإن اختلفت ظروفهم بنحو قد تخفى علينا سيرة بعضهم ، إلاّ أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ نهجهم في التعبّد لله واحد ؛ لأنّ مرتبة المعرفة بالله عندهم واحدة ، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف ، وكلّ واحد منهم ينطلق في عبادة الله من مقام معرفته به تعالى ، وقد أعطاهم الله من عظمة الشأن ورفعته أن بلغ بهم أشرف محلّ المكرمين ، وأعلى منازل المقرّبين وأرفع درجات المرسلين ، وجعلهم في مقام لا يلحقه لاحق ، ولا يفوقه فائق ، ولا يسبقه سابق ، ولا يطمع في إدراكه طامع ، وجعلهم السادة الولاة ، والذادة الحماة ، وأهل الذكر وأولي الأمر، وجعل مودّتهم واجبة وطاعتهم واجبة، وأوجب الصلاة عليهم في الصلاة ، وقد ورد في استحباب الصلاة عليهم والأمر بها في غير الصلاة الأحاديث الكثيرة ، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قال: (صلّوا على محمّد وآل محمّد فإنّ الله عزّ وجلّ يقبل دعاءكم عند ذكر محمّد ودعائكم له ، وحفظكم إياه صلّى الله عليه وآله) (3) ، بل قد يستفاد من بعض الأحاديث وجوب الصلاة عليهم حتى في غير الصلاة كما في حديث الأعمش عن الإمام الصادق (عليه السّلام) أنّه قال: (الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله واجبة في كلّ المواطن وعند العطاس والرياح وغير ذلك) (4) ، بل في حديث الصادق (عليه السّلام) المروي عنه قال: (إذا صلّى أحدكم ولم يذكر النبيّ صلّى الله عليه وآله يسلك بصلاته غير سبيل الجنة) ، وقال: (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من ذُكرت عنده فلم يصلِّ علي فدخل النار فأبعده الله) (5) ، وفي الحديث المروي عن علي بن الحسين (عليه السّلام) قال: (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّ البخيل كلّ البخيل الذي إذا ذُكرت عنده لم يصلِ عليَّ صلّى الله عليه وآله) (6) .
فوائد الصلاة على محمّد وآله:
وللصلاة على محمّد وآله فوائد عدّة:
منها: إجابة الدعاء وتزكية الأعمال ، ويدلّ عليه الحديث الوارد عن الإمام الصادق (عليه السّلام)، حيث قال: (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: (صلاتكم عليَّ إجابة لدعائكم، وزكاة لأعمالكم)(7).
ومنها: تكفير الذنوب ، ويدلّ عليه ما روي عن الإمام الرضا (عليه السّلام)، حيث قال: (من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه، فليكثر من الصلاة على محمّد وآله ، فإنّها تهدم الذنوب هدماً) (8).
ومنها: الوقاية من حرّ جهنم ، ويدلّ عليه ما رواه الصباح بن سيابه عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، قال: (ألا أعلمك شيئاً يقي الله به وجهك حرّ جهنم؟ قال: قلت بلى ، قال: قل بعد الفجر اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد مائة مرّة يقِ الله به وجهك من حرّ جهنم) (9).
ومنها : وجوب الشفاعة له ، ويدلّ عليه ما روي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في وصيته لعليّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، قال: (يا عليّ من صلّى عليَّ كلّ يوم أوكلّ ليلة ، وجبت له شفاعتي ولو كان من أهل الكبائر).
ومنها: تثقيل الميزان ، ويدلّ عليه الحديث المروي عن الإمام جعفر بن محمّد (عليه السّلام) عن أبيه ، قال : (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أنا عند الميزان يوم القيامة ، فمن ثقلت سيئاته على حسناته جئت بالصلاة عليّ حتى أثقل بها حسناته) (10).
ومنها : رفع الحجاب عن الدعاء ، ويدلّ عليه ما رواه أبو ذرّ عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، قال: (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لا يزال الدعاء محجوباً حتى يُصلّى عليَّ وعلى أهل بيتي) (11).
ومنها: ذهاب النفاق، ويدل عليه ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليَّ فإنّها تذهب بالنفاق) (12).
ومنها: قضاء الحوائج ، ويدلّ عليه ما رواه محمّد بن الفضل عن الإمام الرضا (عليه السّلام) قال: (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من صلّى عليَّ يوم الجمعة مائة مرّة قضى الله له ستين حاجة، منها للدنيا ثلاثون حاجة، وثلاثون للآخرة) (13) ، ومثله ما رواه في نوادر الراوندي عن الإمام جعفر بن محمّد عن آبائه (عليهم السّلام) جميعاً قال: (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من صلّى عليَّ مائة مرّة قضى له مائة حاجة) (14) ، وما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، قال: (من قال في يوم مئة ربِّ صلّي على محمّد وأهل بيته قضى الله له مائة حاجة، ثلاثون منها للدنيا، وسبعون للآخرة) (15).
ومنها: لإدراك القائم (عليه السّلام) ، ويدلّ عليه ما نقله في المفاتيح رواية عن الإمام الصادق (عليه السّلام)، حيث قال: (من قال بعد صلاة الفجر ، وبعد صلاة الظهر: اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد وعجل فرجهم لم يمت حتى يدرك القائم (عليه السّلام)).
ومنها: ما يقرأ ورداً لقضاء الحوائج وهو: (اللهم صلِّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها بعدد ما أحاط به علمك) كل يوم (135) مرة أو أزيد ، وهذا يستعمله أهل الأوراد لقضاء الحوائج.
وليعلم أنّ المراد بالصلاة على محمّد الصلاة على محمّد وعلى آله، أمّا الصلاة على محمّد وحده ، فلا تجوز فإنّها الصلاة البتراء ، وهي منهي عنها بالحديث المشهور المروي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، حيث قال: (لا تصلّوا عليَّ الصلاة البتراء)، ولما رواه أبان بن تغلب عن الإمام الباقر، عن آبائه عليهم جميعاً السلام، قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : من صلّى عليَّ ولم يصلِّ على آلي لم يجد ريح الجنة ، وانّ ريحها لتوجد من مسيرة خمسمائة عام) (16) .
ــــــــــــــــــــــ
(1) - البحار، ج27، ص 185.
(2) - البحار، ج27، ص 150.
(3) - البحار، ج91، ص50.
(4) - البحار، ج91، ص50.
(5) - البحار، ج91، ص 49.
(6) - البحار، ج91، ص 61.
(7) - البحار، ج91، ص 54.
(8) - البحار، ج91، ص 47.
(9) - البحار، ج91، ص 58.
(10) - البحار، ج91، ص 65.
(11) - البحار، ج91، ص 66.
(12) - البحار، ج91، ص (59 – 60).
(13) - البحار، ج91، ص60.
(14) - البحار، ج91، ص70.
(15) - البحار، ج91، ص 59.
(16) - البحار، ج91، ص 56.
source : http://www.alhassanain.com/arabic/show_articles.php?articles_id=601&link_articles=holy_prophet_and_ahlul_bayt_library/general/hubb_ahlu_albayt