عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

القرآن الكريم لم يرتب حسب النزول

القرآن الكريم لم يرتب حسب النزول

الرابع: إن المسلمين متفقون على أن القرآن الكريم لم يجمع حسب النزول، فليس نظم آيات القرآن الكريم كلها على أساس التسلسل الزمني

 

 


فكم من آية مدنية وقعت بين آيات مكية والعكس، وهذا مسلم لا يحتاج منا لإثبات، فيبطل بذلك أيضا دليل السياق.

لم يؤثر عن واحد من الصحابة قول باختصاص آية التطهير بزوجات النبي

الخامس: لم يؤثر في رواية بسند صحيح أن واحدا من الصحابة ذكر أو ادّعى أن آية التطهير خاصة بزوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أو أنها تشملهن نعــم عثــــرت على روايتـين ينسب فيهما إلى ابــن عباس أنــه قال عـــن هـذه الآية بأنها نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، الأولى رواها الواحدي في أسباب النزول قال:

((أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، قال: أخبرنا محمد بن يعقوب، قال: أخبرنا الحسن بن علي بن عفان، قال: أخبرنا أبو يحيى الحماني، عن صالح بن موسى القرشي، عن خصيف عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ)))(1).

والأخرى ذكرها ابن كثير في تفسيره قال:

((عن ابن أبي حاتم، قال: حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) قال: نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة)) (2).

____________

(1) أسباب النزول للواحدي 203.

(2) تفسير ابن كثير 4/515.

 

 


ولكن بملاحظة سند هاتين الروايتين نجد أنهما ضعيفتان من هذه الناحية فلا اعتبار لهما لمخالفتهما النصوص الصريحة والصحيحة التي ذكرنا جملة منها فيما سبق والتي تدل على أن آية التطهير خاصة بأصحاب الكساء فقط.

فرواية الواحدي في سندها أكثر من راو ضعيف، يكفي في فساد الاستدلال بها أن نثبت ضعف بعض هؤلاء ففي سندها (أبو يحيى الحماني) وهو (عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني) وقد رمي بالإرجاء والخطأ(1)، وقال النسائي: (ليس بالقوي)(2)، وقال ابن سعد وأحمد: (كان ضعيفا)(3)، وقال العجلي: (كوفي ضعيف الحديث)(4).

وفي سندها (صالح بن موسى القرشي) وهو (الطلحي) قال فيه ابن معين: (ليس بشيء)(5)، وقال الأصفهاني: (يروي المناكير عن عبد الملك بن عمير وغيره متروك)(6)، وقال البخاري في ضعــفائه: (منكر الحديث)(7)، وقال النسائي: (متروك الحديث)(8)، وقال الذهبي: (واه)(9)، وقال العسقلاني: (متروك)(10).

____________

(1) الكاشف 1/617، تقريب التهذيب 2/334، تهذيب التهذيب 6/109.

(2) الكاشف 1/617، تهذيب التهذيب 6/109، تهذيب الكمال 16/454.

(3) تهذيب التهذيب 6/109.

(4) تهذيب التهذيب 6/109.

(5) الجرح والتعديل 4/415.

(6) ضعفاء الأصفهاني 1/93.

(7) ضعفاء البخاري 1/59.

(8) الضعفاء للنسائي 1/57.

(9) الكاشف 1/449.

(10) تقريب التهذيب 1/347.

 

 


وفي سندها (خصيف) وخصيف هذا الذي يروي عن سعيد بن جبير هو (خصيف بن عبد الرحمن الجزري) مولى عثمان بن عفان وقيل معاوية بن أبي سفيان قا ل عنه أحمد بن حنبل: (ليس بحجة ولا قوي في الحديث) وقال أيضا: (ضعيف الحديث)(1).

وقال أبو حاتم: (صالح يخلط وتكلم في سوء حفظه)(2)، وقال العسقلاني: (صدوق سيئ الحفظ خلط بآخره ورمي بالإرجاء)(3) وقال الذهبي: (صدوق سيئ الحفظ ضعفه أحمد)(4).

وأما رواية ابن كثير فساقطة سندا أيضا، ففي سندها (الحسين ابن واقد) وهو من المدلسين، وصفه بالتدليس الدارقطني وأبو يعلى الخليلي(5)وقال عنه ابن حبان: (كان على قضاء مرو، وكان من خيار الناس وربما أخطأ في الروايات)(6)، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: (ما أنكر حديث الحسين بن واقد عن أبي المنيب، وقال العقيلي: أنكر أحمد بن حنبل حديثه، وقال الأثرم: قال أحمد: في أحاديثه زيادة ما أدري أي شيء هي ونفض يده)(7).

وفيها (عكرمة البربري) مولى عبد الله بن عباس وهو ممن اشتهر كذبه على مولاه ابن عباس، فهذا سعيد بن المسيب يقول لغلامـه

____________

(1) تهذيب الكمال 2/385.

(2) تهذيب الكمال 2/385.

(3) تقريب التهذيب 1/220.

(4) الكاشف 1/236.

(5) طبقات المدلسين 1/20، أسماء المدلسين 1/70.

(6) تهذيب التهذيب 2/321.

(7) المصدر السابق.

 

 


(برد): (يا بـرد إياك وأن تكذب علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس)(1)، وقد قيّده علي بن عبد الله بن عباس على باب الكنيف ولما قيل له عن سبب ذلك، قال: (إنه يكذب على أبي) وكذبه سعيد بن جبير وابن سيرين، وذكروا أنه من الخوارج (2)، ورأي الخوارج معروف في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

لم تدعي واحدة من زوجات النبي اختصاص آية التطهير بهن

السادس: لم تدعي واحدة من زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اختصاص الآية الكريمة بهن أو شمولها لهن، فلم يؤثر شيء من ذلك عن واحدة منهن مع ما هو معلوم عن السيدة عائشة من حرصها على بيان وذكر ما لها من فضائل ومناقب، بل أنها والسيدة أم سلمة ممن روى اختصاص الآية بأصحاب الكساء.

يقول ابن الجوزي: ((... والثاني: أنه خاص في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي والحسن والحسين، قاله أبو سعيد الخدري، وروي عن أنس وعائشة وأم سلمة نحو ذلك))(3).

النبي يمنع أم سلمة من الدخول تحت الكساء

السابع: إن بعض روايات حديث الكساء صريحة في أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لم يسمح للسيدة أم المؤمنين أم سلمة رضوان الله تعالى عليها بالدخول تحت الكساء عندما أرادت ذلك، فلو كانت الآية تعنيهن أو تشملهن لما كان لهذا المنع وجه، أو لقال لها عبارة أخرى غير قوله: (إنك إلى خير)

____________

(1) تهذيب التهذيب 7/238، تهذيب الكمال 7/213.

(2) تهذيب التهذيب 7/238، تهذيب الكمال 7/213 -214.

(3) زاد المسير في علم التفسير 6/381 - 382.

 

 


تفيد اختصاص الآية بهن أو شمولها لهن، وهذا ما لم يفعله فعلمنا أنهن غير معنيات بالآية ولا بمفهوم أهل البيت فيها.

النبي يحصر مفهوم أهل البيت في الآية بأصحاب الكساء

الثامن: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أن جمع عليا وفاطمة والحسن والحسين قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فقصر مفهوم أهل البيت فيهم، ولو كان المراد بهذا المفهوم فيها هم وغيرهم لكان الأنسب أن يقول: (اللهم هؤلاء من أهل بيتي...).

مجيء آية التطهير في سياق آيات نساء النبي غير مخل ببلاغة القرآن

التاسع: ((إن الكلام البليغ يدخله الاستطراد والاعتراض؛ وهو تخلل الجملة الأجنبية بين الكلام المتناسق، كقوله تعالى في حكاية خطاب العزيز لزوجته إذ يقول لها: (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظيمٌ * يوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذا واسْتَغْفِري لِذَنْبِكِ) (1) فقوله: (يوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذا) مستطرد بين خطابيه معها كما ترى، ومثله قوله تعالى: (إِنَّ الْمُلوكَ إِذا دَخَلوا قَرْيَةً أَفْسَدوها وَجَعَلوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلونَ * وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلونَ) (2)فقوله: (وَكَذَلِكَ يَفْعَلونَ) مستطرد من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس، ونحـوه قوله - عز من قائل -: (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمونَ عَظيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَريمٌ) (3) تقديره فلا أقسم بمواقع النجوم، إنه لقرآن كريم، وما بينهما استطراد على استطراد وهذا كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب

____________

(1) يوسف 28 - 29.

(2) النمل 34 - 35.

(3) الواقعة 75- 77.

 

 


العاربة وغيرهم من البلغاء.

وآية التطهير من هذا القبيل جاءت مستطردة بين آيات النساء فتبين بسبب استطرادها أن خطاب الله لهن بتلك الأوامر والنواهي والنصائح والآداب لم يكن إلا لعناية الله تعالى بأهل البيت (أعني الخمسة) لئلا ينالهم - ولو من جهتهن - لوم، أو ينسب إليهم - ولو بواسطتهن - هناة، أو يكون عليهم للمنـافقين - ولو بسبههن - سبيـل ولولا هذا الاستطراد ما حصلت هذه النكتة الشريفة التي عظمت بها بلاغة الذكر الحكيم، وكمل إعجازه الباهر كما لا يخفى))(1).

قال عثمان الخميس:

((ثانيا: ذكر ميم الجمع بدل نون النسوة، لأن النساء دخل معهن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو رأس أهل بيته (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما قال الله تبارك وتعالى عن زوجة إبراهيم: (قالوا أَتَعْجَبينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ) (2)وكانت معــــه زوجته، وقال تعالى عــــن موسى: (فَلَمّا قَضى موسى الأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ) (3)وكانت معه زوجته، فالرجل من أهل البيت فقول الله: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) قال عنكم لدخول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع نسائه في هذه الآية لا أن عليا وفاطمة والحسن والحسين دخلوا ضمن هذه الآية، وإنما كان علي والحسن والحسين وفاطمة (رضي الله عنهم) من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدليل حديث الكساء لا بدليل الآية، فحديث الكساء هو الذي يدل على أن عليا وفاطمة والحسن

____________

(1) الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء 25 - 26.

(2) هود: 73.

(3) القصص: 29.

 

 


والحسين من آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك لما غطاهم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالكســاء قــــــــرأ: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) فأدخــلهم في أهـــل بيتــــــه)) (حقبة من التاريخ 188 - 189).

أقول: وفي هذا الوجه أيضا لم يأت بدليل أو رد ينقض فيه قول الشيعة بأن الإرادة في آية التطهير إرادة تكوينية، وأنها إخبار عن عصمة المخاطبين بها، وإنما أتى فيه بمحاولة أخرى من محاولاته اليائسة لإثبات اختصاص الآية الكريمة بنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيه يدّعي دعوى باطلة وهي أن آية التطهير لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بأصحاب الكساء وأنهم إنما دخلوا في مفهوم أهل البيت من حلال حديث الكساء!!! وما عشت أراد الدهر عجبا، وردّنا عليه هو:

أولا: إن زعمه بأن آية التطهير خاصة بزوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنها نزلت فيهن قد أثبتنا بطلانه فيما مضى من خلال الروايات التي هي صريحة في تخصيص الآية الكريمة بأصحاب الكساء (عليهم السلام)، وذكرنا تأييدا وتأكيدا لذلك أقوالا لبعض علماء أهل السنة ممن فهم من تلك الروايات اختصاها بهم (عليهم السلام)، كما وأبطلت عمدة ما استدل به هو السياق.

لا زال الإشكال قائما

ثانيا: وباعتبار أن صاحبنا واجه إشكالا قويا جدا وهو: إذا كانت آية التطهير خاصة بالزوجات وأنها نزلت فيهن وأن الخطاب متوجه فيها لهن فلماذا قال الله سبحانه وتعالى: (عنــكم) ولم يقــل: (عنـكن) و (يطهركم) ولم يقل (يطهركن)؟ فأراد أن يتخلص منه بالقول أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) داخل في هذا الخطاب لكونه رأس أهل بيته، وجوابنا عليه هو أن الله سبحانه وتعالى في آية التطهير قصــــر إرادته إذهاب الرجس عـــــن

 

  


المخاطبين بها بدليل أداة الحصر (إنما) وهذا يفيد أن الإرادة الإلهية فيها تكوينية لا تشريعية، لأن الله سبحانه وتعالى بإرادته التشريعية أراد لكل فرد تطهير نفسه من الأرجاس، وذلك من خلال امتثاله للتكاليف والتوجيهات الإلهية المتوجه إليه، وليس ذلك خاصا بأهل البيت المخاطبين في الآية، وعليه يكون قوله تعالى (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهـــــِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً): إما إخبارا عن دفع الرجس أو رفعه ولا ثالث لهما فإن كان الأول - دفع الرجس - فتكون الآية الكريمة إخبارا عن عصمتهم لأنها تثبت عدم تلبسهم بالرجس، فتكون زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على - هذا الوجه - خارجات قطعا من الآية الكريمة، وذلك لإجماع الأمة بأنهن غير معصــومات، ولأن بعضهن تلبس بالشرك قبل إسلامهن وهو أحد مصاديق الرجس، وقد ثبت في الأثر ممارسة بعضهن للمخالفات الشرعية، وإن كان الثاني - رفع الرجس - فإنها تثبت أن المخاطبين بها متلبسون بالرجس والله سبحانه وتعالى أراد رفعه عنهم، وقطعا يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)خارجا من الخطاب في الآية(1)لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يتلبس بالرجس لكونه معصوما فيأت نفس الإشكال مرة أخرى، وهو لماذا قال الله تعالى: (عنكم) ولم يقل: (عنكن) و (يطهركم) ولم يقل: (يطهركن)؟ فهل نجد عند الشيخ عثمان الخميس ردا آخر غير الذي ذكره يدفع به هذا الإشكال؟!.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

معرفة فاطمة عليها السلام
علي مع الحق - علي مع القرآن - شبهة وجوابها - خلاصة ...
صدق الحدیث
السيد الشاه عبدالعظيم الحسني رضوان الله عليه
كلمات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) القصار
من آثار وفلسفة وأفكارالهادي (عليه السلام)
مصادر علم الائمة من اهل البيت عليهم السلام
من حقوق أهل البيت (عليهم السلام) : 5 - دفع الخمس ...
ارتباط قضية المهدي (ع) بنهاية حركة التاريخ
فاطمة الزهراء عليها السلام علة غائيّة

 
user comment