نفسٌ طاهرة زاكية ، سمت نحو العليّ الأعلى ، فأشرقتْ تُنير على الأفق صفحات خالدة من القِيَم والمبادئ والأخلاق والمكارم والعلوم المحمّديّة المباركة .
تلك هي نفس إمامنا جعفر بن محمّد الصادق الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه ، حتّى قال أبو حنيفة : ( ما رأيتُ أفقه من جعفر بن محمّد ) (1) .
فقد انتشر اسمه في البلدان ، ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان ، وتمتّع بأخلاق دَمِثَة نبويـّة ، ومكارم هاشميّة ، ضاهت السماء علوّاً ، فكان ولازال بحراً زاخراً تنهل البشريّة من نبْعه النقي الصافي وتغترف من جوده العلمي ، وتسمو نحو الكمال بالاستقاء من صفاته المشرقة التي تحمل عطر النبوّة وفيض الرسالة الخالد .
فكان ـ بحقٍّ ـ مفخرة من مفاخر الإنسانيّة ، ومعجزة من معاجز الدنيا الباقية على مرّ العصور وعبر الأجيال والدهور ، جمـعَ الفضائل كلّها ، وحاز المكارم أجمعها ، وملأ الدنيا بفيض علومه النيـّرة .
فلْنتجوّل مع قُرَّائنا الكرام ونرى ما سطّرت الأقلام حول تلك الشخصيّة المباركة ، ملتزمين بما نقله علماء وأعلام أهل السنّة .
وقبل أنْ نشرع في سرد كلماتهم ، نُقدِّم للقارئ الكريم إلمامة سريعة بحياته ( عليه السلام ) فنقول :
ــــــــــــ
(1) أرسله الصفدي إرسال المسلّمات في ( الوافي بالوفيات ) : 11 / 127 ، دار النشر فرانز شتايز ، شتوتغارت .
ـ هو : الإمام جعفر بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) .
ـ أمّه : أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، كانت من الصالحات القانتات ومن أتقى نساء أهل زمانها (1) ، وفيها قال إمامنا الصادق ( عليه السلام ) : ( كانت أمّي مِمَّن آمنتْ واتّقتْ وأحسنتْ والله يحبّ المحسنين ) (2) .
ـ وُلد : ( عليه السلام ) بالمدينة المنوّرة سنة : ثلاث وثمانين من الهجرة (83 هـ) (3) ، وكان ميلاده مقترناً بذكرى ولادة الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل (4) .
ـ كنيته : أبو عبد الله .
ـ وله ألقاب أشهرها : الصادق ، ومنها : الصابر ، والفاضل ، والطاهر (5) .
ـ تسلّم إمامة المسلمين : عند وفاة أبيه الباقر ( عليه السلام ) في سنة : (114 هـ) ، وكان له من العمر أحدى وثلاثون سنة .
ـ عاصر في أيّام إمامته : خمسة من حكّام بني أميّة ، واثنين من حكّام بني العبّاس .
أمّا حكّام بني أميّة فهم : هشام بن عبد الملك ، الوليد بن يزيد بن عبد الملك ،
ــــــــــــ
(1) عيون المعجزات : 85 .
(2) أصول الكافي للكليني : 1 / 545 ، دار التعارف للمطبوعات .
(3) الإرشاد للمفيد : 2 / 179 ، مؤسّسة آل البيت .
(4) انظر : ( الدروس ) للشهيد الأوّل : 2 / 12 ، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين .
(5) انظر :( مطالب السؤول ) : 2 / 111 ، مؤسّسة أمّ القرى .
يزيد بن الوليد بن عبد الملك ، إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ، مروان بن محمّد بن مروان بن الحكم المعروف بمروان الحمار .
وأمّا حكّام بني العبّاس فهما : أبو العبّاس السفّاح ، أبو جعفر المنصور .
ـ كان الإمام ( عليه السلام ) : علماً بارزاً متفوّقاً على جميع أهل العلم والفضيلة ، وازدهرتْ في عصره جامعة العلوم الإسلاميّة ، وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقات ، على اختلافهم في الآراء والمقالات ، فكانوا أربعة آلاف رجل (1) .
وقال الحسن بن علي الوشاء : ( أدركتُ في هذا المسجد ـ أي مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ كلّ يقول : حدثني جعفر بن محمّد ) (2) .
ـ ولكثرة ما رُوي عنه وما بيـّنه ( عليه السلام ) من أصول وفروعٍ لمذهب أهل البيت ، سُمّي هذا المذهب بـ ( المذهب الجعفري ) ؛ نسبةً إلى اسمه الشريف .
ـ رحل إمامنا الصادق ( عليه السلام ) : في شوّال سنة : (148 هـ) (3) ، بعد جهاد فكري عقائدي مرير ، ومعاناة شديدة مـن حكّام الجور ، خصوصاً من أبي جعفر المنصور .
ـ دُفن ( عليه السلام ) : في مقبرة البقيع مع أبيه وجدّه وعمّه الحسن ( عليهم السلام ) (4) .
ــــــــــــ
(1) انظر : ( الإرشاد ) للشيخ المفيد : 2 / 179 ، مؤسّسة آل البيت .
(2) رجال النجاشي : 40 ، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين .
(3) الإرشاد للمفيد : 2 / 180 ، مؤسّسة آل البيت .
(4) المصدر نفسه : 2/180 .
الإمام في كلمات علماء وأعلام أهل السنّة
نستعرض فيما يلي جانباً من كلمات علماء وأعلام أهل السنّة وهي تُشيد بمقام الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
1 ـ الإمام أبو حنيفة النعمان : (ت : 150 هـ) :
روي عنه أنّه قال : ( ما رأيتُ أحداً أفقه من جعفر بن محمّد ، لمّا أقدمه المنصور الحيرة ، بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة إنّ الناس قد فُتنوا بجعفر بن محمّد فهيـّئ له من مسائلك تلك الصعاب ، قال : فهيـّأتُ له أربعين مسألة ، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر فأتيتُه بالحيرة فدخلتُ عليه ، وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرتُ بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلمتُ وأذِن لي ، فجلستُ ثمّ التفت إلى جعفر ، فقال : يا أبا عبد الله تعرف هذا ؟ قال : نعم ، هذا أبو حنيفة ، ثمّ أتبعها قد أتانا . ثمّ قال : يا أبا حنيفة هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله ، وابتدأتُ أسأله ، وكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ، ونحن نقول كذا وكذا ، فربّما تابعنا وربّما تابع أهل المدينة وربّما خالفنا جميعاً ، حتّى أتيتُ على أربعين مسألة ما أخبرت منها مسألة ، ثمّ قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أنّ أعلم النـاس أعلمهم باختلاف الناس ) (1) .
ــــــــــــ
(1) رواه المزّي في ( تهذيب الكمال ) : ج 5 ، ص 79 ، مؤسّسة الرسالة . والذهبي في سير أعلام النبلاء : ج 6 ، ص 257 ـ 258 ، مؤسّسة الرسالة ، وغيرهم ، واللفظ الذي أوردناه منقول من ( التهذيب ) .
وفي ( مختصر التحفة الاثني عشريّة ) أنّه قال : ( لو لا السنتان لهلك النعمان ) (1) . يعني السنتين اللَّتين انتهل فيهما أبو حنيفة من بحر علم الإمام الصادق ( عليه السلام ) .
قال الحافظ شمس الدين محمّد بن محمّد الجزري : ( وثبتَ عندنا أنّ كلاً من الإمام مالك ، وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى ، صحب الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق حتّى قال أبو حنيفة : ما رأيتُ أفقه منه ، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور ) (2) .
2 ـ الإمام مالك بن أنس (ت : 179 هـ) :
قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( ولقد كنتُ أرى جعفر بن محمّد وكان كثير الدعابة والتبسّم ، فإذا ذُكِرَ عنده النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اصفرَّ ، وما رأيتُه يُحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلاّ على طهارة ، ولقد اختلفتُ إليه زمانا ، فما كنتُ أراه إلاّ على ثلاث خصال إمّا مصلِّياً وإمّا صامتاً (3) ، وإمّا يقرأ القرآن ، ولا يتكلّم فيما لا يعنيه ، وكان من العلماء والعبّاد الذين يخشون الله عزّ وجلّ ) (4) .
ــــــــــــ
(1) مختصر التحفة الاثني عشريّة : 9 ، المطبعة السلفيّة ، القاهرة .
(2) أسنى المطالب في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب : 55 .
(3) هذا حسب كتاب : ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ) للقاضي عِيَاض ، ولعلّ الأصحّ صائماً كما ذكره ابن حجر في التهذيب .
(4) نقل كلامه القاضي عِيَاض في ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ) : 2 / 42 طبع دار الفكر ، ونقل قريباً مـن ذلك ابـن حجر العسقلاني في ( تهذيب التهذيب ) : 2/70 ، دار الفكر .
3 ـ الإمام أحمد بن حنبل (ت : 241 هـ) :
علّق الإمام أحمد بن حنبل على سندٍ فيه الإمام علي الرضا ، عن أبيه موسى الكاظم ، عن أبيه جعفر الصادق ، عن أبيه محمّد الباقر ، عن أبيه علي زين العابدين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب ، عن الرسول الأكرم صلوات الله عليهم أجمعين قائلاً : ( لو قرأتُ هذا الإسناد على مجنون لبرئ مِن جُنَّتِهِ ) (1) .
4 ـ أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت : 250 هـ) :
قال في رسائله عند ذكر الجواب عمّا فخرتْ بهِ بنو أُميّة على بني هاشم ، ما نصّه : ( فأمّا الفقه والعلم والتفسير والتأويل ، فإنْ ذكرتموه لم يكن لكم فيه أحد ، وكان لنا فيه مثل علي بن أبي طالب ... وجعفر بن محمّد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه . ويُقال إنّ أبا حنيفة مِن تلامذته وكذلك سفيان الثوري ، وحسبك بهما في هذا الباب ... ) (2) .
كما أنّه مدح عشرة من أهل البيت من ضمنهم الإمام الصادق ( عليه السلام ) فقال : ( وَمنِ الذي يُعَدُّ مِنْ قريش أو من غيرهم ما يَعُدُّه الطالبيّون عشرة في نَسَق ؛ كلّ واحد منهم : عالمٌ ، زاهد ، ناسك ، شجاع ، جواد ، طاهر ، زاكٍ ، فمنهم خلفاء ، ومنهم مُرشّحون :
ابن ابن ابن ابن ، هكذا إلى عشرة ، وهم الحسن [ العسكري ] بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر [ الصادق ] بن محمّد بن علي بن الحسين
ــــــــــــ
(1) أورده ابن حجر الهيتمي في ( الصواعق المحرقة ) : 310 ، دار الكتب العلميّة .
(2) رسائل الجاحظ : 106 ، جَمَعَهَا ونَشَرَهَا حسن السندوبي ، المكتبة التجاريّة الكبرى ، مصر .
بن علي ( عليهم السلام ) ؛ وهذا لم يتّفق لبيتٍِ من بيوت العرب ولا من بيُوت العجم ) (1) .
5 ـ الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي (ت : 261 هـ) :
قال في ( معرفة الثقات ) : ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ، ولهم شيء ليس لغيرهم ، خمسة أئمّة ... ) (2) .
6 ـ محمّد بن إدريس ، أبو حاتم الرازي (ت : 277 هـ) :
قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( جعفر بن محمّد ثقةٌ لا يُسألُ عن مثله ) (3) .
7 ـ عبد الرحمان بن أبي حاتم محمّد بن إدريس الرازي (ت : 327 هـ) :
قال في كتابه ( الجرح والتعديل ) : ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أبو عبد الله كرّم الله وجهه ... روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن جريج ، والثوري ، وشعبة ، ومالك ، وابن إسحاق ، وسليمان بن بلال ، وابن عيينة ، وحاتم ، وحفص ، سمعتُ أبي يقول ذلك ) .
ثمّ نقل بعض مدائح وتوثيقات العلماء للإمام ، كتوثيق الشافعي ، وابن معين ، وأبي عبد الرحمان ، وأبي زرعة ، مقرّاً لهم على ذلك بدلالة عدم تعليقه على كلماتهم ، خصوصاً أنّ كتابه موسوم بالجرح والتعديل (4) .
ــــــــــــ
(1) المصدر نفسه : 109 .
(2) معرفة الثقات : 1 / 270 ، مكتبة الدار ، المدينة المنوّرة .
(3) نقله ولده الرازي في ( الجرح والتعديل ) : 2 / 487 ، دار الفكر . والذهبي في ( تذكرة الحفّاظ ) : 1 / 166 ، نشر مكتبة الحرم المكّي ، وغيرهما .
(4) انظر : ( الجرح والتعديل ) : 2 / 487 ، دار الفكر .
8 ـ محمّد بن حِبَّان بن أحمد ، أبو حاتم التميمي البستي (ت : 354هـ) :
قال في كتابه ( الثقات ) : ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم ، كنيته أبو عبد الله ، يروي عـن أبيه ، وكان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً ، روى عنه الثوري ومالك وشعبة والناس ... ) (1) .
9 ـ عبد الله بن عدي الجرجاني (ت : 365 هـ) :
قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( ولجعفر بن محمّد حديث كبير عن أبيه عن جابر ، وعن أبيه عن آبائه ، ونُسَخَاً لأهل البيت برواية جعفر بن محمّد ، وقد حدّث عنه من الأئمّة مثل : ابن جريج ، وشعبة بن الحجّاج ، وغيرهم ... وجعفر من ثقات الناس كما قال يحيى بن معين ) (2) .
10 ـ أبو عبد الرحمان السلمي (ت : 412 هـ) :
قال في ( طبقات المشايخ الصوفيّة ) : ( جعفر الصادق ( عليه السلام ) فاق جميع أقرانه من أهل البيت ، وهو ذو علم غزير في الدين ، وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات ، وأدب كامل في الحكمة ) (3) .
ــــــــــــ
(1) الثقات : 6 / 131 ، طبع مجلس دائرة المعارف العثمانيّة ، حيدر آباد الدكن ، الهند .
(2) الكامل في الضعفاء : 2 ، 134 ، دار الفكر . ونقله ابن حجر بلفظ قريب من ذلك في ( تهذيب التهذيب ) ، 2 / 69 ، واللفظ المذكور من كتاب التهذيب .
(3) ذكره محمّد الخواجة البخاري في ( فصل الخطاب ) . ونقله عنه القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ) : 2 / 457 ، منشورات الشريف الرضي ، المصوّرة على الطبعة الحيدريّة .
11 ـ أحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني (ت : 428 هـ) :
قال في ( رجال مسلم ) : ( جعفر بن محمّد الصادق ... وكان من سادات أهل البيت فقهاً ، وعلماً ، وفضلاً ) (1) .
12 ـ أبو نعيم الأصبهاني (ت : 430 هـ) :
قال في ( حلية الأولياء ) عند ترجمة الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( .. الإمام الناطق ، ذو الزمام السابق ، أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق ، أقبل على العبادة والخضوع ، وآثر العزلة والخشوع ، ونهى عن الرئاسة والجموع ) (2) .
13 ـ محمّد بن طاهر بن علي المقدسي (ت : 507 هـ) :
قال في كتابه ( الجمع بين رجال الصحيحين ) : ( جعفر بن محمّد الصادق ، وهو ابن علي بن الحسين بن علـي بـن أبـي طالب الهاشمـي ( رضي الله عنهم ) ، يُكنّى أبا عبد الله ... وكان من سادات أهل البيت ... روى عنه عبد الوهاب الثقفي ، وحاتم بن إسماعيل ، ووهيب بن خالد ، وحسن بن عيّاش ، وسليمان بن بلال ، والثوري ، والداروردي ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وحفص بن غيّاث ، ومـالك بن أنس ، وابن جريج ... ) (3) .
14 ـ أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت : 548 هـ) :
قال في ( الملل والنحل ) : ( جعفر بن محمّد الصادق ، هو ذو علم غزير ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد في الدنيا ، وورع تـامّ عن الشهوات ، وقد أقام
ــــــــــــ
(1) رجال مسلم : 1 / 120 ، دار المعرفة .
(2) حلية الأولياء : 3 / 176 ، دار إحياء التراث العربي .
(3) الجمع بين رجال الصحيحين : 1 / 70 ، دار الكتب العلميّة .
الصفحة 246
بالمدينة مدّة يُفيد الشيعة المنتمين إليه ، ويفيض على الموالين له أسرارَ العلوم ، ثمّ دخل العراق وأقام بها مدّة ، ما تعرّض للإمامة قط ، ولا نازع في الخلافة أحداً ، ومَنْ غرق في بحر المعرفة لم يقع في شط ، ومَن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يَخَفْ مَن حطّ ) (1) .
15 ـ جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي (ت : 597 هـ) :
قال في تاريخه ( المنتظم ) عند ذكر وفيات سنة : (148 هـ) : ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أبو عبد الله جعفر الصادق ... كان عالماً ، زاهداً ، عابداً ... ) (2) .
وقال في كتابه ( صفة الصفوة ) : ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ( عليهم السلام ) ، يكنّى أبا عبد الله ، أمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصديق . كان مشغولاً بالعبادة عن حبّ الرياسة ... ) (3) .
16 ـ أبو سعد عبد الكريم بن محمّد بن منصور التميمي السمعاني (ت : 562 هـ) :
قال في كتاب ( الأنساب ) : ( الصادق : بفتح الصاد ، وكسر الدال المهملتَين ، بينهما الألف وفي آخرها القاف ، هذهِ اللفظة لقب لجعفر الصادق ، لصدقه في مقاله ... ) (4) .
ــــــــــــ
(1) الملل والنحل : 1 / 166 ، دار المعرفة .
(2) المنتظم : 8 / 110 ـ 111 ، المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر .
(3) صفة الصفوة : 2 / 168 ، عند ذكر الطبقة الخامسة من أهل المدينة ، رقم : 186 ، دار المعرفة .
(4) الأنساب : 3 / 507 ، دار الجنان ، بيروت .
17 ـ الفخر الرازي ، محمّد الرازي فخر الدين بن ضياء الدين عمر المشتهر بخطيب الري (ت : 604 هـ) :
قال في تفسيره عند ذكره معاني كلمة ( الكوثر ) : ( والقول الثالث ( الكوثر ) أولاده ، قالوا لأنّ هذهِ السورة إنّما نزلت ردّاً على مَن عابه عليه السلام بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان ، فانظر كم قُتل من أهل البيت ، ثمّ العالَم ممتلئ منهم . ولم يبقَ من بني أميّة في الدنيا أحد يُعبأ به ، ثمّ انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا ) (1) .
18 ـ عزّ الدين ، ابن الأثير الجزري (ت : 630 هـ) :
قال في ( اللباب في تهذيب الأنساب ) : ( الصادق ... هذهِ اللفظة تُقال لجعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، وهو المشهور بالصادق ، لُقّبَ به لصدقه في مقاله وفعاله ... ومناقبه مشهورة ) (2) .
19 ـ محمّد بن طلحة الشافعي : (ت : 652 هـ) :
قال في كتابه ( مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ) : ( هو من عظماء أهل البيت وساداتهم عليهم السلام ذو علوم جَمّة ، وعبادة موفرة ، وأوراد متواصلة ، وزهادة بيّنة ، وتلاوة كثيرة ، يتتبّع معاني القرآن ، ويستخرج من بحر جواهره ، ويستنتج عجائبه ، ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات ، بحيث يحاسب عليها نفسه ، رؤيته تُذكِّر الآخرة ، واستماع كلامه يُزهد في الدنيا ، والاقتداء
ــــــــــــ
(1) تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب : مجلّد16/ ج32/ 125 ، دار الفكر .
(2) اللباب في تهذيب الأنساب : 2 / 3 ، دار الفكر ، طبعة جديدة ومنقّحة بإشراف مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر .
بِهَدْيِهِ يورث الجنّة ، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة ، وطهارة أفعاله تصدع أنّه من ذريّة الرسالة .
نقل عنه الحديث ، واستفاد منه العلم جماعة من الأئمّة وأعلامهم مثل : يحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن جريج ، ومالك بن أنس ، والثوري ، وابن عُيَيْنَة ، وشعبة ، وأيّوب السجستاني وغيرهم (رض) ، وعدّوا أَخْذَهم عنه منقبةً شُرِّفوا بها وفضيلة اكتسبوها )
إلى أنْ قال : ( وأمّا مناقبه وصفاته ، فتكاد تفوت عدد الحاصر ، ويُحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر ، حتى أنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تُدرك عللها ، والعلوم التي تقصر الأفهام عدد الإحاطة بحكمها ، تُضاف إليه وتروى عنه .
وقد قيل إنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب ويتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه عليه السلام ، وإنّ في هذهِ المنقبة سنيـّة ، ودرجة في مقام الفضائل عليّة ، وهي نبذة يسيرة مما نقل عنه ) (1) .
20 ـ يوسف بن فرُغلي بن عبد الله سبط ابن الجوزي (ت : 654 هـ) :
قال في ( تذكرة الخواص ) : ( وهو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ... ويلقّب بالصادق ، والصابر ، والفاضل ، والطاهر ، وأشهر ألقابه الصادق ) ، ثمّ ذكر قول علماء السّير بأنّ الإمام الصادق : كان قد اشتغل بالعبادة عن طلب الرياسة ) .
ونقل قول عمرو بن أبي المقدام ، وهو : ( كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين ) .
ــــــــــــ
(1) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : 2 / 111 ، مؤسّسة أمّ القرى .
كما ذكر طرفاً من أخباره وإرشاداته ومكارم أخلاقه (1) .
21 ـ ابن أبي الحديد المعتزلي (ت : 655 هـ) :
نقل في كتابه ( شرح نهج البلاغة ) نصّ ما تقدّم ذكره عن أبي عثمان الجاحظ ، مقرّاً له عليه (2) .
وقد ذكر في نفس الفصل أيضاً عند تطرّقه لذكر الإمام الباقر ( عليه السلام ) ما نصّه : ( وهو سيـّد فقهاء الحجاز ، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه ) (3) .
22 ـ أبو زكريّا محيي الدين بن شرف النووي (ت : 676 هـ) :
قال في ( تهذيب الأسماء واللغات ) : ( الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الهاشمي المدني الصادق ... روى عنه محمّد بن إسحاق ، ويحيى الأنصاري ، ومالك ، والسفيانان ، وابن جريج ، وشعبة ، ويحيى القطان ، وآخرون . واتّفقوا على إمامته وجلالته وسيادته ، قال عمر بن أبي المقدام : كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين ) (4) .
23 ـ أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خِلَّكان (ت : 681 هـ) :
قال في كتابه ( وفيات الأعيان ) : ( أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد
ــــــــــــ
(1) تذكرة الخواص : 307 ، مؤسّسة أهل البيت ، بيروت ، لبنان .
(2) شرح نهج البلاغة : 15 / 274 و278 ، دار الكتب العلميّة ، المصوّرة على طبعة دار إحياء الكتب العربيّة .
(3) المصدر نفسه : 277 .
(4) تهذيب الأسماء واللغات : 1 / 155 ، دار الفكر .
الصفحة 250
الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم أجمعين ، أحد الأئمّة الاثني عشر على مذهب الإماميّة ، وكان من سادات أهل البيت ، ولُقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وفضله أشهر مِن أنْ يُذكر . وله كلام في صناعة الكيمياء والزجر والفأل (1) ، وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي الطرسوسي قد ألّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمئة رسالة ...
تُوفّي في : شوّال ، ثمان وأربعين ومئة بالمدينة ، ودُفن بالبقيع في قبرٍ فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه عليّ زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بـن علي ، رضي الله عنهم أجمعين ، فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه .. ) (2) .
24 ـ شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت : 748 هـ) :
قال في ( تذكرة الحفّاظ ) : ( جعفر بن محمّد بن علي بن الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي الإمام أبو عبد الله العلوي المدني الصادق أحد السادة الأعلام ... وثّقه الشافعي ويحيى بن معين . وعن أبي حنيفة قال : ما رأيتُ أفقه من جعفر بن محمّد ، وقال أبو حاتم : ثقة لا يُسأل عن مثله . وعن صالح بن أبي الأسود سمعتُ جعفر بن محمّد يقول : ( سلوني قبل أنْ تفقدوني فإنّه لا يحدّثكم أحد بعد بمثل حديثي ) ، وقال هياج بن بسطام : كان جعفر الصادق يُطْعِم حتّى لا يبقى لعياله شيء ، قلتُ [ أي الذهبي ] : مناقبُ هذا السيّد
ــــــــــــ
(1) انظر : التنبيه في آخر هذا الفصل .
(2) وفيات الأعيان : 1 / 307 ، دار الكتب العلميّة .
جمّة ... ) (1) .
وقال في ( سير أعلام النبلاء ) : في الجزء الثالث عشر ، عند ذكره للإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( جعفر الصادق : كبير الشأن ، من أئمّة العلم ، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور ) (2) .
كما ذكر له في الجزء السادس ترجمة طويلة فيها توثيقات ومدائح العديد من العلماء كالشافعي ، ويحيى بن معين ، وأبي زرعة ، وأبي حنيفة وغيرهم ، كما تفرّقت أقواله عن الإمام في طيـّات هذهِ الترجمة :
فقد قال في أحد المواضع : ( شيخ بني هاشم أبو عبد الله القرشي الهاشمي العلوي النبوي المدني ، أحد الأعلام ) (3) .
وقال في موضع آخر عنه وعن أبيه الباقر ( عليه السلام ) : ( وكانا من جُلَّة علماء المدينة ) (4) .
وقال في موضع ثالث : ( جعفر : ثقة ، صدوق ) (5) .
كما أنّ الذهبي ترجم الإمام ترجمة مطوّلة شبيهة بما في ( سير أعلام النبلاء ) وذلك فـي كتابه تاريخ الإسلام (6) . وقـال فـي آخرهـا : ( مناقب جعفر كثيرة ، وكان يصلح للخلافة ؛ لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه رضي الله عنه ) .
ـــــــــــ
(1) تذكرة الحفّاظ : 1 / 166 ، نشر مكتبة الحرم المكّي ( إعانة وزارة معارف الحكومة العالية الهنديّة ) .
(2) سير أعلام النبلاء : 13 / 120 ، مؤسّسة الرسالة .
(3) المصدر نفسه : 6 / 255 .
(4) المصدر نفسه : 6 / 255 .
(5) المصدر نفسه : 6 / 257 .
(6) تاريخ الإسلام : حوادث وفيات ـ 141 هـ ـ 160 هـ) : 93 / دار الكتاب العربي .