عربي
Wednesday 1st of May 2024
0
نفر 0

أهل البيت^ التجلي الكامل للحقائق

أهل البيت^ التجلي الكامل للحقائق

لقد بلغ أهل البيت^ الذرى في مقام العبودية لله تعالى والإخلاص والجهاد والاجتهاد، ولهذا استحال وجودهم إلى مرآة صافية تنعكس وتتجلى فيها الحقائق كاملة تامّة.

إنّ الحقائق تشرق على قلب المؤمن بقدر ما بلغ من مراتب في العبودية والإخلاص لله عز وجل.

إنّ مقام العبودية هو مقام رفيع تتجلى فيه أسماء الحق وصفاته، وهو المقام الذي تتجلى فيه الأخلاق وهو الدرجة التي ينمو فيها الإيمان ومنصّة الانطلاق صوب القرب من الحق والأرضية للقاء الله عز وجل.

وأهل البيت بلغوا الذروة في مراحل الإيمان وبلغوا الذروة في الأخلاق وبلغو القمم الشاهقة في الإنسانية، وهذه الحقائق هي التي بلغت بأهل البيت^ أن يصلوا مطلع فجر الحق فتتجلى فيهم أسماء الله وصفاته وأخلاقه؛ يقول الإمام علي الهادي× وهو يوضح جانباً من حقائق أهل البيت^:

إن أنبياء الله عز وجل ورسله الذين بعثهم الله إلى الناس جاءوا([1]) بالكتب من عنده، إنما بعثهم الله للتمهيد أمام بعثة رسول الله’ وظهوره في الدنيا وهو السبب في صعود الكائنات وبخاصّة الإنسان؛ فالنبي’ وآله الأطهار هم حبل الله وظل الله وهم أمناء الرحمن بدأوا حركتهم الصعودية وبلغوا مراتب الكمال التي تليق بشأنهم.

ولم يرسل الله سبحانه من نبي ولا رسول إلا أخذ الميثاق منه، وهو في تمهيد الأمر لظهور النبي’ ولم يخلِ سبحانه خلقه من نبي مرسل أو كتاب منزل أو حجة لازمة ... مأخوذاً على النبيين ميثاقه<([2]).

ولهذا قال رسول الله’ وهو الصادق المصدّق: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة»([3]).

أجل أن أهل البيت^ بلا أدنى شك هم الأوسع في طاقتهم الوجودية فهم وعاء وسع كل الحقائق المعنوية وتجلت فيهم الحقائق الإلهية وهم المصداق الحق: لما ورد في كتب الحديث: >والآخرون السابقون والسابقون الأولون وليس كمثلهم شيء<([4]).

يقول مولوي الشاعر المعروف:

هكذا يبدو الغصن أصل الثمر



 

والحقيقة أن الغصن للثمرة ثمر

ولولا الأمل في جني الثمر

 

ما رعى الفلاح في الأرض الشجر

إن بدت الأشجار أصلاً

 

للثمار فالثمار هي أصل وجذر

ولهذا قال المصطفى أن الأنبياء

 

من لدن آدم ورائي وأنا عندي اللواء

وقطاف الحكمة في هذا المقال

 

أنه سابق في الآخرين سابق في الأولين ([5])

وعلّة تقدمهم وبلوغهم هذه المراتب العالية هي أنه في علم الله ما لهذه النفوس النورانية من أخلاص، وحسب فاصطفاهم فبدأ بهم الوجود جعلهم برزخاً بين الواجب والممكن وجعلهم ختام ما بدأ، وقد وردت هذه الإشارة في الزيارة الجامعة الكبيرة:

>بكم فتح الله وبكم يختم ... وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم< وإذن وكما ذكرنا آنفاً فإن الأنبياء والمرسلين إنما جاءوا لتمهيد الأمر لظهور خاتم الرسل محمد’ وآله الأطهار^ في الدنيا.

وقد شاء الله أن يظهروا في اعتدال من الزمان والمكان والمقام وشاء الله سبحانه، أن يأتوا من سماء أرادته وقمة فعله وأوج رحمته فيهبطوا إلى حضيض الطبيعة ليستحيلوا إلى سبب كامل في الاتصال بين الله ومخلوقاته ويكونوا حجةً على العالمين.

وكان نزولهم إلى هذا الكوكب الترابي من حيث الزمان عند زوال شمس الوجود وهي فترة الظهر الوجودي، وفي فترة العصر الوجودي تبدأ الكائنات مرحلة القبض، ثم يعقب هذه الفترة وفترة ظهور النبي’ وآل بيته الأطهار^ وبخاصة الوجود المبارك لإمام العصر#([6]) فترة غروب شمس الزمان، فيدخل كل الوجود في حالة القبض المغلق وتكون الظلمة الثانية بعد أن مرّت ملايين السنين على الظلمة الأولى التي كانت قد بدأت قبل ظهور الوجود، وفي هذه الفترة (الظلمة الثانية) والقبض المطلق يقول الله عز وجل: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}([7]).

وحينئذ يبدأ يوم القيامة الذي يصرح القرآن الكريم بأنه سيكون يوماً أبدياً ودائمياً وسرمدياً ويمتد إلى ما لا نهاية وهو يوم نهاره لا ليل فيه.

وعندما نتأمل آيات القرآن الكريم وما صح من الروايات لا نجد أبداً تعبير ليلة القيامة، وإنما الاصطلاح الثابت والوحيد هو >يوم القيامة<.

ولما كان طلوع الشمس إيذاناً ببدء اليوم وطلوع النهار فإن ظهور يوم القيامة سيكون بسبب شروق الشمس المحمدية والنور الوجودي الأحمدي، وقد أشار القرآن الكريم إلى النبي’ ورمز له بـ >السراج المنير<([8]).

يعني السراج الذي سيضيئ ويتحقق به يوم القيامة، فهو أول من يرد على الله عز وجل في القيامة وبسبب وروده الذي هو وجه الله ونور الله تشرق ساحة الحشر والعالم الآخر يغمره النور ويبدأ اليوم الأبدي والنهار السرمدي ويتحقق به الوعد الإلهي.

{وَأَشْرَقَتِ الأَْرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ}([9]).

وهذه الآية المباركة الشريفة، إنما تتحدث عن يوم القيامة لا شك ولا ترديد، فقد تظافرت الروايات والتفاسير على هذا المعنى، وهو أن مصداق النور الإلهي والنور الربّاني هو النبي’ والأئمة الأطهار من آله^.

أجل سيبدأ صبح يوم القيامة مع شروق نور الرب الذي هو نور محمد’ وسيكون النهار أبدياً سرمدياً دائمياً؛ وببركة ذلك النور الأبدي تتجلى كل الحقائق، وتبلى كل السرائر وتبدأ ساعة الحساب.

يروي الإمام الباقر× عن جدّه رسول الله’ قوله:

«أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي، ثم أمتي، ثم أسألهم ما فعلتم بكتاب الله وبأهل بيتي»([10]).

أهل البيت^سفينة النجاة

أن الأرواح الطاهرة لأهل البيت^ ووجوداتهم النورانية أشرقت من أفق الرحمة الإلهية،وذلك قبل خلق الكائنات، فهي محدقة بعرش الله سبحانه وتسبح في بحر تسبيح الله وتقديسه وتنزيهه، حتى شاء الله أن يمن بهم على الناس للهداية، فكل روح من تلك الأرواح الطاهرة إذا ما حلّ وقت ظهورها وجاء زمانها ارتدت حلّة الجسم والبدن وظهرت للناس عياناً.

«خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين، حتى منّ علينا بكم فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها أسمه»([11]).

فكانوا^ وهم محدقون بعرش الرحمن كسفينة نوح تنقذ الناس من الغرق وكانوا وسيلة النجاة من الطوفان والسقوط في مستنقع البلاء.

>فبلغ الله بكم أشرف محلّ المكرمين وأعلى منازل المقرّبين وأرفع درجات المرسلين<([12]).

أجل بلغ الله عز وجل بأهل البيت أشرف مقامات المكرمين وأعلى درجات المقربين ومنازل الأنبياء والمرسلين.

ولقد جاء في الروايات المعتبرة وفي تفسير الأمام الحسن العسكري× أن آدم لما هبط من مقامه وكان قبل ذلك جليساً للملائكة فحرم من هذه الحالة وفقد مكانه في الجنة، ووقع عنه رداء الكرامة والحياء ألهمه الله عز وجل أن يقول: «اللهم بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، والطيبين من آلهم لما تفضلت عليّ بقبول توبتي وغفران زلّتي، وإعادتي من كراماتك إلى مرتبتي».

فقال الله عز وجل له: قد قبلت توبتك برضواني عليك وصَرَفت آلائي ونعمائي إليك وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي ووفرت نصيبك من رحمائي، فذلك قوله عز وجل: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}([13]).

وسيلة النجاة

كان أبو ذر آخذاً بعضادة الكعبة الشريفة فسمع النبي’ يقول: >ألا أن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك<([14]).

وقال رسول الله’: «نحن سفينة النجاة من تعلق بها نجا ومن حاد عنها هلك، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت»([15]).

وجاء في حديث للإمام علي أمير المؤمنين× لكميل بن زياد:

« يا كميل قال رسول الله’ قولاً ـ والمهاجرون والأنصار متوافرون يوماً بعد العصر يوم النصف من شهر رمضان ـ قائماً على قدميه فوق منبره: علي وابناي منه الطيبون مني وأنا منهم وهم الطيبون بعد أمهم وهم سفينة من ركبها نجا ومن تخلف عنها هوى والناجي في الجنة والهاوي في لظى»([16]).

وعنه× قال: «من اتبع أمرنا سبق، ومن ركب غير سفينتنا غرق»([17]).

وإذا كانت السفن التي تمخر عباب البحار تهتدي بالنجوم فلا تضل طريقها ومسارها وتبلغ شاطئ الأمان، فإن النبي’، قد شبه أهل بيته بالنجوم لأهل الأرض يهتدون بها في طريقهم وسط أمواج الحياة المتلاطمة فلا يضلون ويبلغون شاطئ النجاة، فأهل البيت هم أمان للأمة المسلمة.

قال’: >النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتهم قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس<([18]).

وعن النبي الأكرم محمد’ قال: إنما أهل بيتي فيكم مثل باب في بني حطة إسرائيل من دخله غُفر له»([19]).

وقال الإمام علي×: >نحن باب حطة وهو باب السلام من دخله نجا ومن تخلف منه هوى<([20]).

وعنه× أيضاً قال: «ألا أن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت به النبيّون إلى خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين، فأين يتاه بكم، وأين تذهبون، وأنهم فيكم كأصحاب الكهف ومثلهم مثل باب حطّة وهم باب السلام في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ}([21]).

وقال رسول الله’: « نحن سفينة النجاة من تعلق بها نجا ومن حار عنها هلك فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت»([22]).

وجاء في حديث للإمام علي أمير المؤمنين× لكميل بن زياد:

«يا كميل قال رسول الله’ قولاً ـ والمهاجرون والأنصار متوافرون يوماً بعد العصر يوم النصف من شهر رمضان ـ كأنما على قدميه فوق منبره: علي وابناي منه الطيبون مني وأنا منهم وهم الطيبون بعد أمهم وهم سفينة من ركبها نجا ومن تخلف عنها هوى والناجي في الجنة والهاوي في لظى»([23]).

بيت الله الحرام

قال رسول الله’ لوصيه علي×: «مثلكم يا علي، مثل بيت الله الحرام من دخله كان آمناً، فمن أحبكم ووالاكم كان آمناً من عذاب النار، ومن أبغضكم ألقي في النار يا علي ... {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}([24])، ومن كان له عذر فله عذره ومن كان فقيراً فله عذره ومن كان مريضاً فله عذره، إن الله لا يعذر غنياً ولا فقيراً ولا مريضاً ولا صحيحاً ولا أعمى ولا بصيراً في تفريطه في موالاتكم ومحبتكم»([25]).

الرأس من الجسد

قال رسول الله’: «أجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين»([26]).

ومن هنا يتضح سلوك أنصار ومحبي أهل البيت وتعاملهم مع الأئمة الأطهار^.

إن كبار أصحاب الأئمة كانوا يسيرون على خطى الأئمة في كل حياتهم وكانوا لهم الدليل في الطريق، وهم بمثابة الرأس من الجسد، ولقد كان أصحاب الأئمة لا يخطون خطوة إلا ضمن المسار الذي رسمه أهل البيت^.

خيار العاشقين

في ليلة عاشوراء أعلن الإمام الحسين× لأصحابه وخاطبهم قائلاً: >أنتم في حلّ من بيعتي ... وهذا الليل فاتخذوه جملاً ـ أجل وضعهم الإمام× أمام طريق يعيدهم إلى ديارهم وبيوتهم لأن جيش يزيد لم يكن يطلب سوى رأس الحسين، ولقد كان بإمكان أصحاب الحسين أن يعودوا؛ لأن الإمام× جعلهم في حلّ، فماذا كان موقفهم وهم يدركون أن الموت على بعد خطوات قليلة؟

لقد رفضوا جميعاً الحياة التي لا كرامة فيها ولا شرف وانتخبوا الموت بكرامة، رفضوا الحياة مع يزيد وانتخبوا الموت مع الحسين×.

لقد أمضينا عهد الوفاء معك



 

 وقطعنا علائقنا بغيرك


شربنا من فيض حبك وكفى

 

وحطمنا الزقاق الكأس

 وسكرنا بعشقك أيها الحبيب

 

وذهلنا عن أنفسنا والغريب

وفاض في القلب من فيض عشقك فنحن سكارى

 

وزهدنا بكل شيء سواك والتحقنا بقافلة عشقك

موقف الحب

لا شك أن من أرادهم وأحبهم وتاق إليهم فإنّهم لن يخيبوا ظنه ومن هزّه الشوق اليهم فإنه سيجدهم وهم له مشتاقون يحتضنون من لجأ إليهم ويهدون من استرشدهم وهم له مشتاقون يحتضنون من لجأ إليهم استرشد  ومن أراد طريق الكمال لا يجد أحداً يأخذ بيده سواهم فهم مصابيح الطريق، ذلك أنهم مظهر أسماء الله عز وجل وصفاته وهم كما هو سبحانه في حب من أحب الله.

وهم كرسول الله’ رحمة للعالمين أرأيت كيف كان الحسين× يوم عاشوراء في وعظه لأعدائه وكم أبلغ في النصيحة لهم وكان يتفادى القتال ويؤجل ساعة الحرب أملاً في أن يهتدي بضوئه من يهتدي ويتوب إلى الله من يتوب.

وقد ذكرت المقاتل كيف أن أبا الحتوف بن الحرث وأخاه سعد بن الحرث وهما من الخوارج تأثراً بخطبه ومواعظه فانحازا إلى جبهة الحسين في اللحظات الأخيرة قبل استشهاده عليه صلوات الله.

فإذا هما وفي لحظات ينتقلان من الظلمات إلى النور فقاتلا حتى استشهدا.

أهل البيت الصراط المستقيم

أن آيات القرآن الكريم عندما تعرّف الإنسان الإمام والقدوة فإنها تطرحه باعتباره المثال في ميدان الفكر والحالة النفسية والبعد الأخلاقي والروحي فلا تجد في سيرته وسلوكه أدنى خلل وسيرته مفعمة بحالة التوازن الكامل والطمأنينة والسكينة، فالإمام شخصية في غاية الاتزان والتعادل والثبات وهي لا تحيد عن طريقها مهما بلغت قسوة الظروف.

ولذا عندما نطالع حياة أي إمام من أئمة أهل البيت^ فإننا نجد شخصية تتمتع بكل أبعاد التكامل فهي ثابتة بالرغم من صخب الحياة والشيطان لا يستطيع أن يوقف مسيرة الإنسان المخلص إلى الله سبحانه؛ لأن حياته إلهية ربانية لا يمكن للشيطان أن يحرفها عن غايتها مهما أوتي من مكر وخداع([27]).

وحياة المخلصين العاشقين حياة مثمرة، فهم كالنور الذي يهدي الإنسان في ظلمات الليل، ولهذا فإن درجة الإمام درجة عالية رفيعة لا تتأتى إلا بعد معاناة وجهاد نفسي طويل، ولا تحصل إلا بعد امتحان واختبار.

{قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([28]).

{وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ}([29]).

معنى الصراط المستقيم

من خلال مجمل تأويل آيات القرآن المجيد فإن الصراط طريق بين الخالق والمخلوق ومن هنا فإن الصراط المستقيم مسار يتحرك الإنسان من خلاله وعلى ضوئه نحو غاية وهدف توصله إلى مقام القرب الإلهي ولقاء الحق تعالى والحصول على الفوز العظيم وبالتالي الخلاص والنجاة من العذاب الأليم والشقاء الأبدي.

يقول الإمام أمير المؤمنين علي× في توضيح معنى الصراط: «الصراط المستقيم في الدنيا ما قصر عن الغلوّ، وارتفع عن التقصير واستقام وفي الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنة»([30]).

وهذا التفسير والتوضيح لمعنى الصراط ينطبق تماماً على أهل البيت^، ذلك أنهم^ يتصفون بالاعتدال التام في كل شؤون حياتهم ومسارهم متوازن ومستقيم، وهم بعيدون كل البعد عن الإفراط والتفريط ومن خلال هدايتهم في الدنيا يبلغ المؤمنون غايتهم في دخول الجنة والخلاص من العذاب الأبدي.

المفهوم الحقيقي للصراط المستقيم

هناك مفردات عديدة في القرآن الكريم لا يمكن للعقول أن تدرك معانيها أو تفهم القصد الحقيقي من ورائها، ولهذا يتوجب معرفتها من خلال النبي’ وآله الأطهار، فهم من يفسر القرآن وهم من بين مفاهيمه ومعانيه.

إن مفردة الصراط المستقيم التي ورد استخدامها في القرآن في مناسبات عديدة هي من المفردات الهامّة التي ينبغي أن نفهم مدلولها الحقيقي.

وما نفهمه من مفردة الصراط لا يعدو سوى أن مفادها الطريق، ولكن ما هذا الطريق وأين؟ من أين يبدأ والى أين ينتهي؟ وما هي ملامح هذا الطريق ومعالمه؟ وكيفية سلوكه فهذا ما لا يمكن أن ندركه من خلال مفردة الصراط.

ولهذا وغيره نصب الله عز وجل رسوله’ وآل بيت الرسول^ في مقام تفسير كتابه وآياته وما فيها من مفردات تحتاج إلى تفسير لإدراكها، فالنبي’ مهمته الكبرى هو أن يعلم الناس الكتاب.

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُْمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ}([31]).

{فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}([32]).

وقد ورد في كتاب الكافي وفي تفسير القمي والعياشي وفي كثير من الروايات أن أهل الذكر هم أهل البيت^([33]).

أجل أن الله تبارك وتعالى أنزل كتابه في بيت النبوّة وقذف في قلوب آل البيت معانيه المضيئة ومصاديقه وألهمهم تأويله، فأشرق نور القرآن على أفئدتهم وأصبحوا خزّان علم الله وحملة كتاب الله ومفسري آيات الله.

أنظر كيف يشرح الإمام الصادق معنى الصراط في قوله تعالى:

{اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}: يقول: «أرشدنا إلى الطريق المستقيم أي أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، والمبلّغ جنتك والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب أو نأخذ بآرائنا فنهلك»([34]).

فهل بغير أهل البيت وعلومهم يمكن أن يبلغ الإنسان إلى مقام الحب الإلهي وهم أهل المعرفة بالله عز وجل وهم أهل العلم ومن قذف الله في قلوبهم حبّه وحب المؤمنين، فمن أحبهم فهو مؤمن ومن أبغضهم كان من المنافقين.

وهل بغير حصنهم الحصين في ولائهم يمكن درء أخطار الهوى النفساني والرغبات والميول المادّية والأهواء.

وهل يمكن بغير التثقف بثقافتهم والعمل بإرشادهم وبغير شفاعتهم أن ندخل الجنة يوم القيامة.

وهل يمكن معرفة الطريق إلى الله من غير اقتداء بحركة أهل البيت وهم الدليل إلى الله عز وجل؟

وإما ما قيل أنه يمكن ذلك في ظلال القرآن من دون عون من إمام هدى وإن قيل اليوم كما قيل من قبل: >حسبنا كتاب الله< وهي مقولة ظهرت من أجل إقصاء أهل البيت عن أداء دورهم في هداية الناس، فإن ذلك لابد وأن ينتهي إلى الضلال والضياع؛ لأنه من سيقرأ كتاب الله ومن سيفسر كتاب الله وقد قال سبحانه لا يمسه إلا المطهرون، أن السير من غير معالم في الطريق لا يؤدي إلا إلى الضلال ولا يقود إلا إلى الضياع.

ومن هنا فإنه يتوجب القول بكل ثقة أن الصراط المستقيم هو من حيث المعنى هو القرآن الكريم، ومن حيث المصداق هو أهل البيت الكرام^، وهما متلازمان ويفسر أحدهما الآخر، وينصر أحدهما الآخر وإنهما لن يفترقا أبداً.

إن سيرة أهل البيت^ تجسيد واضح لكل المفاهيم القرآنية وما يريده الله سبحانه وتعالى من الإنسان وأن على الإنسان أن يتخذ من أهل البيت^ أسوة وقدوة ويسير على خطاهم؛ لأن مسارهم منطبق على هدي القرآن الذي هو الصراط المستقيم.

إن علوم أهل البيت^ من النبي’ والنبي’ من الوحي وعلى قلب محمد’ نزل القرآن، وقد ورث آل البيت^ من النبي علمه وحكمته.

إن التمسك بهم والسير في هداهم يؤدي إلى والفوز في الدنيا والآخرة ودخول الجنة.



([1]) مفاتيح الجنان/ الزيارة الجامعة الكبيرة.

([2]) نهج البلاغة: 43، خطبة 1، بحار الأنوار: 11/60 باب 1/ حديث 70.

([3]) المناقب: 3/269، كشف الغمة: 1/11، بحار الأنوار: 16/118، باب 6، حديث44، صحيح مسلم: 2/7.

([4]) المناقب: 1/214، عوالي اللئالي: 4/121، حديث 198، بحار الأنوار: 39/213، باب85، حديث5، علم اليقين:5، سنن الترمذي: 1/107.

([5]) مولوي، مثنوي معنوي، الدفتر الرابع.

([6]) لأن ظهوره# سيكون بعد غيبة طويلة في زمان يكون الوجود في فترة العصر، وقد انطوى صبح الوجود وظهره ومن هنا جاء تسميته بـ >إمام العصر<.

([7]) سورة غافر: الآية 16.

([8]) سورة الأحزاب: الآية 46.

([9]) سورة الزمر: الآية 69.

([10]) الكافي: 2/600، كتاب فضل القرآن، حديث، وسائل الشيعة: 6/170 باب 2، حديث 7653.

([11]) مفاتيح الجنان: الزيارة الجامعة الكبيرة.

([12]) مفاتيح الجنان، الزيارة الجامعة الكبيرة.

([13]) تفسير الإمام العسكري×: 225، ذيل حديث 105، تأويل الآيات الظاهره: 50، بحار الأنوار: 11/192، باب 3، حديث 47، تفسير الصافي: 1/83.

([14]) ينابيع المودة: 1/84، باب 4، حديث 1.

([15]) فرائد السمطين: 1/37.

([16]) بشارة المصطفى: 30؛ بحار الأنوار: 74/276، باب 11، حديث 1.

([17]) غرر الحكم: 16، حديث 2028، 2029.

([18]) المستدرك على الصحيحين: 3/162.

([19]) المعجم الصغير: 2/22.

([20]) الخصال: 2/626، حديث 10، بحار الأنوار: 10/104 باب 7 حديث 1.

([21]) تفسير العياشي: 1/102، حديث 300، ينابيع المودة: 1/332 باب 37، حديث 4.

([22]) فرائد السبطين: 1/37.

([23]) بشارة المصطفى: 30، بحار الأنوار: 74/276، باب 11، حديث 1.

([24]) سورة البقرة: الآية 208.

([25]) خصائص الأئمة: 77.

([26]) الأمالي للطوسي: 482 مجلس 17 حديث 1053، كشف الغمة: 11/408، بحار الأنوار: 231/121، باب7، حديث 43.

([27]) {قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي  لأَُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَلأَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}، سور الحجر: الآيتان: 39 ـ 40.

 

([28]) سورة البقرة: الآية 124.

([29]) سورة الأنبياء: الآية 73.

([30]) تفسير الصافي: 1/54.

([31]) سورة الجمعة: الآية 20.

([32]) سورة النمل: الآية 43.

([33]) الكافي: 1/211 ح4، تفسير العياشي، 21/260 ح32، تفسير القمي: 2/67، وسائل الشيعة: 27/75، باب 7، ح32237، بحار الأنوار: 23/183، باب 9 ح43، تفسير الصافي:1/925.

([34]) عيون أخبار الرضا: 1/305، باب 28 ح65؛ تفسير الإمام العسكري: 44، ح20، وسائل الشيعة: 27/49، باب6 ح33118، تفسير الصافي: 3/136 مع بعض الاختلاف.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الرسالة بين الامام والنصير
العلاقة بين أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وأئمّة ...
علم الامام جعفر الصادق (عليه السلام) باللغات
حياة الإمام علي الهادي (عليه السلام) العامرة ...
كرامات الإمام علي ( عليه السلام )
سخاء الإمام الرضا ( عليه السلام )
المنهج الاصلاحي عند الإمام الصادق(ع)
حديث الثقلين - طرق حديث الثقلين - صحة سند الحديث
كرم الإمام الهادي ( عليه السلام )
الجزع على الإمام الحسين (عليه السّلام)

 
user comment