عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

أهل البيت (عليهم السلام) والسُـنّة النبويّـة

 

 

بسـم الله الرحمن الرحـيم

 

 

اهل البيت (عليهم السلام) والسنّة النبوية

بعد الايمان باللّه ورسوله واليوم الاخر.. لا يواجه المسلم أمراً يتعلق بدينه أهم من معرفة المصدر الذى يستقى منه دين الله فى اُ صوله وأحكامه. فان الله تعالى كلّف عبادة بامتثال أحكامه، ووضع لهم اُسساً وقوانين وتفاصيل للحرام والحلال.

ولا يكتسب أي حكم من الاحكام الشرعية صفة الشرعية والانتساب الى الله تعالى ما لم يكن مستنداً الى مصدر موثوق من مصادر الشريعة قد عيّنه الله تعالى لعباده.

 

والمصدر الاوّل:

هو القرآن الكريم فهو الهدى والنور في حياة البشرية، قال تعالى: (انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله)(2).

ومهما اختلف المسلمون في شيء فلا يختلفون في أنٌّ القرآن الكريم هو المصدر الاول لبيان أحكام الله وحدوده.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)1 - بحث مستل من كتاب آية التطهير لكاتب هذه السطور بتصرف وإضافات وتنقيح.

2 - سورة النساء / 105.

(4)

والمصدر الثاني:

السنّة النبوية : وهي حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفعله وتقريره، ولمّا توفي رسول الله انقطع بوفاته الوحي وانقطع هذا المصدر المهم من مصادر التشريع وأصبح المسلمون يواجهون في حياتهم اليومية مسائل كثيرة يطلبون فيها حكم الله عزّ وجل في عباداتهم وفى شؤون الدولة التي توسعت فيما بعد.

ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد بين في حياته تفصيل كل شيء ممّا يحتاجه المسلمون ولم يكن ذلك أمراً ممكناً في الفترة القصيرة المباركة التي عاشها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه الدنيا بما حفّ حياته الشريفة من متاعب كثيرة كانت تشغله وتشغل المسلمين معه.

يقول الشهرستانى: «نعلم قطعاً أن الحوادث والوقائع فى العبادات والتصرفات مما لا يقبل الحصر والعدّ ونعلم قطعاً أنه لم يرد فى كل حادثة نص ولا يتصور ذلك أيضاً والنصوص اذاً كانت متناهية وما لا يتناهى لا يضبط بما يتناهى»(1).

 

العقبات التى أعاقت رواية الحديث:

ولم يسلم لنا كل حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما تحدث به (صلى الله عليه وآله) فقد مرّ حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمضائق وعقبات صعبة... لم يعد معها يتيسر الوصول الى حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسهولة.

فقد دأب الخليفة الثانى على منع المسلمين من تدوين حديث رسول الله  (صلى الله عليه وآله) ولم يحفل الصحابة يومئذ بأمر تدوين الحديث وضبطه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 - سلم الوصول / 95.

(5)

يقول امير المومنين على ابن ابي طالب (عليه السلام): وليس كل اصحاب رسول الله كان يسأله - أى الرسول - عن الشىء فيفهم. وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتى انهم كانوا ليحبون أن يجيء الاعرابى الطارئ فيسأل رسول الله حتى يسمعوا(1).

وكان يذهب مع كل صحابي يموت أو يستشهد فى ساحات القتال طائفة من العلم حتى لقد خشى الناس اندثار العلم.

واستمرت هذه الحالة الى خلافة عمر بن عبد العزيز، حيث شعر بفداحة الخسارة وأمر بتدوين الحديث واتصلت حلقات التدوين من ذلك التاريخ(2).

وكثرت القالة والوضاعون وكثر الوضع وكان للعامل السياسى الدور الاول فى أسباب الوضع حتى شاع وضع الحديث على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فى حياة الصحابة والتابعين فضلاً عما حصل بعد ذلك ومخافة ان يؤدى النقد العملى لرواية الحديث الى ضياع ما تبقى من الآثار النبوية الشريفة اغلق المحدثون باب النقد العلمى لرواية الحديث اذا بلغ الاسناد الصحابى.

كما اغلقوا باب البحث العلمى والنقاش في ما يتعلق بالصحيحين.

ولسنا ننفى موضوعية المخاوف التى كانت تراود نفوس المحدثين فى هذه النقطة وتلك.

ولكنّنا نقول ان خطر اغلاق باب النقد العلمى فى هذه المسائل أبلغ مما يمكن أن يمس الآثار النبوية الشريفة من الاذى اذا فتحنا باب النقد العلمى لرواية الحديث حتى الصحابى والصحاح.

ومهما يكن من أمر نتساءل هل جعل الله تعالى فى دينه مصدراً مفتوحاً بعد

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 - اصول الكافي 1/62.

2 - فتح الباري للعسقلاني 1/208.

(6)

كتاب الله وبعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) للسنّة النبوية يرجع اليه المسلمون متى شاؤوا؟ وهل خلّف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بعده مورداً مفتوحاً لسنّته يهتدى به المسلمون الى شريعة الله؟ أو أنّ السنّة النبوية قد انقطعت عن المسلمين بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)ولا سبيل لهم اليها الا فيما رواه الصحابة من أحاديث رسول الله  (صلى الله عليه وآله) وبما يحفّ هذه الروايات من مشكلات تاريخية(1) لا تجعل الرجوع اليها ميسوراً فى كثير من الأحوال، ذلك ما نحاول الاجابة عنه في ما يأتى من هذا البحث ان شاء الله تعالى.

 

امامة أهل البيت (عليهم السلام)

والذى يقرأ بإمعان وموضوعية سـيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطمئن الى انه (صلى الله عليه وآله)كان مكلفا من جانب الله تعالى بالاعداد لخلافة أهل بيته (عليهم السلام) من بعده فى أمته لأمور دينهم ودنياهم. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسعى لتكريس هذا الامر لإعداد الامة للرجوع الى اهل البيت (عليهم السلام) من بعده يأخذون عنهم سنته وقد تكرر منه (صلى الله عليه وآله)توجيه الامة للرجوع الى اهل بيته (عليهم السلام) فى أكثر من موقع وفى أكثر من مناسبة وليس فى الامكان أن نستعرض كل الاحاديث والمواقف التى صدرت من النبى  (صلى الله عليه وآله) بهذا الشان الا أننا نستعرض نماذج فى ذلك استعراضا سريعاً لننتقل منها الى دراسة آية التطهير ودلالاتها الواسعة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 - فقد كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير معنيين بضبط الحديث وتدوينه بالشكل الذى يحفظ حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الضياع ولم يتم تدوين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) الا فى وقت متأخّر جداً، اي: فى عصر عمر بن عبد العزيز، كما أن مشكلة الوضع والوضاعين كان لها دور كبير فى صعوبة الوصول الى الحديث النبوى يقول أمير المومنين على ابن ابى طالب  (عليه السلام): وليس كل أصحاب رسول الله كان يسأله - اى الرسول- عن الشيء فيفهم وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتى انهم كانوا ليحبون أن يجيء الاعرابى والطارئ فيسأل رسول الله حتى يسمعوا. اصول الكافى 1:62.

(7)

من هذه النصوص :

 

1 - حديث الثقلين الشهير:

الذي تضافرت على روايته مجاميع الحديث النبوى من السنّة والشيعة.

الاولياء»(4) الى عشرات من الاحاديث الاخرى التى رواها الثقات من الرواة من الاصحاب والتابعين لهم باحسان وشيوخ اصحاب الحديث فى إمامة أهل البيت عليهم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فى شؤون الدين وكذا في شؤون القيادة والحكم.

 

3 - حديث الغدير:

الذى نصب فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) اميرالمومنين على بن ابى طالب (عليه السلام) من بعده ولياً على المسلمين فى مشهد حافل من المسلمين يقدّره سبط بن الجوزى فى «التذكرة» بمائة وعشرين ألفا. وقال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من كنت مولاه فعلى مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله». وبايعه يومئذ على الولاية كبار الصحابة ومنهم الشيخان ابوبكر وعمر وقد روى هذا الحديث مسلم فى الصحيح والحاكم في المستدرك بشرط الشيخين.

وقد جمع العلامة الفقيه السيد مير حامد حسين اسناد هذه الروايات وحقق فى سندها ومتنها فى عشرة مجلدات ]  في كتابه عبقات الأنوار [ كما حقّق العلامة الامينى طرق هذه الرواية فى موسوعته القيمة (الغدير) بصورة واسعة.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 - صحيح المسلم 7/122.

2 - سنن الترمذى 5/620 طبع دار الفكر.

3 - سنن الدارمى 2/432.

4 - مسند احمد بن حنبل 3/14.

النسائى(5) ومستدرك الحاكم(6) وغير هذه الكتب من عشرات المصادر الروائية.

5 - خصائص النسائى /30.

6 - مستدرك الحاكم 3/109، 148، 533.

 

(8)

2 - حديث السفينة:

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مثل اهل بيتى فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق».

1 - المستدرك على الصحيحين 3/343.

2 - كنز العمّال للمتّقي الهندي 1/186 ط الرسالة بيروت.

3 - مجمع الزوائد للهيثمي 9/168.

4 ـ حلية الأولياء 4/306.

(9)

اعداد اهل البيت (عليهم السلام) للإمامة:

وكما كان رسول الله يحرص على اعداد الامة لقبول أهل بيته أئمّة من بعده يرجعون اليهم فى معرفة حدود الله تعالى واحكامه، ولمعرفة الحلال والحرام، وفى شؤون الحكم والامامة والقيادة... كذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحرص على اعداد علي (عليه السلام) من أهل بيته للقيام بهذه المهمة من بعده.

فكان (صلى الله عليه وآله) يخص عليا بكثير من رعايته وعنايته، ربّاه فى بيته، وتولّى (صلى الله عليه وآله)تربيته بنفسه فنشأ على يد رسول الله (صلى الله عليه وآله) منذ نعومة أظفاره وكان أول من آمن به واقتدى به.

يقول أمير المومنين فى خطبته المعروفة بالقاصعة:

«وقد علمتم موضعى من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعنى فى حجره وأنا ولد يضمنى الى صدره ويكنفنى فراشه ويمسنى جسده ويشمّنى عرفه وكان يمضغ الشىء ثم يلقمنيه وما وجد لى كذبة فى قول ولا خطلة فى فعل ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل اثر امه يرفع لى فى كل يوم من اخلاقه علما ويامرنى بالاقتداء به وقد كان يجاور فى كل سنة بحراء فاراه ولا يراه غيرى، ولم يجتمع فى بيت واحد يومئذ فى الاسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله)وخديجة وأنا ثالثهما ارى نور الوحى وأشم ريح النبوة(1).

اذن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعد الامة لامامة اهل البيت (عليهم السلام) من بعده ويعدّ اهل بيته لإمامة المسلمين.

والذى يمعن فى النصوص الواردة فى هذا الشأن عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتأكد له أن لم يكن شأن شخصى فى ذلك وانّما هو أمر من أمر الله تعالى ينفذه ويبلّغه،

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 - نهج البلاغة الخطبة /192.

(10)

كما كان يبلّغ سائر أوامر الله تعالى.

وقد نزل في ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله تعالى: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربّك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)(1).

فقد صرّح المحدثون ان هذه الآية نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فى غدير خم فى أمر نصب عليّ بن ابى طالب وليا واماماً على المسلمين.

روى ذلك الشيخ الأمينى عن مجموعة من المصادر فى التفسير والحديث(2).

واذا كان هذا الامر من عند الله تعالى ولم ينطق رسول الله (صلى الله عليه وآله) فى هذا الشان الخطير الاّ من عند الله وبأمر من الله فلا بد أن يكون الله تعالى قد خص أهل بيت رسوله (صلى الله عليه وآله) بالعلم والفقه والعصمة ما ليس فى غيرهم ليمكّنهم من أن ينهضوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر إمامة المسلمين فى الدين والدنيا.

 

عصمة اهل البيت (عليهم السلام) ونفى الاجتهاد عنهم:

وعليه فإن الائمة من اهل البيت (عليهم السلام) ليس شانهم شأن سائر المجتهدين والفقهاء يخطئون حينا ويصيبون حينا وانّما عينهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)من بعده مصدرا لتبليغ حديثه وسنّته ومرجعاً فى الدين يبلغون احكام الله تعالى وسنّة رسول الله  (صلى الله عليه وآله) من غير سهو او خطأ او شك او تردّد كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبلغ احكام هذا، الدين ولذلك فمن المسامحة فى التعبير أن نقول عن فقههم «مذهب

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 - المائدة /67.

2 - الدر المنثور في التفسير بالماثور 2/98 وفتح القدير 2/57 وكشف الغمة /94 والعمدة لابن بطريق /99.

(11)

اهل البيت» كما يشيع التعبير عنه، وانما حديث اهل البيت (عليهم السلام) هو حديث رسول الله  (صلى الله عليه وآله) وسنّته من دون زيادة ونقص.

 

آية التطهير:

وليس القول بعصمة الائمّة من اهل البيت (عليهم السلام) اسستنتاجا لجملة من الاحاديث النبوية فقط - وان كان على هذا المستوى ايضاً قولاً لا يعارض ولا  يرقى اليه الشك ـ وانما نزلت فى ذلك آية صريحة فى محكم ذكر الله وقرآنه الكريم، وذلك قوله تعالى في سورة الأحزاب: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)(1).

مفردات آية التطهير:

وسوف نستعرض الابحاث المتعلّقة بهذه الاية الكريمة من خلال مفرداتها واحدة بعد اخرى:

(انما):

الاية الكريمة مصدرة بكلمة «انما» وهى من اقوى أدوات الحصر فى اللغة العربية وتفيد هذه الكلمة اثبات ما بعدها، ونفي ما عداه كما يقول «انما الفقيه عليّ» فيكون معناه اثبات الفقه لعليّ ونفيه عن غيره.

فيكون معنى الاية الكريمة اذن فى ضوء هذا التحديد اثبات التطهير لاهل البيت بارادة الله تعالى ونفى ان يكون الله تعالى قد اراد تطهير غيرهم وقت نزول هذه الاية.

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 - سورة الاحزاب /33.

(12)

(يريد الله):

من المعروف ان ارادة الله تعالى تأتى على نحوين (تكوينية) و(تشريعية) والتكوينية هي التي لا يمكن ان يحول شيء بين ارادته تعالى وبين ما يريد، ولا يمكن ان يختلف مراده عن ارادته تعالى ولا يمكن ان يريد وجود شىء فلا يكون... يقول عزّ شانه: (انما امره اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون)(1).

والتشريعية هى التى تتخلل ارادة المكلف واختياره وبين ارادته تعالى وما يريده من أعمال المكلفين... وتتعلق هذه الارادة دائما بالافعال التى شرعها الله تعالى للمكلفين، كما ان متعلق الارادة التكوينية «الامور التكوينية».

وبعد هذا التفصيل والتقسيم للارادة فمن اى قسم من الارادة هذه الارادة التي نحن بصددها فى الاية الكريمة (يريد الله) ؟

فهل يجوز ان يكون من «الارادة التشريعية» ... ؟ لا شك انّه لو كانت الارادة فى الاية الكريمة من الارادة التشريعية وكان معنى (يريد الله) ان الله تعالى يريد طهارة اهل البيت (عليهم السلام) وذهاب الرجس عنهم بارادتهم واختيارهم كما يريد ذلك لسائر الناس فلا تكون الاية الكريمة دالّة على عصمتهم، فليس كل ما يريد الله تعالى لعباده من طهارة، وعدل، وحق - فى تشريعه - بكائن.

الاّ أنّ «الارادة التشريعية» هذه لا تنسجم مع كلمة «انما» السابقة لها بما فيها من دلالة على الحصر، فليس من ريب ان ارادة التطهير بمعناها التشريعي لا  يمكن ان تكون مقتصرة على اهل البيت خاصة، فان الله تعالى يريد هذا التطهير لكل عباده. يقول تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهرّكم وليتم نعمته عليكم لعلّكم تشكرون)(2).

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 - سورة يس /82.

2 - سورة المائدة /6.

(13)

ولا معنى لحصر ارادة التطهير بناء على ذلك فى اهل البيت خاصة، ونفيها عمّن سواهم، بما ذكرنا - آنفا - للحصر من مدلول ايجابى وسلبى.

اذن فلا يمكن تفسير الارادة في الآية الكريمة بالتشريعية ولم يبق الاّ ان يكون المقصود من الارادة هنا «الارادة التكوينية» خاصّة حتّى تستقيم دلالة «انما» على معناها وتنسجم مع ما بعدها.

 

استحالة تخلف المراد عن ارادته تعالى:

واذا صحّ ان المقصود من الارادة فى الاية الكريمة «الارادة التكوينية» فلا يمكن ان يتخلف مراده عن ارادته تعالى فيستحيل ان يصدر عنهم رجس ،او تفارقهم الطهارة كما ذكرنا.

وهذا المعنى من الارادة ينسجم مع الحصر الذي تفيده كلمة «انما» ويصح الايجاب، كما يصح السلب أيضاً. ولا يلزم من ذلك المحذور الذي ذكرناه فيما لو كانت الارادة تشريعية.

فتجب الطهارة لاهل البيت (عليهم السلام)، ويمتنع عليهم الرجس بحكم هذه الاية الكريمة.

(ليذهب عنكم الرجس):

مادية ظاهرية كما فى لحم الخنزيز... يقول تعالى: (او لحم خنزير فانّه رجس)(2). وقد تكون حالة نفسية كما فى قوله تعالى: (واما الذين في قلوبهم ــــــــــــــــــــــــــــ

1 - المفردات للراغب /188.

2 - سورة الأنعام /145.

(14)

مرض فزادتهم رجساً الى رجسهم وماتوا وهم كافرون)(1).

ويقول تعالى: (ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كانما يصعّد فى السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون)(2).

فالاية الكريمة صريحة -اذن - فى ان الله تعالى قد اذهب عنهم الرجس وواضح ان الذنوب والمعاصي من اوضح افراد الرجس. وقد اذهبها الله تعالى عن اهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد علمنا ان اذهاب الرجس هذا قد تّم بمشسيئة الله التكوينية ولا يمكن أن يتخلف شيء عن ارادته سبحانه وتعالى: (انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون)(3). وعليه فلا يمكن ان يصدر عنهم (عليهم السلام) ذنب او معصية بحكم هذه الاية.

(اهل البيت):

 

من هم اهل البيت (عليهم السلام) ؟

1 ـ يبدو ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان حريصاً على تحديد وتشخيص عنوان «اهل البيت» الذى نزل فيه قرآن من الله تعالى، والمنع عن استعمال هذه الكلمة فى غير أهله وادخال من ليس منهم فيهم.

فكان (صلى الله عليه وآله) يشخصهم باسمائهم كما فى رواية عبدالله بن جعفر; فيقول (صلى الله عليه وآله): «ادعو لي ادعو لي، فتقول صفية: من؟ فيقول (صلى الله عليه وآله): اهل بيتى عليّا وفاطمة والحسن والحسين». ثم يؤكد (صلى الله عليه وآله) هذا الحصر والتشخيص بقوله «اللّهمّ هولاء آلى فصل على محمد وآل محمد» فينزل الله تعالى فيهم قرآنا محكما: (انما يريد الله

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 - سورة التوبة /125.

2 - سورة الأنعام /125، ويراجع الميزان للعلامة الطباطبائى 16/309 وما بعدها.

3 - سورة يس /82.

(15)

ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)(1)، ولا يخفى ما فى هذه الكلمة «اللّهمّ هؤلاء آلي» من الدلالة على حصر اهل البيت (عليهم السلام) فيهم ونفيه عن غيرهم لكل من عرف أساليب العرب فى الكلام.

2 ـ وامعاناً فى تشخيصهم وتحديدهم يحصرهم (صلى الله عليه وآله) تحت كساء، كما فى رواية ام سلمة رحمها الله: «دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسناً وحسيناً وفاطمة فاجلسهم بين يديه، ودعا عليّا فأجلسه خلفه، فتجلّل هو وهم بالكساء ثمّ قال: هؤلاء أهل بيتى فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا»(2).

3 ـ وقد روى جمع غفير من المحدثين والمفسرين ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يأذن لأمهات المؤمنين بالدخول تحت الكساء والانضمام الى اهل البيت الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

ففى رواية أن أم المؤمنين عائشة قالت للنبى (صلى الله عليه وآله) أنا من أهلك، قال: تنحّى فانك الى خير(3).

وفى رواية أُخرى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) منع أم المؤمنين زينب من الدخول تحت الكساء والانضمام الى اهل البيت وقال لها: مكانك فإنّك الى خير ان شاء الله تعالى(4).

وتتمنى ام المؤمنين ام سلمة ان تكون هى من اهل البيت فتقول لرسول الله  (صلى الله عليه وآله): فانا معهم يا نبى الله؟ فيقول لها: انت على مكانك وانت على خير(5).

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 - مستدرك الحاكم على الصحيحين 3/147.

2 - برواية الطبرى وابن كثير فى تفسيريهما، والترمذى فى صحيحه والطحاوى فى مشكل الآثار.

3 - شواهد التنزيل 2/37. كفاية الطالب 323.

4 - فرائد السمطين 2/19 وشواهد التنزيل 2/32.

5 - وممن روى ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم ياذن لأم سلمة بالدخول تحت الكساء (على ما حققه ووثقه السيد جعفر مرتضى العاملى فى بحثه القيم عن آية التطهير) هم المحدثون والمفسرون وارباب السير التالية أسماؤهم:

الدر المنثور 5/(198) عن الطبرانى، وابن مردويه وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والخطيب، وفتح القدير 4/(279) وجامع البيان 22/(6و7) وجوامع الجامع/ (372) والفصول المهمة للمالكى/ (8) وتأويل الايات الظاهرة 2/(457، 458، 459)، وكفاية الطالب/ (112، 372)، واسعاف الراغبين (مطبوع بهامش نور الابصار)/ (106)، وتفسير فرات/ (332، 340)، ومجمع البيان 8/ (356، 357) وأُسد الغابة 3/(413) و2/ (12) و4/(29) والجامع الصحيح 5/(351، 663، 699)، ومشكل الآثار 1/(331) و336) ونور الثقلين 4/(270، 277)، والبرهان (تفسير) 3/(309، 325)، ذخائر العقبى/ (21 و22) وشواهد التنزيل 2/(23، 24، 31، 55 - 58، 62، 64، 65، 67، 71، 73، 79 ـ 90)، والعمدة لابن بطريق/ (33، 39)، والطرائف / (124 - 126)، والبحار 35/(207، 220، 226، 209، 213، 214، 219)، وتاريخ بغداد 9/(126 - 127)، و10/(278) وحبيب السير 1/(304)، 2/(11)، وينابيع المودة/ (107، 228، 230، 294)، ومستدرك الحاكم 2/(416)، وتفسير القرآن العظيم 3/(483، 484، 485)، والمواهب اللدنّية 2/(122)، واسباب النزول/ (203)، والتفسير الحديث 8/(261، 262)، ونزل الابرار/ (103، 104) ومختصر تاريخ دمشق 7/(13)، وتهذيب تاريخ دمشق 4/(207)، ومناقب الامام على لابن المغازلى/ (303، 305) والصواعق المحرقة/ (141، 227) ولباب التأويل للخازن 3/(466)، ومسند أحمد 6/(292، 304)، والسنن الكبرى 2/(150)، والكافى 1/(287)، ونظم درر السمطين/ (133، 238، 239)، وفرائد السمطين 1/(316)، وترجمة الامام الحسين من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) 1/(62، 64، 66، 67، 71، 73،)، وترجمة الامام الحسن من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي)/ (66، 68، 70)، وسليم بن قيس/ (53، 150) ونفحات اللاهوت/ (84) وتفسير القمي 2/(193) ومرقاة الوصول/ (106)، والسيرة النبوية لدحلان 2/(300)، واحقاق الحق 2/(568).

(16)

وبعد هذه التصريح والتفصيل لا يبقى شك في أن آية التطهير المباركة لا  تشمل امهات المؤمنين.

4 ـ ثم يصرح رسول الله (صلى الله عليه وآله) فى ذلك تصريحاً لا يترك لأحد شكّاً بعده، فيقول (صلى الله عليه وآله): «نزلت هذه الاية فى خمسة فيّ وفي علىّ وحسن وحسين وفاطمة»(1).

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 - رواها الطبري في التفسير، والمحب الطبري في ذخائر العقبى، عن أبي سعيد رحمه الله، ورواها ابن كثير في التفسير 3/458.

(17)

5 ـ وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتلو هذه الاية الكريمة كل يوم على باب بيت الزهراء (عليها السلام) والحسنين (عليهما السلام) بمرأى ومسمع من المسلمين.

عن ابى برزة قال: «صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعة أشهر فاذا خرج من بيته اتى باب فاطمة فقال: الصلاة عليكم (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا)(1).

وهى خطة اعلامية عجيبة عمل بها رسول الله لإزالة الالتباس عن «اهل البيت» فى الاية الكريمة وتحديده وحصره بشكل لا يدع مجالاً لأحد فى التلبيس او الالتباس، وادخال من ليس منهم فيهم، واخراج من كان منهم عنهم.

ولو ان الامر فى الاية الكريمة كان لا يتجاوز تكريم اهل البيت (عليهم السلام)لعلاقتهم برسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن الامر يقتضى مثل هذا الاهتمام والتأكيد والتركيز من رسول الله (صلى الله عليه وآله) باعلان اهل البيت بأسمائهم وحصرهم بهذه الأساليب المختلفة».

 

على محك الاختبار :

على انّ اية التطهير الكريمة وحدها كافية لتحديد اهل البيت (الّذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فانها صريحة فى اثبات العصمة لاهل البيت  (عليهم السلام) .

فاذا فرضنا شمول الاية الكريمة لكل من ينتسب الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من اهل بيته وزوجاته وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس وغيرهم فانّنا نواجه سؤالين يطلبان الاجابة:

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 - مجمع الزوائد: 9/206.

(18)

1 ـ من كان يدعى من هؤلاء الآل العصمة من كل رجس وذنب؟

2 ـ واذا اتفق الادعاء من بعضهم، فهل يصدّق عمله دعواه أم لا؟ فنراجع تاريخه وحياته لنجد هل كان فى دعواه صادقاً أم لا؟

وهذا التساؤل محك دقيق فى تحديد وتشخيص المعنيّين بالتطهير والعصمة فى الاية الكريمة.

فلم يكن فى زوجات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآل عقيل، وآل عباس، وآل جعفر وغيرهم ممّن ينتمون الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنسب أو سبب من يدّعى العصمة وأن الله قد اذهب عنه كل رجس وطهره تطهيرا.

ولا يبقى غير الخمسة الطاهرة: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي والزهراء والحسن والحسين (عليهم السلام) وهم داخلون فى آية التطهير بالتأكيد وباتفاق الروايات تقريباً، وينبطق عليهم الشرطان السابقان:

فهم يدعون لانفسهم العصمة كما سيمرّ علينا ذكر ذلك بينما لم يتفّق لاحد من غيرهم من زوجات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسائر ذويه مثل هذا الادعاء.

وقد كانت دعوى العصمة معروفة منهم ومع ذلك لم يحص أحد مفارقة أو خلافاً فى المراحل المختلفة من حياتهم، رغم أنهم كانوا يعيشون فيما بين الناس وكانت أعمالهم تحت الأضواء دائماً وبمرأى ومسمع من الناس.

ولو كانت تصدر عنهم مخالفة أو مفارقة فى كلام أو عمل أو موقف لنقل الينا فيما نقل التاريخ من سلوكهم وكلماتهم.

فينحصر أهل البيت الّذين أذهب الله عنهم الرجس في عصر نزول الاية الكريمة ـ اذن ـ في الخمسة الطاهرة.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

من حقوق أهل البيت (عليهم السلام) : 5 - دفع الخمس ...
ارتباط قضية المهدي (ع) بنهاية حركة التاريخ
فاطمة الزهراء عليها السلام علة غائيّة
الامويون والحسين عليه السلام
حاجة نظام الخلق إلى خليفة الله‏
لا يضحي الإمام بالعدالة للمصلحة
ملامح عقيلة الهاشميّين السيّدة زينب الكبرى *
يوم الخروج وكيفيته
الجزع على الإمام الحسين (عليه السّلام)
الدفاعٌ عن النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم

 
user comment