أهل البيت^ عامل في النمو و الكمال
إنّ البذور لا تنبت من دون تربة ومن دون ارض، وهي لا تنمو من دون ذلك ولا تثمر.
والتراب هو الآخر يجب أن يكون خصباً فإن كان سبخة ففي السبخة لا تنمو البذور ولا تنبت، بل أن البذور سوف تفسد وتموت وتنتهي إلى الأبد.
وإذن فإن البذور بحاجة إلى تربة طاهرة نظيفة صالحة، وفي غير ذلك لا تخضر ولا تعشب {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً}([1]).
وهذه القضية لا تنحصر في وقوع وظهور وتحقق كل حقيقة، بحيث يمكن القول أنه لا يوجد شيء يتحقق من دون وجو عامل أو عوامل، وهكذا لا يكتب له النمو والتكامل من دون ذلك.
أجل أن البيوت والأبنية لا تنهض من دون بنّاء وعمّال بناء والأجسام لا تنمو ولا تتكامل من دون طعام، والعيون لا يمكنها الإبصار من دون نور، وكذلك الإذن لا يمكنها سماع الأمواج الصوتية من دون وسط ينقل هذه الأمواج، وهكذا الأمر بالنسبة للإنسان أنه لا يتكامل ويصل مرحلة الرشد إلا من خلال وسط يمرّ به وطريق وعوامل.
أجل أنه لن يبلغ مرحلة الكمال إلا بواسطة ولن يصل مرتبة الخلافة الإلهية إلا بعوامل.
والسؤال ما هي الواسطة وما هي العوامل التي تدخل في ترشيد
حركة الإنسان نحو وادي الإنسانية وساحة الآدمية، حيث الإنسانية والآدمية تعبير عن عالم الإيمان والأخلاق والعمل الصالح والتقوى، وهذه هي الحقيقة التي يمكن تلمسها في القرآن الكريم.
أهل البيت هم الواسطة
إن القرآن الكريم يشير إلى أن النبي’ وأهل بيته^ وباعتبار عصمتهم هم وحدهم الذين يقومون بدور الوسيط وهم السبب المتصل بين الخالق والمخلوق، وهم وحدهم الذين يمكنهم ترشيد حركة الإنسان نحو التكامل الحقيقي، وهم وحدهم الذين يعلمون الإنسانية الحكمة وهم الذين يمكنهم قيادة البشر نحو جادة الصواب، ذلك أن النبي’ وأهل بيته يمثلون الحق والحقيقة ولا يجد المرء فيهم أي خطأ، أو زلل أو نقص وعيب، يقول النبي’:
«إنّا أهل بيت قد أذهب الله عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن»([2]).
وقال’:
«نحن أهل بيت طهرهم الله»([3]).
وقال الإمام علي أمير المؤمنين×:
«إنما أمر الله عز وجل بطاعة الرسول؛ لأنه معصوم مطهّر لا يأمر بمعصيته، وإنما بطاعة أولي الأمر؛ لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصيته»([4]).
وعن الإمام الحسن المجتبى× قال:
«إنّا أهل بيت أكرمنا الله بالإسلام واختارنا واصطفانا واجتبانا
فأذهب عنا الرجس وطهّرنا تطهيرا، والرجس هو الشك، فلا نشك بالله الحق ودينه أبداً وطهرنا من كل أفن، وغيّة»([5]).
وقال الإمام الباقر×:
>إنّا لا نوصف وكيف يوصف قوم رفع الله عنهم الرجس<([6]).
وقال الإمام الصادق×:
>إن الشك والمعصية في النار ليسا منا ولا إلينا<([7]).
وقال الإمام الهادي×:
«أشهد أنكم الأئمة الراشدون المهديّون المعصومون المكرّمون عصمكم الله من الزلل وآمنكم من الفتن وطهركم من الدنس وأذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيرا»([8]).
أجل أن الله تبارك وتعالى منزه من كل عيب ونقص وقد اصطفى لوصيه نبياً طاهراً يبلّغ رسالته إلى الناس واختار لنبيه أوصياء مطهرين ليكونوا أمناء على رسالته بعد نبيه، وليكونوا خلفاء الرسول’ وهؤلاء هم وحدهم من يمكنهم هداية الإنسانية نحو الخلق الرفيع والعمل الصالح وهم وحدهم الأدلاّء على الله والقادة إلى طريق الحق والتكامل الإنساني، وهم الذين يمكنهم أن ينتشلوا الناس من هاوية الظلام إلى ربى النور، وهم وحدهم الذين يقودون الناس إلى ما فيه خير الدنيا والفوز في الآخرة:
{كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ}([9]).
وقال عزّ وجلّ:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ}([10]).
وكنّا قد أشرنا سابقا إلى أن أولي الأمر هم أهل البيت^، وقد هذا ورد في كتب الفريقين كما ورد في التفاسير أن الله عزّ وجل قد قرن طاعته بطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر، وهم الأئمة الأثنا عشر المعصومين من آل الرسول’، وقد ذكرت بعض المصادر أسماءهم واحداً([11]).
ومن هنا لا يمكن للإنسان أن يبلغ درجة الكمال إلا من خلال أهل البيت فهم الواسطة في ذلك ومن دون الاقتداء بهم^، فإن أي طريق يسلكه الإنسان إنما هو طريق ضلال وضياع وهلاك.
إن أهل البيت^ هم المعلّمون للإنسانية وهم من يأخذون بأيديها إلى شاطئ الأمن والسعادة وهم من يهدون الناس إلى النور وينتشلونهم من هاوية الظلام والضلال؛ وهم الصراط المستقيم الذي يهدي إلى الله عز وجل وبهذه المعاني عن أهل البيت^ جاء العديد من الروايات والأخبار وما يتحدث عنه القرآن الكريم بشأن الصراط المستقيم إنما هو طريق أهل البيت^.