عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

الإمام الحسن قدوة السالكين

 

الإمام الحسن قدوة السالكين

قطرة من بحر

عن المفضل بن عمر (صاحب كتاب التوحيد) عن الإمام الصادق× أنه قال: حدثني أبي عن أبيه أن الحسن بن علي بن أبي طالب× كان أعبد الناس في زمانه وأفضلهم وكان إذا حج حجَّ ماشياً وربما مشى حافياً وكان إذا ذكر الموت بكى وإذا ذكر القبر بكى وإذا ذكر البعث والنشور وإذا ذكر الممر على الصراط بكى وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذِكْره، شهق شهقة يغشى عليه منها، وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عز وجل وكان إذا ذكر الجنّة والنار، اضطرب اضطراب السليم وسأل الله الجنّة وتعوّذ من النار وكان لا يقرأ من كتاب الله عز وجل {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلاّ قال: >لبيك اللهم لبيك<([1]).

الكرم

عن أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق×: >إنّ رجلاً مرّ بعثمان بن عفان وهو قاعد على باب المسجد، فسأله فأمر له بخمسة دراهم. فقال له الرجل: أرشدني. فقال له عثمان: دونك الفتية الذين ترى. وأومأ بيده إلى ناحية من المسجد فيها الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر.

فمضى الرجل نحوهم حتى سلّم عليهم وسألهم فقال له الحسن× >يا هذا إن المسألة لا تحلُّ إلاّ في إحدى ثلاث دم مفجع أو دين مقرح أو فقر مدقع ففي أيها تسأل؟< فقال الرجل: في وجه من هذه الثلاث، فأمر له الحسن× بخمسين ديناراً وأمر له الحسين بتسعة وأربعين ديناراً وأمر له عبدالله بن جعفر بثمانية وأربعين ديناراً.

فأنصرف الرجل فمرّ بعثمان فقال له (عثمان): ما صنعت؟ فقال: مررت فسألتك فأمرت لي بما أمرت ولم تسألني فيما أسأل، وإن صاحب الوفرة (من يبلغ شعرة شحمة الأذن) لما سألته قال لي: هذا فيما تسأل، فإن المسألة لا تحلّ إلاّ في إحدى ثلاث فأخبرته بالوجه الذي أسأله من الثلاثة، فأعطاني خمسين ديناراً وأعطاني الثاني تسعة وأربعين ديناراً وأعطاني الثالث ثمانية وأربعين ديناراً. فقال عثمان: ومن لك بمثل هؤلاء الفتية أولئك فطموا العلم فطماً وحازوا الخير والحكمة([2]).

تواضع وأدب فريد

جاء في سيرته× أنه مرّ على فقراء وقد وضعوا كسيرات على الأرض وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها فقالوا له: هلمّ يابن بنت رسول الله إلى الغداء قال: فنزل وقال: إن الله لا يحبّ المستكبرين وجعل يأكل معهم حتى اكتفوا والزاد على حاله ببركته× ثم دعاهم إلى ضيافته وأطعمهم وكساهم([3]).

أكتب حاجتك

وجاء رجل في حاجة فعرف الحياء في وجهه فقال الإمام أكتب


حاجتك فكتبها وناولها ومن وراء الستر فأعطاه ضعف ما طلب فقال رجل: ما أكثر بركة هذا المكتوب؟! فأوضح له الإمام معاناة الرجل


النفسية قبل أن يأتي وأن الإحسان أن تبادر بالعطاء قبل السؤال فإن جاء بعد السؤال فإن ما أعطيت هو ثمن ماء وجه السائل([4]).

ذروة السخاء

ومن سخائه ما روي أنه سأل رجل الحسن بن علي× فأعطاه خمسين ألف درهم وخمسئة دينار وقال: أئت بحمّال يحمل لك فأتى بحمال فأعطى طيلسانه وقال: هذا كرى (أجرة) الحمال([5]).

وجاءه إعرابي فقال×: أعطوه ما في الخزانة، فوجد فيها عشرون ألف دينار فدفعها إلى الإعرابي فقال الإعرابي: يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وانشر مدحتي فأنشأ الحسن×:

نحن أناس نوالنا فضل

 

يرتع فيه الرجاء والأمل

تجود قبل السؤال أنفسنا

 

خوفاً على ماء وجه من يسل

لو علم البحر فضل نائلنا

 

لغاض من بعد فيضه خجل([6])

عطاء قلّ نظيره

خرج الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر حجاجاً ففاتتهم أثقالهم، فجاعوا وعطشوا فرأوا في بعض الشعوب (الوديان) خباءً رثّاً و (امرأة) عجوزاً فاستسقوها، فقالت اطلبوا هذه الشويهة، ففعلوا واستطعموها فقالت: ليس إلاّ هي فليقم أحدكم فليذبحها حتى أصنع لكم طعاماً فذبحها أحدهم ثم شوت لهم من لحمها فأكلوا وقيلوا عندها، فلما نهضوا قالوا لها: نحن نفر من قريش، نريد هذا الوجه (حج بيت الله الحرام)، فإذا انصرفنا وعدنا (إلى المدينة المنورة) فالمي بنا (تعالي إلينا) فأنّا صانعون بك خيراً، ثم رحلوا.

فلما جاء زوجها وعرف الحال، أوجعها ضرباً ثم مضت الأيام فأضرّت بهما الحال (بالمرأة وزوجها) فرحلت حتى اجتازت بالمدينة فبصر بها الحسن (فعرفها) فأمر لها بألف شاة وأعطاها ألف دينار وبعث معها رسولاً إلى الحسين فأعطاها مثل ذلك ثم بعثها إلى عبدالله بن جعفر فأعطاها مثل ذلك([7]).

ورأى الإمام الحسن× غلاماً وبين يديه كلب وكان الغلام يأخذ لنفسه لقمة ويطرح الأخرى للكلب فسأله عن ذلك فقال الغلام: أني لأستحي من الله عز وجل أن ينظر إلى وجهي ذو روح وأنا آكل، فذهب الإمام وتعرف على سيده (سيد الغلام) فاشتراه منه واشترى البستان الذي يعمل فيه الغلام ثم جاء إليه وأخبره وقال له: أنت حرّ لوجه الله وقد وهبتك هذا الحائط فهو لك([8]).



 

 

 

قبس من أخلاق أبي عبدالله الحسين الشهيد×

إدخال الفرح في قلوب المؤمنين

روي عن الحسين بن علي× أنه قال: صحّ عندي قول النبي’ أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور على قلب المؤمن بما لا إثم فيه، فأني رأيت غلاماً يواكل كلباً فقلت له في ذلك: فقال: يا بن رسول الله إني مغموم أطلب سروراً بسروره، لأن صاحبي (مالكي) يهودي أريد أفارقه، فأتى الحسين إلى صاحبه بمئتي ديناراً ثمناً له، فقال اليهودي: الغلام فداء لخطاك وهذا البستان له، ورددت عليك المال، فقال× وأنا قد وهبت لك المال، قال: قبلت المال ووهبته للغلام، فقال الحسين× اعتقت الغلام ووهبته له جميعاً، فقالت امرأته (اليهودي): قد أسلمت ووهبت زوجي مهري، فقال اليهودي: وأنا أسلمت وأعطيتها هذه الدار([9]).

أكرم أهل المدينة

وفد إعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس فدُلّ على الحسين× فجاءه فوجده مصلياً فوقف بإزائه (إزاء الباب) وأنشأ:

لم يخب الآن من رجاك ومن

 

حرّك من دون بابك الحلقة

أنت جواد وأنت معتمد

 

أبوك قد كان قاتل الفسقة

لولا الذي كان من أوائلكم

 

كانت علينا الجحيم منطبقة

قال (الرواي): فسلّم الحسين (سلام الصلاة) وقال: يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار فقال×: هاتها قد جاء من هو أحق بها منّا، ثم نزع برديه ولف الدنانير فيها وأخرج يده من شق الباب حياءً من الإعرابي وأنشأ:

خذها فأني إليك معتذر

 

وأعلم بأني عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا

 

أمست سمانا عليك مندفقة

لكن ريب الزمان ذو غيرٍ

 

والكف منّي قليلة النفقة

فأخذها الإعرابي وبكى؛ فقال× له: ما يبكيك لعلك استقللت ما أعطيناك: قال الإعرابي: لا ولكن كيف يأكل التراب جودك([10]).

ويخفف عن هموم الراحلين

دخل الحسين× على أسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول: واغمّاه فقال له الحسين: وما غمّك يا أخي؟ قال: ديني وهو ستون ألف درهم. فقال الحسين×: هو عليّ؛ قال: إني أخشى أن أموت! فقال الحسين×: لن تموت حتى أقضيها عنك. قال (الراوي) فقضاها (الحسين×) قبل موته (موت أسامة)([11]).

آثار

وروي أنه وجد على ظهر الحسين بن علي‘ يوم الطف أثر فسألوا زين العابدين× عن ذلك فقال: هذا مما كان الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين([12]).


تكريم المعلم

وروي أن عبدالرحمن السلمي علم ولداً له× فلما قرأها على والده أعطاه ألف دينار وألف حلّة وحشا فاه درّاً فقيل له في ذلك (أي سئل عن سرّ هذا التكريم الكبير) فقال: وأين يقع هذا من عطائه (أي الحقوق التي تترتب للمعلم) ثم أنشد:

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها

 

على الناس حرّاً قبل تتفلّت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت

 

ولا البخل يبقيها إذا ما تولّت ([13])

لك الفضل

وحدّث الصولي (الكاتب) عن الإمام الصادق× في خبر أنه جرى بينه× وبين أخيه محمد بن الحنفية كلام (فذاع)، فكتب ابن الحنفية إلى الحسين×: أما بعد يا أخي فإن أبي وأباك عليّ لا تفضلني فيه ولا أفضلك، وأمك فاطمة بنت محمد بنت رسول الله’ ولو كان ملئ الأرض ذهباً ملك أمي ما وفت بأمك، فإذا قرأت كتابي هذا فصر (توجه) إليّ حتى تترضاني، فإنك أحق بالفضل مني والسلام عليك ورحمة الله وبركاته، ففعل الحسين× ذلك فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء<([14]).

إباء وشمم

وقيل له× يوم الطف: إنزل على حكم بني عمك (يزيد) قال: لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد ثم نادى بأعلى صوته: عباد الله أني عذت بربّي وربكم من كل متكبر، لا يؤمن بيوم الحساب.

وهو القائل يوم عاشوراء:

الموت أولى من ركوب العار

 

والعار أولى من دخول النار

والله ما هذا وهذا جاري

وروى محمد بن الحسن أنه لما نزل القوم (الجيش الأموي) بالحسين وأيقن أنهم قاتلوه لقال لأصحابه: قد نزل ما ترون من الأمر وأن الدنيا قد تغيّرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرّت (أي أصبحت مريرة) حتى لم يبقَ منها إلا كصبابة الأناء (بقايا الإناء) وإلاّ خسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، وإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برما، وأنشأ قائلاً:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى


 

إذا ما نوى حقاً وجاهد سلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

 

وفارق مذموماً وخالف مجرما

فإن عشتُ لم أذمم وإن مت لم ألم

 

كفى بك ذلاً أن تعيش وترغما

باقة ورد للحرية

روى أنس: كنت عند الحسين× فدخلت جارية فحيّته بباقة ريحان، فقال لها: أنت حرّة لوجه الله، فقلت: تجيئك بطاقة ريحان لا خطر (قيمة) لها فتعتقها؟! قال× هكذا أدبنا الله قال الله تعالى {وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها}([15]).وكان أحسن منها عتقها.

قيمة الإنسان

روي أن إعرابياً جاء إلى الحسين بن علي‘ فقال: يا بن رسول الله قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن أدائه (الضمان) فقلت في نفسي: أسأل أكرم الناس، وما رأيت أكرم من أهل بيت رسول الله’ فقال الحسين×: يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل، فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال وإن أجبت عن أثنتين أعطيتك ثلثي المال، وإن أجبت عن الكل أعطيتك الكل.

فقال الإعرابي: يا بن رسول الله أمثلك يسأل من مثلي وأنت من أهل العلم والشرف؟ فقال الحسين×: بلى سمعت جدّي رسول الله’ يقول: المعروف بقدر المعرفة. فقال الإعرابي: سل عما بدا لك، فإن أجبت وإلاّ تعلمت منك ولا قوة إلا بالله.

فقال الحسين×: أي الأعمال أفضل؟ فقال الإعرابي: الثقة بالله. فقال الحسين×: فما يزين الرجل؟ فقال الإعرابي: علم معه حلم، فقال: الحسين× فإن أخطأه ذلك (كأن لم يكن له) قال الإعرابي: مال معه مروءة، فقال الحسين× فإن أخطأه ذلك؟ قال الإعرابي: فقر معه صبر، فقال×: فإن أخطأه ذلك؟ قال الإعرابي: فصاعقة تنزل من السماء وتحرقه فإنه أهل لذلك.

فضحك الحسين× ورمى بصرّة فيها ألف دينار، وأعطاه خاتمه وفيه فصّ قيمه مئتا درهم وقال: يا إعرابي اعط الذهب إلى غرمائك، وأصرف الخاتم في نفقتك، فأخذ الإعرابي المال وقال: >الله أعلم حيث يجعل رسالته<([16]).



([1]) الأمالي للصدوق: 178 مجلس 33 ح8، عدة الداعي: 151؛ بحار الأنوار: 43/331 باب 16ح1.

([2]) الخصال: 1/135، ح149؛ بحار الأنوار: 43/332 باب 16 ح4.

([3]) المناقب: 4/23؛ بحار الأنوار/430/351، باب 16 ح28.

([4]) صلح الحسن: 42 ـ 43.

([5]) المناقب: 4/16؛ بحار الأنوار: 43/341 باب 16 ح14.

([6]) المناقب: 4/16؛ بحار الأنوار: 43/341، باب 16 ح14.

([7]) المناقب: 4/16؛ بحار الأنوار: 341 باب 16 ح15.

([8]) بحار الأنوار: 43/352 باب 16 ح29 مستدرك الوسائل: 8/295 باب 37 ح9485.

([9]) المناقب: 4/75؛ بحار الأنوار: 44/194، باب 26 ح17 مستدرك الوسائل: 12/398؛ باب 24، ح14407.

([10]) المناقب: 4/66؛ بحار الأنوار: 44/190 باب 26 ح2.

([11]) المناقب: 4:65؛ بحار الأنوار: 44/189 باب26 ح2.

([12]) المناقب: 4/65؛ بحار الأنوار: 44/190 باب 26 ح3.

([13]) المناقب: 4/66؛ بحار الأنوار: 44/190 باب 26 ح3.

([14]) المناقب: 4/66؛ بحار الأنوار: 44/191 باب 26 ح3.

([15]) سورة النساء: الآية 86.

([16]) جامع الأخبار: 137 الفصل 96؛ بحار الأنوار: 44/196 باب 26 ح11.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

من آثار وفلسفة وأفكارالهادي (عليه السلام)
مصادر علم الائمة من اهل البيت عليهم السلام
من حقوق أهل البيت (عليهم السلام) : 5 - دفع الخمس ...
ارتباط قضية المهدي (ع) بنهاية حركة التاريخ
فاطمة الزهراء عليها السلام علة غائيّة
الامويون والحسين عليه السلام
حاجة نظام الخلق إلى خليفة الله‏
لا يضحي الإمام بالعدالة للمصلحة
ملامح عقيلة الهاشميّين السيّدة زينب الكبرى *
يوم الخروج وكيفيته

 
user comment