عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

أهل البيت والإيثار والعفو

أهل البيت والإيثار والعفو

إنّ إيثار الآخر على النفس وتجاوز الذات والأنا هي من صفات أهل البيت^ الذاتية، ولقد كانت شمس هذه الأسرة الكريمة تسطع على قلوب الفقراء والبؤساء فتضيء نفوسهم وتملأ قلوبهم بالدفء، والأمل.

من أجل هذا نراهم ينفقون بسخاء وكرم على كل من يطرق أبوابهم ولم يقصدهم أحد منهم يرجع عن بابهم خائباً أبداً قال رسول الله’: >إنا لنعطي غير المستحق حذراً من ردّ المستحق<([1]).

وعن أبي حمزة الثمالي أنه سمع الإمام زين العابدين يوصي جاريته ألا تدع في بابه مسكيناً أو سائلاً إلا وأغاثته وأعطته، فقال له أبو حمزة ليس كل من مدّ يده بمستحق فقال الإمام زين العابدين: >أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقاً فلا نطعمه ونردّه فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب<([2]).

وقد بلغ أهل البيت أن يقاسموا الله أموالهم أو ربما خرجوا من كل ما يملكون لله سبحانه وفي سبيله، عن الإمام الصادق× قال: >إن الحسن بن علي قاسم ربّه ثلاث مرّات حتى نعلاً وثوباً و ثوباً وديناراً وديناراً([3]).

إيثار فريد

وهذه حكاية:عن الحسن البصري تصوّر لنا كيف كان أهل البيت في سيرتهم وكيف أنهم يمجدون القيم الأخلاقية والإنسانية، اقترب الإمام الحسين× من بستان له فرأى غلاماً له يعمل في البستان ـ جالساً يتناول طعامه عند جذع النخلة وبين يديه رغيفاً من الخبز فكان كلما أخذ لقمة طرح للكلب الجالس قربه مثلها ثم لما أتمَّ طعامه رفع يديه يشكر الله سبحانه ما رزقه ورزق سيده وقال: >اللهم أغفر لي وسيدي وبارك اللهم في رزقه كما باركت في أبويه إنك حميد مجيد يا أرحم الراحمين<.

حينئذ ناداه الإمام× قائلاً:

ـ يا صافي!

فنهض الغلام مندهشاً وقال:

ـ لبيك يا مولاي ومولى المؤمنين أعفني يا سيدي إذ لم أرك فقال×:

ـ بل أنت اجعلني في حل إذ لم أستأذن عليك في حائطك (بستانك) قال صافي: ما أكرمكم أهل البيت؟!

قال×: رأيتك تأخذ لنفسك لقمة وتطرح أخرى إلى الكلب فلم تفعل ذلك؟

قال الغلام: رأيته يا مولاي ينظر إليَّ فاستحيت منه، فبكى الإمام وقال له: أنت حرّ في سبيل الله وقد وهبتك ألف دينار، قال الغلام: إن اعتقتني فانا أحب أن أعمل في حائطك يا سيدي، قال× لقد وهبتك الحائط مذ رأيتك تطعم الكلب من طعامك ألم أقل لك اجعلني في حلّ إذ دخلت عليك الحائط بلا إذن؟([4]).


الإيثار في أسوأ الظروف

وقد بلغ من قبل أهل البيت^ أنهم كانوا يؤثرون الناس على أنفسهم في أسوأ الظروف فقد روي أن مسكيناً سمع بأن جماعة من الناس قد حلّوا في نينوى (كربلاء) قبل يوم عاشوراء فمضى يسعى إليهم فسأله الحسين عن حاله، فقال أنا رجل محتاج وقد سمعت بأن ناساً قد نزلوا في هذا الوادي فقلت في نفس أمضي إليهم لعلي أصيب منهم خيراً فقال×: >مكانك حتى أعود إليك ثم مضى فدخل خيمة له وجاء بمنديل وقد وضع له فيه ما يغنيه ومن سؤال الناس يعفيه<([5]).

العفو عن المؤمنين

لم يكن اعبدالله بن الحر الجعفي لون ثابت كان يتلوّن كل يوم كما لو أنه حرباء مرّة مع الحق ومرّة أخرى مع الباطل، وأحياناً لامع هذا ولا ذاك! وبالرغم من كونه من أهل العراق إلا أنه أتى وانضم إلى معاوية في حرب صفين وأمضى تلك الأيام يقاتل أمير المؤمنين علياً× ومع من؟ مع معاوية بن أبي سفيان عدو أهل البيت^ الأول.

ولما وضعت الحرب أوزارها ذهب مع معاوية إلى الشام وعاش في كنفه، وشاع في الكوفة بأن عبيد الله بن الحر قتل مع من قتل في الحرب ولما بان ذلك لزوجته واستيقنت اعتدّت ثم خطبها رجل يدعى عكرمة بن الخبيص وتزوجت منه.

وكان عبيدالله بن الحر يحب زوجته فلما سمع بذلك اغتم وقرر الذهاب إلى الكوفة واستعادة زوجته من زوجها الثاني.

وخوّفه معاوية من مغبّة الذهاب وحذّره من انتقام علي. فقال عبيدالله إن علياً لا يظلم أحداً وهو ليس كمثلك يا معاوية وقد عزمت على الذهاب.

فلما وصل الكوفة ذهب إلى زوج امرأته وأخبره فرفض ردّها إليه وطرده فلما رأى ذلك ذهب إلى أمير المؤمنين علي×.

فجاء إلى المسجد فرأى الناس متحلقين حول أمير المؤمنين هذا يسأله وذاك يسترشده حتى إذا انفضوا من حوله جاء إليه وجلس في حضرته وشكى له قصته وما جرى عليه، فقال له×: >ألم تكن الخارج عليّ المشهر سيفه على أهل الإيمان؟.

فقال الجعفي: ما جئتك لتحاكمني إنّما جئتك لتعيد إليّ زوجتي فأمر الإمام بإحضار الرجل فلما جاء أمره أن يرجع المرأة إلى زوجها الأول فقال: إن لها حمل مني في بطنها؛ فأمر الإمام أن يؤجر لها بيت من بيت المال وتستأجر امرأة تقوم على خدمتها حتى تضع ومن ثم تعاد إلى زوجها الأول([6]).

وفي سيرة أهل البيت أنك تجدهم أكثر الناس عفواً وسخاءً فهم يفيضون بكرمهم وجودهم حتى على أولئك الذين لا يضمرون لهم الحب أبداً.

قال رسول الله’: >مروتنا أهل البيت العفو عمن ظلمنا وإعطاء من حرمنا<([7]).

وقد روى الإمام الباقر× أن امرأة يهودية جاءت للنبي’ بلحم ضأن مسموم، فلما تناول منه النبي عرف بالسم فقال لها النبي’: >ما حملك على ذلك. قالت: أضمرت في نفسي إن كنت نبياً فما يضرك السم وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك، فعفا عنها رسول الله’([8]).

ووصف ابن أبي الحديد علياً أمير المؤمنين× بأنه أحلم الناس وقد تجلّى ذلك في حرب الجمل لما جيء بمروان وهو ألدّ أعدائه صفح عنه([9]).

وعن الإمام الباقر×: أنه قال: >أذنب رجل ذنباً في حياة الرسول’ فتغيب (اختفى عن الأنظار)، حتى وجد الحسن والحسين× في طريق قال، فأخذهما فاحتملهما على عاتقيه وأتى بهما’ فقال يا رسول الله أني مستجير بالله وبهما، فضحك رسول الله’ حتى ردّ يده إلى فمه ثم قال للرجل: >اذهب فأنت طليق، وقال للحسن والحسين: قد شفعتكما فيه أي فتيان، فأنزل الله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً}([10]).

وفي مدينة البصرة جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي× قال له: ما حكم المحارب؟ فقال×: إن القرآن يحكم بنفيه أو بقطع يديه ورجليه أو قتله.

قال الرجل: فإن كان المحارب حارثة بن زيد فما حكمه؟

فقال×: حكمه ما سمعت آنفاً.

فقال الرجل: فإن طلب العفو.

فقال×: فليأت.

وجاء حارثة نادماً والقى بنفسه على قدمي الإمام فأخذ بيده وقال: عفا الله عنك!([11]).



([1]) عدة الداعي: 101، فصل في كراهية السؤال.

([2]) علل الشرائع: 1/45 باب 41 ح1؛ تفسير العياشي: 2/167، ح5؛ وسائل الشيعة: 9/416 باب 2 ح12369.

([3])  تهذيب الأحكام: 5/11 باب وجوب الحج ح29؛ وسائل الشيعة: 9/480 باب 52 ح92539؛ السنن الكبرى: 4/542.

 

([4]) مقتل الحسين للخوارزمي: 1/ 153؛ مستدرك الوسائل: 7/92 باب 17 ح8006 .

([5]) أئمة الشهداء.

([6]) الكامل: 4/287.

([7]) تحف العقول: 38؛ بحار الأنوار: 74/143 باب 7 ح27.

([8]) الكافي: 2/باب العفو، ح9؛ وسائل الشيعة: 12/170 باب 112 ح15985.

([9]) شرح نهج البلاغة: 1/22.

([10]) بحار الأنوار: 1/368.

([11]) فقه القرآن: 1/368.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

المنهج الاصلاحي عند الإمام الصادق(ع)
معالم المدينة الفاضلة في عصر الظهور
ذكرى استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) هل هي ...
ما هي العصمة
دموع الحسين ودموعنا....
دعاء النور لدفع الحمى
أهل البيت القدوة الصالحة والنموذج الأمثل
أصل يوم العذاب في ظلامات فاطمة عليها السلام
اختلاف المسلمين عن اليهود والنصارى في هوية ...
فاطمة عليها السلام وحديث الكساء الشريف

 
user comment