عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

فلسفة اسماء فاطمة الزهراء عليها السلام

البحث الرابع عشر
فلسفة اسماء فاطمة الزهراء عليها السلام

 

 

 

 

 

 

 

الشيخ صالح الكواز

هــل بــعد مــوقفنا عــلى يــبرين

*

أحــبي بــطرفٍ بــالدموع ضــنين

وإدٍ إذا عـــاينت بـــــين طــلوله

*

أجـــريت عــيني للــظباء العــين

لم تــخب نــار قــطينةٍ حــتى ذكت

*

نـــار الفــراق بــقلبي المــحزون

وابـــتاع جــدّته الزمــان بــمخلق

*

ورمــى حــماه بــصفقةٍ المــغبون

قــال الحـداة وقــد حـبست مــطّيهم

*

مــن بــعدما أطـلقت مــاء شؤوني

مــاذا وقــوفك فــي مـلاعب خـرّدٍ

*

جـــدّ العــفاء بــربعها المسكــون

وقفوا مـعي حـتى إذا مـا اســتيأســوا

*

خــلصوا نــجيبّاً بــعدما تــركوني

فكأنّ يــوسف فــي الديــار مــحكم

*

وكأنـــني بــصواعــه اتــهموني

ويــلاه مــن قــوم أسـاؤوا صـحبتي

*

مــن بــعد إحســاني لكــلّ قـرين

قد كدت لولا الحلم مـن جـزعي لمــــا

*

ألقــاه أصــفق بــالشمال ويــميني

لكـــنّما والدهــــر يــعلم أنــني

*

ألقـــى حــوادثــه بـحلم رزيــن

قــلبي يـقل مــن الهـموم جـــبالها

*

وتســيخ عــن حـمل الرداء مــتوني

وأنـــا الذي لا أجـــزعن لرزيـــةٍ

*

لولا رزايـــاكـــم بــني يــاسين

تــلك الرزايــا البــاعثات لمــهجتي

*

مـــاليس يـــبعثه لظــى ســجّين

كــيف العــزاء لهــا وكــلّ عشـيةٍ

*

دمكــم بــحمرتها الســماء تـرينـي

والبــرق يــذكرني ومــيض صـوارمٍ

*

أردتكـــم فــي كــفّ كـلّ لعــين

والرعــد يـعرب عـن حـنين نســائكم

*

فــي كــلّ لحــنٍ للشــجون مـبين

يـــندبن قــوماً مــأهتفن بــذكرهم

*

إلاّ تـــضعضع كـــلّ ليث عــرين

الســـالبين النـــفس أول ضـــربةٍ

*

والمــبلسين المــوت كــلّ طــعين

لا عــيب فــيهم غـير قـبضهم اللّـوا

*

عند اصـطكاك السـمر قـبض ضــنين

ســلكوا بــحاراً مــن دمــاء أمـيةٍ

*

بـــظهور خــيلٍ لا بــطون ســفين

 

 

 

ما ساهموا الـموت الزؤام ولا اشـــتكوا

*

نـــصباً بـــيوم بــالردى مـقرون

حــتى إذا التــقمتهم حــوت القــنا

*

وهــي الأمــاني دون خــير أمــين

نــبذتهم الهــيجاء فــوق تــلاعها

*

كـــالنون يــنبذ بــالعرا ذا النــون

خــذ فــي ثـناثهم الجـميل مـقرضاً

*

فــالقوم قــد جــلّوا عــن التأبـين

هم أفـضل الشـهداء والقـــتلى الأولى

*

مــدحوا بـوحيٍ فـي الكـتاب مــبين

ليت الكــواكب والوصــي زعــيمها

*

وقـــفوا كــموقفهم عــلى صــفين

بالطفّ كـي يـروا الأولى فــوق القـنا

*

رفـــعت مــصاحفها إتــقاء مـنون

جــعلت رؤوس بـني النـبّي مكــانها

*

وشــفت قــديم لواعــجٍ وضــغون

الواثـــبين لظـــلم آل مــــحمدٍ

*

ومـــحمد مــــلقىً بــلا تكــفين

والقــــائلين لفـــاطم آذيــــتنا

*

فــي طــول نــوحٍ دائــم وحــنين

والقـــاطعين اراكــة كـي لاتــقيل

*

بـــظلّ أوراقٍ لهــــا وغـــصون

ومـجمعي حـطبٍ عـلى البـيت الـذي

*

لم يـــجتمع لولا شـــمل الديــــن

والداخــلين عــلى البــتولة بــيتها

*

والمســــقطين لهــا أعــزً جــنين

والقــــائدين إمـــامهم بـــنجاده

*

والطـــهر تــدعو خــلفهم بــرنين

خـلوا ابـن عـمى أو لأكشـف للــدعا

*

رأشـــي وأشكــو للإله شــجونــي

مــا كــان نــاقة صـالحٍ وفـصيلها

*

بـــالفضل عـــند الله إلا دونــــي

ورنت الى القــبر الشــريف بــمقلةٍ

*

عــبى وقــلبٍ مكــمدٍ مــــحزون

نــادت وأظــفار المـصاب بــقلبها

*

أبــناه عــزّ عــلى العــداة مـعيني

أبـــتاه هــذا الســامريّ وعــجله

*

تــبعا ومــال النــاس عــن هـرون

أيّ الرزايـــا أتـــقي بـــــتجلدٍ

*

هو فـي النـوائب مـذ حـــييت قـريني

فــقدي أبــي أم غـصب بـعلي حـقه

*

أم كســـر ضـلعي أم ســقوط جـنيني

أم أخــذهم إرثــي وفـاضل نــحلتي

*

أم جــهلهم حــقي وقـــد عــرفوني

قــهروا يــتميك الحســين وصـنوه

*

وسألتــهم حــقي وقـــد نــهروني

 

 

 

البحث الرابع عشر
فلسفة أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام

عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عزّ وجل : فاطمة والصدّيقة والمباركة والطاهرة والزكيّة والراضية والمرضيّة والمحدّثة والزهراء (1) .
من الأمور المهمة التي أخذت جانباً وحيزاً واضحاً في الشريعة الإسلامية وأكد عليها الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة : من خلال أحاديثهم المباركة مسألة تسمية المولود بإسم مبارك يدل على معنى لائق وجميل وحسب ما ترتضيه النفس المؤمنة ويميل إليه الوجدان الانساني ذلك لأنّ الإسم الذي يمنحه الأب أو الأم للمولود يكون ذو أثر كبير ومهم في النفس الإنسانية حيث اثبتت البحوث العلمية المتأخرة التي قام بها علماء النفس والإجتماع أن للإسم أثراً بالغاً على منشأ تصرفات وسلوك الأفراد الذين يحملون ذلك الإسم ، وان كانت هذه المسألة تتفاوت في مدى تأثيرها على السلوك الفردي للإنسان من فرد إلى آخر إلا أنه في النتيجة النهائية يترك بعض الآثار المعينة الواضحة البرهان لذلك المعنى الذي يحمله الإسم ، على أن هذه الأمور الواضحة تدرك بأدنى تأمل لدى الإنسان الواعي الفطن الذي يدرك الكثير من الحقائق المعنوية قبل أن تطرق ذهنه وسمعه .
وعلى هذا الأساس نجد أن هناك تمايزاً واضحاً في الأسماء التي تطرح وتعطى لأي فرد ، حيث نجد أن الكثير م الأسماء التي حملها بعض الأفراد وان كانت ذات مغزى
____________
(1) امالي الصدوق : 474 ، ح 18 ، علل الشرائع : 1 | 178 ، الخصال : 414 ، ح 3 ، روضة الواعظين : 179 .

 

 


لطيف وأصيل وحسن إلا أنه المسمى بها غير منزه بل أنه مثلاً يدل على خلاف اسمه ، وهذا بخلاف ما نجده في بعض الأسماء التي تحمل معنى قبيح وصاحبها ذو أصالة وأخلاق حسنة وأفعال جميلة .
وهكذا نجد من خلال استقراء سيرة التاريخ في هذا المجال أن هناك الكثير من الأسماء اللامعة والتي يشير اليها المسلمون بالبنان مثل عبد الملك وهارون الرشيد والمتوكل على الله والواثق بالله أن بينهم وبين أسماءهم وألقابهم البون الشاسع ، فأسمائهم تدل على أنهم عاشوا في ملكوت التوكل والرشد والتقوى والوثوق بالله والإعتصام به بينما السيرة الذاتية لحياتهم وشخصياتهم تدل على خلاف ذلك ، فمثلاً لو طالعنا حياة هارون الرشيد ذلك الخليفة العباسي وكيف تصرف برعونة وحماقة مع الأحرار والسادة العلويين من ذرية رسول الله صلىالله عليه وآله وسلم ، وخصوصا (1) وخاصة اجرامه بحق الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام نجد ان هذا الأمر واضح وبصورة جلية ، ولنعم ما قال الشاعر الكبير أبو فراس الحمداني في رائعته التي يقول فيها :

الدين مخترم والحق مهتضم

*

وفي آل رسـول الله مـقتسم

إلى أن يقول ...

ليس الرشيد كموسى فـــي القـياس ولا

*

مأمونكم كـالرضا ان أنـصف الحـكـم

إذا تـــلوا أيــة غــنى خــطيبكم

*

قــف بـالديار التـي لم يـعفها القـدم

بينما إذا نظرنا إلى أهل بيت النبوة علهيم السلام نجد أن أسماءهم تدل على المعاني العالية المنال وفي نفس الوقت نرى أن السيرة الذاتية لحياتهم ومواقفهم وتصرفاتهم ذات دلالة واضحة على أسماءهم وألقابهم .
فحين نقرأ سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام نجد كل ألقابه وكناه منطلقة من صفاته الأصيلة الثابتة في أعماقه وفي جذوره المشرقة المضيئة بنور الله تعالى فهو الإمام العابد الزاهد الصادق القائد إمام المتقين وقائد الغر المحجلين ، وهكذا في الحسن المجتبى والحسين الشهيد والساجد والباقر عليهم السلام أجمعين .
____________
(1) راجع كتابنا العبد الصالح الإمام موسى بن جعفر .

 

 


ومن هذا المنطلق نرى أن الرسول وأهل بيته عليهم السلام قد أكدوا ومن خلال الكثير من الروايات على ضرورة تسمية المولود بخير الاسماء وافضلها وذلك لما يتركه الاسم من البصمات الواضحة والاثار الجميلة على طبيعة تصرف الفرد وعلى ضوء ذلك المعنى الذي يحمله الإسم ، ولذلك جاءت الأحاديث لتؤكد على هذه المسألة وللفلسفة الرائعة لها ، حيث ورد الإستحباب المؤكد على ضرورة تسمية المولود بأحسن الأسماء حيث روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال : « لا يولد لنا ولد إلا سميناه محمد فإذا مضى لنا سبعة أيام فإن شئنا غيرنا وإن شئنا تركنا » (1) .
وقد أكد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على هذه التسمية بقوله : « من ولد له أربعة أولاد ولم يسمّ أحدهم بإسمي فقد جفاني » (2) .
وكان الديدن العام لأئمة أهل البيت عليهم السلام على هذا الأمر والاهتمام به كل الإهتمام فهم عليهم السلام كانوا يحثوا المسلمين على تسمية أبناءهم وبناتهم بالأسماء التالية ( عبد الرحمن ـ وباقي أسماء العبودية ـ محمد ، أحمد ، علي ، حسن ، حسين ، جعفر ، طالب ، فاطمة ) (3) .
وجاء التأكيد على هذه الأسماء من خلال عدة روايات أثبتت هذه المسألة المهمة كل ذلك لأجل تحصين الطفل من السخرية والإستهزاء من قبل الآخرين في حالة تسميته بأسماء ورد فيها الكراهة مثل الحكم ، خالد ، مالك ، حارث ، ولئلا تكون سبباً للشعور بالنقص كما هو الحال في الأسماء المستهجنة .
وبعد هذه المقدمة المهمة في مضمونها نصل إلى موضوع البحث الذي نريد الدخول فيه وهو أسماء فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) وفلسفتها ، فان أسمها بن الباري عز وجل وهو الواضع لهذه المعصومة الشهيدة اسمها وكما سيتبين من خلال البحث ، وهنا في هذا في هذا المقام ينقدح لدينا عدة أسئلة مهمة مرتبطة بصميم بحث أسماءها ألا وهي :
1 ـ لماذا الباري عز وجل وضع الأسماء لفاطمة الزهراء عليها السلام ؟
2 ـ وما فلسفة أسماءها ؟
____________
(1) الكافي : 2 : 18 ، باب الأسماء والكنى .
(2) الكافي : 6 : 19 ، باب الأسماء والكنى .
(3) الكافي : 6 : 19 ، باب الأسماء والكنى .

 

 


3 ـ وماهية المعاني لها ؟ ولم التأكيد من قبل الله تعالى على أهمية أسماء الزهراء عليها السلام ؟
كل هذه الأسئلة لابد لنا من التوقف عندما والإلمام بمعرفتها من خلال مراجعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام واستظهارها وكيفية بيان معاني أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام .
أما كون أسماءها من الله تعالى وهو الذي سماها بفاطمة فيوجد في هذا المضار أحاديث كثيرة تبين هذه المنقبة لفاطمة ( سلام الله عليها ) ، فلقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لفاطمة عليها السلام : « شقّ الله لك يا فاطمة اسماً من أسمائه ، فهو الفاطر وأنت فاطمة » .
وجاء في حديث عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبدالله عليه السلام « لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عز وجل : فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدّثة والزهراء » (1) .
وفي حديث آخر قال أبو الحسن عليه السلام : « ... فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى فاطمة » .
أقول : فيتبين من خلال هذه الأحاديث وأحاديث أخرى أغفلنا من ذكرها لئلا يطول المقام بها إن أكثر أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام هي من وضع الله تعالى وهو الذي سماها بهذه الأسماء المباركة ، ففي رواية يثبت الإمام عليه السلام أن للزهراء عليها السلام اسم واحد سماها به الله تعالى وفي رواية أخرى يثبت معصوم آخر أن للزهراء عليها السلام تسعة أسماء عند الله تبارك وتعالى ، كل ذلك نتيجة المقام السامي لفاطمة الزهراء عند الله تعالى ، وربما يوحي هذا الكلام أن هناك تعارض في عدد أسماء الزهراء عليها السلام ولكن بأدنى تأمل للروايات يظهر لنا أن هذا ناشيء من طبيعة حال السائل ، وعلى هذا الأساس انقدح في ذهننا الأسئلة المتقدمة الذكر وهو لماذا الباري عز وجل هو الذي سمى فاطمة بهذه الأسماء ؟ وما هي فلسفتها ؟ وما هي المناسبة بين ذات الزهراء وأسماءها التي أعطاها الله تبارك إياها ؟ وعليه كل الأسئلة المتقدمة سوف نجيب عليها من خلال
____________
(1) أمالي الصدوق : 474 ح 18 ، علل الشرائع : 1 | 178 ، الخصال : 414 ح 3 ، روضة الواعظين : 179 ، دلائل الإمامة : 10 .

 

 


هذا البحث بإجماله .
فنقول : إنما وضع الله أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام منه لتكون علامة لشيء ما ، وهذا الشيء سوف يتضح لنا من خلال الأبحاث القادمة ، وربما تسأل أيها القاريء العزيز كيف يكون الإسم علامة للمسمى والمفهوم من العلامة هو الوسم والذي يظهر هذا من خلال مراجعة أفراد اللغة العربية ؟
والجواب على ذلك : أن بين الأسماء والمعاني الموضوع لها مناسبة ذاتية ، والواضع عندما يضع الإسم المعين للمسمى المعين يكون عالماً بالمناسبة وقادراً علهيا ولوجود الحكمة والإتقان في وضع الأسماء لتلك المعاني ، ومن هنا كان الواضع لأسماء فاطمة الزهراء هو الله تعالى وذلك لوجود المناسبة والحكمة في ذات الزهراء عليها السلام ، وكذلك اقتضت حكمة الباري عز وجل ان تكون العلامة فيها مناسبة لها وهي ذات الزهراء في مادتها وصورتها حيث كانت دلالة فاطمة الزهراء ذاتية ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع اسمها فكان التعبير من الله تعالى أدق في التعريف لذات الزهراء عليها السلام وأظهر في تميز ذاتها عن بقية الذوات .
فالله سبحانه وتعالى لم يهمل الحكمة ولم يظلمها ولم يضعها في غير ما جعلها مقتضية لها فمن شاء أن يطلعه على علل الأشياء وأسبابها علمه ذلك بتفهيمه أو بوضع القرائن له والامارات على ذلك وكما فعل ذلك مع أهل البيت عليهم السلام حيث هو الذي وضع أسماءهم وهذا ما نجده من خلال المأثور الروائي لأهل البيت عليهم السلام ، فالله تبارك وتعالى يحب أن تكون أسماء أهل البيت عليها السلام منه تعالى وكما قال الله تعالى : ( لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ) .
وأما إن قال شخص ما إن الواضع لأسماء فاطمة هو غير الله تعالى وبغض النظر عن الرواية الواردة في المقام والشواهد والقرائن الأخرى ؟
فالجواب عليه : أنه لو قلنا بأن الواضع غير الله تعالى لم يكن هناك محذور في أن الألفاظ بينها وبين المعاني مناسبة ذاتية لأن الوضع لا يمكن إلا ممّن له قوة المعرفة التي تنقص عن المعرفة بالمناسبة واعتبارها ، ويدل على هذا إنّا وجدنا في اللغة واشتقاق الألفاظ بعضها من بعض ونظمها على ما يوافق الحكمة ما يبصر العقول مع ما عرفنا

 

 


من قصورنا عن أكثر أسرارها ولا يكون ذلك إلا ممن يقدر على المناسبة ويعرف كمال حسنها وشرفها على عدمها وإذا كان قادراً على العلم بها وعلى معرفتها بأنّها أكمل وأدلّ على المطلوب وأوفق بالحكمة كان العدول عن ذلك نقصاً في الكمال وعدولاً إلى الإهمال عن الحكمة لأن الأسماء في الحقيقة صفات المسمّيات فلو لم يكن بين الصفة وموصوفها مناسبة ذاتية ومطابقة حقيقة لكانت صفة فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) التي تطلب بها تمييزها تصلح أن تكون لغيرها وإذا صلحت لغيرها كان تميزها بها ممايز في الإلتباس وعدم المعرفة .
وعلى كل حالٍ فإن البحث في هذا المقام لطويل وشائك فالذي نريد القول به والنتيجة التي نريد استعراضها وإظهارها هو أن الواضع هو الله تبارك وتعالى لأسماء فاطمة الزهراء عليها السلام ، وانما وضعها لتكون العلامات المميزات والصفات المعينات لفاطمة الزهراء عليها السلام ، ولكي يتبين معرفة الحال في المقام أكثر نقول : ان المراد من هذه الأسماء الأعم من اللفظية والمعنوية لأن العلامة والتمييز يحصل بكل منهما ، والحاصل أن أسماءها ( سلام الله عليها ) التي اشير اليها في الرواية المتقدمة الذكر سواءً كانت من الاسماء الصفاتية او الفظية فإنها مشتقة م أسمائه تعالى يعني اشتقها سبحانه وتعالى م أسمائه وهذا معنى ما روي عن علي بن الحسين عليه السلام حيث قال : حدثني أبي عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن قال : « قال الله يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا محمد وأنا الحميد المحمود في فعالي شققت له اسماً من اسمي وهذا علي وأنا العلي العظيم شققت له اسماً من اسمي وهذه فاطمة وأنا فاطر السموات والأرض فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عمّا يعّرهم ويشينهم شققت لها اسماً من اسمي ... » .
وهذا يعني أنها فيض وجودها ونورها من فيض نور الله تبارك وتعالى ونسبتها إلى الله تعالى من حيث وجودها ومبدأ نورها وصفاتها ( سلام الله عليها ) وبأبسط تأمل لهذا الحديث يظهر أنه سبحانه وتعالى يريد بالإسم ما هو أعم من اللفظ ولو أراد خصوص اللفظ فقط يعني اسم فاطمة لما قال تعالى وهذه فاطمة وأنا فاطر السموات والأرض ولو أراد خصوص المعنى لما علقه بالألفاظ ولكنه تعالى يريد الأسماء

 

 


المعنوية والأسماء اللفظية وهو المفهوم من أحاديثهم الكثيرة وكما سيتبين لنا من خلال اظهار معاني أسماء فاطمة ( سلام الله عليها ) فافهم تغنم (1) .


معاني أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام


عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبدالله عليها السلام لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عزّ وجل : فاطمة والصدّيقة والمباركة والطاهرة والزكيّة والراضية والمرضيّة والمحدّثة والزهراء (2) .
على ضوء هذا الحديث سوف يكون كلامنا حول أسماء فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) حيث نأخذ كل اسم من اسماءها وحسب تسلسله ووروده في الحديث المبارك ومن خلال ذلك نقف مع أقوال أهل البيت عليهم السلام في ذلك وبيان أقوال العلماء في هذه الأسماء المباركة .


1 ـ فاطمة عليها السلام


إن الظاهر من خلال استقراء أحاديث أهل بيت العصمة ( سلام الله عليهم ) أن أول اسم سميت به بضعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو فاطمة ، وهذا على القطع اليقيني ثابت ولا يعتريه الشك ولا الشبهة ولذا ورد في كثير من أحاديث أهل البيت التأكيد على هذا الإسم وإكرامه وإطائه الهيبة اللائق به حيث كان لاسم فاطمة ( سلام الله عليها ) وقع كبير في نفوس ومحبي أهل البيت وخصوصا في نفوس أهل البيت عليهم السلام وكان له المنزلة العظمى كما يظهر من الروايات والأخبار الصحيحة المسندة .
____________
(1) المراد م الأسماء المعنوية أي المعاني التي تدل عليها الأسماء الظاهرية لفاطمة ( عليها السلام ) .
(2) امالي الصدوق : 474 ، ح 18 ، علل الشرائع : 1 | 178 ، الخصال : 414 ، ح 3 ، روضة الواعظين : 179 .

 

 


فلقد روي عن فضالة بن أيوب ، عن السكوني قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام وأنا مغموم مكروب ، فقال لي : يا سكوني ما عمّ ك ؟ فقلت : ولدت لي ابنة ، فقال : يا سكوني على الأرض ثقلها ، وعلى الله رزقها ، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك ، فسري والله عني ، فقال : ما سميتها ؟ قلت : فاطمة . قال : آه آه ثمّ وضع يده على جبهته ـ إلى أن قال ـ ثم قال : أمّا إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها (1) .
وعن بشار المكاري قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام بالكوفة وقد قدم له طبق طبرزد (2) وهو يأكل ، فقال : يا بشار أدن فكل . فقلت : هنّاك الله وجعلني فداك ، قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريق ! أوجع قلبي وبلغ منّي ، فقال لي : بحقي لما دنوت فأكلت .
قال : فدنوت فأكلت ، فقال لي : حديثك ، قلت : رأيت جلوازاً (3) يضرب رأس إمرأة ويسوقها إلى الحبس وهي تنادي بأعلى صوتها : « المستغاث بالله ورسوله » ولا يغيثها أحد . قال : ولم فعل بها ذلك ؟ قال : سمعت الناس يقولون إنها عثرت فقالت : « لعن الله ظالميك يا فاطمة » فارتكب منها ما ارتكب .
قال : فقطع الأكل ولم يزل يبكي حتى ابتل منديله ولحيته وصدره بالدموع . ثم قال : يا بشار ، قم بنا إلى مسجد السهلة فندعوا الله عز وجل ونسأله خلاص هذه المرأة . قال : ووجّه بعض الشيعة إلى باب السلطان وتقدم إليه بأن لا يبرح إلى ان يأتيه رسوله ، فان حديث بالمرأة حدث صار إلينا حيث كنّا . قال : فصرنا إلى مسجد السهلة ، وصلى كل واحد منّا ركعتين ، ثم رفع الصادق عليه السلام يده إلى السماء وقال : أنت الله ـ إلى آخر الدعاء ـ قال : فخر ساجداً لا أسمع منه إلا النفس ثم رفع رأسه فقال : قم فقد أطلقت المرأة .
قال : فخرجنا جميعاً ، فبينما نحن في بعض الطريق إذ لحق بنا الرجل الذي وجهناه
____________
(1) وسائل الشيعة : 15 | 100 باب 87 .
(2) نوع من التمر سمي به لشدة حلاوته تشبيهاً بالسكر الطبرزد .
(3) الجلواز الشرطي الذي يخف في المجيء والذهاب بين يدي الأمير .

إلى باب السلطان ، فقال له عليه السلام : ما الخبر ؟ قال : قد اطلق عنها ، قال : كيف كان أخراجها ؟ قال : لا أدري ولكنني كنت واقعاً على باب السلطان ، إذ خرج حاجب فدعاها وقال لها : ما الذي تكلمت ؟ قالت : عثرت فقلت « لعن الله ظالميك يا فاطمة » ففعل بي ما فعل . قال : فأخرج مائتي درهم وقال : خذي هذه واجعلي الأمير في حل : فأبت أن تأخذها ، فلما رأى ذل منها دخل وأعلم صاحبه بذلك ثم خرج فقال : انصرفي إلى بيتك فذهبت إلى منزلها .
فقال أبو عبدالله عليه السلام : أبت أن تأخذ المائتي درهم ؟ قال : نعم ، وهي والله محتاجة اليها ، قال : فأخرج من جيبه صرة فيها سبعة دنانير وقال : اذهب أنت بهذه إلى منزلها فأقرئها مني السلام ، وادفع إليها هذه الدنانير ، قال : فذهبنا جميعاً ، فأقرأناها منه السلام ، فقالت : بالله أقرأني جعفر بن محمد السلام ، فشقت جيبها ووقعت مغشية عليها قال : فصبرنا حتى أفاقت ، وقال : أعدها عليّ ، فأعدناها عليها حتى فعلت ذلك ثلاثاً ، ثم قلنا لها : خذي ، هذا ما أرسل به إليك ، وأبشري بذلك ، فأخذته منا وقالت : سلوه أن يستوهب أمته من الله ، فما أعرف أحداً توسّل به إلى الله أكثر منه ومن آبائه وأجداده عليهم السلام (1) .
أقول : الذي يظهر من خلال التأمل في هذه الرواية أن أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا يتأثرون أشد التأثر عندما يسمعون اسم فاطمة وخصوصا ما جرى عليها من الظلم والعدوان بعد وفاة أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذلك نرى كيف أن الإمام ألقى اهتمامه البالغ بهذه المرأة التي لعنت ظالمي فاطمة الزهراء وعدى له الدعاء الذي على أثره أطلق الله سراحها ، وكذلك كيف أكرمها بالسبعة دنانير لأنها موالية ومؤمنة بالتولي لأهل البيت والتبري من أعدائهم .
وورد عن سليمان الجعفري أنه قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن والحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء (2) .
____________
(1) البحار : 47 | 379 ـ 381 .
(2) سفينة البحار : 1 | 662 .

 

 


وأيضاً عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه عليه السلام في حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند قرب وفاته : « ألا ان فاطمة بابها بابي ، وبيتها بيتي ، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله » قال عيسى ( الراوي للحديث ) : فبكى أبو الحسن عليه السلام طويلاً وقطع بقية كلامه وقال : هتك والله حجاب الله ، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله يا أمّه ـ صلوات الله عليها (1) .
هذه هي بعض الأحاديث التي بينت كرامة اسم فاطمة عند الأئمة : أما معنى فاطمة وتسميتها بهذا الإسم المبارك فلا يخلو من أسباب ومناسبات فهلم معي إلى طائفة كبيرة من الأحاديث التي تذكر اسم سيدتنا فاطمة الزهراء ووجه التسمية وبيان معاني اسمها المبارك وأقوال العلماء فيه .
وعن يونس بن ظبيان انه قال له الإمام أبو عبدالله عليه السلام : أتدري أيّ شيء تفسير فاطمة ؟ قلت : أخبرني يا سيدي ، قال : فطمت من الشرّ .قال : ثم قال : لولا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام تزوّجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه (2) .
وعن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني ، عن محمد بن زياد مولى بني هاشم قال : حدّثنا شيخ لنا ثقة يقال له نجيّة بن إسحاق الفزاريّ قال : حدّثنا عبدالله بن الحسن بن حسن قال : قال أبو الحسن عليه السلام : لم سميّت فاطمة فاطمة ؟ قلت : فرقاً بينه وبين الأسماء . قال : إنّ ذلك لمن الأسماء ، ولكنّ الاسم الذي سميّت به ، أنّ الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه ، فعلم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتزوّج في الأحياء وأنّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله ، فلمّا ولدت فاطمة سمّاها الله تبارك وتعالى « فاطمة » لما أخرج منها وجعل في ولدها ، ففطمهم عمّا طمعوا ؛ فبهذا سمّيت فاطمة « فاطمة » لأنّها فطمت طمعهم . ومعنى فطمت : قطعت (3) .
وعن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال : « إنّا أنزلناه في ليلة القدر »الليلة : فاطمة ، والقدر :
____________
(1) البحار : 22 | 477 .
(2) كشف الغمة : 1 | 463 .
(3) البحار : 43 | 13 ح 7 ، علل الشرائع : 1 | 178 ح 2 .

 

 


الله ، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر . وإنّما سمّيت « فاطمة » لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها (1) .
وقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة : شقّ الله لك يا فاطمة اسماً من أسمائه ، فهو الفاطر وأن فاطمة (2) .
وقال عليّ عليه السلام : إنّما سمّيت فاطمة لأنّ الله فطم من أحبّها عن النار (3) .
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم محبّيها عن النار .
وقال الصادق عليه السلام : تدري أيّ شيء تفسير فاطمة ؟ قال : فطمت من الشرّ . ويقال : إنّما سمّيت فاطمة لأنّها فطمت عن الطمث (4) .
وعن محمد بن مسلم الثقفي ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لفاطمة عليها السلام وقفة على باب جهنّم ، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل : مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمحبّ قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ فاطمة بين عينيه محبّاً فتقول : إلهي وسيّدي سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولّى ذرّيتي من النار ، ووعدك الحقّ وأنت لا تخلف الميعاد ، فيقول الله عزّ وجلّ : صدقت يا فاطمة ، إنيّ سمّيتك فاطمة ، وفطمت بك من أحبّك وتولاّك وأحبّ ذرّيتك وتولاّهم من النار ، ووعدي الحقّ وأنا لا أخلف الميعاد ـ الحديث (5) .
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : لمّا ولدت فاطمة عليها السلام أوحى الله عزّ وجل إلى ملك فانطلق به لسان محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فسمّاها فاطمة ، ثم قال : إنّي فطمتك بالعلم ، وفطمتك عن الطمث . ثم قال أبو جعفر عليه السلام : والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق (6) .
إأقول : أما معنى قوله « فطمتك بالعلم » يعني أرضعتك بالعلم أو قطعتك عن الجهل
____________
(1) البحار : 43 | 65 .
(2) البحار : 43 | 15 .
(3) البحار : 43 | 16 ، المناقب لابن شهر اشوب : 3 | 110 .
(4) البحار : 43 | 16 .
(5) البحار : 43 | 14 ـ 15 ، الجواهر السنية : 247 ، المختصر : 132 .
(6) البحار : 43 | 13 ـ 14 ، الكافي : 1 | 46 ح 6 ، المحجة البيضاء : 4 | 212 .

 

 


بسبب العلم ، وهذا كناية عن كونها في بدو فطرتها عالماً بالعلوم الرانية .
وقال المولى محمد عليّ الأنصاري رحمه الله : وقد تلخّص منها ( أي الأخبار ) وجوه متعدّدة لتسميتها عليها السلام بتلك التسمية : مثل فطم نفسها بالعلم ، وفطمهاعن الشرّ ، وفطمها عن الطمث ، وفطم ذرّيّتها وشيعتها من النار ، وكذلك فطم من تولاّها وأحبّها منها ، وفطم الأعداء عن طمع الوارثة في الملك ، وعن حبّها ، ونحو ذلك . ولا مناقاة بين الأخبار ، لأنّ الفطم معنى يصدق مع كلّ من الوجوه المذكورة ؛ واختلاف الأخبار من جهة اختلاف حال الرواة والحضّار من حيث الاستعداد الذاتيّة ، واختلاف المصالح في الأزمنة والأمكنة ؛ وكلّ هذه المعاني مرادة من اللفظ عند التسمية ، ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، الذي هو مخالف للقواعد الظاهريّة اللفظيّة ، لأنّ فاطمة مشتقّ من الفطم بمعنى الفصل ، ومنه الفطام في الطفل بمعنى فصله عن اللبن والارتضاع ، يقال : فطمت المرضع الرضيع فطماً ، من باب ضرب ، فصلته عن الرضاع ، فهي فاطمة ، والصغير فطم بمعنى المفطوم . وأفطم الرجل : دخل في وقت الفطام ، مثل أحصد الزرع ، إذا حان حصاده . وفطمت الحبل : قطعته . وفطمت الرجل عن عادته : إذا منعته عنها . وليس الفطم مخصوصاً بالفصل عن اللبن وإن كثر استعماله فيه ، بل هو مطلق الفصل عن الشيء ، ومعنى القطع والمنع راجع إليه أو متفرّغ منه ، فيكون معنى « فاطمة » فاصلة أو قاطعة أو مانعة ، وكلّ منها معنى كلّيّ وماهيّة مطلقة يصدق مع القيود الكثيرة ، فسمّيت من عندالله بها .
ويلزم في تحقّق معنى الفصل أن يكون هناك فاصل ومفصول له ، مثلاً إذا كانت الامّ فاطمة لطفلها ، فهي فاصلة ، والطفل مفصول ، واللبن مفصول عنه ، والغذاء مفصول به . فيكون معنى فاطمة أنّها تفطم نفسها ولو بسبب قابليّتها الذاتيّة عن الجهل بالعلم ، وعن الشرّ بالخير ، وعن الطمث بالطهارة عن الحمرة ، وتفطم ذرّيّتها وشيعتها ومن تولّيها وأحبّها من النار بالجنّة ، وتفطم أعداءها عن طمع الوراثة باليأس عنها ، وعن حبّها ببغضها . فلوحظ في وجه تسميتها بهذا الاسم وجوه متعدّدة وهي غير داخلة في مفهوم الاسم حتّى توجب تعدّد معاني اللفظ . بل هي لحاظات خارجيّة باعتبارها وقعت التسمية .

 

 


مثلاً لو كان مجيء زيد من جهة أغراض مخلتفة وأسباب متعدّدة ، فقيل : « جاء زيد » ، لم يوجب ذلك كون المجيء مستعملا في المعاني التعدّدة . نعم لو جعل فاطمة بالنسبة إلى فطم الأعداء أو الأحبّاء بمعنى كونها ذات فطم من المبنيّ للفاعل ـ كما هو كذلك ـ أي ذات فاطميّة ، وفي فطمها عن الشرّ بمعنى ذات فطم من المبنيّ للمفعول أي ذات مفطومية لزم المحذور المذكور ، ، ولكن على التقرير المسطور لا يلزم ذلك المحذور . ويمكن جعلها بمعنى ذات الفطم مطلقاً من باب النسبة فيكون جامداً يستوي فيه المذكّر والمؤنثّ ... نعم ، يمكن جعل فاطمة في جميع الوجوه بمعنى المفعول ، أي المفطومة ، من باب الصفة بحال المتعلّق بلحاظ المآل والحقيقة ؛ أو جعله بمعنى ذات الفطم ، من المصدرالمبنيّ للفاعل أو المفعول لكن على سبيل القضيّة الكلّيّة لا الجزئيّة ، كما لا يخفى .
وبالجملة فاختلاف الأخبار في بيان وجه التسمية إشارة إلى عدم انحصاره في شيء ؛ أو كون معناها معنى كلّيّا يشمل على وجوه كثيرة ، فيحتمل احتمالاً ظاهراً أن يكون ملحوظاً في وجه التسمية امور على حدة أيضاً كفطمها على الإخلاق الرذيلة بالأخلاق الفاضلة ، وعن الأحوال الخبيثة بالأحوال الطيّبة الزكيّة ، وعن الأفعال القبيحة بالأفعال الحسنة ، وعن الظلمانيّة بالنورانيّة ، وعن السهو والغفلة بالذكر والمعرفة ، وعن عدم العصمة بالمعصوميّة ، وبالجملة عن جميع جهات النقيصة بالكمالات العقلانيّة والورحانيّة والنفسانيّة ولوازمها الظاهرّية والباطنيّة ، فيلزم حينئذٍ أن تكون لها العصمة الكبرى في الدنيا والآخرة والاولى . فتكون حينئذ معصومة تقيّة نقيّة وليّة صدّيقة مباركة طاهرة إلى آخر الأسماء المذكورة في الرواية وغير الرواية . وتخصيص أسمائها بالتسعة في الخبر الصادقيّ عليه السلام إمّا من جهة اشتمالها من حيث المعنى على سائر الأسماء أيضاً ؛ أو من جهة صدور التسمية بها من جانب الله سبحانه بلا واسطةٍ كما يشعر به قوله عليه السلام : لفاطمة تسعة أسماء عند الله (1) ...
وقال العلامة الهمداني (2) في بيان اسم فاطمة ( صلوات الله وسلامه عليها ) ما نصة : هذا الإسم سواء كان من عند الله عزّ وجل أو بإلهام من الله تعالى كما لا حظت في
____________
(1) اللمعة البيضاء : 37 ـ 39 .
(2) فاطمة بهجة قلب المصطفى : 152 .

 

 


الأخبار الماضية ، لم يكن للعلامة تمييز المسماّة به عن غيرها فحسب ، كما في أسامي سائر الناس التي لم تراع المناسبة غالباً بينها وبين الأعيان والذوات ، بل في هذا الجعل وهذه التسمية الإلهيّة حكمة وسرّ وتناسب عميق بين الإسم والمسماة به . وإن مادّة « فطم » على أيّ وجه فرضت فيها فاعلاً أو مفعولاً ، كانت يمعنى القطع والفصل على نحو الإطلاق ، ولا يختصّ بأحد الوجوه السابقة من الشرّ والطمث والجهل والخطأ وسوء الخلق والحمرة والحيض وما أشبه ذلك ، لأنّها ( سلام الله عليها ) متّصفة بجميع المكارم ، منفطمة عن جميع العيوب والنقائص ، فتناسب الاسم لها ـ فاعلاً ـ لكونها ( سلام الله عليها ) فطمت نفسها وذرّيّتها وشيعتها من النار وما يوجب الشنار والعار ، وتناسبه لها ـ مفعولا ـ لأنّها ( سلام الله عليها ) مفطومة عن معرفتها الناس فهو وصف المتعلّق .
فمن الذي يبلغ معرفتها ؟! هيهات ! ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخشئت العيون ، وتصاغرت العلماء ، وحصرت الخطباء ، وتحيّرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وجهلت الألبّاء ، وكلّت الشعراء ، وعجزت الادباء ، وعييت البلغاء عن وصف شأنٍ من شأنها ، ودرك درجة من سموّ رفعتها .

هي قطب دائرة الوجـود ونـقطة

*

لمّــا تـنزّلت اكـثرت كـثراتـها

هي أحمد الثاني وأحمد عـصرها

*

هي عنصر التوحيد في عرصــاتها

ومن عرف فاطمة عليها السلام حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر (1) . والتشابه من وجوه :
الأول : إنّ ليلة القدر مجهولة للناس من حيث القدر والمنزلة والعظمة ، والناس فطموا وقطعوا عن معرفتها ، وكذلك البضعة الأحمديّة والجزء المحمّديّة عليها السلام مجهولة قدرها ، محفيّة قبرها .
والثاني : كما أنّ ليلة القدر يفرق فيها كلّ أمر حكيم ، كذلك بفاطمة يفرق بين الحقّ والباطل ، والمؤمن والكفار .
والثالث : كما صارت ليلة القدر ظرفاً لنزول الآيات والسور ، فهي ( سلام الله عليها )
____________
(1) البحار : 43 | 65 

 

 


صارت وعاءً للإمامة والمصحف .
الرابع : إنّ ليلة القدر معراج الأنبياء والأولياء ، وكذلك ولايتها مرقاة لوصولهم إلى النبوّة الرسالة والعظمة (1) .
والخامس : إنّ ليلة القدر منشأ للفيوضات والكمالات ، وكذلك التوسّل بها وسيلة للخيرات والبركات ودفع البليّات (2) .
والسادس : إنّ ليلة القدر خير من ألف شهر ، وكذلك هي ( سلام الله عليا ) خير نساء الأولين والآخرين ، بل إنّ فاطمة خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً .

هي مشكاة نور الله جلّ جلاله

*

زيـتونة عـمّ الورى بـركاتها

وهي ( سلام الله عليها ) كما قال الباقر عليه السلام عنصر الشجرة الطيّبة التي هي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اصلها وفرعها عليّ عليه السلام .
فلاحظ هذا الحديث وتدبّر فيها ، ثم ارجع البصر كرّتين حتى يظهر لك المعارف والحكم وسرّ « لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما » وسرّ قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا عليّ ، أنفذ ما أمرتك به الزهراء عليها السلام » وسرّ قول عليّ عليه السلام : « يا بقيّة النبوّة » ، فوالله لولا فاطمة ما قام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمود ، ولا اخضرّ له عود . ولنعم ما قال الازريً رحمه الله :

نحن مـن بـاري السـماوات ســـرّ

*

لو كــرهنا وجــودها مـا بـراها

بــل بآثــارنا ولطــف رضــانا

*

ســطح الأرض والســـماء بـناها

وبأضــوائــنا التـي لــيس تـخبو

*

حوت الشمس ما حـــوت من سناها

وممّا ينبغي لفت النظر إليه هو أنّ المعصومين ينتمّون بهذا الإسم الشريف اهتماماً شديداً ، ويكرمونه إكراماً عظيماً ، وإذا سمعوا به يبكون ويتأسّفون ، ويحبّون التي سمّيت به ، ويحبّون بيتاً كان فيه اسم فاطمة ، وهم يتوسّلون به . فلاحظ الحديث الذي نقلناه عن أبي جعفر عليه السلام فإنّه ذيّله بالقسم والتأكيد بقوله : والله فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق .
____________
(1) ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتى أقرّ بفضلها ومحبّتها ، ملتقى البحرين ، للمرندي : 39 .
(2) راجع فرائد السمطين : 1 | 38 .

 

 


وأيضاً إنّه عليه السلام ـ إذا وعكه الحمّى ( وقبل وجعها آلمها ) استعان بالماء البارد ، ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار : فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
قال العلاّمة المجلسي رحمه الله : لعلّ النداء كان استشفاعاً بها صلوات الله عليها للشفاء . قال المحدّث القمّي : إنّي أحتمل قوّياً كما أنّه أثّر الحمّى في جسده اللطيف كذلك أثّر كتمان حزنه على أمذه المظلومة في قلبه الشريف ، فكما أنّه يطفي حرارة جسده بالماء ، يطفي لوعة وجده بذكر اسم فاطمة سيّدة النساء ، وذلك مثل ما يظهر من الحزين المهموم من تنفّس الصعداء ، فإنّ تأثير مصيبتها صلوات الله عليها على قلوب أولادها الأئمة الأطهار آلم من حزّ الشفار ، وأحرّ من جمرة النار (1) .


2 ـ الصّديقة


وهو ثاني الأسماء المباركة لفاطمة الزهراء الذي هو معروف على لسان أهل البيت : ، وقد سماها به الله تبارك وتعالى أجلالاً وإكراماً لمقامها السامي ولما وصلت إليه من التصديق بكل ما اتاه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، والصديقة صيغة مبالغة في الصدق والتصديق أي انها سلام الله عليها كثيرة الصدق ، ولقد ورد في كتاب تاج العروس معنى التصديق والصدق حيث قيل ان الصدّيق أبلغ من الصدوق ، وقيل : انه الكامل في الصدق الذي يصدق قوله بالعمل ، البار ، الدائم التصديق ، وقيل : انه من لم يكذب قط ، وقيل : من صدق بقوله واعتقاده ، وحقق صدقه بفعله ، وأياً كان منها معنى الصديق فان فاطمة الزهراء سلام الله عليها تنطبق عليها جميع الأقوال فهي سلام الله عليها كانت المداومة على التصديق بما يوجبه الحق جلّ وعلا حيث كانت المصدقة بكل ما أمر الله به وبأنبيائه ولا يدخلها في أي شيء من ذلك أي شك كان وكانت المصداق الأفضل ـ مع أوليائه المعصومين ـ لقوله تعالى : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصّدّيقون ) (2) . وقوله تعالى : ( وما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله
____________
(1) بيت الأحزان : 100 .
(2) سورة الحديد : 19 .

 

 


الرسل وأمه صدّيقة ) (1) ، حيث فسرت كلمة صديقة في هذا الآية المباركة بأنها تصدق بآيات ربها ، ومنزلة ولدها وتصدقه فيها أخبرها به ، بدلالة قوله تعالى : ( وصدقت بكلمات ربها ) ، وقيل : لكثيرة صدقها وعظم منزلتها فيما تصدق به من أمرها .
وعلى كل حال فإن فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت الصديقة الطيبة التي صدّقت بالله ورسوله وبما جاء به من عند الله تعالى وكانت المؤمنة بكل عقائدها الربانية والتي كانت تعمل على ضوء تلك العقائد والمعتقدات ولقد جاءت الروايات الكثيرة لكي تؤكد على هذه الحقيقة الواضحة للزهراء عليها السلام فلقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل : يا عليّ ، إنّي قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك ، فأنفذها ، فهي الصادقة الصدوقة ، ثم ضمّها إليه وقبّل رأسها ، وقال : فداك أبوك يا فاطمة (2) .
وعن مفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : من غسل فاطمة عليها السلام ؟ قال : ذاك أميرالمؤمنين عليه السلام ،فكأنّما استضقت ( استفظعت ) ذلك من قوله ، فقال لي : كأنّك ضقت ممّا أخبرتك به ، فقلت : قد كان ذلك جعلت فداك ، فقال : لا يضيقنّ فإنّها صدّيقة لم يكن يغسّلها إلا صدّيق ، أما علمت أنّ مريم لم يغسّلها إلىعيسى ؟ (3) ـ الحديث .
وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنّه قال لعليّ عليه السلام : أوتيت ثلاثاً لم يؤتيهنّ أحد ولا أنا : أوتيت صهراً مثلي ولم اوت أنا مثلي ، واوتيت زوجة صدّيقة مثل ابنتي ولم اوت مثلها زوجة ، واوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم اوت من صلبي مثلهما ، ولكنّكم منّي وأنا منكم (4) .
وجاء عن علي بن جعفر ، عن أخيه ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : « إنّ فطمة عليها السلام صدّيقة شهيدة » . والصدّيقة فعّيلة للمبالغة في الصدق والتصديق ، أي كانت كثيرة التصديق لما
____________
(1) المائدة : 75 .
(2) البحار : 22 | 491 .
(3) الوسائل : 2 | 714 ـ 715 .
(4 ) الرياض النضرة : 2 | 202 على ما في الغدير : 2 | 305 .

 

 


جاء به أبوها صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت صادقةً في جميع أقوالها ، مصدّقةً أقوالها بأفعالها ، وهي معنى العصمة ، ولا ريب في عصمتها صلوات الله عليها لدخولها في الذين نزلت فيهم آية التطهير بإجماع الخاصّة والعامّة ، والروايات المتواترة من الجانبين (1) .
وقال الصادق عليه السلام : وهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاولى (2) .


3 ـ المباركة


وهو ثالث الأسماء التي وردت عن لسان المعصوم عليه السلام لفاطمة الزهراء سلام الله عليها عند الباري عز وجلّ : والظاهر من خلال سيرتها عليها سلام وما تركت من ذرية طيبة من بعدها أن مسألة البركة واضحة البرهان في حياته الواقعية ، حيث نجد أن ذرية كل رسول من ولده وخصوصاً الذكور إلا نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث كانت ذريته من ابنته المباركة فاطمة سلام الله عليها ، وهذا ما نجده من خلال المأثور الروائي في حياة الرسول وأهل بيته عليهم السلام .
وقبل الدخول في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ومدى دلالات هذه الأحاديث على هذا الإسم لفاطمة سلام الله عليها نراجع كتب اللغة لنرى مدى انطباق معنى المباركة أو البركة على حياتها الشخصية وما تركته في هذه الدنيا .
فلقد ورد في معنى كلمة البركة هي النماء والزيادة ، وعن الزجاج المبارك ما يأتي من قبله الخير الكثير (3) .
وقيل : ان البركة : هي النماء والسعادة والزيادة (4) .
وقال الراغب : ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحبس ، وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر قيل ـ لكل ما يشاهد منه زيادة محسوسة هو مبارك فيه وفيه بركة .
____________
(1) مرآة العقول : 5 | 315 .
(2) البحار : 43 ، 105 .
(3) لسان العرب : مادة برك .
(4) تاج العروس : مادة البركة .

 

 


ولا شك ولا ريب ومن خلال استقراء حياة فاطمة عليها السلام قبل وبعد وفاتها هي الخير الكثير الذي ورد فيه قوله تعالى : ( إنا اعطيناك الكوثر ) ، ولقد انطبقت عليها هذه المعاني لكثرة بركتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أهل بيته وعلى شيعة أمير المؤمنين ، فأي بركة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل فاطمة والتي على معرفتها دارت القرون الاولى ، وأي بركة أكبر وأفضل من بركة فاطمة سلام الله عليها على الشيعة وخاصة في هذه الحياة الدنيا حيث كانت الوعاء الأكبر للإمامة التي مثلت أفضل مصاديق الولاية الكبرى وأي بركة أفضل منها عندما تأتي يوم القيامة وتخلص شيعتها ومحبيها من عذاب النار .
ولقد طفحت كتب السيرة والتاريخ دلالة على كثرة بركة فاطمة الزهراء سلام الله عليها وكذلك الكتب الروائية والكلامية والتفسيرية حيث أظهرت من خلال طيات صفحاتها هذه الصفة الواردة فيها ، فاقرأ معي ما كتب حول بركة الزهراء سلام الله عليها فيما ورد عن عبدالله بن سليمان قائلاً ... ( قرأت في الإنجيل في وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم : نكّاح النساء ذو النسل القليل ، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صغب فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر زمان كما كفل زكريا أمك ، لها فرخان مستشهدان ) (1) .
ولقد ورد في تفسير سورة الكوثر ( إنا أعطيناك الكوثر ) أ، الكوثر هي فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، والكوثر معناه الخير الكثير .
ويعني ذلك أن لكثرة ذرية رسول الله من جهة إبنته فاطمة الزهراء سلام الله عليها خاطب القرآن الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنه له الكوثر كرامة من الله تعالى له .
قال العلامة الطباطبائي رحمة الله : إنّ كثرة ذرّيّته هي المراده وحدها بالكوثر الذي اعطيه النبّي صلى الله عليه و آله وسلم أو المرادبها الخير الكثير ، وكثرة الذرّيّة مرادة في ضمن الخير الكثير ، ولولا ذلك لكان تحقيق الكلام بقوله : ( إنّ شانئك هو الأبتر ) خالياً عن الفائدة .
وقد استفاضت الروايات أنّ السورة إنّما نزلت فيمن عابه صلى الله عليه وآله وسلم بالأبتر بعد ما مات ابنه القاسم وعبدالله ، وبذلك يندفع ما قيل : إنّ مراد الشانىء بقوله ( أبتر ) المنقطع عن
____________
(1) البحار : 43 | 22 .

 

 


قومه أو المنقطع عن الخير ، فردّ الله عليه بأنّه هو المنقطع من كلّ خير . ولما فيه قوله ( إنّا أعطيناك ) م الامتنان عليه صلى الله عليه وآله وسلم جيء بلفظ المتكلّم مع الغير الدالّ على العظمة ، ولما فيه من تطبيب نفسه الشريفة أكدّت الجملة بإنّ ، وعبّر بلفظ الإعطاء الظاهر في التمليك .
وبالجملة لا تخلو من دلالة على أنّ ولد فاطمة عليها السلام ذرّيّته صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا في نفسه من ملامح القرآن الكريم ، فقد كثّر الله تعالى نسله بعد كثرة لا يعادلهم فيها أيّ نسل آخر ، مع ما نزل عليهم من النوائب ، وأفنى جموعهم من المقاتل الذريعة (1) .
وقال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى : ( إنّا أعطيناك الكوثر ) ، والقول الثالث : الكوثر أولاده . قالوا : لأنّ هذه السورة إنما نزلت ردّاً على من عابه عليه السلام بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه يعطيه يبقون على مرّ الزمان ، فانظر كم قتل من أهل البيت ، ثم العالم ممتليّ منهم ولم يبق من بني ـ اميّة في الدنيا أحد يعبأ به ! ثمّ انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم السلام والنفس الزكيّة وأمثالهم (2) .
وقال أيضاً : إنّا إذا حملنا الكوثر على كثرة الأتباع أو على كثرة الأولاد وعدم انقطاع النسل كال هذا إخباراً عن الغيب ، وقد وقع مطابقاً له ، فكان معجز (3) .
وقال الآلوسي في تفسير : ( إنّ شانئك هو الأبتر ) ، الأبتر : الذي لا عقب له حيث لا يبقى منه نسل ولا حسن ذكر ، وأمّا أنت فتبقى ذرّيّتك ... عليه دلالة على أنّ أولاد البنات من الذرّيّة (4) .
وقال العلامة القزوينيّ : ووجه المناسبة أنّ الكافر شمت بالنبّي صلى الله عليه وآله وسلم حين مات أحد أولاده وقال : إنّ محمداً أبتر ، فإن مات مات ذكره . فأنزل الله هذه السورة على نبيّه عليه السلام تسلية له ، كأنّه تعالى يقول : إن كان ابنك قد مات فإنّا أعطيناك فاطمة ، وهي وإن كانت واحداة وقليلة ولكنّ الله سيجعل هذا الواحد كثيراً .
____________
(1) الميزان : 20 | 370 ـ 371 .
(2) التفسير الكبير : 32 | 124 .
(3) التفسير الكبير : 32 | 128 .
(4) روح المعاني : 30 | 247 .

 

 


وتصديقاً لهذا الكلام ترى في العالم ـ اليوم ـ ذرّية فاطمة الزهراء عليه السلام الذين هم ذرّية رسول الله عليه السلام منتشرين في بقاع العالم ، ففي العراق حوالي مليون ، وفي إيران حوالي ثلاث ملايين ، وفي حصر خمس ملايين ، وفي المغرب ، الأقصى خمس ملايين ، وفي الجزائر وتونس وليبيا عدد كثير ، وكذلك في الاردن وسوريا ولبنان والسودان وبلاد الخليج والسعوديّة ملايين ، وفي اليمن والهند وباكستان والأفغان وجزر أندونيسيا حوالي عشرين ملايين ، وقلّ أن تجد في البلاد الإسلاميّة بلدة ليس فيها أحد من نسل السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، ويقدّر مجموعهم بخمسهة وثلاثين مليوناً ، ولو اجريت إحصائيّات دقيقة وصحيحة فلعلّ العدد يتجاوز هذا المقدار (1) .
ويؤيّد ما استفادة العلاّمة ( ره ) وغيره أخبار كثيرة وردت من الفريقين العامّة والخاصّة ، كما روى الحافظ الكنجيّ الشافعيّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : « إنّ الله عزّ وجلّ جعل ذرّية كلّ نبيّ في صلبه ، وإنّ الله عزّ وجلّ جعل ذرّيّتي في صلب علي بن أبي طالب » .
قلت : رواه الطبراني في معجمه الكبير ، في ترجمة الحسن . فإن قيل : لا اتّصال لذرّيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعلّي عليه السلام إلا من جهة فاطمة عليها السلام ، وأولاد البنات لا تكون ذرّيّة لقول الشاعر :

بـنونا بـنو وبـناتــنا

*

بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد

قلت : في التنزيل حجّة واضحة تشهد بصحّة هذه الدعوى ، وهو قوله عزّ وجلّ في سورة الأنعام : ( ووهبنا له ( أي لإبراهيم ) إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذرّيّته ( أي ذّريّة نوح ) داود وسليمان ( إلى أن قال ) وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس ) (2) . فعدّ عيسى عليه السلام من جملة الذرّيّة الذين نسبهم إلى نوح عليه السلام وهو ابن بنت لا اتّصال له إلا من جهة امّه مريم . وفي هذا أكدّ دليل [ على ] أنّ أولاد فاطمة عليها السلام ذرّيّة للنبّي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عقب له إلا من جهتها ... وقد قال عطاء ومن شايعه من المفسّرين : الهاء من قوله ( ومن ذرّيّته ) راجعة إلى إبراهيم . ويحصل في هذا فائدة
____________
(1) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد : ص 86 ـ 87 .
(2) الأنعام : 84 ـ 85 .

 

 


اخرى لطيفة وهو أنه عدّ من جملة الذرّيّة الذين نسبهم إلى إبراهيم لوطاً ولم يكن من صلبه ، لأنّ لوطاً ابن أخي إبراهيم ، والعرب تجعل العمّ أباً كما أخبر عزّ وجلّ عن ولد يعقوب حيث قال : ( نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) ومعلوم أنّ إسماعيل عمّ يعقوب ولكن نزّله منزلة الأب ، فيحصل من هذا جواز انتساب أولاد عليّ عليه السلام إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على الإطلاق ، لأنّه أخوه وهو منه بمنزلة هارون من موسى ، كما نسب الله لوطاً إلى إبراهيم ، ولوط إنّما هو ابن أخيه ، وكذلك هنا ... ابن حصين عن عمر قال : سمعت رسول الله يقول : كلّ بني أنثى فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة ، فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم (1) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل : يا فاطمة ، ما بعث الله نبيّاً إلا جعل له ذرّيّة من صلبه ، وجعل ذرّيّتي من صلب عليّ ، ولولا عليّ ما كانت لي ذرّيّة (2) .
قال ابن أبي الحديد في ذيل كلام عليّ عليه السلام : « املكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني ، فإنّني أنفس بهذين ـ يعني الحسن والحسين 8 ـ على الموت لئلاً ينقطع بهما نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3) .
فإن قلت : أيجوز أن يقال للحسن والحسين وولدهما أبناء رسول الله وولد رسول الله وذرّيّة رسول الله ونسل رسول الله ؟
قلت : نعم ، لأنّ الله سماهم أبنائه في قوله تعالى : ( ندع أبنائنا وأبنائكم ) (4) ، وإنما عنى الحسن والحسين ... وسمّى الله تعالى عيسى ذرّيّة إبراهيم في قوله : ( ومن ذرّيّته دواد وسليمان ـ إلى أن قال ـ ويحيى وعيسى ) ...
فإن قلت : فما تصنع بقوله تعالى : ( ما كان محمّد أبا أحدٍ من رجالكم ) (5) ؟
قلت : أسألك عن أبوّته لأبراهيم بن مارية ، فكلّ ما تجيب به عن ذلك فهو جوابي عن الحسن والحسين عليهما السلام . والجواب الشامل للجميع أنّه عنى زيد بن حارثة ، لأنّ
____________
(1) كفاية الطالب : 379 .
(2) البحار : 43 | 101 .
(3) نهج البلاغة : الخطبة 205 .
(4) آل عمران : 61 .
(5) الأحزاب : 40 .

 

 


العرب كانت تقول : زيد بن محمّد ، على عادتهم في تبنّي العبيد ، فأبطل الله ذلك ونهى عن سنّة الجاهليّة ...
قيل لمحمّد ابن الحنفيّة : لم يغرّر بك أبوك في الحرب ولم لا يغرّر بالحسن والحسين ؟ فقال : لأنّهما عيناه ، وأنا يمينه ، وهو يذبّ عن عينيه بيمينه (1) .
وروى الخطيب عن عبدالله بن عبّاس قال : كنت أنا وأبي العبّاس بن عبد المطّلب جالسين عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ دخل علي بن أبي طالب ، فسلّم فردّ عليه رسول الله : وبشّ به وقام إليه واعتنقه قبّل بين عينيه وأجلسه عن يمينه ، فقال العبّاس : يا رسول الله ، أتحبّ هذا ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : يا عمّ رسول الله ، والله لله أشدّ حباً له منّي ، إنّ الله جعل ذرّية كلّ نبيّ في صلبه ، وجعل ذرّيتي في صلب هذا (2) .
وجرت مناظرة طويلة بين الإمام موسى بن جعفر عليهم السلام وبين هارون الرشيد ، وفيه قال له هارون : لم جوّزتم للعامّة والخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلى الله عليه وآل وسلم ويقولون لكم : يا بني رسول الله ، وأنتم بنو عليّ ؟ وإنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم جدّكم من قبل أمّكم ! فقلت : يا أمير المؤمنين ، لو أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟ فقال : سبحان الله ! ولم لا اجيبه بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك . فقلت : لكنّه عليه السلام لا يخطب إليّ ولا ازوّجه . فقال : ولم ؟ فقلت : لأنّه ولدني ولم يلدك . فقال : أحسنت يا موسى .
ثم قال : كيف قلتم إنّا ذرّيّة النبي ، والنبيّ صلى الله عليه وآل وسلم لم يعقب ، وإنّما العقب للذكر لا للانثى ، وأنتم ولد الابنة ولا يكون لها عقب ؟ فقلت : أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفيتني عن هذه المسألة ، فقال : أولا تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد عليّ ، وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ؟ كذا انهي إليّ ، ولست أغفيك في كلّ ما أسالك عنه حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ، فأنتم تدّعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلا وتأويله عندكم ، واحتججتم بقوله عزّ وجلّ : ( ما فرّطنا في
____________
(1) شرح النهج : 11 | 26 .
(2) تاريخ بغداد : 1 | 316 ـ 317 .

 

 


الكتاب من شيء ) (1) . وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم .
فقلت : تأذن لي في الجواب ؟ قال : هات . فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( ومن ذرّيّته داود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريّا ويحيى وعيسى ) (2) ، من أبو عيسى ، يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ليس لعيسى أب ، فقلت : إنّما الحقناه بذراري الأنبياء عليهم السلام من طريق مريم عليها السلام ، وكذلك الحقنا بذراري النبّي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل امّنا فاطمة عليها السلام .
أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال : هات . قلت : قول الله عزّ وجلّ : ( فمن حاجّك فيه من بعد ما جائك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وابنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (3) ، ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تحت الكساء عند مباهلة النصاري إلا عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وكان تأويل قوله عزّ وجلّ ( أبنائنا ) الحسن والحسين ( ونسائنا ) فاطمة ( وأنفسنا ) عليّ بن أبي طالب . إنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ جبرئيل قال يوم احد : « يا محمّد ، إنّ هذه لهي المواساة من عليّ . قال : لأنّه منّي وأنا منه . فقال : جبرئيل : وأنما منكما يا رسول الله . ثمّ قال : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتي إل عليّ » فكان كما مدح الله عزّ وجلّ به خليله عليه السلام إذ يقول : ( فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ) (4) ، إنّا معشر بني عمّك نفتخر بقول جبرئيل إنّه منّا . فقال : أحسنت يا موسى ـ الحديث (5) .
عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : يا أبا الجارود ، ما يقولون في الحسن والحسين عليها السلام ؟ قلت : ينكرون علينا أنّهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : فبأيّ شيء احتججتم عليهم ؟ قلت : بقول الله عزّ وجلّ في عيسى بن مريم : ( ومن ذرّيّته داود وسليمان ( إلى قوله ) وكذلك نجزي
____________
(1) الأنعام : 38 .
(2) الأنعام : 84 .
(3) آل عمران : 61 .
(4) الأنبياء : 60 .
(5) البحار : 48 | 127 .


المحسنين ) ، وجعل عيسى من ذرّية إبراهيم ، قال : فأيّ شيء قالوا لكم ؟ قلت : قالوا : قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب . قال : فبأيّ شيء احتججتم عليهم ؟ قال : قلت : احتججنا عليهم بقول الله تعالى : ( قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم ) الآية : قال : فأيّ شيء قالوا لكم ؟ قلت : قالوا قد يكون في كلام العرب ابني رجل واحد ، فيقول : أبنائنا ، وإنّما هما ابن واحدٍ . قال : فقال أبو جعفر عليه السلام : والله يا أبا الجارود لاعطينّكها من كتاب الله تسمّى لصلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يردّها إلاّ كافر . قال : قلت : جعلت فداك ، وأين ؟ قال : حيث قال الله ( حرمّت عليكم امّهاتكم وبناتكم ( إلى أن ينتهي إلى قوله ) وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ) (1) ، فسلهم يا أبا الجارود ، هل حلّ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكاح حليلتهما ؟ فإن قالوا : نعم ، فكذبوا والله وفجروا ، وإن قالوا : لا فهما والله ابناه لصلبه ، وما حرمتا عليه إلاّ للصلب (2) .
وعن عامر الشعبيّ إنّه قال : بعث إلىّ الحجّاج ذات ليلة ، فخشيت ، فقمت وتوضّأت وأوصيت ، ثم دخلت عليه فنظرت فإذا نطع منشور وسيف مسلول ، فسلّمت عليه ، فردّ السلام فقال : لا تخف ، فقد أمنتك الليلة وغداً إلى الظهر . وأجلسني عنده ، ثمّ أشار فأتي برجل مقيّد بالكبول والأغلال ، فوضعوه بين يديه فقال : إنّ هذا الشيخ يقول : إنّ الحسن والحسين كانا ابني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ ليأتينّي بحجّة من القرآن وإلا لأضربنّ عنقه .
فقلت : يجب أن تحلّ قيده فإنّه إذا أحتجّ فإنّه لا محالة يذهب ، وإن لم يحتجّ فإنّ السيف لا يقطع هذا الحديد . فحلّوا قيوده وكبوله ، فنظرت فإذا هو سعيد بن جبير ، فحزنت بذلك وقلت : كيف يجد حجّة على ذلك من القرآن ؟ فقال له الحجّاج : أئتني بحجّة من القرآن على ما ادّعيت وإلا أضرب عنقك . فقال له : انتظر فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك ، فقال : انتظر . فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك ، فقال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال : ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب ( إلى
____________
(1) النساء : 23 .
(2) البحار: 43 | 233 .

 

 


قوله )
وكذلك نجزي المحسنين ) . ثم سكت . وقال للحجّاج : اقرأ ما بعده ، فقرأ : ( وزكريّا ويحيى وعيسى ) ، فقال سعيد : كيف يليق ههنا عيسى ؟ قال : إنّه كان من ذرّيّته ، قال : اين كان عيسى من ذرّيّة إبراهيم ولم يكن له أب بل كان ابن ابنة فنسب إليه مع بعده ، فاحسن والحسين أولى أن ينسبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع قربهما منه . فأمر له بعشرة آلاف دينار وأمر بأن يحملوها معه إلى داره ، وأذن له في الرجوع .
قال الشعبّي : فلما أصبحت قلت في نفسي : قد وجب عليّ أن آتي هذا الشيخ فأتعلّم منه معاني القرآن ، لأنّي كنت أظنّ أنّي أعرفها فإذا أنا لا أعرفها ، فأتيته فإذا هو في المسجد وتلك الدنانير بين يديه يفرّقها عشراً عشراً ويتصدّق بها ، ثم قال : هذا كلّه ببركة الحسن والحسين عليهما السلام ، لئن أغممنا واحداً لقد أفرحنا ألفاً وأرضينا الله ورسوله (1) .


4 ـ الطاهرة


من الأسماء الجميلة والتي تدل على معنى يصبو إليه كل مؤمن هو الطهارة الباطنية والظاهرية ، حيث سميت به فاطمة سلام الله عليها ، وقد دلت عدة روايات مهمة في هذا الباب على مدى طهارتها عليها السلام هذا بالإضافة إلى الشواهد الأخرى التي أيدت هذه المسألة عنها عليها السلام من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة بل هي المحور الذي يدور عليه أهل البيت عليهم السلام ، وأفضل دليل على طهارتها هو آية التطهير ، فهي سلام الله عليها مطهرة نقية مبرءة من كل الأرجاس الظاهرية والباطنية وإليك بعض الأحاديث والشواهد التي تدل على أنها طاهرة سواء الطهارة الظاهرية أو الباطنية .
فلقد ورد عن أبي جعفر ، عن آبائه : قال : إنّما سمّيت فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآله وسلم « الطاهرة » لطهارتها من كلّ دنس ، وطهارتها من كلّ رفث ، وما رأت قطّ يوماً حمرة
____________
(1) البحار : 43 | 229 .

 

 


ولا نفاساً (1) .
وعن الصادق عليه السلام قال : إنّ الله حرّم النساء على عليّ ما دامت فاطمة حيّة ، لأنّها طاهرة لا تحيض (2) .
ولقد بيّن العلامة المولى محمد علي الأنصاري وجه الطهارة عن أهل البيت : بما فيهم فاطمة سلام الله عليها حيث قال : ووجه الطهارة في جميع ما ذكر منهم من حيث الحكمة أنّ منشأ النجاسة ونحوها إنّما هو جهة النفسانيّة ، وليس في تلك الأنوار الإسفهبديّة جهة النفسانيّة بالمرّة ولو مثقال ذرّة . وما ورد في طهارة أجسادهم الشريفة إنّما هو محمول على أجزائها الظاهريّة والباطنيّة من كلّ حيثيّة ، وإلا فظواهر الأجساد طاهرة من كلّ مسلم أيضاً فلا يكون لهم حينئذ فضل من هذه الجهة ... (3) .
أما قضية سد الأبواب بالنسبة للمسجد النبوي الشريف إلاّ لأهل البيت عليهم السلام في زمن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهي أفضل شاهد على طهارتهم الظاهرية والباطنية .
وقال العلامة الأميني (4) رحمه الله إشارة إلى هذا المسألة : إنّ سدّ الأبواب الشارعة في المسجد كان لتطهيرة عن الأدناس الظاهريّة والمعنويّة ، فلا يمرّ به أحد جنباً ، ولا يجنب فيه أحد . وأمّا ترك بابه صلى الله عليه وآله وسلم وباب أمير المؤمنين عليه السلام فلطهارتهما عن كلّ رجس ودنس بنصّ آية التطهير ، حتّى إنّ الجنابة لا تحدث فيهما من الخبث المعنوي ما تحدث في غيرهما ...
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ألا إنّ مسجدي حرام على كلّ حائض من النساء وكلّ جنب من الرجال إلاّ على محمد وأهل بيته عليهم السلام علي وفاطمة والحسن والحسين (5) ( صلوات الله عليهم أجمعين ) . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ألا لا يحلّ هذا المسجد لجنب ولا الحائض إلاّ لرسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، ألا قد بيّنت لكم الأسماء أن لا تضلّوا (6) ...
____________
(1) البحار : 43 | 19 ، 16 . مصباح الأنوار على ما في العوالم : 222 مخطوط .
(2) الماقب : 3 | 110 . التهذيب : 7 | 475 . بشارة المصطفى : 306 .
(3) اللمعة البيضاء : 24 .
(4) الغدير : 3 | 211 .
(5) سنن البيهقي : 7 | 65 .
(6) سنن البيهقي : 7 | 65 .

 

 


فزبدة المخض من هذه كلّها أنّ إبقاء ذلك الباب والإذن لأهله بما أذن الله لرسوله ممّا خصّ به مبتنٍ على نزول آية التطهير النافية عنهم كلّ نوع من الرجاسة .
وقال العلامة الشيخ السعيد جمال الدين الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني رحمه الله : وروي الصدوق في كتاب « من لا يحضره الفقيه » عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مرسلاً أنّه قال : « إنّ فاطمة ( صلوات الله عليها ) ليست كأحد منكنّ ، إنّها لا ترى دماً في حيض ولا نفاس كالحوريّة ... » ولا يخفى ما في هذه الروايات من المافاة لما سبق في حديث قضاء الحائض للصوم دون الصلاة من أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر فاطمة عليه السلام بذلك . ووجه الجمع حمل أمره صلى الله عليه وآله وسلم لها عليها السلام على إرادة تعليم المؤمنات ، وهو نوع من التجوّز في الخطاب شائع ، ولعلّ المقتضي له في هذا الموضع رعاية خفاء هذه الكرامة كغيرها ممّا ينافي ظهوره بلاء التكليف (1) . وفي ختام هذا البحث ينبغي أن تلاحظ ما جاء في غسلها ووصيّتها عليه السلام قبل الوفاة ، وهو أدلّ دليل وأقوى حجّة على أنّها كانت طاهرة ميمونة في حياتها وبعد مماتها ، ولم يحدث الموت فيها رجاسة ولا دناسة ، مع أنك تعلم أنّه ممّا لا خلاف فيه تنجّس البدن بعد الموت وبعد خروج النفس عنه ، ولأجل ذلك لا بدّ أن يغسّل الميّت حتّى يطهّر بدنه وينظّف جسمه ، إلا أنّ سيّدة النساء عليه السلام أوصت أن لا يكشفها أحد ، وأن تدفن بغسلها قبل الوفاة .
روى أحمد في مسنده عن أمّ سلمى ( زوجة أبي رافع ) قالت : اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيه ، فكنت امرّضها ، فأصبحت يوماً كأمثل من رأيتها في شكواها تلك ، قالت : وخرج عليّ لبعض حاجته ، فقالت : يا امّه اسكبي لي غسلاً . فسكبت لها غسلاً ، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغسل ، ثم قالت : يا أمّه أعطيني ثيابي الجدد ، فأعطيتها ، فلبستها ، ثم قالت : يا أمّه قدّي لي فراشي وسط البيت ، ففعلت ؛ واضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدّها ، ثم قالت : يا امّه إنّي مقبوضة الآن وقد تطهّرت ، فلا يكشفني أحد ، فقبضت مكانها ، قالت : فجاء عليّ فأخبرنه (2) .
____________
(1) منتقى الجمان : 1 | 224 .
(2) مسند أحمد : 6 | 461 ، وكذلك ورّد هذا الخبر في كتب مختلفة للعامّة والخاصّة ، منها «

 

 


وقال في « كشف الغمّة » : واتفاقهما من طرق الشيعة والسنة على نقله مع كون الحكم على خلافة عجيب ، فإنّ الفقهاء من الطرفين لا يجيزون الدفن إلا بعد الغسل إلا في موضع ليس هذا منه ... ولعلّ هذا أمر يخصّها عليها السلام . نعم إنّها عليها السلام كأبيها في طهراتها كما تقدّم عن الصدق عليه السلام إنّه لمّا سئل : هل اغتسل عليّ حين غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : النبّي طاهر مطهّر ولكن اغتسل عليّ عليه السلام وجرت به السنة .


5 ـ الزكية


ومعنى هذا الاسم مماثل ومرادف للمباركة ، والذي يقتضي الحال ان الزكاة هي النمو والزيادة في الشيء على وجه ما بحيث يكون ذا أثر واضح نتيجة تلك الزيادة التي تطرأ عليه ، فالزهراء زكية من جهة أن الله تعالى قد جعل ذرية الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ازدادت ونمت عن طريق الرحم الطاهر للزهراء سلام الله عليها فلقد كثر وبانت ذرية الرسول من جهتها سلام الله عليها وهذا يقتضي أن تكون الزهراء هي المنبع الذي عن طريقه كثرة ذرية رسول الله ، فهي الزكية بكثرة بركتها على شيعتها ويمن المراجعة في هذا الموضوع في باب اسمها المباركة فإنه كما هي مباركة فهي زكية بسبب اخلاصها وحبها الله تعالى تفانيها في ذات الله .


6 ـ الراضية


من الأمور المهمة والتي تكون ذا أهمية كبيرة في معرفة درجة أيمان الفرد المسلم مسألة الرضا عن الله تعالى .، فمقام الرضا يحتاج إلى معرفة ويقين حتى يصل إليه الإنسان ويكون من الراضين بما قسم الله تعالى حتى يصل في النهاية إلى مرحلة إيمانية
____________
الاصابة » لابن حجر في ترجمتها عليها السلام ، و « حليةالأولياء » : 2 | 43 ، و « كشف الغمّة » : 1 | ص 502 ، و « الماقب » لابن شهر آشوب : 3 | 364 ، و « المستدرك » للمحدث النوريّ : 1 | 104 في نوادر الغسل .

 

 


عالية جداً ، وكما ورد في دعاء كميل « وتجعلني بقسمك راضياً قانعاً » أي أن الإنسان المؤمن يطلب من الله تعالى أن يوصله إلى مقام الرضا منه جل وعلا في كل ما يقسمة له سواء من خير أو غير ذلك ، ومع هذا كله فلقد ورّد في عدة أحاديث مروية عن أهل بيت العصمة عليهم السلام أن رأس طاعة الله تعالى الصبر والرضا عن الله تبارك وتعالى .
فلقد جاء في الحديث الشريف عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال : « الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله ، ومن صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحب أو كره ، لم يقض الله عز وجل له فيما أحب أو كره إلا ما هو خير له » (1) لأنه سبحانه وتعالى كما ورد في بعض الأخبار ـ عند حسن ظن عبده المؤمن به ، إضافة إلى أن الله سبحانه لا يختار لعبده إلا ما فيه خيره ومصلحته ، وان خفيف تلك المصلحة على العبد لمحدوديته وقصوره عن الإحاطة بمصالحه ومفاسده .
وجاء في حديث آخر عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عز وجل (2) .
فمن خلال هذا الحديث وأحاديث أخرى يظهر مقام الزهراء سلام الله عليها العلي حيث أنها كانت راضية عن الله تعالى بكل ما قدر لها من خير وبلاء ، وهذا ينم عن الحالة الإيمانية عند فاطمة سلام الله عليها ، فمبلاحظة اسمها إلا لمن حاز على مرتبة شريفة وسامية ، فبملاحظة أمور أخرى في حياتها سلام الله عليها يتضح ويظهر آنها عليها السلام كانت ذا مرتبة علمية وعرفانية بلغت أوج عظمتها ، وكما ورد على لسان المعصوم عليه السلام « نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة حجة الله علينا » والحجة لا يكون على الآخرين إلا إذا كان ذو مقام علمي وسامي على الآخرين وإلا لا يكون حجة على غيره .
إذن فاطمة كانت راضية وهذا يظهر من خلال أبسط تأمل لحياتها وما جرى عليها
____________
(1) اصول الكافي : 2 | 66 .
(2) اصول الكافي : 2 | 66 .

 

 


من الظلم والأذى ، وبما قدّر لها من مرارة الدنيا ومشقاتها ومصائبها وبلاياها .
وبمراجعة بعض الروايات في المقام يظهر ان هناك حالة ترابط بين اسم الصديقة لفاطمة سلام الله عليها وبين اسمها الراضية ، فهناك حالة تلازم كما يظهر من الحديث الذي سوف أنقله إليك بين حالة الرضا بقضاء الله تعالى وبين الصدّيق الذي يكون عند الله بهذا المقام ، فلقد روي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : « قال الله عز وجل : عبدي المؤمن لا أصرفه في شيء إلا جعلته خيراً له ، فليرض بقضائي ، وليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي أكتبه ، أكتبه يا محمد من الصدّيقين عندي » (1) .
وتمام هذا الحديث منطلق على سيرتها الذاتية عليها السلام فهي كانت راضية بقضاء الله تعالى وصابرة على ما جرى عليها من الظلم والهوان ، وكانت شاكرة لله تعالى فالشكر يدى على الرضا ، وبملاحظة أسماء الزهراء في الرواية المتقدمة في أول الفصل نجد أن من أسماءها الصديقة وأن من الأسماء الأخرى لها هو الراضية ، إذن الرضا يؤدي بالعبد إلى درجة الصديقين ، والزهراء من خلال استقراء حياتها وسيرتها الذاتية نجد أنها كانت راضية بكل ما قدر الله لها ، فهي إذن صديقة وهذا من أفضل البراهين على أنها كانت صديقة سلام الله عليها .
أما من خلال الأحاديث والأقوال الواردة في المقام فهي كثيرة والتي من خلالها بينت أن فاطمة سلام الله عليها كانت الراضية ،وكما قلنا أن سيرتها الذاتية طافحة بالأحداث الكثيرة التي أثبت أنها كانت راضية بما قدر الله لها ، فعن علي بن أعبد قال : قال لي عليّ رضي الله عنه : ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت من أحبّ أهله إليه ؟ قلت : بلى . قال : إنّها جرّت بالرحى حتّى أثّر في يدها ، واستقت بالقربة حتّى أثّر في نحرها ، وكنست البيت حتّى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت القدر حتّى دكنت ثيابها ، وأصابها من ذلك ضرّ ، فأتي النبيّ عليه السلام خدم ، فقلت : لو أتيت أباك فسألته خادماً . فأتته فوجدت عنده حدّاثاً ، فاستحيت فرجعت ، فأتاها من الغد ، فقال : ما كان حاجتك ؟ فسكتت ، فقلت : أحدّثك يا رسول عليه السلام ، جرّت عندي
____________
(1) اصول الكافي : 2 | 68 .

 

 


بالرحى حتّى أثّر في يدها ، وحملت القربة حتّى أثّر في نحرها وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها ، [ و ] أوقدت القدر حتّى دكنت ثيابها ، فلمّا جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتسخدمك خادماً يقيها حرّ ماهي فيه .
قال : اتّقي الله يا فاطمة ، وأدذي فريضة ربّك ، واعملي عمل أهلك ، إن أخذت مضجعلك فسبّحي ثلاثاً وثلاثين ، وكبّري أربعاً وثلاثين ، فتلك مائة ، فهي خير لك من خادم . فقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ؛ ولم يخدمها (1) .
ولقد ذكر المولى محمد علي الأنصاري شارح الخطبة ، في مسالة رضاها سلام الله عليها ومسألة من وجوه اقتضاها حال الرواية حيث قال : وإطلاق الرضيّة لرضاها عن الله ورسوله حين ذهبت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فطلبت منه خادمة وقالت : لا اطيق على شدائد أشغال البيت ، فعلّمها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تسبح فاطمة وبشّر لها بقوابه : فقالت ثلاثاً : رضيت عن الله ورسوله . فرجعت إلى بيتها فقالت : طلبت من أبي خير الدنيا ، فأعطاني خير الآخرة . أو لرضاها عن الله تعالى فيما أعطاها من القرب والمنزلة وطهارة الطينة وغير ذلك من المراتب والعالية في الدنيا والبرزخ والآخرة من حيث الجاه والمنزلة النعمة الشرف والفضيلة . أو لرضاها عنه تعالى في جعل الشفاعة الكبرى بيدها من الإنتقام من قتلة ولدها في الدنيا والآخرة (2) .


7 ـ المرضية


وهذا اسم آخر لفاطمة الزهراء سلام الله عليها ، والذي يظهر من خلال التأمل والتدير في السيرة الذاتية لها أنه هناك احتمالا ، في معنى كونها مرضية ، أحدهما هو كون جميع أعمالها وأفعالها وأقوالها وما صدر منها خلال مسيرة حياتها مرضية عند الله تبارك وتعالى فهي رضي الله عنها ورضت عنه ، فهي راضية مرضية راضية عن
____________
(1) مسند فاطمة عليها السلام للحافظ البوطي : 110 .
(2) اللمعة البيضاء : 92 .

 

 


الباري عز وجل ومرضية بما وعد الله تبارك وتعالى عباده بالرضوان الأكبر .
والإحتمال الآخر أنها سلام الله عليها كانت مرضية ، من جهة ما أعطاها الله تبارك وتعالى من المقامات النورانية التي بها فضلها على غيرها وكذلك ، ومن خلال ما اعطاها تبارك وتعالى من الذرية الكثيرة حيث جعل منها الائمة الهاديين ، وكذلك هي مرضية سلام الله عليها من جهة أن لها مقام الشفاعة الكبرى وكما ورد في أحاديث مجيئها يوم القيامة وكيفية شفاعتها لشيعتا ومحبيها ، وهذا ما بحثناه في الفصل الخاص الذي بيناه فيه مقاماتها سلام الله عليها ، وأياً كان تفسير معنى المرضية سواء كان الاحتمال الأولى أو الثاني ، فغن فاطمة سلام الله عليها قد حازت وفازت بهذه المنزلة الرفيعة والدرجة الراقية فهي راضية مرضية أعمالها عند الله عز وجل ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) .


8 ـ المحدّثة


ونقف هنا في هذا الصفحات مع اسم آخر لفاطمة سلام الله عليها والذي نستفيده من خلال مراجعة مصادر اللغة إن هذا الإسم ومن دون تحريك حرف الدال نحتمل فيه اما أن تكون الدال المشدّدة مكسورة واما أن تكون الدال المشددة فيه مفتوحة . وعلى الاحتمال الأول يكون معنى هذا الإسم أنها سلام الله عليها كانت تحدث امها خديجة عليه السلام وهذا ما يظهر من خلال مراجعة بعض الروايات ، حيث أنها سلام الله عليها كانت تحدث أمها وهي في بطنها ، وكما ورد عندما سئل رسول الله من زوجته خديجة اثناء دخوله عليها قائلاً لها مع تتحدثين قالت : الجنين الذي في بطني يؤنسني ويحدثني .
وعلى الإحتمال الثاني وهو الأصح على ما يظهر من بعض الأحاديث في المقام ( وسوف تأتينا خلال البحث ) يكون معنى المحدّثة هو أنها سلام الله عليها كانت تحدثها الملائكة وتؤنسها وخصوصا بعد فقد أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وهنا سؤال يطرح نفسه في المقام وينقدح في ذهن القاري ء وهو هل من الممكن أن

 

 


تكون الملائكة تحدث بعض الناس مع أن المعلوم أن الوحي انقطع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي حالة تكون تحديث الملائكة وامكان وقوعه ولو على غير نحو الوحي هل يقع هذا مع فاطمة سلام الله عليها ؟
وللإجابة على هذا السؤال لا بد لنا من مراجعة القرآن الكريم ونستقرأه في هذه المسألة وامكان وقوعها في الأمم السابقة باعتبار أن القرآن الكريم المصدر الأول للمسلمين في عرض الأشياء عليه .
فنجد من خلال عدة آيات قرآنية كثيرة جداً ثبتت هذه الحقيقة وهي أن الملائكة يمكن أن تتحدث مع البشر ، فهذا صريح القرآن يثبت هذه الحقيقة الواضحة البرهان والتي لا يبقى معها شك وإليك بعض هذه الآيات القرآنية التي ثبتت هذه المسألة :
1 ـ قال الله تعالى ( واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً فاتخذت من دونهم حجاباً ... ) (1) .
2 ـ ( وإذا قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك ... ) (2) .
ان الظاهر من خلال التأمل في الآتين المباركتين أن مريم سلام الله عليها تحدثت مع الملائكة ، وهذا منأفضل الأدلة على مسألة تحدث الملائكة مع أناس ليسوا بأنبياء فإن مريم سلام الله عليها لم تكن بنبي ولم تكن إمام بل هي أم نبي من انبياء الله تعالى ، ومع ذلك فالملائكة تحدثت معها .
2 ـ قوله تعالى : ( وامرأته قائمة ... ) (3) .
4 ـ وقوله تعالى : ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ) (4) . وقوله تعالى : ( فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرة وعشياً ) (5) . ( فقضهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها ) (6) . ( وإذ أوحيت
____________
(1) سورة مريم : آية 16 ـ 21 .
(2) آل عمران : 43 .
(3) هود آية : 71 ـ 73 .
(4) القصص : 7 .
(5) سورة مريم : آية 11 .
(6) فصلت : 12 .

 

 


إلىالحواريين أن آمنوا بي وبرسولي ) (1) . ( إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ) (2) . ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ) (3) . ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ) (4) . ( إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى ) (5) .
اذن يظهر من خلال هذه الآيات القرآنية وآيات أخرى أن الوحي ليس مختص بالأنبياء والرسل فقط بل هو يتعدى إلى أولياء الله تعالى ، نعم الوحي هنا في هذه الآيات المفهوم منه غير الوحي في إبلاغ الرسالات إلى الأنبياء بل هو شأن آخر من الوحي .
فالوحي لغة الإعلام الخفي السريع ، واصطلاحاً الطريقة الخاصة التي يتصل بها الله تعالى برسله وأنبيائه لاعلامهم ألوان الهداية والعلم ، وانما جاء تعبير الوحي عن هذه الطريقة باعتبارها خفية عن الآخرين ولذا عبر الله تعالى عن اتصاله برسوله الكريم بالوحي (6) .
قال سبحانه ( إنا أوحينا اليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ... ) (7) .
وقال الله تعالى ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم ) (8) .
وهذه الآية الآخيره حددت معنى الوحي الذي يختص بالأنبياء والمرسلين أما الآيات الاخرى المتقدمة الذكر فلها معاني آخر للوحي ، والذي نقول به أن فاطمة الزهراء إنما كانت محدّثة من قبل الملائكة بنحو من أنحاء الوحي الذي بينته الآيات
____________
(1) المائدة : 111 .
(2) الأنفال : 12 .
(3) النحل : 68 .
(4) القصص : 7 .
(5) طه : 38 .
(6) موجز علوم القرآن : 110 .
(7) النساء : 163 .
(8) الشورى : آية 51 .

 

 


الآنفة الذكر ، فلا محالة أن تكون قد حدثت من قبل الملائكة كما دل القرآن على إمكان وقوع ذلك كما حديث مع أم موسى وكيفية إيحاء الله تعالى لها .
وثمة شواهد أخرى تدل على على أنها كانت محدثة من قبل الملائكة ، وهذا ما نجده في المأثور الروائي الذي نقل إلينا عبر الرواة والمحدثون .
فعن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إنّما سمّيت فاطمة محدّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول : يا فاطمة ، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين ، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين (1) . فتحدّثهم ويحدّثونها ، فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا : إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها ، وإنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأولين والآخرين (2) .
وعن عبدالله بن الحسن المؤدّب ، عن أحمد بن علي الاصفهاني ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن اسماعيل بن بشّار قال : حدّثنا عليّ بن جعفر الحضرميّ بمصر منذ ثلاثين سنة قال : حدّثنا سليمان قال : محمد بن أبي بكر لمّا قرأ : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ ) (3) ولا محدّث ، قلت : وهل يحدّث الملائكة إلاّ الأنبياء ؟ قال : إنّ مريم لم تكن نبيّة وكانت محدّثة ، وأمّ موسى بن عمران كانت محدّثة ولم تكن نبيّة ، وساره امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشّروها بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، ولم تكن نبيّة ، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت محدّثة ولم تكن نبيّة (4) .
وجاء في الكتاب القيم ( الغدير الذي يعتبر من أهم الكتب التي ألفت في حق ولاية أهل البيت عليهم السلام ) حول مسألة الأناس المحدثون حيث قال : « أصفقت الامّة الإسلامية على أنّ في هذه كما لدى الامم السابقة اناس محدّثون ـ على صيغة المفعول ـ
____________
(1) إشارة إلى الآية : 42 من سورة آل عمران .
(2) البحار : 43 | 78 .
(3) الحج : 52 .
(4) البحار : 43 | 79 .

 

 


وقد أخبر بذلك النبّي الأعظم كما ورد في الصّحاح والمسانيد من طريق الفريقين الامّة والخاصّة ، والمحدّث من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة ، أو يلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، او ينكت له في قلبه من حقايق تخفى على غيره ، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه . فوجود من هذا شأنه من رجالات هذه الأمّة مطبق عليه بين فرق الإسلام ، بيد أنّ الخلاف في تشخيصه . فالشيعة ترى عليّاً أمير المؤمنين وأولاده الأئمة صلوات الله عليهم من المحدّثين ... »(1) .
وقال رحمة الله : « إنّ في هذه الامّة اناس محدّثون كما كان في الامم الماضية ، وأمير المؤمنين وأولاده الأئمة الطاهرون علماء محدّثون وليسوا بأنبياء . وهذا الوصف ليس من خاصّة منصبهم ولا ينحصر بهم بل كانت الصدّيقة كريمة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم محدّثة ، وسلمان الفارسيّ محدّثاً ، نعم كلّ الأئمّة من العترة الطاهرة محدّثون ، وليس كلّ محدّث بإمام ، ومعنى المحدّث هو العالم بالأشياء بإحدى الطرق الثلاث المفصّلة في الأحاديث . هذا ما عند الشيعة ليس إلا » (2) .
وورد عن العلامة المناوي في ذيل الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حول مسألة تحديث الملائكة مع الناس ما نصه : « قد كان فيما مضى قبلكم من الامم اناس محدّثون » . قال القرطبيّ : الرواية بفتح الدال ، اسم مفعول جمع محدّث بالفتح أي ملهم ، أو صادق الظنّ ، وهو من القي في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى ، أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد ، أو تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ، أو من إذا رأى رأياً أو ظنّ ظنّاً أصاب ، كأنّه حدّث به والقي في روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له . وهذه كرامة بكرم الله بها من شاء من صالح عباده ، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء (3) .
إذن يظهر من الأحاديث والأقوال المأثورة عن الخاصة والعامة أن مسألة تحديث
____________
(1) الغدير : 5 | 42 .
(2) الغدير : 5 | 49 .
(3) فيض القدير : 4 | 507 .

 

 


الملائكة لأناس ليسوا بأنبياء متسالمة وما شذ عنها إلا من يدعي الزور والبهتان ضد الشيعة ، فالأمم الماضية وقع فيها هذا الأمر وهذا ما ظهر لنا من خلال القرآن الكريم حيث آوحى الله إلى الحواريين وإلى الملائكة وإلى النحل وإلى أم موسى ...


مصحف فاطمة


وعلى هذا الأساس كان مصحف فاطمة سلام الله عليها ، هذا المصحف الذي أثاروا عليه الأقويل الباطلة التي ليس لها أي حقيقة وأي برهان سوى أنهم اعتبروا إطلاق هذا المصحف على أنه قرآناً غير القرآن الموجودة حالياً وأنه عند الشيعة يخفونه تقية ، وأمثال هذا الدعاوى الباطلة والتي لا تمت إلى الدين بصلةٍ وكل دليلهم الذي اعتمدوا عليه هو أن لفظ المصحف يطلق على القرآن لذلك قالوا بأن مصحف فاطمة قرآن غير هذا القرآن الكريم المتداول الآن .
أما القول الصحيح في هذا المقام فبعد معرفة أن فاطمة سلام الله عليها كانت محدّثة دون أن تكون نبية وحسب ما ورد من الإستدلال على هذه المسألة ، فإن حديث الملائكة لها كان يكتب من قبل الإمام علي عليه السلام أو من قبل فاطمة نفسها سلام الله عليها وهذا ما يظهر من الأحاديث الآتية ، أما مضمون هذا المصحف وماهيته وكيف نعطي القول الفصل فيه فهذا ما سيتبين من خلال بيان معنى لفظ المصحف ، وماهية مضمون هذا المصحف وما فيه من العلم والأحاديث والأمور الغيبية .
أما لفظ المصحف في صحاح اللغة :
ورد في كتاب لسان العرب : المصحف والمصحف الجامع للصّحف المكتوبة بين الدفتين كأنه أصحف والكسر والفتح فيه لغة .
وفي المصباح المنبر : والصحيفة قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه ... والجمع صحف بضمتين وصحائف ... والمصحف بضم الميم أشهر من كسرها .
وفي أقرب الموارد : المصحف اسم مفعول ... وحقيقتها مجمع الصحف أو ما جمع منها بين دفتي الكتاب المشدود ... وفيه لغتان أخريات وهما المصحف والمصحف جمع

 

 


مصاحف .
إذن يظهر من هذه المعاني التي وردت في صحاح اللغة أن المصحف ما جمعت فيه الصحف وليس كما يدعى أنه قرآن غير هذا القرآن الموجودة .
وهناك شواهد أخرى تثبت هذه الحقيقة حيث ورد في حديث عن الإمام أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنما هو شيء أملاها الله وأوحي إليها . قال : قلت : هذا والله العلم (1) .
إن هذا الحديث يعطي دلالة واضحة على أن مصحف فاطمة سلام الله عليها يختلف اختلافاً كبيراً عن ما موجود في القرآن من جهة مضمونه ، وقد علق العلامة السيد محسن العاملي ( ره ) على هذه المسألة بقوله : « لا يخفى أنه قد تكرر نفي أن يكون فيه شيء من القرآن والظاهر أنه لكون تسميته بمصحف فاطمة يوهم أنه أحد قد نسخ المصاحف الشريفة ، فنفى هذا الإيهام وفي بعض الأحاديث أن فيه وصيتها ، ولعل أحد محتوياته ، ثم إن بعضها دال على أنه من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام » (2) .
وعلق العلامة الخطيب محمد كاظم القزويني ( ره ) على هذه الرواية بقوله : « وليس معناه أن القرآن الموجود بين أيدينا ناقص ، وأن مصحف فاطمة مكمل له ، كلا وألف كلا ، وليس معناه أن الله أنزل على فاطمة عليها السلام قرآناً وكل من ادعى غير هذا فهو إما جاهل أو معاند مفتر كذاب » (3) .
أقول : يظهر من أقوال علماء الشيعة الإمامية وعلى ما ورد في أحاديث أهل البيت أن مسألة مصحف فاطمة قد تسالمت عليه الشيعة ، ويؤمنون به ، ويعتبرونه من المواريث التي تركتها فاطمة سلام الله عليها لابناءها الأئمة المعصومين ، ولا يظهر هذا المصحف إلا بظهور الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه باعتباره الوريث الشرعي لجدته الزهراء سلام الله عليها .
____________
(1) بصائر الدرجات : 156 .
(2) أعيان الشيعة : 1 | 97 .
(3) فاطمة من المهد إلى اللحد : 83 .

 

 

 

مصحف فاطمة في الأحاديث الشريفة


في حديث عن أبي عبدالله عليه السلام : « ومصحف فاطمة ما أزعم أنّ فيه قرآناً وفيه ما يحتاج الناس إلينا ، ولا نحتاج إلى أحد حتّى إنّ فيه الجلده ونصف الجلده وثلث الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش » (1) .
وفي حديث طويل عن أبي عبدالله عليه السلام : « وإنّ عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث ، مرّات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنّما هو شيء أملاها الله وأوى إليها . قال : قلت : هذا والله العالم ... (2) » .
وفي حديث آخر : « وخلّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ، ولكنّه كلام من كلام الله أنزل عليها ، إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطّ علي (3) .
وعن أبي عبدالله عليه السلام ، قيل له : إنّ عبدالله بن الحسن يزعم أنّه ليس عنده من العلم إلا ما عند النس ، فقال : « صدق والله ما عنده من العلم إلا ما عند الناس ، ولكن عندنا والله الجامعة فيها الحلال والحرام ، وعندنا الجفر ، أفيدري عبدالله أمسك بعير أو مسك شاة ؟ وعندنا مصحف فاطمة ، اما والله ما فيه حرف من القرآن ، ولكنّه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطّ علي عليه السلام ، كيف يصنع عبدالله إذا جاء الناس من كلّ فنّ يسألونه ، أما ترضون أن تكونوا يوم القيامة آخذين بحجزتنا ، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا ، ونبيّنا آخذ بحجزة ربّه » ؟ (4) .
وعن حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : « تظهر زنادقة سنة ثمانية وعشرين ومائة ، وذلك لأنّي نظرت في مصحف فاطمة . قال : فقلت : وما مصحف فاطمة ؟ فقال : إنّ الله تبارك وتعالى لمّا قبض نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم دخل على فاطمة من وفاته
____________
3 ـ 9 ـ راجع بصائر الدرجات : 151 ـ 161 .
(2) بصائر الدرجات : 151 ـ 161 .
(3) نفس المصدر السابق .
(4) نفس المصدر السابق .

 

 


من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ ، فأرسل اليها ملكاً يسلّي عنها غمّها ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال لها : إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي . فأعلمته ، فجعل يكتب كلّ ما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفاً . قال : ثم قال : أما إنّه ليس الحلال والحرام ، ولكن فيه علم ما يكون » (1) .
وفي حديث آخر قال له الراوي : فمصحف فاطمة ؟ فسكت طويلاً ثمّ قال : « إنّكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون ، إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيّب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ونكانه ، ويخبرها (2) .
وعن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عليها السلام عن مصحف فاطمة ، فقال : « أنزل عليها بعد موت أبيها . قلت : ففيه شيء من القرآن ؟ فقال : ما فيه شيء من القرآن . قلت فصفه لي ، قال : له دفّتان من زبرجدتين على طول الورق ، وعرضه حمراوين . قلت : جعلت فداك فصف لي ورقه ، قال : وروقه من درّ أبيض ، قيل له : كن فكان . قلت : جعلت فداك فما فيه ؟ قال : في خبر ما كان وخبر ما يكون إلى يوم القيامة ، وفيه خبر سماءٍ سماءٍ ، وعدد ما في السموات من الملائكة ، وغير ذلك ، وعدد كلّ م خلق الله مرسلاً وغير مرسل وأسماؤهم ، وأسماء من أرسل إليهم ، وأسماء من كذّب ومن أجاب ، وأسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين من الأولّين والآخرين ، وأسماء البلدان ، وصفة كلّ بلد في شرق الأرض وغربها ، وعدد ما فيها من المؤمنين ، وعدد ما فيها من الكافرين ، وصفة كلّ من كذّب ، وصفة القرون الاولى وقصصهم ، ومن ولي من الطواغيت ومدّة ملكهم وعددهم . وأسماء الأئمّة وصفتهم ، وما يملك كلّ واحدٍ واحدٍ ، وصفة كبرائهم ، وجميع من ترددّ في الأدوار .
قلت : جعلت فداك وكم الأدوار ؟ قال : خمسون ألف عام . وهي سبعة أدوار ، فيه
____________
(1) البحار : 43 | 80 .
(2) البحار : 43 | 80 .

أسماء جميع ما خلق الله وآجالهم ، وصفة أهل الجنّة ، وعدد من يدخلها ، وعدد من يدخل النار ، وأسماء هؤلاء وهؤلاء ، وفيه علم القرآن كما أنزل ، وعلم التوراة كما انزلت ، وعلم الإنجيل كما انزل كما انزل ، وعلم الزبور ، وعدد كلّ شجرة ومدرة في جميع البلاد » .
قال أبو جعفر عليه السلام : « ولمّا أراد الله تعالى أن ينزل عليها جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوه فينزلون به عليها ، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل ، فهبطوا به وهي قائمة تصلّي ، فما زالوا قيّاماً حتّى قعدت ، ولمّا فرغت من صلاتها سلّموا عليها وقالوا : السلام يقرئك السلام ؛ ووضعوا المصحف في حجرها ، فقالت : لله السلام ومنه السلام وإليه السلام وعليكم يا رسل الله السلام ، ثمّ عرجوا إلى السماء . فما زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرأه حتّى أتت على آخره . ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجنّ والإنس ، والطير والوحش ، والأنبياء والملائكة » .
قلت : جعلت فداك فلمن صار ذلك المصحف بعد مضيّها ؟ قال : « دفعته إل أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا مضى صار إلى الحسن ثم إلى الحسين عليهما السلام ، ثم عند أهله حتّى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر . فقلت : إنّ هذا العلم كثير ! قال : يا أبا محمد ، إنّ هذا الذي وصفته لك لفي ورقتين من أوّله ، وما وصفت لك بعد ما في الورقة الثانية ولا تكلّمت بحرف منه » (1) .
وختاماً للبحث حول اسم المحدثة نذكر ما قاله العلامة الهمداني تعليقاً حول الروايات الواردة في هذا المقام حيث قال تحت عنوان فائدتان : إنّ ما يستفاد من هذا الأخبار في شأن مصحف فاطمة سلام الله عليها في وجوه مختلفة :
منها : ما يدلّ على أنّ الله تعالى أرسل ملكاً أو يأتيها جبرئيل بعد قبض نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم يحدّها عليه السلام ويكتب عليّ عليه السلام ، كما في الحديث الأوّل والثاني من البحار .
ومنها : ما يدلّ على أنّ مصحف فاطمة عليه السلام كان موجوداً في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما
____________
(1) دلائل الإمامة للطبري : 27 ـ 28 .

 

 


لاحظت في حديث « البصائر » بقوله عليه السلام : ولكنّه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطً عليّ عليه السلام .
ومنها : ما يدلّ على أنّ الله عزّ وجلّ أوحى إليها كا لاحظت في الحديث الثالث من « البصائر » بقوله عليه السلام : « إنّما هو شيء أملاها الله وأوحى إليها » . ويستفاد أيضاً أنّ مصحفها سلام الله عليها يشتمل على جميع الأحكام الشرعيّة من نصف الجلدة أو جلدة واحدة حتى أرش الخدش ، وأنّ فيه أسماء جميع الناس والكائنات جميعها من الشجر والمدر وغير ذلك كما في حديث « دلائل الإمامة » ، وفيه ذكر الحوادث المهمّة إلى يوم القيامة . ويستفاد أيضاً أنّ من مصادر علوم أهل البيت عليهم السلام وكانوا يرجعون إليه (1) .


9 ـ الزهراء


وهو من أشهر أسماءها وأشهرها شيوعاً عند الشيعة ، فنراهم كثيراً ما يسمون أسماء مواليدهم من الاناث بهذا الاسم المبارك اضافة إلى اسمها فاطمة ، وقد تقدم بنا الحديث في كيفية تطابق الإسم على المسمى وبيان فلسفته ، وكذلك الحال في هذا المقام ، ففاطمة سلام الله عليها سميت بهذا الإسم ( زهراء ) لأن نورها الذي زهرت به السموات والأرض ولم يأت هذا الإسم اعتباطاً وإنما جاء ليعبر عن طبيعة ذاتها ، فنجد ومن خلال مطابقة الكثير من الروايات التي تروي مبدء نور فاطمة وخلقته ان لها نوراً يسطع من جبينها ومن وجهها المتلألىء بنور الله تعالى والذي كان من شأنه أن زهرت به السموات والأرض كرامةً من الله تعالى لها ولمقامها السامي عنده ، أما بيان هذا الاسم فانه لا يحتاج إلى كثير تأمل وخاصة بالنسبة للمطلع على الأسماء العربية ، فانها بسيطة ومفهومةً عندما تطرق الأذهان ، ومع ذلك نقف مع هذه الروايات التي تبين علة تسميتها الزهراء ففي حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال :
____________
(1) فاطمة بهجة قلب المصطفى : ص 176 .

 

 


« ثم أظلمت المشارق والمغرب ، فشكت الملائكة إلى الله تعالى أن يكشف عنهم تلك الظلمة ، فتكّلم الله جلّ جلاله كلمة فخلق منها روحاً ، ثمّ تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً ، فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها مقام العرش ، فزهرت المشارق والمغارب فهي فاطمة الزهراء ، ولذلك سمّيت « الزهراء » لأنّ نورها زهرت بن السموات (1) » ، الحديث .
وعن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : يا ابن رسول الله ، لم سمّيت الزهراء « زهراء » ؟ فقال : « لأنّها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرّات بالنور ، كان يزهر نور وجهها الغداة والناس في فراشهم ، فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة ، فتبيض حيطانهم ، فيعجبون من ذلك ، فيأتون النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيسألونه عمّا رأوا ، فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي والنور يسطع من محرابها من وجهها ، فيعلون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة ، فإذا انتصف النهار وترتّبت للصلاة ، زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة فتدخل الصفرة في حجرات الناس ، فتصرّ ثيابهم وألوانهم ، فيأتون النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيسألونه عمّا رأوا ، فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة ، فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجهها ، فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس ، أحمّ وجه فاطمة ، فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً لله عزّ وجلّ ، فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمرّ حيطانهم ، فيعجبون من ذلك ويأتون فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس ، احمرّ وجه فاطمة ، فاشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً الله عزّ وجلّ ، فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمرّ حيطانهم ، فيعجبون من ذلك ويأتون النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ويسألونه عن ذلك ، فيرسلهم إلى منزل فاطمة ، فيرونها جالسة تسبّح وتمجّده ونور وجهها يزهر بالحمرة ، فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها السلام ، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتّى ولد
____________
(1) البحار : 40 | 44 ، ارشاد القلوب ، 403 ، الفضائل لابن شاذان : 172 .

 

 


الحسين عليه السلام ، فهو يتقلّب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منّا أهل البيت إمام بعد إمام » (1) .
وعن أبي هاشم العسكري قال : سألت صاحب العسكر عليه السلام : لم سمّيت فاطمة « الزهراء » عليه السلام ؟ فقال : « كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين عليه السلام من أوّل النهار كالشمس الضاحية ، وعند الزوال كالقمر المنير ، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّيً » (2) .
وعن الحسن بن يزيد قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : لم سمّيت فاطمة « الزهراء » ؟ قال : « لأنّ لها في الجنّة قبّة من ياقوت حمراء ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة . معلّقة بقدرة الجبّار ، لا علاقة لها من فوقها فتمسكها ، ولا دعامة لها من تحتها فتلزمها ، لها مائة آلف باب ، على كلّ باب بألف من الملائكة ، يراها أهل الجنة كما يرى أحدكم الكوكب الدرّيً الزاهر في افق السماء ، فيقولون : هذه الزهراء لفاطمة » (3) .
وعن ابن عمارة ، عن أبيه قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن فاطمة لم سمّيت « زهراء » ؟ فقال : « لأنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض » (4) .
وعن جابر ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت : لم سمّيت فاطمة الزهراء زهراء ؟ فقال : « لأنّ الله عزّ وجلّ خلقها من نور عظمته ، فلمّا أشرقت أضاءت السموات والأرض بنورها ، و غشيت أبصار الملائكة ، وخرّت الملائكة لله ساجدين ، وقالوا : إلهنا وسيّدنا ، ما هذا النور ؟ فأوحى الله إليهم : هذا نور من نوري ، وأسكنته في سمائي ، خلقته من عظمتي ، اخرجه من صلب نبيّ من أنبيائي ، افضّله على جميع الأنبياء ، واخرج من ذلك النور أئمّة يقومون بأمري ، ويهدون إلى حقّي ، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي » (5) .
____________
(1) البحار : 43 | 11 ح 2 ، علل الشرائع 1 | 180 ح 2 .
(2) البحار : 43 | 16 ، المناقب : 3 | 110 .
(3) البحار : 43 | 16 ، المناقب : 3 | 111 .
(4) معاني الأخبار : 64 ح 15 ، دلائل الإمامة : 54 .
(5) البحار : 43 | 12 .

 

 


وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « لمّا خلق الله آدم وحوّاء تبخترا في الجنّة ، فقال آدم لحوّاء : ما خلق الله خلقاً هو أحسن منّا . فأوحى الله إلى جبرئيل عليه السلام : ائت بعبديّ الفردوس الأعلى . فلمّا دخلا الفردوس نظرا إلى جارية على درنوك من درانيك الجنّة ، وعلى رأسها تاج من نور ، وفي أذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من حسن وجهها ، فقال آدم : حبيبي جبرئيل ! من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها ؟ فقال : هذه فاطمة بنت محمد نبيّ من ولدك يكون في آخر الزمان ، قال : فما هذا التاج الذي على رأسها ؟ قال : يعلها عليّ بن أبي طالب عليه اسلام ... قال : فما القرطان اللذان في اذنيها ؟ قال : ولداها الحسن والحسين . قال آدم : حبيبي جبرئيل ! خلقوا قبلي ؟ قال : هم موجودون في غامض علم الله قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة » (1) .

فـي الدّرّ كـوّنها البــاري وصــوّرها

*

من قبل إيجاد خـلق اللـوح والقـــلم

وتــوّجت تــاج نــور حــوله درر

*

يضي كالشمس أو كالنجم فـــي الظلم

لله اشــباح نــور طــالما سكــنوا

*

ســرّ الغـيوب فسـادوا سـائر الامـم

قال العلامة المقرّم : اشتهرت الصدّيقة بالزهراء لجمال هيئتها والنور الساطع في غرّتها ، حتّى إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر الكوكب لأهل الارض ، وإن حضرت للإستهلال أوّل الشهر لا يرى نور الهلال لغلبة نور وجهها على ضيائه (2) ...
وعن سلمان الفارسّي ( ره ) مرفوعاً قال : كنت جالساً عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد إذا دخل العبّاس بن عبد المطّلب ، فسلّم ، فردّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ورحّب به ، فقال : يا رسول الله بما فضّل الله علينا أهل البيت عليّ بن أبي طالب والمعادن واحدة ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « إذن أخبرك يا عمّ ، إنّ الله خلقني وخلق عليّاً ولا سماء ولا أرض ولا جنّة ولا نار ولا لوح ولا قلم . فلمّاً أراد الله عزّ وجلّ بدو خلقنا تكلمّ بكلمة فكانت نوراً ، ثمّ تكلمّ بكلمة ثانية فكانت روحاً ، فمزج فيما بينهما واعتدلا ، فخلقني وعليّاً منهما .
____________
(1) البحار : 43 | 52 .
(2) وفاة الزهراء : 15 .

 

 


ثمّ فتق من نوري نور العرش ، فأنا أجلّ من العرش . ثمّ فتق من نور عليّ نور السماوات ، فعليّ أجلّ من السماوات . ثمّ فتق من نور الحسن نرو الشمس ، ومن نور الحسين نور القمر ، فهما أجلّ من الشمس والقمر . وكانت الملائكة تسبّح الله تعالى وتقول في تسبيحها : « سبّوح قدّوس من أنوارها ما أكرمها على الله تعالى » ! فلمّا أراد الله تعالى أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة ، وكانت الملائكة لا تنظر أوّلها من آخرها ولا آخرها من أوّلها ، فقالت الملائكة ، إلهنا وسيّدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه ، فنسألك بحقّ هذه الأنوار إلا ما كشفت عنّا . فقال الله عزّ وجلّ : وعزّتي وجلالي لأفعلنّ ؛ فخلق نور فاطمة الزهراء عليها السلام يومئذ كالقنديل ، وعلّقه في قرط العرش ، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع ، من أجل ذلك سمّيت فاطمة « الزهراء » . وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه ، فقال الله : وعزّتي وجلالي ، لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبّي هذه المرأة وأبيها ... » .
إذن قد تبين من هذه الأخبار والأحاديث الشريفة الوجه من تسميتها بالزهراء فتارة لأشراق نورها للإمام علي عليه السلام وأخرى لأن الأرض والسموات العلى زهرت من نورها ، وتارة أخرى نتيجة عبادتها ودخول نورها إلى بيوتات المدينة وإشعاع هذا النور على جميع الناس آنذاك .

خجلاً من نـور بـهجتها

*

تتوارى الشمس بالشفق

وحــياءً مـن شـمائلها

*

يتغطى الغصن بـالورق


10 ـ البتول


جرت عادة الباحثين والكاتبين حول حياة السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها عند التعرض لاسمها المبارك ( البتول ) البحث حول قانون العلية والمعلولية كقانون وسنة ربانية جعلها البارىء عزوجل منذ الخلقة الاولى ، فنجد أنه لا يوجد معلول دو علة مؤثرة فيه أو لا توجد أسباب إلا ولها مسبب حقيقي ، وبعبارة أخرى لا

 

 


يوجد أي شيء دون أن تكون له علة مؤثرة فيه ، وعلى هذا الأساس نجد أن الكثير قد طعنوا في اسمها الذي نحن بصدد الوقوف معه في هذه الصفحات حيث يقتضي اسم البتول مخالفة قانون العلية كل ذلك لما لهذا الإسم ( البتول ) من معنى مؤثر وفاعل على طبيعة الحياة البشرية ، ولو أن هؤلاء الذين وقفوا موقف التعنت لهذه الكرامة ولهذا المقام السامي وتأملوا في مراجعة القوانين الكونية والسنن الإلهية لوجدوا أن هناك الكثير من هذه القوانين قد خرقت وبتأييد من الله تعالى وهذا ما نجده من خلال مراجعة القرآن الكريم باعتباره المصدر الأول للتشريع الإسلامي ولقضايا المهمة التي ربما لا يوجد لها حل ( ونزلنا القرآن تبياناً لكل شيء ) أي لا يوجد شيء من الامور التي تعرض لنا في الحياة إلا وله أساس ومعرفة وبيان من القرآن الكريم ، أما من الذي يستطيع إدراك هذا البيان ومعرفته المعرفة الحقة فهذا ما نراه واضحاً بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من بعده : ثم من بعد ذلك نرجع إلى الذين أوصى بهم الأئمة بالعودة اليهم بعد غيبة القائم عجل الله تعالى فرجه « وأما الحوادث الواقعة في زمن الغيبة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم ) ، إذن لا بد بالنتيجة النهائية أن نرجع إلى القرآن الكريم ونرى هل ان هناك قوانين شذ عنها الكثير من الناس وحسب ما ارتضاه تبارك وتعالى ؟
( نعم ) بهذا القول سوف يجيبنا القرآن الكريم فثمة هناك شواهد واضحة البرهان جلية البيان ، صريحة في معناها متقدة في مغزاها أثبتت من خلال واقعيتها مدى صحة مدركيتها فهذه النار التي جعلت لإبراهيم عليه السلام برداً وسلاماً وخالفت قوانين الطبيعة في سلوكها وخاصيتها المحرقة وهذه شجرة من يقطين أنبتت ليونس عليه السلام بعد أن نبذه الحوت بالعراء وهو سقيم ، مع العلم بأن حبة اليقطين تحتاج إلى مدة غير قصيرة ، حتى تثبت وتورق وتستر بورقها جسم إنسان أو غير إنسان ، وهكذا نجد في شذوذ الكثير من المسائل عن القوانين والسنن الإلهية ، فهذه مريم مخالفة في ولادة عيسى عليه السلام من غير أب مسألة قانون التناسل البشري الطبيعي ، وكذلك هناك طوائف عديدة وأمثلة واضحة تدل دلالة صريحة على أنه هناك الكثير من القوانين قد خرقت بقدرة الله تعالى باعتباره هو مسبب الأسباب الطبيعي بل هو الجاعل لهذه السنن القدرة بهذه

 

 


الكيفية كل هذا المقال الذي قلنا به وبيّنا الشيء اليسير منه لكي نرجع إلى قضية فاطمة سلام الله عليها في كونها بتول منقطعة عن الحيض ، فهل هذا اخلاف وتغير في قانون الطبيعة أم هي كرامة من الله تعالى لها ؟
وهل لهذه مسألة وجه يخرج عنه المتحير فكره إلى الصحيح من البيان ؟ نعم نقول في فاطمة عليها السلام كانت بتول بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وسبق أن قلنا أن هذه المسألة لم تكم الفريدة من نوعها ، بل توجد شواهد قرآنية عليها ومن خلال أبسط استقراء للقرآن الكريم نرى هذا الشيء الواضح .
أما بيان البتول والوقوف عليها ، وبيان الوجه في ذلك فهذا ما سيظهر لنا من خلال مراجعة كتب اللغة والحديث والتاريخ لنرى كيف كانت فاطمة سلام الله عليها بتول بكل ما تحمل هذه الكلمة من مدلولات واضحة .
أما بيان معنى هذه الكلمة من خلال مراجعة كتب اللغة فيظهر من خلال هذه الكتب أنه سئل أحمد بن يحيى عن فاطمة رضوا الله عليها بنت سيدّنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لم قيل لها : البتول ؟ فقال : لا نقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الامّة عفافاً وفضلاً وديناً وحسباً . وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى الله عزّ وجلّ ... وقيل : تبتيل خلقها انفراد كلّ شيء عنها بحسنه لا يتّكل بعضه على بعض . قال ابن الأعرابيّ : المبتّلة من النساء : الحسنة الخلق ، لا يقصر شيء عن شيء لا تكون حسنة العين سمجة الأنف ، ولا حسنة الأنف سمجة العين ، ولكن تكون تامّة (1) .
وقال ابن الأثير : وامرأة بتول : منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم : وبها سمّيت مريم أمّ المسيح عليهما السلام . وسمّيت فاطمة « البتول » لا نقطاعها من نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً . وقيل : لا نقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى (2) .
وقال الطريحي : والبتول فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قيل : سمّيت بذلك لانقطاعها إلى الله وعن نساء زمانها فضلاً ، وعن نساء الامّة فضلاً وحسباً وديناً (3) .
____________
(1) لسان العرب : مادة بتل .
(2) النهاية : مادة بتل .
(3) مجمع البحرين : مادة بتل .

 

 


وورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : « سمّيت فاطمة بتولاً لأنّها تبتّلت وتقطّعت عمّا هو معتاد العورات في كلّ شهر ، ولأنّها ترجع كلّ ليلة بكراً . وسمّيت مريم بتولاً لأنّها ولدت عيسى بكراً » (1) .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : « وإنّما سمّيت فاطمة « البتول » لأنّها تبتّلت من الحيض والنفاس ... » (2) .
وعن عليّ عليه السلام قال : « إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل : ما البتول ؟ فإنّا سمعناك يا رسول الله تقول : إنّ مريم بتول ، وفاطمة بتول ؟ فقال : البتول التي لن تر حمرةً قطّ ، أي لم تحض ، فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء » (3) .
وعن عائشة قال : إذا اقبلت فاطمة كانت مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت لا تحيض قطّ ، لأنّها خلقت من تفّاحة الجنّة ، ولقد وضعت الحسن بعد العصر ، وطهرت من نفاسها ، فاغتسلت وصلّت المغرب (4) ...
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ ابنتي فاطمة حوراء ، إذ لم تحض ولم تطمث » (5) .
وروى الحافظ أبو بكر الشافعي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إبنتي حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث ... » (6) ... الخ .
وروى ابن عساكر عن أنس بن مالك عن ام سليم قالت : لم تر فاطمة ( رضي الله عنها ) دماً في حيض ولا في نفاس (7) .
وروى الطبري عن أسماء بنت عميس قالت : قبلت : ( أي ولدت ) فاطمة بالحسن فلم أر لها في حيض ولا نفاس ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « أما علمت أن ابنتي طاهرة ، لا يرى لها دم في طمث ولا ولادة » (8) .
____________
(1) احقاق الحق : 10 | 25 ، المناقب المرتضوية 119 .
(2) ينابيع المودة : 260 .
(3) معاني الأخبار : 64 .
(4) أخبار الدول : 87 ، احقاق الحق : 10 | 244 .
(5) ذخائر العقبى : 26 .
(6) تاريخ بغداد : 3 | 331 .
(7) التاريخ الكبير لابن عساكر : 1 | 391 .
(8) نزهة المجالس : 227 .

 

 


وعن أبي عبدالله عليه السلام قال : حرّم الله النساء على عليّ ما دامت فاطمة حيّة ، لأنها طاهرة لا تحيض » (1) .
وفي كتاب « مولد فاطمة عليها السلام » لابن بابويه ، يرفعه إلى أسماء بنت عميس قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد كنت شهدت فاطمة إنّ فاطمة خلقت حوريّة في صورة إنسيّة (2) .
وعن أبي جعفر عليه السلام ، عن آبائه : قال : « إنّما سمّيت فاطمة بنت محمّد « الطاهرة » لطهارتها من كلّ دنس ، وطهارتها من كلّ رفث ، وما رأت قطّ يوماً حمرةً ولا نفاساً » (3) .
أقول : يظهر من التأمل في كلمات أصحاب الصحاح من أهل اللغة والبيان أنهم حملوا معنى الانقطاع بالنسبة للفظ البتول محملاً جيداً وفسروه بأنه انقطاع عن نساء زمان فاطمة سلام الله عليها من ناحية العفة والفضل والدين والحسب ، وكذلك حملوه على الزهد عن الدنيا وانقطاعها سلام الله عليها عن الدنيا وهذه المعاني التي حملوا اسم البتول عليها وان كانت جيدة ومفيدة وواضح من خلال السليقة العربية ومفاهيمها إلا واقع الحال والمقام لا يساعد على هذا الحمل ولا يظهر فيه نتيجة وجود مرجحات وشواهد وقرائن واضحة لمن أراد استقصاءها في معنى اسم البتول ، وخير شاهد على هذه القرائن هو ما قدمناه من الروايات الواردة في المقام من الخاصة والعامة ، فهي أفضل دليل على أن المراد من كلمة واسم البتول هو ما أطلقت وبينت الروايات الشريفة ، فالمقول الذي نقول به ونرجحه على كلمات أهل اللغة في معنى البتول في انه هذا الاسم ظاهر في التي لم تر حمرة قط ولم تحض أبداً وهو الذي يساعد عليه المقام فتأمل في هذه الروايات المباركة .
أما ما يظهر من كلمات بعض الذين وقفوا موقف المتحير ولا يجد أي طريق لحل هذه المعضلة والتي حسب آرائهم انها مخالفة لنظام العلل والمعاليل والأسباب ، وان
____________
(1) البحار : 43 | 16 .
(2) البحار : 43 ، ص 7 .
(3) البحار : 43 | 19 .

 

 


قصية أن فاطمة سلام الله عليها لا ترى الدم ولا الحيض وأمثال هذه القذارة ، فحسب قولهم انها مخالفة لحديث الإمام الصادق عليه السلام حيث قال : « أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسبابها فجعل لكل شيء سبباً » وذلك من جهة خروجها عن هذا النظام الأكمل في الطبيعة فنقول : قد تبين الحال من خلال مراجعة القرآن الكريم وان الكثير من الشواهد القرآنية تدل دلالة قطعية على أن الله تعالى قد تصرف في ملكه وقهر الكثير من القواعد المطردة في الطبيعة الكونية « ذلت لقدرتك الصعاب وتسببت بلطفك الأسباب » « ويا مسبب الأسباب من غير سبب » .
وقد علق المحقق الهمداني (1) على هذه المسألة ببيان واضح ذو فائدة جلية ومضامين عالية وغير مخالفة لما هو الأساس من هذه المسألة حيث قال :
توجد في القرآن الكريم طائفة من القصص والوقائع والحوادث لا يساعد عليها جريان العادة المشهورة في عالم الطبيعة على نظام العلّة والمعلول المعهودة ، كحمل مريم سلام الله عليها ، فإنّها مع أنّه لم تمسسها بشر حملت بولدها عيسى عليه السلام ، وكحمل سارة بإسحاق عليه السلام مع أنّها كانت عجوزاً ، وكحمل امرأة زكريّا بيحيى مع أنّها كانت عاقراً ، وأمثال ذلك في العجزات وخوارق العادات التي يثبتها القرآن لعدّة من الأنبياء الكرام كمعجزات نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام ، فإنّ كلّ ذلك امور خارقة للعادة .
فبعد هذا البيان يظهر للقارئ الكريم بطلان ما يقال : إنّ الحيض في النساء من لوازم الخلقة ، فخلوّ المرأة عنه نقص ، وإنّ العادة الشهريّة علامة وسبب للولادة ؛ لأنّا نقول : ليس الخروج من مضايق الطبيعة نقصاً بل ربما يكون كرامة يا لها من كرامة ! على أنّ الحيض بنفسه قذارة ورجس ، كما قال الله عزّ وجلّ ( قل هو أذىً ) أي قذارة يتأذّى منها ، فإنّ المرأة حين حدثت لها العادة الشهريّة تنفعل وتخجل وتنكسر ولا ترضى أن تصرّح بها لكلّ أحد وإن كان أمسّ الناس إليها من الرجال والنساء ، وقد تحدث فيها ضعف ، ومن ذلك سقطت عنها في هذه الأيّام الصلاة والصوم ، وحرم عليها اللبث في
____________
(1) فاطمة بهجة قلب المصطفى : 160 ـ 161 .

 

 


المساجد ، وغير ذلك من الأحكام المذكورة في كتب الفقه ، حتّى حين حاضت صارت ناقصة الإيمان كما نبّه عليه الإمام عليّ عليه السلام بقوله : « فأمّا نقصان إيمانهنّ فقعودهنّ عن الصلاة والصيام في أيّام حيضهنّ » (1) .
فعل هذا : إنّ الل عزّ وجلّ تفضّل على سيّدة النساء فاطمة البتول العذراء سلام الله علهيا بالولادة الكاملة من دون رؤية هذه القذارة . وهذا فضيلة سامية لها ، وتطهير زائد في ذاتها سلام الله عليها . وإنّ الله عزّ وجلّ لا يرضى أن تتلوث سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين بهذه القذارة أو غيرها ظاهرة كانت أو باطنة ، كما قال في حقّها : ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) ؛ وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : يا حميراء إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميّين لا تعتلّ كما يعتللن (2) .
____________
(1) نهج البلاغة : خطبة 78 .
(2) البحار : 43 | 16 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

معالم المدينة الفاضلة في عصر الظهور
ذكرى استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) هل هي ...
ما هي العصمة
دموع الحسين ودموعنا....
دعاء النور لدفع الحمى
أهل البيت القدوة الصالحة والنموذج الأمثل
أصل يوم العذاب في ظلامات فاطمة عليها السلام
اختلاف المسلمين عن اليهود والنصارى في هوية ...
فاطمة عليها السلام وحديث الكساء الشريف
شروط وآثار حبّ آل البيت

 
user comment