عربي
Monday 22nd of July 2024
0
نفر 0

الأخلاق الجاذبة الفعّالة

قال المولى سبحانه وتعالى واصفًا وناعتًا نبيّه الأعظم (ص): {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. (القلم:4)
لا شكّ أنّ المولى سبحانه عندما يذكر هذه الصفة يريد لنا أنْ نتوقّف معها، وأنْ نعطيها مساحة من التأمّل، والتفكّر المتريث، والمتفحص لحيثياتها.
وهنا المولى في هذه الآية قد ذكر الوصف وهو الخلق، وقد ذكر الموصوف وهو النّبيّ الأكرم (ص)، وقد نعت اتصافه بها بالعُظم.
فالأخلاق وما تمثّل، وتجربة الرسالة متمثّلة في النّبيّ محمد (ص) عندما مارست الأخلاق في كلّ جنباتها ما الذي حصل؟!
يقول المولى سبحانه في موضع آخر: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}. (آل عمران:159)

الأخلاق وسلامة المنطق

بالمقابلة بين هذه الآية وسابقتها تعرف أنّ الأخلاق التي كانت تتحرّك مع الرّسالة في كلّ الجنبات، ومراحل الدعوة قد كانت عنصرًا وعاملاً مؤثّرًا في الدعوة المحمديّة إلى درجة أنّ أخلاق محمد (ص) كفت في أسلمة دول وقبائل عديدة، وما زالت لا تكفي بذلك؟!
فقد لا يكفي أنْ يمتلك الإنسان سلامة المنطق، أو حقانيّة الموقف، بل لا بدّ من أن يمتلك إلى جانب ذَين أخلاقًا عالية تمكّنه من النفاذ عبر بوابة القلب إلى مقرّ العقل، فحسن الخلق يعد الجاذبيّة الأكثر فعالية.
والتعبير القرآني يشهد بوضوح لهذا المعنى، حينما قال المولى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا... لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.

الأخلاق جاذبة وسوؤها مبعّد

علاقة التجاذب (بين حسن الأخلاق وانجذاب الناس)، (وبين سوء الخلق وابتعاد الناس) هي التي ينبّه عليها القرآن الكريم، وأهل بيت العصمة (ع)، حيث ورد عن الأمير (ع): \"سوء الخلق يوحش النفس، ويرفع الأنس\". (جامع أحايث الشيعة13/412، السيد البروجردي، سنة الطبعة 1407هـ، منشورات مدينة العلم (آية الله العظمى الخوئي)، قم – إيران)
فعندما تتجمّع كلّ الخصال والأخلاق البشعة كـ(الغضب، والكذب، والسباب، والتّكبّر، وغيرها)، فإنّ النفس تصبح بشعة بالتبع وبشكل \"أتوماتيكي\"، ولا تعتقد أنّ النفس التي تمتلئ استبشاعًا وقباحة تخفى على الناس، بل ستجد نفسك دومًا في حالة وحشة وظلمة، وسترتفع حالة الأنس بوجودك عندما تلتقي مع الآخرين؛ لتجد الآخر يفرّ منك كلّما اقتربت منه، وتجد القريب الذي لا يمتلك الفرار يستوحش بوجودك، ويسأل الله أنْ يخلّصه من الثقل الجاثم على قلبه.
يقول الإمام عليّ (ع) في هذا الخصوص: \"سوء الخلق يوحش القريب وينفّر البعيد\". (جامع أحايث الشيعة13/512، السيد البروجردي، سنة الطبعة 1407هـ، منشورات مدينة العلم (آية الله العظمى الخوئي)، قم – إيران)
فسوء الخلق أثرها على النفس أولاً من خلال الكآبة، والحزن، والشعور بالوحدة، وأثرها مع الآخرين من خلال نفور الناس منك، وافتقاد وجودك لأيّ أنس ومحبّة، بل يكون وجودًا موحشًا مُسئمًا، بخلاف ما لو اجتمعت مثل صفة الحلم، والصدق، وسلامة اللسان، والتواضع وأمثالها، فإنّ هذه الصفات لها سحر، وتأثيرات عجيبة إذا ما مورست في إطارها الصحيح والسليم.
فعن أمير المؤمنين (ع): \"ثلاث يوجبن المحبّة: حسن الخلق، وحسن الرفق، والتواضع\" (ميزان الحكمة1/496، محمد الريشهري، الطبعة الأولى، تحقيق وطبع ونشر: دار الحديث)، وعنه أيضًا (ع): \"مَن حَسن خلقه كثر محبّوه، وأنست النفوس به\" (ميزان الحكمة1/805، محمد الريشهري، الطبعة الأولى، تحقيق وطبع ونشر: دار الحديث).
فالباب الذي يمكن أنْ تدخل منه إلى كيان الإنسان هو باب القلب، وباب القلب موصد لا يفتحه إلا حسن الخلق، فالأخلاق التي دعا إليها الإسلام تمثّل مفاتيح القلوب، والمحبة.

الدعوة للأخلاق

الدعوة للأخلاق في الإسلام احتلت مساحة كبيرة جدًّا، ونجدها وافرة على ألسنة بيت العصمة (ع) في التعبير بمثل هذا المضمون: \"عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه\"(بحار الأنوار68/392، العلامة المجلسي، تحقيق: السيد إبراهيم الميانجي، محمد باقر البهبودي، الطبعة الثالثة المصححة 1403هـ- 1983م، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان)، و\"ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن\"(بحار الأنوار68/383، العلامة المجلسي، تحقيق: السيد إبراهيم الميانجي، ومحمد باقر البهبودي، الطبعة الثالثة المصححة 1403هـ- 1983م، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان)، وهو يعبّر عن عظم منزلة الأخلاق، كما وأنّ دعوات العلماء، والشرائح المثقّفة، وكلّ المهتمين بتنمية المجتمع تتقاطع مع هذا الحثّ الإسلاميّ الصريح.
وبالنظر إلى الواقع الخارجيّ في فروعه المختلفة يبرز همٌّ كبير يقضّ مضاجع العلاقات الاجتماعيّة خصوصًا التي انحرفت عن مسارها الصحيح في كلّ أبعادها، ودوائرها سواء الصغيرة والتي تبدأ بالأسرة، أو الكبيرة والتي تنتهي بالمجتمع.
ويعود السبب في الانحراف عن الجادّة الصحيحة إلى تكاثر الصور المستبشعة، والموحشة التي تمتلئ بكلّ ما هو قبيح وسقيم، وقلّة الصور الجميلة والحسنة في واقع حياة اليوم.
فنحن إذًا بحاجة إلى تصحيح المسار؛ لنتسامى ويتسامى مجتمعنا من خلال إرجاع العزّ لأخلاقنا، ومحاولة تكثير الصور والنفوس الحسنة التي تفوح زكاة وعطرًا فوّاحًا صدقًا وتواضعًا وحلمًا...، فبها يسعد الإنسان دُنيًا وأخرى.
وقد ورد عن رسول الله (ص): \"رجلان آمنا، وهاجرا، ودخلا الجنّة جميعًا، فرفع أحدهما على صاحبه كما ترى الثريا، فقال: بماذا فضّلته عليّ يا رب؟، قال: إنّه كان أحسن منك خلقًا\".(روضة الواعظين، ص378، النيسابوري، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، قم - إيران)

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أولاد السيدة زينب (ع)
اضاءات هادية من كلمات فاطمة الزهراء عليها ...
صبر يوسف (عليه السّلام)
النفخ في الصور
الأخلاق الجاذبة الفعّالة
تفسير الاحلام عند سيد الانام
أهداف القرآن في التبليغ
زيارة وزوار الامام الحسين (عليه السلام) في ...
من معاجز أمير المؤمنين عليه السّلام
دم الإمام الشهيد

 
user comment