عربي
Saturday 11th of May 2024
0
نفر 0

إبراهيم وقومه والتوحيد

(وإذ قالَ إبراهيمُ لأبيهِ وَقَومهِ إنّني برآءٌ ممّا تَعبُدُون(26) إلا الذي فَطَرني فإنَّهُ سيهدين(27) وَجعَلَها كلمةً باقيةً في عقِبهِ لَعَلَّهم يَرجعونَ(28)).
الآيات الثلاث تتحدث عن صلابة العقيدة، ورسوخ أصالتها في نفس إبراهيم(ع) فيما إقتص الله من خبره مع أبيه وقومه، وفيها لمح إشاري إلى أن قريش وهي من ذرية إبراهيم(ع) قد كان من الأولى لها أن تتبع ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين، ففي الوقت الذي تدعي قريش محاكاة الآباء، وتقليد الاسلاف، فلماذا تنحرف عن ملة أبيها ذي الحنيفية الغراء، هذا الأب الذي أعلن عن عقيدته جهاراً في التوحيد، وقاسى من أجلها محاولة القتل والتحريق، وقام بسبيلها بالهجرة والسياحة في الأرض، حتى هجر أباه، ونبذ قومه، وصك الجميع بالبراءة من الوثنية وعبادتها، وجابههم صراحة (إنَّني بَرآءٌ مِمّا تَعبُدُون). فالعقيدة الاشراكية عند قريش يبرأ منها أبوهم، ولم يقلد أباه ولا قومه فيما يعتقدون، فلماذا يقلدون هم إذن، إنها حجة بالغة، ومحاججة بلسان القوم ولغتهم في نسف العبادة التقليدية الموروثة، فيا لها من صرخة تهز كيان المشركين وهم في ذروة الاحلام، ونشوة الاعتداد بالآباء، إذ يتبرأ من فوقهم الابن الضعيف في ظل الاب القوي، والعشيرة المتطاولة المتكاثرة من عقيدة الجميع، ويعلنها حقيقة بديهية في جموع الوثنيين والثنويين: (إلاّ الذي فَطَرَني فإنَّهُ سيهدينِ). إنه الاقرار المطلق بالعبودية لله ابتداءً، وبالعبادة له خالصة، وبالتفويض إليه هداية، بسبب فطري يفرضه الدليل الاستقرائي لمسيرته في الحياة وبعد الممات، إنه أبدعه وخلقه وأنشأه، ثم إذا شاء أنشره، فهو المنفرد بالعبادة والألوهية، وهو الكفيل _وحده _ بالهداية وسنن الرشاد، بحكم أنه الخالق المبدع المصور.
أما التمكين من هذه الهداية فيما أبان من دلائل وحدانيته وعلائم ربوبيته، وهما إشارتان في تقوم الخلفية الداخلية عند الانسان. وبتقويم هذه الخلفية يتبلور الدين الحق، وإذا وصل الانسان إلى الدين الحق لم تتحقق الهداية فحسب بل الهداية ولازمها من الخشوع والخشية والانابة. ويبدو أن أصل ذلك عند إبراهيم كلمة التوحيد التي فاه بها لساناً واعتقدها جناناً، فكانت الثبات واليقين والمبدأ، لأنها لغة الأعماق في ذاته، وسنة الكون بمتطلباته، وقد أثابه الله على ذلك أن جعل هذه الكلمة باقية في عقبه رغم تعاقب الأجيال والأزمنة تكريماً له، وإستجابة لدعائه فيما إقتصه الله تعالى من قوله: (وإذِ ابتلى إبراهيمَ رَبُّهُ بكلماتٍ فأتَّمَهُنَ قالَ إنّي جاعلُكَ للنّاسِ إماما، قالَ وَمِن ذريّتي قالَ لا يَنالُ عهدي الظّالمين). فالنبوة والولاية والامامة في ذريته، فموسى وعيسى ونبينا محمد صلوات الله عليهم أجمعين من ذريته، وهم عقبه وأبناؤه الحقيقيون يؤمنون بكلمة التوحيد لأبيهم إبراهيم، ويا لها من منزلة رفيعة: أن تبقى هذه الكلمة متوارثة في ذرية هذا الأب الموحد، معيناً من الهداية لا ينضب، وشعلة من الحق لا تخبو، يرجع فيها إلى الطريق من ضل، وإلى التوحيد من أشرك، وإلى اليقين من شك، يبشرون بها حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولقد كان التوحيد معروفاً قبل إبراهيم، ولكنه تأصل وتأطر واستقر بعد ابراهيم، كلمة باقية في عقبه إلى يوم الدين. ووصلت هذه الكلمة إلى الابناء، فكيف كان إستقبال الابناء لرسالة الآباء؟ هذا ما تجيب عنه حقائق الأعمال.


source : محمد حسين الصغير
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

سيرة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
ما هي ليلة الجهني، و لماذا سُمِّيت بالجهني؟
دولة الموعود ومآزق الفكر السياسي الباراديغم ...
التقريب ضرورة دينية وخطوة مباركة
ترتيب أحداث ووقائع ظهور الإمام المهدي المنتظر
اهتمام الرسول الأعظم بسنته المطهرة وأمره ...
ما هو الدليل على أحقية الامام علي(علیه السلام) ...
استشهاد النبي الرسول محمد(ص) اغتيالا بالسم
عن الشعائر الحسينية عاشوراء 1432هـ، مع شهيد الطف: (3)
ابو جعفر الثاني الامام الجواد (عليه السلام)‏

 
user comment