عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

الاتجاه التجزيئي والاتجاه الموضوعي في التفسير(الجزء الثاني)

الاتجاه التجزيئي والاتجاه الموضوعي في التفسير(الجزء الثاني)

ان الاتجاهات الفقهية سارت في الاتجاه الموضوعي بينما الابحاث التفسيرية سارت في الاتجاه التجزيئي طبعا لم نكن نعني من ذلك ايضا ان البحث الفقهي استنفذ طاقة الاتجاه الموضوعي فالبحث الفقهي اليوم مدعو ايضا الى ان يستنفذ طاقة هذا الاتجاه الموضوعي افقيا وعموديا باعتبار ان الاتجاه الموضوعي كما قلنا عبارة عن ان الانسان يبدأ من الواقع وينتهي الى الشريعة.

 

هكذا كان ديدن العلماء والفقهاء كانوا يبدأون بالحياة، يبدأون من الواقع، وقائع الحياة كانت تنعكس عليهم على شكل جعالة ومضاربة ومزارعة ومساقات ليستنبطوا الحكم من مصادرها ثم يردونها الى الشريعة هذا اتجاه موضوعي لانه يبدأ بالواقع وينتهي الى الشريعة في مقام التعريف على حكم هذا الواقع لكن هنا لا بد ان يمتد الفقه افقيا على هذه الساحة اكثر لان العلماء الذين ساهموا في تكوين هذا الاتجاه الموضوعي عبر قرون متعددة كانوا حريصين على ان يأخذوا هذهالوقائع ويحيلوها الى الشريعة ليستنبطوا احكام الشريعة المرتبطة بتلك الوقائع لكن وقائع الحياة تتكاثر وتتجدد باستمرار وتتولد ميادين جديدة فلابد لهذه العملية من النمو باستمرار فتبدأ من الواقع لكن لا ذاك الواقع الساكن المحدود والذي كان يعيشه الشيخ الطوسي او المحقق الحلي، لان ذاك الواقع كان يفي بحاجات عصرهما فالاجار والمضاربة والمزارعة والمساقات كانت تمثل السوق قبل ألف سنة أو قبل ثمانمائة سنة لكن ابواب السوق قد اتسعت ففيها العلاقات الاقتصادية اوسع واكثر تشابكا من هذا النطاق، فلا بد للفقه من ان يكون كما كان على يد هؤلاء العلماء الذين كانوا حريصين على ان يعكسوا كل ما يستجد من وقائع الحياة على الشريعة ليأخذوا حكم الشريعة.

 

لا بد ايضا من ان هذه العملية تسير افقيا كما سارت افقيا في البداية. هذا من الناحية الافقية.

 

من الناحية العمودية ايضا لا بد من ان يتوغل هذا الاتجاه الموضوعي في الفقه، لا بد وان يتوغل، لا بد وان ينفذ عموديا، لا بد وان يصل الى النظريات الاساسية، لا بد وان لا يكتفي بالبناءات العلوية وبالتشريعات التفصيلية، لا بد وان ينفذ من خلال هذا التشريعات التي تمثل وجهة نظر الاسلام لاننا نعلم ان كل مجموعة من التشريعات في كل باب من ابواب الحياة ترتبط بنظريات اساسية، ترتبط بتطورات رئيسية لأحكام الاسلام، تشريعات الاسلام، في المذهب الاقتصادي بالاسلام، احكام الاسلام في مجال النكاح والطلاق والزواج وعلاقات المرأة مع الرجل ترتبط بنظرياته الاساسية عن المرأة والرجل ودور المرأة والرجل هذه النظريات الاساسية التي تشكل القواعد النظرية لهذه الابنية العلوية، لا بد ايضا من التوغل اليها، لا ينبغي ان ينظر الى ذلك بوصفه عملا منفصلا عن الفقه، بوصفه ترفا، أدبا، بل بوصفه ضرورة وينبغي اكتشافها بقدر الطاقة البشرية.

 

الان نعود الى التفسير بما ذكرناه من اوجه الخلاف بين التفسير الموضوعي والتفسير التجزيئي، تبينت عدة افضليات تدعو الى تفضيل المنهج الموضوعي في التفسير على المنهج التجزيئي في التفسير فان المنهج الموضوعي في التفسير على ضوء ما ذكرناه يكون اوسع افقا وأرحب وأكثر عطاء باعتبار ان يتقدم خطوة عن التفسير التجزيئي كما أنه قادر على التجدد باستمرار، على التطور والابداع باستمرار، باعتبار ان التجربة البشرية تغني هذا التفسير بما تقدمه من مواد، ثم هذه المواد تطرح بين يدي القرآن الكريم وهذا هو الطريق الوحيد للحصول على النظريات الاساسية للاسلام وللقرآن ازاء موضوعات الحياة المختلفة وقد يقال بأنه ما الضرورة الى تحصيل هذه النظريات الاساسية، ما الضرورة الى ان نفهم نظرية الاسلام في النبوة مثلا بشكل عام او نفهم نظرية الاسلام في سنن التاريخ او في التغير الاجتماعي بشكل عام او ان نفهم سنن الاسلام والارض، ما الضرورة الى ان ندرس ونحدد هذه النظريات فاننا نجد بان النبي (ص) لم يعط هذه النظريات على شكل نظريات محدودة وصيغ عامة، وانما اعطى القرآن بهذا الترتيب للمسلمين، ما الضرورة الى ان نتعب انفسنا في سبيل هذه النظريات وتحديدها بعد ان لا حظنا ان النبي (ص) اكتفى باعطاء هذا المجموع، هذا الشكل المتراكم بهذا الشكل ما الضرورة ان نستحصل هذه النظريات الحقيقة بأنه هناك اليوم ضرورة اساسية لتحديد هذه النظريات ولتحصيل هذه النظريات ولا يمكن ان يفترض الاستغناء عنها.

 

النبي (ص) كان يعطي هذه النظريات ولكن من خلال التطبيق من خلال المناخ القرآني العام الذي كان بينه في الحياة الاسلامية، وكان كل فرد مسلم في إطار هذا المناخ، كان يحمل نظرية ولو فهما اجماليا ارتكازيا لان المناخ والاطار الروحي والاجتماعي والفكري والتربوي الذي وصفه النبي (ص) كان قادرا على ان يعطي النظرة السليمة، والقدرة السليمة على تقييم المواقع والمواقف والاحداث اذا اردنا ان نقرب هذه الفكرة نقول: قايسوا بين حالتين حالة الانسان الذي يعيش داخل عرف لغة من اللغات وانسان يريد ان يعرف ابناء هذه اللغة، ابناء هذا العرف، كيف تتمثل اذهانهم هذه المعاني الى الالفاظ، كيف يحددون المعاني من الألفاظ، هنا توجد حالتين احداهما: ان تأتي بهذا الانسان وتجعله يعيش في اعماق هذا العرف وفي اعماق هذه اللغة واذا صار كذلك واستمرت به الحياة في اطار هذا العرف وهذه اللغة فترة طويلة من الزمن سوف يتكون لديه الاطار اللغوي، والعرفي الذي يستطيع من خلاله ان يتحرك ذهنه وفقا لما يريده العرف واللغة منه لان مدلولات تكون موجودة وجودا اجماليا ارتكازيا في ذهنه، النظرة السليمة والتفهم السليم للكلمة الصحيحة، وتمييزها عن الكلمة غير الصحيحة تكون موجودة عنده باعتبار انه عاش عرف اللغة ووجدانها في ممارساته بينما اذا كان الانسان خارج جناح تلك اللغة وعرفها واردت ان تنشئ في ذهنه القدرة على التمييز اللغوي الصحيح فلا تستطيع التمييز اللغوي حينئذ الا عن طريق الرجوع الى قواعد تلك اللغة، والى العرف الذي تربى فيه الانسان لكي تستنتج منه القواعد العامة والنظريات الشاملة ومثاله ما وقع بالنسبة الى علوم العربية كيف ان ابن اللغة لم يكن بحاجة الى ان يعلم علوم العربية في البداية لانه كان يعيش في اعماق عرف اللغة، لكن بعد ان ابتعد عن تلك الاعماق واختلفت الاجواء وضعفت اللغة، وتراكمت لغات اخرى اندست الى داخل حياة هؤلاء، بدأ هؤلاء بحاجة الى علم لللغة، الى نظريات لللغة لان الواقع لا يسفعهم بنظرة سليمة فلا بد حينئذ من علم لا بد من نظريات لكي يفكروا ولكي يناقشوا ولكي يتصرفوا لغويا وفقا لتلك القواعد والنظريات هذا المثال مثال تقريبي لأجل توضيح الفكرة.

 

اذا الصحابة الذين عاشوا في كنف الرسول الاعظم (ص) اذا كانوا لم يتلقوا النظريات بصيغ عامة فقد تلقوها تلقيا اجماليا ارتكازيا، انتقشت في اذهانهم وسرت في افكارهم، كان المناخ العام الاطار الاجتماعي والروحي والفكري الذي يعيشونه كله كان اطارا مساعدا على تفهم هذه النظريات ولو تفهما اجماليا وعلى توليد المقياس الصحيح في مقام التقييم.

 

اما حيث لا يوجد ذلك المناخ، ذلك الاطار اذا تكون الحاجة الى دراسة لنظريات القرآن الكريم في الاسلام، تكون حاجة حقيقية ملحة خصوصا مع بروز نظريات عديدة من خلال التفاعل بين انسان العالم الاسلامي وانسان العالم الغربي بكل ما يملك من رصيد عظيم ومن ثقافة متنوعة في مختلف مجالات المعرفة البشرية حينما وقع هذا التفاعل بين انسان العالم الاسلامي وانسان العالم الغربي وجد الانسان المسلم نفسه امام نظريات كثيرة في مختلف مجالات الحياة فكان عليه لكي يحدد موقف الاسلام من هذه النظريات، كان لا بد وان يستنطق نصوص الإسلام، ويتوغل في اعماق هذه النصوص ليصل الى مواقف الاسلام سلبا وايجاباً لكي يكتشف نظريات الاسلام التي تعالج نفس هذه المواضيع التي عاش بحثها التجارب البشرية الذكية في مختلف مجالات الحياة.

 

اذن فالتفسير الموضوعي في المقام هو افضل الاتجاهين في التفسير الا ان هذا لا ينبغي ان يكون المقصود منه الاستغناء عن التفسير التجزيئي، هذه الافضلية لا تعني استبدال اتجاه باتجاه او طرح التفسير التجزيئي رأسا والاخذ بالتفسير الموضوعي، وانما اضافة اتجاه الى اتجاه لان التفسير الموضوعي ليس الا خطوة الى الامام بالنسبة الى التفسير التجزيئي ولا معنى للاستغناء عن التفسير التجزيئي باتجاه الموضوعي.

 

وانما هي مسألة ضم الاتجاه الموضوعي في التفسير الى الاتجاه التجزيئي في التفسير، يعني افتراض خطوتين خطوة هي التفسير التجزيئي وخطوة وأخرى هي التفسير الموضوعي.


source : هدی القران
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

المصالح ومقتضيات الحكم
الاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة هو الذي أوجد ...
الحصار في شعب أبي طالب(عليه السلام)(1)
أيديولوجيا النظريات الغربية السياسية والعقيدة ...
كيف نتحدّث إلى زينب عليها السّلام في زيارتها
الاتجاه التجزيئي والاتجاه الموضوعي في ...
حمزة بن الإمام الكاظم عليه السّلام
وهذه لمحات عن الحياة في عصر المهدي عليه السلام
هل السيدة الزهراء (س) ترجع الى الارض بعد ظهور ...
الإمام الرضا عليه السلام عند أهل السُّنّة

 
user comment