عربي
Tuesday 24th of December 2024
0
نفر 0

هل كان الصحابة عدولاً بأجمعهم؟

من غير الخفي أن في الصحابة طائفة من المؤمنين المخلصين بدرجاتهم المختلفة، وفيهم المسلمون، ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، وفيهم المنافقون وهم عدد غير قليل، وفيهم المؤلفة قلوبهم، وفيهم مَن نزل القرآن بفسقه، وفيهم مَن تخلف عن جيش أسامة فلعنهم رسول الله (ص)، وفيهم مَن أقيم عليه الحد الشرعي لارتكابه ما يوجب الحد في زمن النبي (ص)، وفيهم مَن ارتد عن دينه، وفيهم مّن ولي الدبر في الحرب، وقد قال الله تعالى: (ومَن يولّهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) الأنفال/ 16.
وقد فروا يوم أحد جميعاً وولوا الدبر إلا عدة معدود. وخالف جماعة منهم ـ أي من الصحابة ـ أمر رسول الله (ص) ـ وفيهم كبار الصحابة رضي الله عنهم ـ ولم يبق معه إلا نفر من آل عبدالمطلب، وعدد قليل من الأنصار، منهم أم الحارث الأنصارية (رض) وكانت تستأذن رسول الله (ص) في قتل الفارّين، وهي التي اعترضت عمر بن الخطاب وهو فار فقالت له: يا عمر ما هذا؟! فقال: أمر الله. أي قضاء الله وقدره!!
ومع كل ذلك فإن القول بعدالة الصحابة جميعاً ـ كما ذهب إليه أهل الحديث، ثم جعل ذلك من العقائد كما فعله الإمام أحمد بن حنبل وغيره ـ يعتبر غفلة قبيحة، لما فيه من طرح المقاييس الدينية والعقلية، ولأن ذلك مما يأباه تاريخ الصحابة وواقع ما جرى بينهم، وما صدر منهم، وهو أمر مستحدث، أتى به أهل الحديث، وهم المغرمون بحب معاوية وأذنابه، والمدافعون عنهم، أمثال عمرو بن العاص، وبسر بن أرطاة، وسمرة بن جندب، ومَن هم على شاكلته.
لقد جاء أهل الحديث بهذا الأمر في قرون متأخرة، فأعطوا الصحابة جميعاً مرتبة العدالة لتشمل معاوية وأحزابه، ولتبرر الكثير من الفظائع التي ارتكبوها والحرمات التي انتهكوها ..
والحقيقة هي أن نزعة النصب الغالبة على أكثرية أهل الحديث، هي التي دعتهم إلى وضع هذه المقالة الجديدة، بحيث تشمل الصحابة جميعاً.
ـ اجتهاد معاوية وأضرابه:
ثم تقدم أهل الحديث شوطاً آخر في هذه العقيدة الجديدة، وذلك عندما منحوا معاوية وأشباهه رتبة الاجتهاد، في نفس الوقت الذي لا يخطر في بال أحد من هؤلاء ـ معاوية وأضرابه ـ طيلة حياتهم أن يثبتوا هذه الرتبة لأنفسهم، ولكنها منحت لهم بعد موتهم كالأوسمة والرتب التي تعطيها وزارة الدفاع للضباط المقتولين، بعد أن لم يكونوا يلمون بها في حياتهم على الإطلاق.
ثم غلوا فيهم وجعلوا آراءهم حجة على الناس إلى يوم القيامة، وجعلوا لهم حق التشريع في الدين، وجعلوا لهم سنناً كسنن رسول الله (ص).
وما أنسب ما نحن فيه بقول الشاعر في سمية أم زياد بن أبيه، لما استلحق معاوية ابنها زياداً بأبي سفيان، حيث قال:
عاشت سمية دهراً وهي ما علمت
إن ابنها من قريش في الجماهير
وأما الاستدلال على عدالة الصحابة جميعاً بقولهم: ((إنهم شاهدوا نور النبوة، فعصمتهم من الاقتحام في الذنب)) فهو دليل غير متماسك، وهو يناسب شطحات الصوفية، فلم لم تمنع مشاهدة نور النبوة تلك الطوائف المتقدم ذكرها ـ أعني المنافقين، والمؤلفة قلوبهم، ومَن ارتدوا الخ .. ـ في عصره (ص) عن ارتكاب الذنوب؟! مع أن الرسول (ص) كان بين أظهرهم، يهديهم، ويرشدهم، ويدبر أمورهم .. فالقول بأنه بموت رسول الله (ص)، وبانقطاع نور النبوة عنهم صاروا عدولاً، بررة أتقياء، هو خطل من القول، وإهانة صريحة لمقام النبي 0ص) بل الطبع والعادة يقضيان بخلاف ذلك، كما تدل عليه الروايات الكثيرة الدالة على أن أقواماً، وطوائف من الصحابة قد ارتدوا على أدبارهم القهقرى، منذ فارقهم رسول الله (ص).
ومحط نظرنا هو قوله: ((منذ فارقهم)) الدال على حدوث الفتنة بمجرد موت الرسول (ص) لا أن موته صار سبباً لعدالتهم وتقواهم!! ..
ـ نظر الشيعة الإمامية إلى الصحابة:
وأما الإمامية فمذهبهم ـ على الإجمال ـ هو الترضي عن معظمهم. ولقد كان الإمام علي بن الحسين (ع) يدعو لهم في صلواته، وذلك لاتباعهم خطى نبيهم (ص) وعملهم بأوامره ونواهيه، منها هو (ع) يقول في صلاته عليهم: (( .. اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكاتفوه، وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له، حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به، ومن كانوا منطوين على محبته، يرجون تجارة لن تبور في مودته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته،وانتفت منهم القرابات، إذ سكنوا في ظل قرابته فلا تنس اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك، وبما حاشوا الخلق عليك، وكانوا مع رسولك دعاة لك. إليك واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، ومن كثرت في اعزاز دينك من مظلومهم. اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان، الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا .. )).
وغير خفي: أن هذه الدعوات بما فيها من الإعظام والإكبار، شاملة لمعظم الصحابة رضي الله عنهم، وأما آحادهم تفصيلاً فينظر في تراجمهم وتواريخهم، ويحاكمون بمقتضى العدل، والقول الفصل، وحكم القرآن، وكلام نبي الإسلام .. (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومَن يعمل مثقال ذرة شراً يره).
وأما على حسب أصول أهل السنة، فليس في الصحابة أحد يكون الشك في عدالته أو فسقه أو ارتداده معادلاً للشك في توحيد الله تعالى، أو في رسالة نبيه محمد (ص) أو في المعاد ..
وعليه .. فمن ناقش في علم بعض آحاد الصحابة، أو خطأهم في بعض أفعالهم وأقوالهم، حسب ما تقتضيه المقاييس الدينية، فإن ذلك لا يخرجه من الإيمان إلى الكفر، ولا من السنة إلى البدعة، إذ ليس آحاد الصحابة وأشخاصهم محور الدين، والكفر، والسنة والبدعة.
ـ الأخبار في عدالة الصحابة:
وأما الأخبار الواردة في الصحاح الستة وغيرها مما ورد في شأن طوائف كثيرة من الصحابة، بحيث يظهر من الأحاديث كثرتهم وكثافة جمعهم ـ أما هذه الأخبار ـ فنقول: إن كان أهل الحديث والسلفية ملتزمين بالأحاديث وبالصحاح لا سيما صحيح البخاري ـ كما يدعون ـ فليقولوا ـ والعياذ بالله ـ حسب أصلهم بكفر هؤلاء الصحابة، وارتدادهم بعد رسول الله (ص)، وإنه لن ينجو منهم غلا مثل همل النعم .. (كما ورد في روايات البخاري وغيره).
وأقبح من ذلك كله ـ في التحكم وفرض الرأي بلا دليل، بل ومع وجود الدليل القاطع على خلافه ـ اعتراض البعض على آخرين، وتشنيعهم عليهم لشكهم في عدالة الصحابة، فهم يؤاخذون عليهم، ويجعلون ذلك منهم عظيمة من العظائم وجريمة من أكبر الجرائم .. بينما هم بصحاحهم تلك يعلمون الناس كفر الصحابة، ويعلنون ارتدادهم!!.
روى الإمام مالك أن رسول الله (ص) قال لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم. فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله إخوانهم؟ أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا! فقال رسول الله (ص): بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي؟! فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال: ((إننا لكائنون بعدك))؟!
وعلى كل حال .. فإن من الأخبار المشار إليها حول عدالة الصحابة .. ما رواه الإمام أحمد بن حنبل عن أم سلمة أنه (ص) قال: ((أيها الناس بينما أنا على الحوض جيء بكم زمراً، فتفرقت بكم الطرق، فناديتكم ألا هلموا إلى الطريق فناداني مناد من بعد فقال: إنهم قد بدلوا بعدك. فقلت: ألا سحقاً، ألا سحقاً.
وروى البخاري وغيره عن أبي هريرة قال: بينا أنا قائم، إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة (فذكر فيهم مثل الأولى) فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم.
وفي صحيح البخاري عن حذيفة: أن رسول الله (ص) قال: (ليردن على الحوض أقوم، فيختلجون دوني، فأقول: رب أصحابي، رب أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
ومن الواضح: إن هذه الكلمات لا تنطبق على عدة قليلة فقط. وليس المقصود بها مَن آمن بالنبي ورآه ثم سكن خارج المدينة المنورة ولم يعاشر النبي (ص) إذ لا يقال لمثل هؤلاء: ((الصاحب)) ولا ((الأصحاب)). وإن كان أصحاب الجرح والتعديل قد توسعوا كثيراً في مفهوم الصحابي ..
فإن إطلاق كلمة (الصحابي) على مَن رأى النبي (ص) ولو من بعيد تكلف واضح في اللفظ، وإخراج له عن معناه ..


source : البلاغ
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تعزيز الوازع الديني
ثالثاً: الله خارج عن حدّ التشبيه والتعطيل
المهدي المنتظر في كلمات محي الدين بن عربي/ ق2
تنزيه يوسف عن محبة المعصية:
اثبات وجود الله
ما هو معني عبادة الله تعالي؟
دراسة متون الروايات
حكم الوقف عند السنة
البدعة باختصار
عدم التناسخ بين النفس والبدن

 
user comment