عجز الإنسان عن الوصول إلي معرفة نشأة الكون وعناصره . وفي ظل التقدم السريع لكافة أفرع العلوم المختلفة خلال هذا العصر , بقي الفكر البشري عاجزاً عن معرفة نشأة أي من الشمس أو القمر أو غيرها من عناصر الكون . وسيبقي كل ما في الكون حتي قيام الساعة علامات ودلائل لقدرة الله عز وجل في الخلق , يقول تبارك وتعالي :
(أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والارض قادرعلي أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلاً لاريب فيه فأبي الظالمون إلا كفوراً ) الإسراء (99).
وقد فشل العلم الوضعي كذلك في معرفة نشأة الكائنات الحية وكيفية ظهورها علي سطح الأرض , كما فشل كذلك في معرفة بداية ظهور الإنسان علي سطح هذا الكوكب . وإذا كان العلم الوضعي استطاع التعرف علي مجموعة الكائنات التي تعيش في العصور الجيولوجية القديمة من دراسة بقايا الحفريات المنطمرة في صخور قشرة الأرض , وأن داروين حاول في نظريته عن تطور الكائنات والنشوء والارتقاء تفسير تعدد الكائنات الحية علي سطح الأرض , فقد فشل العلم الوضعي وسيظل عاجزاً حتي قيام الساعة في الوصول إلي كيفية نشوء الأنواع . فيمكن للعلماء أن يفسروا تعدد الأشكال داخل العائلة الواحدة من الكائنات يمكن أن تنشأ من عائلة سابقة لها تختلف عنها في نوعها , بمعني أنه لايمكن مثلا القول بأن الزواحف تطورت من الأسماك أو أن الثدييات تطورت من الزواحف أو أن الإنسان تطور من الثدييات . ولكي يتغلب داروين علي هذه المشكلة اقترح ما أسماه (( بالطفرة ))Mutation التي تتضمن ظهور كائنات من نوع جديد من أصل كائنات من نوع آخر .وهذا يخالف الدين , يقول تبارك وتعالي: (والذي خلق الأزواج كلها . . .) الزخرف(12) .
( ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) الذاريات (49).
( وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي ) النجم (45) .
وهكذا ينبغي ألا نربط بين النظريات والآراء الظنية بحقائق القرآن اليقينية .
وأن نعلم بأن كل الكائنات الحية في مختلف الأزمنة والعصور هي من خلق الله سبحانه وتعالي فاطر كل شئ , والإنسان علي قمة هذه المخلوقات هو من خلق الله عز وجل وآيه من آياته , يقول تبارك وتعالي :
( ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنشرون ) الروم (20) .
( الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين * ثم جعل نسله من سلالةٍ من ماءٍ مهين * ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ماتشكرون ) السجدة (7_9) .
(والله خلقكم من تراب ثم من نطفةٍ ثم جعلكم أزواجاً وما تحمل من أنثي ولا تضع إلا بعلمه…) فاطر(11)
(خلق الإنسان من صلصال كالفخار * وخلق الجان من مارج من نار * فبإي آلاء ربكما تكذبان ) الرحمن (14_16 ).
بل إن نشأة الخلية الحية البسيطة التركيب , وبث الروح فيها ستظل حتي قيام الساعة في علم الغيب ومن دلائل قدرة الله علي الخلق , يقول عز وجل :
(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي…) الإسراء (85).
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه علي كل شئ شهيد ) فصلت (53 ) .
وأودع الله جل وعلا في آيات القرآن الكريم مفاتيح العلم الإلهي في شكل إشارات وومضات من نور تكمن فيها الحقائق المطلقة الشاملة , وتتضمن أسراراً من العلم يكشف الله عز وجل عن بعضها لعباده شيئاً فشيئاً . ومن هنا يدرك المسلم أن القرآن الكريم يمثل الكل المطلق بينما يبحث العلم الوضعي في الجزئيات المحدودة في نطاق ما أودعه الله في الإنسان من عقل ذي فكر محدود وعلم بحساب . وإن القانون الإلهي الأعظم المطلق الذي سخر الله تعالي به كل ما في الكون لمنفعة الأنسان سيظل حتي قيام الساعة آية من آيات الله عز وجل , يقول سبحانه :
(الذي يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ) آل عمران (191) .