عربي
Sunday 29th of September 2024
0
نفر 0

نظام المال

نجدُ في السّيرةِ النّبوية أَن أسس هذا النظامِ المالي الكبير وضِعت في زمن النبي (ص). فقد رتب أهم موارد الدولة الإسلامية، وأقامها على توازن دقيق بين رأس المال وقوته على الإنتاج، ولذلك خالف بين الأنصبة التي تجب فيها الزكاة بحسب أنواع المال. وفرضها في معادلة مقدرة بين استفادة الفرد من المجموع بإنتاجه، وبين استفادة المجموع من الفرد باستهلاكه، وبذلك حقق الصلة بين الفرد والجماعة على أساس عادل، بحيث لم يسمح لنمو الفردية إلا بمقدار، كما لم يسمح لنمو الاشتراكية إلا بمقدار، فكان نظامه (ص) برزخاً بين مد القوتين، وعلاجاً لمشكلة الإنسانية الدائمة. وكان خضوع الأفراد لنظام المال، في أول الأمر، خضوعاً فردياً، فكل مسلم يخرج الزكاة بنفسه، فلم يكن للحكومة القائمة جباة مخصصون، ولم تكن تشرف بنفسها على درجة تطبيق النظام. ولكن في أواخر عهد النبي (ص) جعل نظام للصدقات ووكل إلى طائفة من العمال الموظفين أمر مقاضاتها. ولما اتسع نطاق الهيمنة الإسلامية اتسع نطاق عملهم.
ومقادير الزكاة، أي ضريبة الأموال، مقدرة مفروضة على من بلغ عنده النصاب، ويختلف باختلاف الأصناف، وهذا تشريع بقدر موزون قائم على أدق نظريات المال وقوة إنتاجه، وهذه القوة هي مدار التفاوت. وأما الجزية فقد ترك النبي (ص) تقديرها لولي الأمر، لأنها تخضع لأحوال دائبة التغير، كحالة الأرض وحالة المال وحالة الزرع وحالة الجو. فكان النبي (ص) يرسل أحد أصحابه، إلى خيبر ليقسم ثمرها بينه وبني الملاك.
هذا هو العمل في جزية الأراضي، وكذلك كان الحال في جزية الرؤوس، فالمدن الكبرى كاليمن مثلاً، حيث يوجد السكان الذين يشتغلون بالصناعة، فأحياناً تكون ديناراً وأحياناً أقل أو أكثر.
وعندما فتح العرب الشام والعراق وجدوا نوعاً آخر اسمه الخراج، فخصوا الجزية بضريبة الرؤوس، والخراج بضريبة الأراضي، وعليه فالخراج في جوهره ليس ضريبة جديدة، وإنما تدخل في حد التشكيلات فقط. والنظام الذي اتبع فيها لا يخرج عن النظام القديم في دولة الرومان ودولة الفرس، فالعرب وجدوا في الأقاليم المفتوحة نظام الضرائب وجبايتها، فرأوا الإبقاء عليه من تغيير مال به الفاتح إلى التخفيف وملاءمة روح الشريعة التي يعمل على نشرها، وهذان اللفظان كانا معروفين قبيل الإسلام.
والخراج مالوا به، في التصنيف الجديد، إلى تخصيصه بضريبة الأرض، والأراضي التي يشملها هي التي تحت يد أهل الذمة فقط، وكانت على أنواع: عنوة وهي التي تفتح قشراً، وأرض صلح وهي التي تؤخذ عن طريق المفاوضة والاتفاق. والأولى تصبح ملكاً للفاتحين، والثانية تظل مستمسكة بحريتها واستقلالها، وملكيتها تبقى في أيدي أصحابها. ومن النوع الأول أكثر أراضي الشام والعراق فأصبحت ملكاً للعرب الفاتحين، أي غنائم، وحكم الغنائم أنها تقسم إلى خمسة أقسام، أربعة للجيش، والخُمس الباقي لبيت المال.
وهنا عرضت مشكلة قانونية، وهي كيف تقسم هذه الإمبراطورية الجديدة بين الجنود، وهذا الأمر يؤدي إلى فوضى وإرهاق من الناحية الاقتصادية. على أن أهل البلاد الأصليين يوطنون أنفسهم على الثورات دائماً. فاستشار عمر الصحابة في حل المشكلة على صورة تضمن حقوق الجميع. فمنهم من أشار باتباع النص وكان الجند من أنصار هذا الرأي، ولم يرض عمر به لأن تنفيذه يجر إلى مشاكل كبيرة، منها حرمان الدولة من الموارد الهامة التي بواسطتها تستطيع حماية نفسها من غارات العدو وترعى مصالحها، ومنها القضاء على الروح العسكرية في العرب، فمال عمر إلى رأي آخر وهو أن تبقى في أيدي أصحابها ويؤخذ منهم الخراج ويوزع على المستحقين وبذلك أجرى الأراضي المفتوحة عنوة مجرى الأراضي المفتوحة صلحاً.
هذا الرأي يكون موفقاً له لو كان عند العرب في ذلك الحين خدمة عسكرية دائمة، ولكن أمّا والجندية عندهم مؤقتة بالقدر الذي يقتضيه الظرف، ثم يعود العسكريون إلى مدنيين، فمن المنتظر أن يتألب هؤلاء حينما يرون أنفسهم أكثرية فقيرة، ثم يثورون، وهذا ما حدث بالفعل، ومن ثم يظهر سر التشريع النبوي الذي كان يرمي إلى تمليك هؤلاء الجنود المؤقتين، لكي يعودوا إلى نظم أنفسهم في حياة مدنية ذات غضارة، ويكون منهم طبقة مالية منتجة تعنى بالأرض والثروة. والأمر الذي لا ريب فيه أن عمر (رض) كان يرمي إلى تأسيس نظام الجندية الدائم، وهذا التشريع المالي عنوان على كان ما يجول في نفسه.
وعرضت مشكلة أخرى وهي تقدير العطاء، وكان العمل في زمن النبي (ص) وأبي بكر جارياً على التسوية العامة، إلا أن عمر رأى، وخالفه عليٌّ، أن لا يجعل من قاتل رسول الله كمن قاتل معه، فجعل الامتياز بحسب السابقة، فالذي قاتل بدر يفضل من قاتل في فتوح العراق والشام. ومن هنا حدث التفاوت الملموس في الأعطيات وتشكل على طبقات ومراتب. فطائفة تأخذ عطاءً كبيراً، وأخرى عطاءً متوسطاً، والأكثرية يأخذون عطاءً ضئيلاً.
هذا التنظيم المالي أوجد تمايزاً كبيراً، وأقام المجتمع العربي على قاعدة الطبقات، بعد أن كانوا سواءً في نظر القانون (الشريعة). فقد أوجد، بدون شعور، أرستقراطية وشعباً وعامة، وبما أن التجنيد شمل كافة العرب، فقد اشتركوا بالعطاء اشتراكية فذة، ولما ركدت الفتوح واستقر الجند في الأمصار فكروا في أنفسهم وفيما صاروا وانتهوا إليه من عطاء قليل، وقالوا لو قسمت الأرض علينا لكان أرفق بنا، فانتشرت هذه الفكرة انتشاراً ذريعاً ومريعاً، وذكت حفيظتهم حين قارنوا أنفسهم بما وصل إليه نفر من قريش، فاستقر في روعهم أن قريشاً استأثرت بالمال، وكان هذا مهيئاً للثورة ومقدمة إلى الفتنة.
ومن هذا نستنتج أن الثورة التي دارت على عثمان (رض) لم تكن نتيجة سياسته الخاصة وحدها، بل ونتيجة مجاوزات سياسية سابقة ظهر أثرها الكامن حين استعد الظرف وحان حينه، وقد فكر عمر، لما كثرت الأموال بكثرة الفتوح، أن يدون الدواوين فكان يحصر أسماء الجنود في ديوان، وأمام كل جندي عطاؤه. ورتبت الأسماء على حسب الأنساب، واعتمد، في ترتيب القبائل وتنظيمها في الديوان، جانب البعد والقرب من قريش.
-----------------------------------


source : البلاغ
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أفأنت تکره الناس
مبادئ الكلام عند الإمام الخميني(قدس)
الثالث والعشرين من ربيع الأول..ذكرى وصول السيدة ...
هل كان النبي (ص) يقرأ قبل البعثة
صفات أهل البيت عليهم‌السلام
صلح الامام الحسن علیه السلام
نظام المال
القصص فی القرآن
قواعد التجويد
القرآن الكريم يحقق الهدف من نزوله

 
user comment