بدء الخليقة ونشأة الحياة كان بشكل اسرة حيث خلق الله سبحانه النفس الواحدة ومنها خلق الذكر و الانثى ومنها تكاثر الناس رجالاً و نساءاً و تكونت الاسر و نشأت المجتمعات
« ياايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالاً كثيراًو نساءاً » 1
«ياايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثی و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم » 2
فالاصالة اذا في الدين الالهي للاسرة ، وقد عظمت جميع الاديان الالهية الاسرة و مكانتها في بناء الافراد و المجتمعات وتشييد الحضارات و اكدت على صيانتها بتعاليمها الربانية ، ومضى اغلب الانبياء الذين هم في الواقع اسوة البشر وقدواتهم
«اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده» 3
في تكوين الاسرة الصالحة وحرصوا اشد الحرص لتكون اسرهم نواة الخير و منشأ البركات لجميع الناس
«ولقد ارسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم ازواجا ًوذرية » 4
و قد امتدح القران الكريم الاسر الطيبة التي انحدر منها الانبياء ودورها في هداية الامم وانارة طريق الهدی ، كأسرة النبي ابراهيم (ع) (آل ابراهيم ) و اسرة مريم بنت عمران (ع) (آل عمران
« ان الله اصطفى ادم ونوحا ًوآل ابراهيم و ال عمران علی العالمين ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم »5
و اسرة النبي موسى عليه السلام و دورها في حماية دعوته و المحافظة على رسالته .
من هنا فقد ادرك الاسلام العظيم اهمية الاسرة في بناء الافراد و تنشأتهم النشأة الصحيحة الكاملة واثرها في المجتمعات و صلاحها ، فأولاها اشد الاهتمام و منحها كل التكريم وقرر لها كل مايلزم بقاءها و استمرارها و سعادتها ، فعادت الاسرة في ظل قيمه ومبادئه الحنيفة ، قوية الاستحكام ، ثابتة القوام ، كالصرح في مواجهة الاخطار وهذا ما يهدد مخططات الاعداء و يذهب باحلامهم ويبدد رؤاهم في اختراق الافراد و تحطيم المجتمعات و تحقيق مآربهم الخبيثة .
لهذا فان دعاة التحرر و التقدم ومن اجل وصولهم الى اهدافهم الشيطانية الماكرة جندوا كل ما يملكون من الثروات و الطاقات ووجهوا كل قدراتهم صوب الغاء و تحطيم مؤسسة الاسرة و ازدراء ادوارها و النيل من قداستها و تعريض افرادها و مصالحهم للخطر . وذلك عبر تغيير التصورات وتبديل المقاييس و الاعتبارات واجتثاث اصول الافكار الاسلامية والانسانية و الفطرية و استبدالها بافكار شاذة و انحرافات اخلاقية ظاهرة و خواء روحي و عاطفي ونفسي و صحي لا انتهاء له ولا نفاد .
فأول مابدأوا به في تمرير مقاصدهم ، هو اخراج المرأة من حصن الاسرة وعفة الزواج الشرعي ودورها المقدس في تربية الاطفال و بناء المجتمعات نحو العمل في المصانع و المعامل بغية الاستفادة منها كطاقة اقتصادية ارخص من الرجل و لانها تطالب بحقوق واجور اقل، ولانها اكثر صبراً و تحملاً وذلك بعد الثورة الصناعية في اوروپا و مطلع القرن السابع عشر الميلادي فاستغل اصحاب الثروات والاموال جهد المرأة لتوسيع و تطوير قدراتهم الاقتصادية بحجة تحريرها من اسر الاسرة و تحريرها من اسر العمل داخل نطاق ضيق و هو البيت وبهذه الشعارات البراقة خدعوا المرأة وصرفوها عن وظائفها الفطرية و الانسانية وغدت المرأة بعد ذلك تعاني من ازمات نفسية حاده وتبعات جسمية فادحة و كثيرة ناشئة من عملها خارج المنزل وما يترتب على ذلك من مسؤوليتها المضاعفة من عملها الثنائي داخل البيت و المجتمع وليتهم اكتفوا بهذا الحد من الظلم بحق المرأة و الاسرة ، وليتهم امتنعوا عن خداع المرآه اكثر من هذا ، وليت المرأة تنبهت لاساليبهم الماكرة وكلامهم اللاسع . فلم تعد المرأة ضحية اهدافهم الاقتصادية التوسعية فحسب بل و أصبحت العوبة لأغراضهم الدنيئة و اهوائهم الجنسية المريضة و عادت وسيلة للامتاع و اللذة و الجنس فجردوها من هويتها و اصالتها الانسانية و نزعوا عنها لباس العفة و الحياء ورموا بها في لظی الشهوات واحضان الرذيلة و جعلوا منها سلعة رخيصة لنفوسهم المريضة كل ذلك تحت شعارات التحرير و المساواة والحرية .
و ما عاشت المرأة الغربية يوماً الحرية الحقيقية كما زعموها ، وما استطاعت القوانين العصرية و اللوائح الجديدة الخاصة بحقوق المرأة ان توفر للمرأة حاجاتها الاساسية و الفطرية ، بل ظلت اسيرة للحرية الموهومة التي دعوها لها ، مكبلة بقيود الانحلال و الميوعة والاباحية . ولو انها رجعت الى نفسها و فكرت قليلاً لأدركت حقيقة السجن الذي اودعت فيه و الحرية التي اخرجت منها . فمتی كان الزواج تقييدا لحرية المرأة؟ و متى كانت وظائف الحمل و الولادة تحقيراً لها؟ و هل ان مشاعر الامومة وادوارها المقدسة تقليل و تحجيم للمرأة؟ وهل ان قيام المرأة باضفاء اجواء الحب و المودة و الصفاء في الاسرة او توفيرها لاسباب الراحة و الدعة لزوجها و ابنائها استهانة بشخصيتها؟ وهل استطاع الفيمينيون ان يقدموا للمرأة بدائل اكثر جدية و اوفر نتائجاً من هذه الوظائف المناسبة لفطرتها ؟ تقول سيمون دي بفوار و هي احدى داعيات التيار الفيمنيستي :ان هناك قيدين يبقيان المرأة في اسر العبودية يمثلها المؤسستان البارزتان :
«الزواج و الامومة » و يجيب السيد ابراهيم الحسيني في مقاله حول الحركة العصبوية النسوية «الفمنيسم »6
على قول الكاتبة سيمون دي بفوار قائلاً :
((لقد وجهت دي بفوار سهاماً حادة نحو نظام الاسرة بوصفه ركناً للحياة الاجتماعية و التربية السليمة للبشر و كثفت هجومها عليه بشدة ثم عادت تصف الزواج بأنه ضرب من الفاحشة العامة ! و انه عنصرتعاسة المرأة . علی هذه الخلفية رفعت عقيرتها بالاعتراض على دور الزواج في ادامة النسل والتكاثر ورأت ان الشكل السائد في العلاقات الجنسية هو المسألة الاساسية التي تواجهها الحركة العصبوية النسوية((الفيمينية))7، و على هذا الاساس فان تغيير الشكل السائد في العلاقات الجنسية هو الهدف الاساس الذي تبتغي الحركة الفيمينية تحقيقه ، و لهذا فانها طرحت عدة طرق و اساليب شاذة و مخالفة للذوق و العقل و العرف فضلاً عن الشرع لتفعيل هدفها هذا .
ومن تلك الطرق الزواج الحر والعلاقات المفتوحة والذي يعتبر حسب هذه النظرية ايسر طريق لتحرير المرأة من اسر وعبودية الزواج والاسرة وافضل طريق لاشباع اللذة الجنسية من غير الدخول في تحمل مسؤوليات الاسرة ونفقاتها ومهامها الباهظة وذلك من خلال حياة مشتركة بين المرأة والرجل يجمعهما فيها اللذة والتمتع الجنسي من غير ان يترتب عليها مسؤوليات وحقوق مشتركة على الطرفين ،هذا بغض النظر عن انها فاقدة للمعاني الانسانية في الزواج من الالفة والمودة والحب والصفاء ،والملاحظ في هذا الاسلوب الشنيع في التمتع الجنسي ان المستهدف الاول فيه هو الاسرة والامتناع عن تشكيلها و بنائها وابعاد المرأة عنها وعن حصانتها .
والطريق الاخر الاكثر شذوذاً من سابقه والذي روجّت له هذه النظرية وامعنت في الدفاع عنه هو الممارسة الجنسية مع المثل والامتاع الذاتي . وما خلفه من نتائج مرّة وامراض نفسية وصحية وجسدية وضياع بلا انتهاء .فيا تری ماذا اورثت هذه النظرية في المجتمع الغربي غير الانحطاط الاخلاقي الذي انتشر كالاخطبوط في كل اوصال المجتمع والانهيار الاسري والانحلال والابتذال وانهيار العلاقات الانسانية السليمة وفقدان القيم و الخواء الروحي .
وماهي مظاهر التقدم التي حصدتها نساء اليوم جراء اتباع اساليب هذه الحركة غير حالات الفساد والاغتصاب والاطفال غير الشرعيين .
فلماذا يتقبل شبابنا وشاباتنا تجرع هذا السم النقيع بعد ظهور اعراضه وآثاره ؟ وكيف ينخدع بشعارات ويافطات قد تكشف القناع عن زيفها وسوء اهدافها ؟ ولم لا يقف اهل الخبرة وذوو المسؤولية امام هذا السيل الجارف الذي بدأت الانسانية تقتطف سوء ثماره ، وهم يرون بأم اعينهم مسعى الغربيين وشياطينهم لالقاء بذور هذه الامراض المدمرة في اوصال مجتمعاتنا و في اذهان فتياتنا وقد افلحوا الى حد ما في ذلك ، وبدأت علائمه وسمومه تستشري في مجتمعاتنا الاسلامية ، من التغرب في مظاهر اللباس والتزين والتشبه( تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال) والسلوكية الذكورية (قيام النساء بوظائف الرجال ) وقلة العفة وتفكك الاسرة وازدياد حالات الطلاق والعزوف عن الزواج .
وهذا ليس بغريب وعجيب ان يسعى الغربيون لتصدير امراضهم الاجتماعية وافاتهم السلوكية و النفسية على مجتمعاتنا واسرنا وافرادنا فهو من دأب الشياطين بعيدا وقريبا وفي الماضي والحاضر ، فمن دأبهم ان لا يرضوا لانفسهم فقط الكفر والضلال والخسارة والشقاء، بل يحاولون اشراك الاخرين في تيه عقائدهم وسوء عواقبهم وايقاعهم في شباك مصائدهم وقد تحدث القرآن الكريم عن رأس الشياطين وهو ابليس وطريقة اغوائه لادم (ع) ومقاسمته له انه لمن الناصحين واتيانه في الضلال والخداع من احب طريقين للانسان وهما البقاء والملك « وقال مانهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين »
اقسم على نفسه من قبل، اغواء كل من سلك طريق الهداية والصراط المستقيم واغوائه بالضلال كما قد ضل هو من قبل
« قال فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم »8
ولم يكتف ابليس بالاغواء وانما تبعته شياطينه على مر الدهور من الانس والجن على سلوك نفس الطريق في بث بذور الغي والضلال، وكذلك يفعلون اليوم اذ يصدرون لنا كل ماتنتجه عقولهم الضالة ونفوسهم المريضة بقوالب جميلة وشعارات برّاقه وعناوين عصرية خداعة
« شياطين الانس والجن يوحي بعضهم لبعض زخرف القول غرورا »9
يسميها القران الكريم زخرفاً لا واقع له ولا حقيقه تستند اليها .
فاذا قلنا ان هذا ليس بعجيب لانه من ديدن الشياطين ولكن العجيب في ماذا ؟ العجيب في اجيالنا الجديدة المعروفة بالوعي والمعرفة كيف تنطلي عليها هذه الاكاذيب وتقع فريسة هذه الالاعيب بعد ان رفضها اهلها وذمها اهل الرأي والسداد فيهم ، ولماذا يقبلون هذه القشور الواهية من التطور والعلوم الحديثة ويذرون لبابه واصله وعندهم كنوز المعرفة واصول الحق فلماذا يستبدلونها بما هو ادنی منها واضرّ ؟
« اتستبدلون الذي هو ادنی بالذي هو خير » 10
من هنا يبرز دور الاسرة المهم في تركيز وتنمية العقائد الصحيحة لدى الابناء ووقايتهم من الافكار والعقائد المشوهة والمشبوهة ليكونوا معها قادرين على مواجهة الحملات الدعائية لاعداء الاسلام والغزو الفكري والثقافي الذي يستهدف عادة القيم والمبادئ الاخلاقية والعقائدية التي يتعلمها الافراد داخل اسرهم الاسلامية الطيبة .
وقديماً قيل الوقاية خير من العلاج ، والتحصين والتلقيح ضد الامراض خير من السعي لعلاجها وكذلك بالنسبة لتربية الابناء وحصانتهم ضد الامراض الاجتماعية الواردة ، اذ تتحمل الاسرة الموقع الاساس في توفير وبناء الركيزة العقائدية والسلوكية والاخلاقية لدى الابناء والتي تكون كالصرح الذي لا يخترق والبناء المرصوص الذي لا يجد فيه الاعداء ثغره للنفوذ فيها وبث السموم من خلالها .
- النساء/1
2 - الحجرات / 13
3 - الانعام / 90
4 - الرعد / 38
5 - ال عمران / 33-34
6 - الحسيني – ابراهيم – المنهاج-
ص251 –ط1423ه -2002 م – بيروت
7 - تازه هاي انديشه (جديد الفكر )
العدد (شماره) 2- ج 18-17
8 - الاعراف/20-21
9 - الاعراف/16
10 - الانعام /112
source : الشیعه