عربي
Wednesday 24th of July 2024
0
نفر 0

حامي المظلومين

حامي المظلومين
من أبرز صفات الإمام الحسين عليه السلام هو دفاعه عن المظلوم ومحاربته للظالم المستبدّ وأوضح مصداق على ذلك هي قصّة أُرينب زوجة عبدالله بن سلام وهي كما يلي : فقد عرف يزيد في عهده وقبل ذلك أيضاً بشهوانية وحيوانية لم تعرف الحدود ولذلك كان يسعى للوصول إلى أهدافه القذرة ومنها جمع الأموال والجواري الراقصات والزعامة بكلّ طريقة ، بل إنّه تمنّى أن يحصل على امرأة عبدالله بن سلام تلك المرأة المحصنة العفيفة مع وجود زوجها!!
وبدل ان يعمل معاوية على ردعه عن هذه الأُمنية الحقيرة عمل على تهيئة المقدّمات والأجواء له. فقد استعان بالمكر والاحتيال والكذب والخداع ـ كعادته ـ فاضطّر عبدالله بن سلام إلى طلاق زوجته وهو لا يعلم بنوايا يزيد ومعاوية ، وكان من المقرّر أن يبعث يزيد بن معاوية مَن يعقدها له .
ولمّا علم الإمام الحسين عليه السلام بالأمر أرسل خلف أُرينب وعقد عليها ـ بعد انتهاء العدّة ـ إلّا أنّه لم يدخل بها إذ لم يكن قصده سوى إفشال خطّة يزيد ، ولمّا علم يزيد بذلك غضب غضباً شديداً إلّا أنّه لم يقدر على فعل أي شيء وفي نفس الوقت اطّلع عبدالله بن سلام بالموضوع وندم كثيراً فما كان من سيّد الشهداء عليه السلام إلّا أن طلّقها وأرجعها إليه .
ولمّا علم الناس بذلك عرفوا أنّ قصد الإمام عليه السلام هو قطع يد المعتدي والمحافظة على الأُسرة المؤمنة حيث أظهر للناس غيرته واهتمامه بالمسلمين ، وهي من المظاهر التي عرف بها بنو هاشم وعدّها الناس من مفاخر آل علي عليهم السلام وبنفس الوقت عرفوا دناءة بني أُميّة أيضاً (1).

وصيّة معاوية ليزيد :

لمّا مرض معاوية مرضه الذي هلك فيه دعا يزيداً ابنه وقال له : يابني إنّي قد كفيتك الرحلة والترحال ووطّأت لك الأشياء وذلّلت لك الأعداء وأخضعت لك أعناق العرب وجمعت لك من جمع واحد وإنّي لا أتخوّف أن ينازعك هذا الأمر الذي استتبّ لك إلّا أربعة نفر من قريش : الحسين بن علي ، وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وعبدالرحمن بن أبي بكر ، فأمّا عبدالله بن عمر فرجل قد وقذته العبادة وإذا لم يبق أحدٌ غيره بايعك ، وأمّا الحسين بن علي فإنّ أهل العراق لن يدعوه حتّى يخرجوه فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فإنّ له رحماً ماسّة وحقّاً عظيماً ، وأمّا ابن أبي بكر فرجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثلهم ليس له همّة إلّا في النساء واللهو ، وأمّا الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب فإذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطّعه إرباً إرباً (2)
وقال المحدّث القمّي : والصحيح إنّ عبدالرحمن ابن أبي بكر كان قد توفّي قبل موت معاوية (3).

يزيد الجاني

إنّ والد يزيد هو معاوية وأُمّه ميسون ، وكان ـ يزيد ـ قد سكن الصحراء ثمّ تعلّم على يد سرجون الرومي وقد ورث يزيد من أبيه الحقد والكره والعداوة لبني هاشم وآل النبي صلى الله عليه واله ، كما طغت عليه صفات البداوة قبيل الغرور والتصوّرات الخرافية والطباع الجاهلية والإدمان على شرب الخمر ، والعداء التقليدي للإسلام والمسلمين الذي تعلّمه من معلّمه المسيحي الرومي.
وقد عُلِمَ تأريخياً أنّ يزيد لم تكن له أيّة صلة تربطه بالدين ، فهو شاب عاش في عهد أبيه بعيداً عن أُصول الدين الإسلامي ومبادئه وأخلاقه بل قضى أغلب أوقاته في الإدمان واللذائذ والشهوات التي لا يعرف شيئاً غيرها ، وخلال سنوات حكمه الثلاث لم تكن منه سوى الفجائع والفظائع التي لم يُسمع مثلها منذ الصدر الأوّل إلى أيّامه حتّى صارت جرائمه عديمة النظير.
ففي السنة الأُولى من حكمه قتل الإمام الحسين عليه السلام سبط النبي الأكرم مع أولاده وأصحابه وأهل بيته بأفجع قتلة عرفها التاريخ ، ثمّ أمر بسبي نساءه وأسرهنّ مع حمل الرؤوس الطاهرة على الرماح والطواف بها في المدن (4).
وفي السنة الثانية من حكمه الشمؤوم أغار بجيش عنيف على المدينة المنوّرة وقتل أهلها وأهدر دماءهم ظلماً وأباح الأموال والأعراض والدماء فيها ثلاثة أيّام (5).
وفي سنته الثالثة أحرق الكعبة المقدّسة ودمّرها وخرّبها (6).
وبعد يزيد الطاغية حكم بنوا مروان وهم من بني أُميّة أيضاً (وقد تناولت الموسوعات التأريخية تفصيل ذلك) وكانوا أحد عشر حاكماً حكموا طيلة سبعين عاماً وكانت أيّامهم كلّها شؤم مئلت بالظلم والظلام وقلّ أن تكون في الإسلام أيّام صعاب مرّت على المسلمين كما مرّ عليهم في عهد هؤلاء الطغاة ، وبالأحرى كانت دولتهم عبارة عن امبراطورية استبدادية عربية لا تربطهم بالإسلام أيّة رابطة سوى الاسم وقد وصلت بهم الجرأة أنّ أحدهم الذي يحكم المسلمين بعنوان خليفة رسول الله صلى الله عليه واله تمنّى أن تبنى له غرفة فوق الكعبة الشريفة يجلس فيها للاستجمام والراحة في موسم الحجّ (7)!!

يزيد شارب الخمر :

بعد قتل الإمام الحسين عليه السلام جلس يزيد في مجلس أُنسه وطربه مع ابن زياد الذي كان يجلس إلى يمينه فقال لساقي الشراب : اسقني شربة تروي مشاشي ثمّ مِل مثلها ابن زياد صاحب السرّ والأمانة عندي ولتسديد مغنمي وجهادي ثمّ أمر الغنّين فغنّوا به (8).
وكان قد شرب الخمر أيضاً حينما جاءوا إليه برأس الحسين عليه السلام وقد تجرّأ على الله تعالى وسكب فضلة شرابه على الرأس الشريف! فقامت زوجته وغسلت الرأس بماء الورد ثمّ رأت في منامها السيّدة الزهراء عليها السلام وعي تتفقّد ابنها وبعدها أمر يزيد لعنه الله بالرؤوس أن تعلّق على بوابّة المدينة مع إخراج عيال الإمام الحسين عليه السلام إلى الخربة (9).
ولم يكن يزيد يشرب الخمر فقط بل كان لا يعرف الصلاة ويلعب بالكلاب ويضرب الطنبور والدفّ والناي ويأتي الأُمّهات والأخوات والبنات (10).

إذا رأيت آلة القمار فالعن يزيد :

عن الفضل بن شاذان قال : سمعت الإمام الرضا عليه السلام يقول : لمّا حمل رأس الحسين إلى الشام أمر يزيد لعنه الله فوضع ونصب عليه مائدة فأقبل هو وأصحابه يأكلون ويشربون الفقّاع ، فلمّا فرغوا أمر بالرأس فوضع في طست تحت سريره ، وبسط عليه رقعة الشطرنج وجلس يزيد لعنه الله يلعب بالشطرنج ويذكر الحسين وأباه وجدّه صلى الله عليه واله ويستهزئ بذكرهم فمتى خمر صاحبه تناول الفقّاع فشربه ثلاث مرّات ثمّ صبّ فضلته ممّا يلي الطست من الأرض.
فمن كان من شيعتنا فليتورّع عن شرب الفقّاع واللعب بالشطرنج ومن نظر إلى الفقّاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين عليه السلام وليلعن يزيد وآل زياد يمحو الله عزّ وجلّ بذلك ذنوبه ولو كانت كعدد النجوم (11).
وقبل أن يموت يزيد عهد بالأمر إلى ابنه معاوية وأخذ البيعة من الناس له ، إلّا أنّ ابنه تنازل عن حكومته كما جاء في كتاب «النجوم الزاهرة» (12)
حيث جاء فيه أنّ معاوية ابن يزيد خطب بالناس وقال : أيّها الناس ما أنا بالراغب في الائتمار عليكم لعظيم ما اكرهه منكم ، وإنّي لا أعلم أنّكم تكرهوننا أيضاً لأنّا بليناكم ، وبليتم بنا ، إلّا أنّ جدّي معاوية قد نازع في هذا الأمر من كان أولى به منه ومن غيره ، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه واله ...
إلى أن قال : ولقد كان أبي يزيد بسوء فعله وإسرافه على نفسه غير خليق بالخلافة على أُمّة محمّد صلى الله عليه واله فركب هواه. واستحسن خطاه ، وأقدم على ما أقدم من جرأته على الله ، وبغيه على من استحلّ حرمته من أولاد رسول الله صلى الله عليه واله فقلّت مدّته ، وانقطع أثره ، وضاجع عمله ، وصار حليف حفرته ، ورهين خطيئته ، وبقيت أوزاره وتبعاته ، وحصل على ما قدّم (13).
وقال المسعودي : وملك معاوية بن يزيد بن معاوية بعد أبيه ، فكانت أيّامه أربعين يوماً إلى أن مات (14).

كيف تعامل يزيد مع رأس الحسين عليه السلام

إنّ ما فعله يزيد مع الرأس الشريف يكشف عن خبثه ، وقد أشرنا إلى إهراقه الشراب على الرأس الشريف ومع ذلك فهو لم يكتفِ بهذا بل جاء في الرسالة الحاوية لركن الإسلام الخوارزمي أنّه قال :
لمّا وصل رأس الحسين عليه السلام ووضع أمامه ووضع قدمه على الرأس الطاهر فكان في المجلس الصحابي زيد بن أرقم فقاله «لا تفعل ذلك يا يزيد فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه واله يقبّل ذلك الفمّ» إلّا أنّ اللعين مسك القضيب وأخذ ينكثه به ثنايا الإمام الحسين عليه السلام.
وجاء في الحاوية أيضاً : إنّ اللعين طلب خمراً وكان الرأس الشريف عنده فشرب حتّى سكر ورقص وهو على العرش حتّى سقط منه إلى الأ{ض من شدّة السكر ، كما مات أبوه سكراناً وقد علّق الصليب في عنقه.
وقال جماعة : إنّ يزيد خرج ذات يوم مع حرسه إلى صيد الغزلان ، فأخذ يطارد غزالة حتّى أمر الله الأرض فخسفت به (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) (15).
وذكر الشيخ الصدوق في أماليه : أنّه لمّا جاءوا برأس الحسين عليه السلام إلى يزيد وضع في طشت من ذهب وأخذ يزيد القضيب وجعل ينكث ثغر الحسين عليه السلام ويقول : ما أجمل ثغرك ، فقال له من كان حاضراً : يا يزيد كيف تفعل ذلك ، أشهد لقد رأيت النبي صلى الله عليه واله يرشف ثناياه (16).

رمي الإمام الحسين بالحجارة :

ذكر أبو ريحان البيروني فقال له : ما تعرّض إليه الإمام الحسين عليه السلام من الظلم لم يتعرّض إليه أحد في جميع الأُمم من قِبل أقبح الأفراد ، فقد ضربوه بالسيوف والرماح ورموه بالحجارة حتّى ضعف عن القتال ثم قتلوه وسحقوا بدنه بالخيل ، وذكر أنّ واحداً من هذه الخيل التي سحقت الإمام الحسين عليه السلام كان في مصر ، فخلع بعض الناس نعله وعلّقه على باب بيته تبرّكاً به لأنّه لامس بدن الإمام الطاهر حتّى صار هذا العمل عادة فأخذ أهل مصر يعلّقون نعل الخيل على أبوابهم. (17).
وروي أنّ دم الإمام الحسين عليه السلام بقي يفور حتّى قتل المختار بن أبي عبيدة الثقفي سبعين الفاً من قتلة الإمام الحسين عليه السلام وقال المختار : إنّي قد قتلت سبعين الفاً ووالله لو قتلت أهل الأرض كلّهم لما قابل اصبع الحسين الذي قطعوه (18).
المصادر :
1- الإمام الثالث طبع مؤسّسة في طريق الحقّ نقلاً عن كتاب الإمامة والسياسة ج ١ ص ٢٥٣ وما بعدها.
2- نفس المهموم ص ٢٩.
3- المصدر نفسه.
4- تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢١٦ ، وتاريخ أبوالفداء ج ١ ص ١٩٠ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٦٣ وغيرها.
5- تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٤٣ ، وتاريخ أبوالفداء ج ١ ص ١٩٢ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٧٨.
6- تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٢٤ ، وتاريخ أبوالفداء ج ١ ص ١٩٢ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٨١.
7- الشيعة في الإسلام للعلّامة الطباطبائي ص ٢٥.
8- مروج الذهب ج ٣ ص ٦٧.
9- كامل البهائي ج ١ ص ١٨٨.
10- مروج الذهب ج ٣ ص ٦٧ وتتمّة المنتهى ص ٣٦.
11- جزاء الأعمال ج ٢ ص ٧٥ / فارسي ، والبحار ج ٤٥ ص ١٧٦.
12- النجوم الزاهرة الطبعة الأُولى ج ١ ص ٢٤٦.
13- حياة الحيوان ج ١ ص ٦١ ـ ٦٢.
14- مروج الذهب ج ٣ ص ٧٢.
15- كامل بهائي ج ٢ ص ١٧٣ / فارسي.
16- أمالي الصدوق ص ٩٩.
17- الوجه المدمى ص ٣٦٨ فارسي ، نقلاً عن الآثار الباقية ص ٣١٩ ، وكتاب التعجّب ص ٤٦.
18- إثبات الوصية ص ٣١٠.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الجزع على الحسين (علیه السلام)
ضجيج الملائكة إلى الله تعالى في أمره
حامي المظلومين
منكروا المهدي من أهل السنة وعلة إنكارهم
فيما شاهده عمر بن حنظلة من الدلائل
في آلیة التمهید لظهور الحجة المنتظر(ع)
الشيخ راضي آل ياسين
المصرفية الاسلامية
الحداثة والفكر الإسلامي المعاص
لطف الميل في المرأة

 
user comment