غزوة الخندق
لما نقضت بنو قريظة صلحها مع الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وانضمَّت إلى صفوف المشركين ، تغيَّر ميزان القوى لصالح أعداء الإسلام .
فقاموا بتطويق المدينة بعشرة آلاف مقاتل ، ممَّا أدَّى إلى انتشار الرُعب بين صفوف المسلمين ، وتزَلْزَلَتْ نفوسهم ، وظَنّوا بالله الظنونا .
فبدأ العدو هجومه على المسلمين بعبور الخندق - الذي حفره الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه حول المدينة - بقيادة أحد أبطال الشرك والكفر ، وهو عمرو بن عبد ودٍّ العامري ، فازداد الخطر على المسلمين ، لأن العدو بدأ بتهديدهم من داخل حصونهم .
فراح ابن عبد ودٍّ يصول ويجول ، ويتوعَّد ويتفاخر ببطولته ، وينادي : هل من مبارز ؟
فقام الإمام علي ( عليه السلام ) وقال : ( أنَا لَهُ يا رَسولَ الله ) .
فأذن ( صلى الله عليه وآله ) له ، وأعطاه سيفه ذا الفقار ، وألبسه دِرعه ، وعمَّمه بعمامَتِه .
ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ هذا أخي ، وابن عمي ، فلا تَذَرْني فرداً ، وأنت خير الوارثين ) .
ومضى الإمام علي ( عليه السلام ) إلى الميدان ، وخاطب ابن عبد ودٍّ بقوله : ( يا عمرو ، إنَّك كنت عاهدْتَ الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا قبلتها ) .
قال عمرو : أجل .
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( فإنّي أدعوك إلى الله ، وإلى رسوله ، وإلى الإسلام ) .
فقال : لا حاجة لي بذلك .
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( فإنِّي أدعوكَ إلى البراز ) .
فقال عمرو : إنِّي أكره أن أُهريقَ دمك ، وإنَّ أباكَ كان صديقاً لي .
فردَّ الإمام علي ( عليه السلام ) عليه قائلاً : ( لكنِّي والله أحِبّ أنْ أقتلَكَ ) .
فغضب عمرو ، وبدأ الهجوم على الإمام علي ( عليه السلام ) ، فصدَّه برباطة جأش ، وأرداه قتيلاً ، فعلا التكبير والتهليل في صفوف المسلمين ، وكان ذلك في الثالث من شوال ، في سنة ( 5 هـ ) .
ولمَّا عاد الإمام ( عليه السلام ) ظافراً ، استقبله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يقول : ( لَمُبَارَزَة عَليّ بن أبي طالب لِعَمرو بن عبد ودٍّ أفضلُ من عَمل أمَّتي إلى يوم القيامة ) .
فلولا الموقف البطولي للإمام ( عليه السلام ) ، لاقتحم جيش المشركين المدينة على المسلمين بذلك العدد الهائل ، وهكذا كانت بطولة الإمام علي ( عليه السلام ) في غزوة الخندق ( الأحزاب ) ، فكانت أهمّ عناصر النصر لمعسكر الإيمان على معسكر الكفر والضلال .