لقاء الحبيب:
عن حبيب بن عمرو قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبى طالب (عليه السلام) في مرضه الذي قُبض فيه فحلّ عن جراحته ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما جرحك هذا بشيء وما بك من بأس ، فقال لي : (( يا حبيب ، أنا والله مفارقكم الساعة )) , قال : فبكيت عند ذلك وبكت أم كلثوم وكانت قاعدة عنده ، فقال لها : (( ما يُبكيك يا بُنيّة ؟ )) فقالت : ذكرت يا أبه إنّك تفارقنا الساعة فبكيت ، فقال لها : (( يا بنيّة لا تبكين ، فوَ الله لو ترين ما يرى أبوك ما بكيت )) , قال حبيب : فقلت له : وما الذي ترى يا أمير المؤمنين ؟ فقال : (( يا حبيب ، أرى ملائكة السماوات والنبيّين بعضهم في أثر بعض وقوفاً إليّ أن يتلقّوني ، وهذا أخي محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس عندي يقول : أقدم ; فإنّ أمامَك خير لك ممّا أنت فيه )) , قال : فما خرجت من عنده حتى توفّي (عليه السلام)(1) .
الوداع الأخير:
عن محمّد ابن الحنفية : لما كانت ليلة إحدى وعشرين وأظلم الليل ـ وهى الليلة الثانية من الكائنة ـ جمع أبي أولاده وأهل بيته وودّعهم . . . ثمّ عرضنا عليه المأكول والمشروب فأبى أن يشرب فنظرنا إلى شفتيه وهما يختلجان بذكر الله تعالى ، وجعل جبينه يرشح عرقاً وهو يمسحه بيده ، قلت : يا أبتِ أراك تمسح جبينك فقال : (( يا بُنيَّ ، إنّي سمعت جدّك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : إنّ المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه وصار كاللؤلؤ الرطب وسكن أنينه )) ، ثمّ قال : (( يا أبا عبد الله ويا عون )) ، ثمّ نادي أولاده كلّهم بأسمائهم صغيراً وكبيراً واحداً بعد واحد ، وجعل يودّعهم ويقول : (( الله خليفتي عليكم ، أستودعكم الله )) , وهم يبكون ، فقال له الحسن (عليه السلام) : (( يا أبه ، ما دعاك إلى هذا ؟ )) فقال له :
(( يا بُنيَّ إنّي رأيت جدّك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في منامي قبل هذه الكائنة بليلة ، فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلّل والأذى من هذه الأمّة ، فقال لي : ادعُ عليهم ، فقلت : اللهمّ أبدلْهم بي شرّاً منّي وأبدلني بهم خيراً منهم ، فقال لي : قد استجاب الله دُعائك ، سينقلك إلينا بعد ثلاث ، وقد مضت الثلاث ، يا أبا محمّد أوصيك , ويا أبا عبد الله خيراً ، فأنتما منّي وأنا منكما . . . )).
ثمّ قال : (( يا أبا محمّد ويا أبا عبد الله كأنّي بكما وقد خرجت عليكما من بعدي الفتن من هنا ، فاصبرا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين )) .
ثمّ قال : (( يا أبا عبد الله أنت شهيد هذه الأمّة ; فعليك بتقوى الله والصبر على بلائه )) ، ثمّ أغميّ عليه ساعة ، وأفاق وقال : (( هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمّي حمزة وأخي جعفر وأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكلّهم يقولون : عجِّل قدومك علينا فإنّا إليك مشتاقون )) ، ثمّ أدار عينيه في أهل بيته كلّهم وقال : (( أستودعكم الله جميعا سدّدكم الله جميعاً حفظكم الله جميعاً ، خليفتي عليكم الله وكفى بالله خليفة )) .
ثمّ قال : (( وعليكم السلام يا رسلَ ربّي )).
ثمّ قال : ( لِمِثْلِ هذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ) , ( إِنّ اللّهَ مَعَ الّذِينَ اتّقَوْا وَالّذِينَ هُم مُحْسِنُونَ) , وعرق جبينه وهو يذكر الله كثيراً ، وما زال يذكر الله كثيراً ويتشهّد الشهادتين, ثمّ استقبل القبلة وغمّض عينيه ومدّ رجليه ويديه وقال :(( أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ))، ثمّ قضى نحبه (عليه السلام) (2).
كانت وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) قبيل الفجر من ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلاً بالسيف ، قتله ابن ملجم (لعنه الله)(3).
إنقطاع خلافة النبوة:
عن أسيد بن صفوان : لمّا كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ارتُجّ الموضع بالبكاء ودهش الناس كيوم قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وجاء رجل باكياً وهو مسرع مسترجع وهو يقول :(( اليوم انقطعت خلافة النبوّة )) ،
حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال :
(( رحمك الله يا أبا الحسن ! كنت أوّل القوم إسلاماً ، وأخلصهم إيماناً ، وأشدّهم يقيناً ، وأخوفهم لله ، وأعظمهم عناء ، وأحوطهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وآمنهم على أصحابه ، وأفضلهم مناقب ، وأكرمهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأقربهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأشبههم به هدياً وخلقاً وسمتاً وفعلاً ، وأشرفهم منزلة ، وأكرمهم عليه ، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسوله وعن المسلمين خيراً .
قويت حين ضعف أصحابه ، وبرزت حين استكانوا ، ونهضت حين وهنوا ، ولزمت منهاج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ همّ أصحابه ، وكنت خليفته حقّاً ، لم تنازع ولم تضرع برغم المنافقين ، وغيظ الكافرين ، وكره الحاسدين ، وصغر الفاسقين .
فقمتَ بالأمر حين فشلوا ، ونطقت حين تتعتعوا ، ومضيت بنور الله إذ وقفوا ، فاتّبعوك فهُدوا ، وكنت أخفضهم صوتاً ، وأعلاهم قنوتاً ، وأقلّهم كلاماً ، وأصوبهم نطقاً ، وأكبرهم رأياً ، وأشجعهم قلباً ، وأشدّهم يقيناً ، وأحسنهم عملاً ، وأعرفهم بالأمور . كنت والله يعسوباً للدين ، أوّلاً وآخراً :
الأوّل حين تفرّق الناس ، والآخر حين فشلوا ، كنت للمؤمنين أباً رحيماً ، إذ صاروا عليك عيالاً ، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا ، وحفظت ما أضاعوا ، ورعيت ما أهملوا ، وشمّرت إذ اجتمعوا ، وعلوت إذ هلعوا ، وصبرت إذ أسرعوا ، وأدركت أوتار ما طلبوا ، ونالوا بك ما لم يحتسبوا .
كنت على الكافرين عذاباً صبّاً ونهباً ، وللمؤمنين عمداً وحصناً ، فطرتَ والله بنعمائها وفزت بحبائها ، وأحرزت سوابقها ، وذهبت بفضائلها ، لم تفلل حجّتك ، ولم يزُغ قلبك ، ولم تضعف بصيرتك ، ولم تجبن نفسك ولم تخُر .
كنت كالجبل لا تحرّكه العواصف ، وكنت كما قال : آمن الناس في صحبتك وذات يدك ، وكنت كما قال : ضعيفاً في بدنك ، قويّاً في أمر الله ، متواضعاً في نفسك ، عظيماً عند الله ، كبيراً في الأرض ، جليلاً عند المؤمنين ، لم يكن لأحد فيك مهمز ، ولا لقائل فيك مغمز ، ولا لأحد فيك مطمع ، ولا لأحد عندك هوادة ، الضعيف الذليل عندك قوىّ عزيز حتى تأخذ له بحقّه ، والقوىّ العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحقّ ، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء .
شأنك الحقّ والصدق والرفق ، وقولك حكم وحتم وأمرك حلم وحزم ، ورأيك علم وعزم فيما فعلت ، وقد نهج السبيل ، وسهل العسير وأطفئت النيران ، واعتدل بك الدين ، وقوى بك الإسلام ، فظهر أمر الله ولو كره الكافرون ، وثبت بك الإسلام والمؤمنون ، وسبقت سبقاً بعيداً ، وأتعبت مَن بعدك تعباً شديداً ، فجللت عن البكاء ، وعظمت رزيّتك في السماء ، وهدّت مصيبتك الأنام ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، رضينا عن الله قضاه ، وسلّمنا لله أمره ، فوَ الله لن يُصاب المسلمون بمثلك أبداً .
كنت للمؤمنين كهفاً وحصناً ، وقُنّة(4) راسياً ، وعلى الكافرين غلظة وغيظاً ، فألحقك الله بنبيّه ، ولا أحرمنا أجرك ، ولا أضلّنا بعدك )) .
وسكت القوم حتى انقضى كلامه وبكى وبكى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ طلبوه فلم يصادفوه (5) .
الوصية الأخيرة:
عن حبّان بن علي العنزي عن موليً لعلي (عليه السلام) قال : لمّا حضرَت أمير المؤمنين (عليه السلام) الوفاة قال للحسن والحسين (عليهما السلام) :
(( إذا أنا مُتّ فاحملاني على سريري ، ثمّ أخرجاني واحملا مؤخّر السرير ; فإنّكما تُكْفيان مقدّمه ، ثمّ ائتيا بي الغريّين ; فإنّكما ستَريان صخرةً بيضاء تلمع نوراً ، فاحتفِرا فيها ; فإنّكما تجدان فيها ساجةً ، فادفناني فيها )).
قال : فلمّا مات أخرجناه وجعلنا نحمل مؤخّر السرير ونُكفى مقدّمه ، وجعلنا نسمع دويّاً وحفيفاً حتى أتينا الغريّين ، فإذا صخرةٌ بيضاء تلمع نوراً ، فاحتفرنا فإذا ساجةٌ مكتوب عليها : ( ممّا أدخر نوحٌ لعلىّ بن أبى طالب) . فدفنّاه فيها ، وانصرفنا ونحن مسرورون بإكرام الله لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، فلحَقَنا قومٌ من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه ، فأخبرناهم بما جرى وبإكرام الله أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالوا : نحبّ أن نعاين من أمره ما عاينتم . فقلنا لهم : إنّ الموضع قد عُفّيَّ أثره بوصية منه (عليه السلام) ، فمضوا وعادوا إلينا فقالوا : إنّهم احتفروا فلم يجدوا شيئاً(6) .
في رثاء الإمام (عليه السلام):
قال الإمام الحسن (عليه السلام) :
أين من كان لعلم * * * الـمصطفى في الناس بابا
أين من كان إذا * * * ما قحط الناس سحابا
أين من كان إذا نودىَ * * * في الحربِ أجابا
أين من كان دعاه * * * مستجاباً ومُجابا
وله (عليه السلام) :
خلّ العيون وما أردنَ * * * من البكاء على علي
لا تقبلن من الخلِىِّ * * * فليس قلبك بالخليّ
للهِ أنتَ إذا الرجال * * * تضعضعت وسط الندي
فرّجت غمّته ولم تركن * * * إلى فشل وعي
وله (عليه السلام) :
خذل الله خاذليه ولا * * * أغــمدَ عن قاتليه سيف الفناءِ(7)
مكان قبر الإمام (عليه السلام):
عن الإمام الباقر (عليه السلام) : كان في وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) : (( أن أخرجوني إلى الظَّهْر فإذا تصوّبت أقدامكم واستقبلتكم ريح فادفنوني ، وهو أول طور سَيناء . ففعلوا ذلك)) (8) .
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : كان أمير المؤمنين على باب النجف ويقول :(( وادي السلام ومجمع أرواح المؤمنين ونِعمَ المضجع للمؤمن هذا المكان )) , وكان يقول : (( اللهمّ اجعل قبري بها)) (9) .
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) نظر إلى ظهر الكوفة فقال : (( ما أحسن منظرك ، وأطيب قعرك ! اللهمّ اجعله قبري )) (10) .
وعن جابر بن يزيد : سألت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر (عليهما السلام) : أين دُفِن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : (( دفن بناحية الغريّين ، ودُفن قبل طلوع الفجر)) (11).
عن أبى بصير : قلت لأبى عبد الله (عليه السلام) : أين دُفن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال :(( دُفن في قبر أبيه نوح (عليه السلام) )) قلت : وأين قبر نوح ؟ الناس يقولون : إنّه في المسجد ، قال : (( لا ، ذاك في ظهر الكوفة )) (12) .
عن عبد الرحيم القصير:سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : (( أمير المؤمنين (عليه السلام) مدفون في قبر نوح )). قال : قلت : ومن نوح ؟ قال : (( نوح النبي (عليه السلام) )) , قلت : كيف صار هكذا ؟ فقال : (( إنّ أمير المؤمنين صدّيق ، هيّأ الله له مضجعه في مضجع صدّيق , يا عبد الرحيم ، إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرنا بموته وبالموضع الذي دُفن فيه ، وأنزل الله عزّ وجلّ له حنوطاً من عنده مع حنوط أخيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبره أنّ الملائكة تنزله قبره ، فلمّا قُبض (عليه السلام) كان فيما أوصي به ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام) إذ قال لهما :
إذا مُتّ فغسّلاني وحنّطاني واحملاني بالليل سرّاً ، واحملا يا بَنيَّ بمؤخّر السرير واتبعاه ، فإذا وُضع فضعا ، وادفناني في القبر الذي يوضع السرير عليه ، وادفناني مع مَن يعينكما على دفني في الليل ، وسوِّياه ))(13).
عن أبى بكر بن عياش : سألت أبا حصين والأعمش وغيرهم فقلت : أخبركم أحد أنّه صلّيَّ على أمير المؤمنين (عليه السلام) أو شهد دفنه ؟ قالوا : لا ، فسألت أباك محمّد بن السائب فقال : اُخرج به ليلاً ، وخرج به الحسن والحسين (عليهما السلام) ومحمّد ابن الحنفية وعبد الله بن جعفر وعدّة من أهل بيته ، فدُفِن في ظهر الكوفة ، فقلت لأبيك : لِمَ فعل به ذلك ؟ قال : مخافة أن ينبشه الخوارج وغيرهم (14).
إخفاء قبر الإمام (عليه السلام):
عن الإمام الصادق (عليه السلام) : (( إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر ابنه الحسن (عليه السلام) أن يحفر له أربعة قبور في أربعة مواضع : في المسجد ، وفي الرحبة ، وفي الغري ، وفي دار جعدة ابن هبيرة ، وإنّما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره (عليه السلام) )) (15).
وفي إرشاد القلوب: (( لمّا قُبِض وغسّل وكفّن اُخرج إلى مسجد الكوفة أربع توابيت فصُلّى عليها ، ثمّ اُدخل تابوت إلى البيت والثلاثة الباقية , منها ما بعث إلى جهة بيت الله الحرام ، ومنها ما حمل إلى مدينة الرسول ، ومنها ما نقل إلى البيت المقدّس ، وفعل ذلك لإخفائه (عليه السلام))) (16) .
ظهور قبر الإمام (عليه السلام):
عن صفوان الجمال عن الإمام الصادق (عليه السلام) : سار وأنا معه في القادسيّة حتى أشرف على النجف . . . ثمّ قال (عليه السلام) : (( اعدل بنا )) ، قال : فعدلت به فلم يزل سائراً حتى أتي الغري ، فوقف به , ثم أتى القبر فساق السلام من آدم على نبي نبي (عليهما السلام) وأنا أسوق السلام معه حتى وصل السلام إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ خرّ على القبر فسلّم عليه وعلا نحيبه ، ثمّ قام فصلّى أربع ركعات ـ وفى خبر آخر : ستّ ركعات ـ وصلّيت معه ، وقلت له : يابن رسول الله ما هذا القبر ؟ قال : (( هذا القبر قبر جدّي علي بن أبى طالب (عليه السلام) )) (17).
وعن صفوان الجمّال : خرجت مع الصادق (عليه السلام) من المدينة أريد الكوفة ، فلمّا جزنا باب الحيرة قال : (( يا صفوان )) . قلت : لبّيك يابن رسول الله . قال : (( تُخرج المطايا إلى القائم وجُدَّ الطريق إلى الغري )) .
قال صفوان : فلمّا صرنا إلى قائم الغري أخرج رِشاءً (18) معه دقيقاً قد عُمل من الكِنبار(19) ، ثمّ تبعّد من القائم مغرباً خطيً كثيرةً ، ثمّ مدّ ذلك الرِّشاء حتى انتهى إلى آخره فوقف ، ثمّ ضرب بيده إلى الأرض فأخرج منها كفّاً من تراب فشمّه مليّاً ، ثمّ أقبل يمشي حتى وقف على موضع القبر الآن ، ثمّ ضرب بيده المباركة إلى التربة ، فقبض منها قبضةً ، ثمّ شهق شهقة حتى ظننت أنّه فارق الدنيا ، فلمّا أفاق قال : (( هاهنا والله مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) ))، ثمّ خطّ تخطيطاً ، فقلت : يابن رسول الله ، ما منع الأبرار من أهل بيته من إظهار مشهده ؟ قال : (( حذراً من بني مروان والخوارج أن تحتال في أذاه )) (20) .
ثواب زيارته(عليه السلام):
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( من زار عليّاً بعد وفاته فله الجنّة )).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) :(( بينما الحسين بن علي (عليه السلام) في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ رفع رأسه فقال : يا أبه ، ما لمن زارك بعد موتك ؟ فقال : يا بُنيّ ، من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة ، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنّة ، ومن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة ، ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة ))(21) .
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : (( أتى أعرابي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا رسول الله ، إنّ منزلي ناء عن منزلك ، وإنّي أشتاقك وأشتاق إلى زيارتك ، وأقدم فلا أجدك وأجد علي بن أبى طالب (عليه السلام) ، فيؤنسني بحديثه ومواعظه ، وأرجع وأنا متأسّف على رؤيتك .
فقال (عليه السلام) : من زار عليّاً (عليه السلام) فقد زارني ، ومن أحبّه فقد أحبّني ، ومن أبغضه فقد أبغضني ، أبلغ قومَك هذا عنّي ، ومن أتاه زائراً فقد أتاني وأنا المُجازي له يوم القيامة ، وجبرئيل ، وصالح المؤمنين)) (22) .
وعن يونس بن أبى وهب القصري : دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) ، فقلت : جعلت فداك ، أتيتك ولم أزُر أمير المؤمنين (عليه السلام) ،
قال : (( بئس ما صنعت لولا أنّك من شيعتنا ما نظرت إليك ، ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ، ويزوره الأنبياء ، ويزوره المؤمنون ؟ )) قلت : جعلت فداك ، ما علمت ذلك , قال : (( اعلمْ أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أفضل من الأئمّة كلّهم ، وله ثواب أعمالهم ، وعلى قدر أعمالهم فُضِّلوا ))(23).
وعن جعفر بن محمّد بن مالك عن رجاله يرفعه : كنت عند جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) وقد ذكر أمير المؤمنين علي بن أبى طالب (عليه السلام) فقال ابن مارد لأبي عبد الله (عليه السلام) : ما لمن زار جدّك أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟ فقال : (( يابن مارد ، من زار جدّي عارفاً بحقّه كتب الله له بكلّ خطوة حجّة مقبولة وعمرة مبرورة ، والله يابن مارد ما يطعم الله النار قدماً اغبرّت في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) ماشياً كان أو راكباً ، يابن مارد ! اكتب هذا الحديث بماء الذهب )) (24).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) بحار الأنوار / ج 42 / ص290.
(3) الإرشاد / للشيخ المفيد / ج 1 / ص 9 .
(7) المناقب لابن شهر آشوب / ج٣ / 96 .
(8) بحار النوار / ج 13 / ص 219 .
(9) كنز العمال للمتقي الهندي / ج 2 / ص 473 .
(10) بحار الأنوار / ج 97 / ص 237.
(11) أعيان الشيعة للاميني / ج 1 / ص 535 .
(12) جامع أحاديث الشيعة للبروجردي / ج 12 / ص 371.
(13) فرحة الغري للسيد بن طاووس / ص 78.
(16) موسوعة الإمام علي بن أبي طالب / ري شهري/ ج 7 / ص 292.
(17) وسائل الشيعة للاميني / ج 14 / ص 379.
(19) الكِنبار : حَبْلُ النارَجِيلِ ، وهو نخيل الهند تُتّخذ من ليفه حبال للسفن .
(20) بحار الأنوار / ج 97 / ص 235 .
(21) كامل الزيارات / ابن قولويه / ص 39.
(22) بحار الأنوار / ج 97 / ص 263.