لقد بُعِثَ الأنبياء لإصلاح المجتمع، وكلهم كانوا يؤكدون أنه ينبغي التضحية بالفرد من أجل المجتمع مهما كان الفرد عظيماً، وحتى لو كان الفرد أعظم من في الأرض، فإذا اقتضت مصلحة المجتمع التضحية بهذا الفرد، فعليه أن يضحي. وعلى هذا الأساس نهض سيد الشهداء (عليه السلام) وضحى بنفسه وأصحابه وأنصاره، فالفرد يُفدى في سبيل المجتمع، فإذا اقتضت مصلحة المجتمع وتوقف إصلاح المجتمع على تضحية وجب التضحية، إن العدالة ينبغي أن تحقق بين الناس {ليقوم الناس بالقسط}[1].
كان هدف الإمام الحسين (عليه السلام) من الاستشهاد إقامة العدل الإلهي وصيانة بيت الله الحرام.
*****
إن حياة سيد الشهداء (عليه السلام) وحياة الإمام المهدي صاحب الزمان (سلام الله عليه) وجميع الأنبياء من آدم (عليه السلام) حتى الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) كانت تدور حول محور إرساء وإقامة حكومة العدل في مقابل الظلم.
*****
لقد أعلن سيد الشهداء (عليه السلام) بصراحة أن هدفه من قيامه هو إقامة العدل، فالمعروف لا يعمل به والمنكر لا يتناهى عنه[2]، لذا فهو يريد إقامة المعروف ومحو المنكر، فجميع الانحرافات منشؤها من المنكر، وما عدا خط التوحيد المستقيم فكل ما في العالم منكرات، ويجب أن تزول.
ونحن الموالون لسيد الشهداء (عليه السلام) السائرون على نهجه ينبغي أن ننظر في حياته، وفي قيامه، الذي كان الدافع إليه النهي عن المنكر ومحوه، ومن المنكر حكومة الجور، وهي يجب أن تزول.
*****
لقد ضحى سيد الشهداء (عليه السلام) بكل حياته من أجل إزالة المنكر ومحوه ومكافحة حكومة الظلم والحيلولة دون المفاسد التي أوجدتها الحكومات المنحرفة في العالم، كما سعى بجدٍ للإطاحة بحكومة الجور وإزالتها ونشر المعروف والنهي عن المنكر.
*****
لقد ضحى سيد الشهداء (عليه السلام) بكل ما يملك وضحى بنفسه وأطفاله وبكل شيء وكان يعلم أن الأمر سيؤول إلى ما آل إليه، وإذا رجعنا إلى أقواله وتصريحاته وهو يهمُّ بمغادرة المدينة إلى مكة وعندما خرج من مكة إلى كربلاء سنجد أنه بصير بما كان يفعل.
لم يكن يريد أن يجرب ويجازف في تحركه ليعلم هل ينجح أم لا، بل إنّه كان قد تحرك ليتسلم زمام الحكومة، وهذا مبعث فخر له ومدعاة افتخار، والذين يتصورون أن سيد الشهداء (عليه السلام) لم ينهض لأخذ زمام الحكم فهم مخطئون، فسيد الشهداء (عليه السلام) إنما جاء وخرج مع صحبه لتسلم الحكم لأن الحكومة يجب أن تكون لأمثال سيد الشهداء (عليه السلام) وأمثال شيعته.
*****
لقد رأى سيد الشهداء (عليه السلام) إن الدين يوشك أن ينمحي، وقضية قيام سيد الشهداء (عليه السلام) بوجه يزيد وقيام أمير المؤمنين (عليه السلام) ضد معاوية، وقيام الأنبياء (عليهم السلام) بوجه المتسلطين والكفار لم تكن قضية سيطرة وتحكم أو طلب سلطة ورئاسة، فالعلم كله ليس له أية قيمة بنظرهم، وليس همهم طلب الرئاسة والرغبة في السلطة وفتح البلدان للسيطرة عليها.
*****
إن ما أوصل سيد الشهداء (عليه السلام) إلى ذلك المصير هو الدين والعقيدة، وقد ضحى (سلام الله عليه) بكل شيء من أجل العقيدة والإيمان، وكانت النتيجة أن قتل وهَزمَ عدوه بدمه.
*****
لقد ثار سيد الشهداء (عليه السلام) ضد يزيد وربما لم يكن متيقناً من أنه سيتمكن من الإطاحة بيزيد وإزاحته عن السلطة وتــحدثنا الروايات الواردة عنه (عليه السلام) بأنه كان مطلعاً على هذا الأمر[3]، لكنه في الوقت ذاته قرر النهوض والثورة ضد نظام ظالم حتى لو أدى ذلك إلى مقتله، وفعلاً تحرك وقام بوجه النظام الظالم وقدم الضحايا وقتل من قتل من أعدائه وقُتل هو بعد ذلك.
*****
لقد كان الحسين (عليه السلام) يفكر بمستقبل الإسلام والمسلمين باعتبار أن الإسلام سينتشر بين الناس نتيجة لتضحياته ولجهاده المقدس وأن نظامه السياسي والاجتماعي سيقام في مجتمعنا، فرفع لواء المعارضة والنضال والتضحية.
*****
لقد رأى سيد الشهداء (عليه السلام) أن تكليفه يقتضي أن يقاوم تلك السلطة ويقتل لكي يُغيِّر الأوضاع السائدة آنذاك ولكي يفضح تلك السلطة من خلال تضحيته وتضحيات أنصاره الذين كانوا معه. لقد رأى أن حكومةً جائرةً قد هيمنت على مقدرات الدولة وأن التكليف الإلهي يقتضي منه أن ينهض ويتحرك ويرفع لواء المعارضة والاستنكار مهما كلفه ذلك ــ ومع أنه كان يعلم وطبقاً للقواعد المتعارفة ــ بأن مثل هذا العدد القليل لا يمكنه مواجهة ذلك الجيش الجرار إلاّ أن التكليف كان يقتضي بتلك النهضة.
*****
كان التكليف يوجب على سيد الشهداء (عليه السلام)، أن يقوم ويثور ويضحي بدمه كي يصلح هذه الأمة، ويهزم راية يزيد، وهذا ما فعله وأنــجز ما كان يريد. لقد ضحى بدمه ودماء أبنائه وكل شيءٍ من أجل الإسلام.
*****
لم تكن لدى الإمام الحسين (عليه السلام) قوة تذكر ومع ذلك نهض وثار، ولو كان ــ والعياذ بالله ــ كسولاً لكان بإمكانه الجلوس والانزواء جانباً والادعاء بأن هذا ليس واجبه الشرعي وأن تكليفه الشرعي لا يحتم عليه الثورة، لو أن هذا هو الذي كان حصل لفرح البلاط الأموي، فالبلاط الأموي يسعده كثيراً بأن يلجأ سيد الشهداء (عليه السلام) إلى القعود والسكوت وتركهم ليفعلوا ما يحلو لهم.
إلاّ أنّه (عليه السلام) بعث مسلم بن عقيل[4] يدعو الناس إلى مبايعته لكي يقيم حكومة إسلامية ويقضي على تلك الحكومة الفاسدة. ولو أنه كان قد جلس في مكانه ولم يغادر المدينة ورضي بمبايعة والي يزيد التافه على المدينة ــ والعياذ بالله ــ لفرح بنو أمية وابتهجوا ولقبلوا يديه.
*****
لقد ضحى سيد الشهداء بنفسه من أجل الإسلام.
*****
لقد ضحى سيد الشهداء (سلام الله عليه) بجميع أصحابه وشُبّانه وبكل ما يملكه، في سبيل الله ولتقوية الإسلام ومكافحة الظلم، ومعارضة الامبراطورية التي كانت قائمة آنذاك وهي أكبر من الامبراطوريات الموجودة الآن.
*****
وقد قتل سيد الشهداء (عليه السلام)، ولم يكن طامعاً في الثواب، فهو (عليه السلام) لم يُعِرْ هذا الأمر كثير الاهتمام، لقد كانت نهضته لإنقاذ الدين ولإحياء الإسلام ودفع عجلته إلى الأمام.
*****
لقد تعرض النبي (صلى الله عليه وآله) في بعض الحروب للهزيمة العسكرية، وكذا أمير المؤمنين (عليه السلام) في مقابل معاوية، كما أن سيد الشهداء (عليه السلام) قتل أيضاً، إلا أن مقتله كان طاعة منه وتقرباً لله وفي سبيل الله، وكل ما حصل كان مزيداً من السمو له (عليه السلام)، لذا فليس في الأمر هزيمة أو انكسار للإمام (عليه السلام)، كل ما كان هو نوع من الطاعة لله.
____________________________________________________________________________________
[1] تقول الآية 25 من سورة الحديد: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز}.
[2]روي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنه وقف خطيباً في منطقة "ذي حسم"، فقال: "أما بعد فقد نزل من الأمر بنا ما ترون، وإنَّ الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبَرَ معروفُها، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، و إلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً". راجع تحف العقول: ص249.
[3] ثمة روايات عديدة تشير أن الله جل جلاله أخبر الأنبياء بشهادة الإمام الحسين (ع)، وأشار الرسول الأكرم (ص) والأئمة الأطهار (ع) إلى ذلك أيضاً.
وفي رسالة شخصية بعثها الإمام الحسين (ع) إلى واحد من بني هاشم: "أما بعد فمن لحقني فقد استشهد ومن لم يلحق بي لم يبلغ الفتح.. والسلام". راجع اللهوف على قتلى الطفوف: ص69.
[4] أرسل الإمام الحسين (ع) ابن عمه مسلم بن عقيل الذي كان من الأبطال والعلماء وأصحاب الرأي إلى الكوفة ليأخذ البيعة من الناس للإمام (ع)، وتمكن مسلم أن يأخذ من أهل الكوفة 18000 بيعة للإمام الحسين (ع)، وكتب له رسالة يدعوه للتحرك نحو الكوفة. ومع دخول عبد الله بن زياد إلى الكوفة وتعيينه من قبل يزيد حاكماً لها تفرق الناس عن مسلم وتركوه وحيداً، واستغل عبدالله بن زياد الظرف الحاصل ودعا الناس إلى عدم مبايعة الإمام الحسين (ع) وقتل مسلماً.
وقد استشهد مسلم بن عقيل (ع) في التاسع من ذي الحجة عام 60 للهجرة (680م).
________________________________________________________________________
source : اهل بیت