عربي
Monday 22nd of July 2024
0
نفر 0

التحريفات المعنويه لواقعة كربلاء

 

الشهيد الشيخ مرتضى مطهري

إن الحوادث والوقائع التاريخية لها عللها وبواعثها من
 
جهة، ولها أهدافها وغايتها من جهة ثانية. ومن أجل
 
تحريف أية واقعة تاريخية لا بد لنا إما أن نحرّف أسبابها
 
ودوافعها وعرضها على غير حقيقتها، وإما نقوم بتفسير
 
أهدافها والغاية منها بشكل مقلوب لا ينطبق مع حقيقتها.
 
ولحادثة عاشوراء التاريخية أسباب ودوافع كما أن لها
 
أهدافا وغايات رفيعة. ونحن المسلمون، نحن الشيعة
 
حرّفنا شخصية الحسين بن علي(ع) قائد هذه الواقعة
 
عندما قمنا بتصوير دوافعه وكذلك أهدافه على غير
 
حقيقتها!
 
إن أبا عبد الله(ع) قد توافرت في نهضته كل مميزات
 
القداسة التي لا نظير لها في تاريخ البشرية. فمن
 
المعروف أن الشرط الأول لأية نهضة مقدسة كونها لا
 
تنبع من منظور شخصي ولا تعبّر عن هدف فردي، وإنما
 
تسعى لتحقيق أهداف كلية ونوعية وإنسانية شاملة. وهذا
 
ما ورد على لسان رسول الله(ص) بشأن الحسين بن
 
علي(ع) حيث قال(ص): "حسين مني وأنا من حسين".
 
ذلك لأن الحسين(ع) قد نهض من أجلنا ومن أجل كافة
 
البشر.
 
أما الشرط الثاني لقدسية أية نهضة فهو استناداً إلى رؤية
 
وإدراك وبصيرة قوية.
 
ومعنى ذلك أن يعيش مجتمع ما في غفلة من أمره، وإذا
 
بشخص بصير وصاحب رؤية ثاقبة وإدراك قوي يفوق
 
أفراد المجتمع في الفهم والشعور بمائة درجة ويشخّص
 
الدواء اللازم لأمراض قومه أفضل منهم جميعا فينتفض
 
ويثور على الأوضاع الفاسدة لذلك المجتمع وتمضي
 
عشرات السنين بعد ذلك حتى تنهض الأمة من غفلتها
 
وتدرك مغزى قيام ونهضة ذلك الإنسان والأهداف المقدسة
 
التي كان يحملها.
 
إن نهضة الحسين(ع) نهضة مقدسة بهذه المعايير. فاليوم
 
نعرف تماما ماذا يعني يزيد؟ وماذا تعني حكومة يزيد؟
 
وماذا يعني معاوية. وماذا كانت مخططات الأمويين؟ لكن
 
تسعة وتسعين بالمائة من أفراد الشعب آنذاك لم تكن تدرك
 
هذه الأمور في عصر الحسين(ع)، خاصة وأن وسائل
 
الإعلام المنتشرة اليوم في عصرنا الراهن كانت مفقودة
 
آنذاك.
 
الشرط الثالث لقدسية أية نهضة يكمن في فرادتها. إن
 
الفرادة هنا تعني كون النهضة المقدسة ضياء ساطعا
 
يشرق في وسط ظلام دامس، أو نداء عاليا وسط السكوت،
 
أو حركة هامة في وسط السكون المطلق. ألم تكن النهضة
 
الحسينية كذلك؟ بلى لقد كانت كذلك بالفعل. فالحسين بن
 
علي(ع) قد ذكر بنفسه دليل نهضته وقيامه.
 
"ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى
 
عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا".
 
لكننا نتقول عليه كلاما آخر، لقد حرّفنا كلامه وقيامه مرة
 
أولى عندما قلنا عنه بأنه قام حتى يقتل نفسه ليكفّر عن
 
ذنوب الآخرين من أبناء الأمة!!.
 
ومرة ثانية عندما قالوا: أتعرفون لماذا قام الإمام الحسين
 
وقتل؟ فتقول لهم ولماذا؟ فيقولون لك بأن ذلك ما كان إلا
 
أمرا وإبلاغا خاصا صدر للحسين فقط، حيث صدرت
 
الأوامر له بالخروج وقتل نفسه. وبالتالي فانه أمر لا
 
يرتبط بي وبك. أي أنه غير قابل للإتباع والتقليد! وهو لا
 
يرتبط بقوانين الإسلام وتعليماته العامة والكلية.
 
وبهذا نكون قد حولنا واقعة كربلاء إلى واقعة عقيمة
 
وعديمة الفائدة.
 
أتعرفون لماذا يؤكد أئمتنا الأطهار على الناس أن تداوم
 
على البكاء على الحسين(ع)؟ وما هو الهدف الذي كانوا
 
يرمون إليه من وراء هذه التعليمات؟
 
إننا مسخنا ذلك الهدف الواقعي عندما قلنا بأنه فقط من
 
أجل مواساة فاطمة الزهراء سلام الله عليها لا غير! فهل
 
تجدون إهانة أكثر من هذه الإهانة يمكن توجيهها لفاطمة
 
الزهراء(ع)؟
 
ثم جاء البعض الآخر وقال إن الإمام الحسين(ع) قتل على
 
يد عدد من المعتدين في كربلاء وهو بريء لا ذنب له!.
 
إن الذين أوصونا بتخليد عزاء الحسين(ع) إنما أوصونا
 
بذلك لأن هدف قيامه كان هدفا مقدسا، وأرادوا لهذه
 
المدرسة أن تخلد إلى الأبد. انك لن تجد نموذجا عمليا
 
خالدا شبيها بالحسين بن علي(ع) في درجة الابتلاء
 
والمصيبة التي حصلت له. أو في فكرة التوحيدي ومظهر
 
معرفته لله، أو في إيمانه الكامل بعالم الآخرة. أو في
 
رضاه وتسليمه، في صبره وثباته وعزة نفسه وكرامته
 
وفي طمأنينة النفس التي لديه، في فكره المتحرر والطالب
 
للحرية. في شوقه وتوقه لخدمة الناس.
 
ونحن إذ نسكب دمعنا عليه إنما نسكبه حتى تنسجم روحنا
 
مع روحه وتتعالى روحنا قليلا لتلتحم مع الروح
 
الحسينية.
 
لقد أراد أئمتنا لنا أن نرى بأن أهل بيت النبوة خير دليل
 
وخير شاهد على صدق النبي، والحسين(ع) هو ابن النبي.
 
فعندما يأتي الحسين ويعرض إيمانه في إطار تعليمات
 
النبي(ص) فانك ترى أن النبي قد تجلّى فيه.
 
إن الأشياء التي يتحدث عنها البشر ويتمنّون تطبيقها
 
ولكنهم يعجزون عن ترجمتها إلى العمل تراها متبلورة في
 
وجود الحسين بن علي(ع).
 
لقد طلب منا أن نحيي عزاء الحسين(ع) حتى ندرك عظمة
 
الحسين ونبكي عليه من زاوية المعرفة والإدراك. إن
 
معرفة الحسين(ع) ترفع من درجتنا عند الله وترفعنا إلى
 
مستوى الإنسانية وتجعلنا أحراراً ومن أهل الحق
 
والحقيقة وأهل العدالة وتجعلنا مسلمين واقعيين
 
وحقيقيين. إن مدرسة الحسين مدرسة صناعة الإنسان.


source : اهل بیت
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

جريمة اغتيال امير المؤمنين (ع) بداية للانعكاسات ...
دخول جيش السفياني الى العراق
شبهات وردود
باقة من رسائل تهنئة عيدالغدير
خصائص الحسين عليه السلام في علي الأكبر
الحجّ في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
الوقف فی الثقافه العامه
أسباب النزول بين العموم والخصوص
مراحل حياة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
أولاد السيدة زينب (ع)

 
user comment