عربي
Friday 1st of November 2024
0
نفر 0

سلوك الرمز الديني

 

   رغم سني التغريب الطويله، و محاولات التقليل من دور الدين في نفوس المسلمين فان المشروع العلماني اخفق في ان يكسب المعركه التي خاضها ضد الفكر و الممارسه الاسلاميه، و بقي كل شيء يمتّ للاسلام مقدسا لدي المسلمين. الا ان الهجوم المضاد علي الرمز الاسلامي او محاولات استتباعه و الحاقه بالسلطه و تحويله الي هامش يدور في فلك السلطه السياسيه او تصفيته و الغاء وجوده بالكامل، حدث خلال المائه عام الاخيره خلال هيمنه المشروه الغربي علي المنطقه، و نجحت الانظمه الي حد ما في الحاق المؤسسات الدينيه و زعمائها بجهازها السلطوي.

     و لم يكن الضغط الحكومي وحده مسؤولا عن اسقاط الرمز الديني المتمثل في عالم الدين، بل ان بعضهم كان لديه الاستعداد الذاتي لذلك لاسباب تاريخيه و نفسيه، و كان الكثير من المتساقطين يجد المسوغات لسلوكه في ثنايا التاريخ الاسلامي، عندما نجحت السلطه في استلحاق بعض الفقهاء و تحويلهم الي شهود زور علي ممارسات المؤسسه الحاكمه.

     و ليس هناك من شك في ان سلوك الرمز الديني و مواقفه تنعكس فورا علي وعي السواد العام من الناس و عقله، فالجمهور ينظر باحترام و قداسه الي موقف الرمز الديني و سلوكه، و يسعي الي تقليده و الحصول علي شرعيه التصرف من خلاله، لانه يملك مفاتيح الشريعه و قدره الافتاء، و بالتالي فهو يملك تأثيرا غير عادي في وعي الناس و شعورهم. ان الضرر المترتب علي التصرف غيرالدقيق للرمز الديني يعادل اضعاف ما يترتب علي عمل الاعداء، لهذا كان حريّاً بعلماء الدين، و الذين يتولون مناصب الافتاء و القضاء، و المشتغلين في القضايا الاسلاميه، ان يضعوا نصب. اعينهم ما يلحق بالاسلام من تأثيرات عند كل خطوه يخطونها، او فكره يتحدثون عنها، او سلوك يدافعون عنه او يرخصون العمل به.

     و من الرموز الدينيه من يعيش في الحاضر و عقله في الماضي، كأنه يعيش في غير زمانه و يفتي لناس اموات، و من الرموز من كان نقيض ذلك في الانفتاح حتي لا يكاد يتميز سلوكه و فكره عن سلوك الانسان العادي و فكره.

     و بين هذا و ذاك ظل علماء الدين و الرموز الدينيون المخلصون لمبارئ الرساله، و الاوفياء للمسؤوليات الملقاه علي عاتقهم يمارسون دور (الربانييّن)و قاده السفينه الاسلاميه، و هؤلاء هم الذين يمتلكون مساحه التأثير الاكبر، و القدره الاعظم علي تحريك الجمهور و تعبئته و توعيته بقضايا الاسلام و الامه، و كان لهم الدور الاساس و لا يزال في الدفاع عن المقدسات و مكانه الاسلام، و مقارعه مشاريع التغريب، و تذويب شخصيه الامه و تمييع رسالتها.

     غير ان واقع المسلمين الحالي بات مليئا بنماذج لرموز دينيه لم تعد تفكر بالحلال و الحرام و ما يجوز و ما لا يجوز الا من زاويه السياسه الحكوميه، حتي ان بعضهم نسي انه يمثل موقعا كبيرا عليه احترامه، لأنه ان تصرف خلاف مقتضيات هذا الموضع فسيؤدي الي اضلال كثير من الناس و اثاره الفتنه في الارض.

     لقد كان مؤلما جدا ان يستقبل مفتي مصر الدكتور سيد طنطاوي وفدا صهيونيا و يقوم بالترحيب به ضارباً عرض الحائط كل المحذورات الشرعيه و الاخلاقيه و السياسيه.

     انها لقضيه خطره جداً أن يقوم مفتي اكبر بلد عربي باستقلال و قد صهيوني في ارض الافتاء و هو يعلم جيدا ان هذه المبادره تنطوي علي تضليل كبير للمسلمين، و تتسبب في صدمه لدي الكثيرين. ان الأمر لا يتوقف علي الخساره المعنويه التي تلحقها خطوه غير محسوبه كهذه، بل ان المفتي جعل من نفسه جسراً لتطبيع وعي المسلمين علي مصالحه اليهود و التعايش معهم.

     ما الذي حمل المفتي علي هذه الخطوه التي لم يكن مضطراً للقيام بها؟! و حتي لو كان مضطراً لرفض و حفظ ماء وجهه و ماء وجه مؤسسه الافتاء التي يمثلها.

     لقد نسي المفتي انه يمثل رمزاً إسلاميا بحكم الواقع التاريخي الذي يجعل من المفتي الشخصيه الاولي في البلاد، او الثانيه بعد شيخ الازهر، اما كان جدير بالمفتي ان يرفض الدخول في مبادرات كهذه تسئ للاسلام، و تربك وعي المسلمين الذين يواجهون ضغوط مؤسسات الحكم الداميه الي نسيان الموّاقف الشرعيه و تجاهلها، و مصالحه اليهود الغاصبين اعداء الله؟

     لو كان المبادره لهذه الخطوه احد السياسيين لما كان الامر بهذه الخطوره، لان السياسيين اعلنوها صريحه من البدايه، و لا يتقيدون في سلوكهم بمبادئ شرعيه و مواقف دينيه او مصالح جوهريه للامه، اما ان يكون المبادر هو المفتي، فالقضيه لا تتوقف علي شخصه هو بالذات، بل علي الواقع الذي يشغله و المركز الذي يحتله.

     ان مصيبه المسلمين كبيره في علماء السلطان الذين لا يقودهم علمهم الي المرابطه علي الحق و لو كلفهم ذلك حياتهم، اذ لا يجد المفتي ما يسوّغ عمله لا في الكتاب و لا في السنه، و لا يستطيع ان يدعي انه حضر مؤتمرا علميا و انه ينطلق في موقفه من اتجاه العرب الي مهادنه اليهود، فاذا كان التساقط لا يقف عند حد معين، فان آخر ما ينبغي ان تسقط هو موقع الافتاء و مشيخه الازهر و علماء الدين، و ليس العكس!؟

     ان خطوه المفتي هذه تعيد تذكيرنا مجددا بخطوره سلوك الرمز الديني حينما ينفلت من ضوابط الشريعه، و يتحرك ببواعث المصلحه الشخصيه، فمهما تراجع دور المفتي بعد ان اصبح موظفا حكوميا يعين بمرسوم جمهوري فانّ علي الذين يشغلون هذه المناصب ان يفكروا بالامانه التي تحملوها، و بالناس الذين يصدرون الفتاوي لهم.

     ان الاسلام غير الرموز الدينيه الضعيفه و المتساقطه، و هو المعيار الذي تقاس فيه الرجال، لكن خطر هذه الرموز كبير، لأنها تتحدث بخطاب الاسلام، و تدّعي تمثله، و تمهد الطريق لتمرير المشروع الصهيوني المعادي الذي يعلم الجميع انه ليس مشروعا سياسيا فحسب، بل انه بصريح العباره يمثل علو اعداء الله في الارض حيث توعدهم بعبادٍ له اولي بأس شديد، فكيف نسي المفتي ذلك و لم يصغ لخطاب سوره الاسراء و توصيف الله تعالي لليهود قتله الانبياء و المتجرّئين علي الله الذين جاء بهم الله لفيفا ليقضي بهم وعدا كان مفعولا، و ليختبر امه المسلمين، ليثبت من ثبت عن بينه و يزيغ عن الحق من كان حظه من الايمان قليلا.

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

اسالیب القرآن
الاستماتة‌ والجزع‌ من‌ الموت‌في‌ ساحة‌ ...
أقوال المعصومين في القرآن
دفاعاً عن النبي (ص) في ذكرى مولده
الإمام باب الحوائج موسى بن جعفر الكاظم(عليه ...
الخدمة الاجتماعية للمرضى المشرفين على الموت
لا تنفصلوا عن أهل البيت (ع)
إرهاب ورعب لا مثيل لهما في التاريخ!!
هل المهديّ المنتظر هو المسيح عليهما السلام
الإستراتيجية العسكرية في معارك الإمام علي (عليه ...

 
user comment