عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

نزول القرآن الكريم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله )

في رأي عدد من العلماء أن القرآن الكريم نزل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) مرتين :

الأولى : نزل عليه في ليلة القدر جملة واحدة ، على سبيل الإجمال .

الثانية : نزل عليه تدريجاً ، على سبيل التفصيل ، خلال المدة التي قضاها النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أمَّته ، منذ بعثته ، وإلى وفاته .

ومعنى نزوله على سبيل الإجمال : هو نزول المعارف الإلهية ، التي يشتمل عليها القرآن ، وأسراره الكبرى على قلب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لكي تمتلئ روحه بنور المعرفة القرآنية ، فقال تعالى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) القدر : 1 .

ومعنى نزوله على سبيل التفصيل ، هو نزوله بألفاظه المحددة ، وآياته المتعاقبة ، والتي كانت في بعض الأحيان ترتبط بالحوادث والوقائع في زمن الرسالة ، وكذلك مواكبة تطورها ، ( الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) هود : 1 .

نوضح مزايا التدرج بالنقاط الآتية :

الأولى : مرَّت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) والدعوة حالات مختلفة جداً خلال ثلاث وعشرين سنة ، تبعاً لما مرَّت به الدعوة من مِحَن ، وقاسته من شدائد ، وما أحرزَتْه من انتصار ، وسجَّلَتْه من تقدم .

وهي حالات يتفاعل معها الإنسان الاعتيادي ، وتنعكس على أقواله وأفعاله ، ويتأثر بأسبابها وظروفها ، ولكن القرآن واكب تلك السنين بمختلف حالاتها من الضعف والقوة ، والعسر واليسر ، والهزيمة والانتصار .

وكان يسيرُ دائماً على خطه الرفيع ، فلم ينعكس عليه لون من ألوان الانفعال البشري الذي تثيره مثل تلك الحالات .

الثانية : إنَّ القرآن بتنزيله تدريجياً كان إمداداً معنوياً مستمراً للنبي ( صلى الله عليه وآله ) .

كما قال الله تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ) الفرقان : 32 .

فإن الوحي إذا كان يتجدَّد في كل حادثة ، كان أقوى للقلب ، وأشد عناية بالمرسل إليه ، ويستلزم ذلك نزول الملك إليه ، وتجدد العهد به ، وتقوية أمله في النصر ، واستهانته بما يستجد ويتعاقب من مِحَن ومشاكل .

ولهذا نجد القرآن يأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) تارة بالصبر ، فيقول : ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ) المزمل : 10 .

وينهاه تارة أخرى عن الحزن ، كما في قوله : ( وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) يونس : 65 .

الثالثة : إن القرآن الكريم ليس كتاباً كسائر الكتب التي تؤلف للتعليم والبحث العلمي ، وإنما هو عملية تغيير الإنسان تغييراً شاملاً كاملاً في عقله وروحه وإرادته .

وهدفه الأساس هو صنع أمة وبناء حضارة ، وهذا العمل لا يمكن أن يوجد مرة واحدة ، وإنما هو عمل تدريجي بطبيعته .

ولهذا كان من الضروري أن ينزل القرآن الكريم تدريجياً ، ليُحكم عملية البناء ، وينشئ أساساً بعد أساس ، ويجتثّ جذور الجاهلية ورواسبها بأناة وحكمة ، وقصة تحريم الخمر خير شاهد على ما نقول .

الرابعة : إن الرسالة الإسلامية كانت تواجه الشبهات ، والاتهامات ، والأسئلة المختلفة من قبل المشركين .

وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) بحاجة إلى أن يواجه كل ذلك بالموقف والتفسير المناسبَين ، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بشكل تدريجي ، لأن طبيعة هذه المواقف والنشاطات المعادية هي طبيعة تدريجية ، وتحتاج إلى معالجة ميدانية مستمرة .

لعل هذا هو المراد من سياق قوله تعالى : ( وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ) الفرقان : 33 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

من آثار وفلسفة وأفكارالهادي (عليه السلام)
مصادر علم الائمة من اهل البيت عليهم السلام
من حقوق أهل البيت (عليهم السلام) : 5 - دفع الخمس ...
ارتباط قضية المهدي (ع) بنهاية حركة التاريخ
فاطمة الزهراء عليها السلام علة غائيّة
الامويون والحسين عليه السلام
حاجة نظام الخلق إلى خليفة الله‏
لا يضحي الإمام بالعدالة للمصلحة
ملامح عقيلة الهاشميّين السيّدة زينب الكبرى *
يوم الخروج وكيفيته

 
user comment