الاسرة وهمومها، هاجس يشغل تفكير كثير من الناس، ويهتم العلماء والدعاة بهذا الجانب، انطلاقا من اهمية الاسرة في المجتمع السلامي ودورها الرائد
في تخريج الرجال الذين يحملون هم النهوض بمجتمعاتهم والسعي بامتهم نحو مزيد من التقدم والرقي.
فالاسرة قوام المجتمع، والاطفال هم نواته الطيبة التي تكافح في معترك الحياة لتثبت وجودها ، ونباته الذي لايقوى الا بتماسك الاسرة، فمتى ما
تماسكت الاسرة، عاش الاطفال في نعمة الامن وابدعوا في كل المجالات، وما ان تحدث المشاكل في الاسرة وتنشطر بين مؤيد للآب ومؤيد للآم حتى
تعم الفوضى العارمة وتشتعل المنازعات الفردية.
فكل عضو في الاسرة يمثل الشريان النشط لجسم العائلة، يؤدي وظيفته على أكمل وجه وإهماله في الاصلاح داخل الاسرة يعني تداعي جدرانها،
والغريب ان في داخل كل انسان شيء ما يشده ويجذبه لتلك الروح الوادعة والمحبة التي تبذل للعائلة دون مقابل ويكسوه الولاء التام الذي يقدمه لها.
الاسرة.. قاعدة ثابتة لا مؤسسة متغيرة
في الشريعة الاسلامية ، الاسرة ليست «مؤسسة» يمكن ان تنتفي الحاجة اليها كما هي عليه في النظام الاسري الغربي.
وذلك لان الاسرة، ثمرة الزواج الشرعي، واذا لاحظنا الاطار التشريعي الذي يحكم العلاقة داخل الاسرة، ادركنا انه لا توجد في التصور الاسلامي
اية امكانية لتجاوز مبدئين اساسيين:
الاول: ان الاسرة قاعدة ثابتة وهي النواة الوحيدة للمجتمع البشري.
الثاني: لا اسرة خارج العلاقة الشرعية بين الزوجين وهي ثمرة هذه العلاقة.
والاسلام حصن مبدأ بقاء الاسرة واستمرارها قاعدة للاجتماع البشري بمباديء واحكام ثابتة غير قابلة للتبدل والتغير.
فالاسرة، قاعدة ثابتة في التصور الاسلامي وليست «مؤسسة» ، والدعوة الى «علمنة» الاحكام المتعلقة بالزواج والاسرة في مجتمعاتنا الاسلامية
والمسيحية ايضا، يجب ان يعيد اصحابها المتحمسون لها النظر في مايذهبون اليه، ويجب ان ينتبهوا الى ان فضيلة استمرار الاسرة وتماسكها في المجتمعات
الشرقية ازاء الانهيار المخيف للاسرة الغربية انما تعود الى التزام مجتمعاتنا القواعد الدينية اساسا لصيغة الزواج والاسرة والحفاظ على هذه القواعد.
والدليل على ثبات الاسرة الاسلامية ورسوخها ان قاعدة «للذكر مثل حظ الانثيين» ليس كما يظن بعض الباحثين بأنها ليست مطلقة ، وانها مرتبطة
بتنسيق اقتصادي معين كانت المرأة فيه عالة على الرجل، فيما الرجل هو العنصر المنتج مما اقتضى ان يكون له من الارث ضعف ما للمرأة ، فانه -
بناء على هذا الافتراض - يجب ان يتغير هذا الحكم وتصبح الحصص الارثية متساوية بين الذكر والانثى.
والجواب على ذلك ، ان الشريعة الاسلامية لم تربط مبدأ التفاوت في الحصة الارثية بين الجنسين بظرف تاريخي معين ولم يورد التشريع في هذا المبدأ أية
استثناءات. وجاء النص القرآني في تفاوت الحصص الارثية بين الذكر والانثى، حاسما ومطلقا، الذي يجعلنا نستنتج ان الهدف من الثبات في هذه
القاعدة - رغم مايطرأ على المجتمعات البشرية من تصورات - مصدره الثبات في صيغة الاسرة كما ينظر اليها الاسلام وحماية هذه الصيغة من
التقلبات والتغيرات الاقتصادية، وذلك كما يحصل في الغرب اليوم الذي لم تكن لديه شريعة دينية ثابتة في مجال تنظيم الاسرة فأخضعها لمفهوم المؤسسة
وجعل يشرع لها تحت تأثير المتغيرات الى أن وصلت الى أزمتها الراهنة التي يطرح في شأنها ان الاسرة مؤسسة أدت دورها ويجب ان تنتهي.
وسائل ناجحة لاقامة اسرة متماسكة
ان الاسرة عماد المجتمع، وهي الخلية الاولى التي تتكون منها الامة، وبقدر ما تكون هذه الاسرة متماسكة ، تكون الامة قوية متحابة، ومن هنا نبه
الاسلام الى ضرورة الاهتمام بها واقامتها على أقوى الروابط، ثم صيانتها بأعدل المبادىء التي تضمن الراحة والطمأنينة والحق للزوجين والاولاد، وقد
اتبع الاسلام الى ذلك افضل الطرق وانجح الوسائل ، ويمكن تلخيص ذلك بما يلي:
- أمر أهل البيت (ع) الجنسين كليهما، بحسن الاختيار في فترة الخطوبة، وأن ينتخب كل منهما الأخر عل أساس الدين والكفاءة.
- أمر الشرع الاسلامي ، كلا الزوجين أن يجعلا الهدف الآول من الزواج، المشاركة في بناء المجتمع.
- أمر الاسلام، كلا الزوجين بعد الزواج بحسن معاملة كل منهما للأخر ، والصبر عليه ، ثم وعد الله تعالى الآكثر صبرا من الزوجين على الأخر ،
بالآجر الاوفى والثواب الآكبر.
- أمر الشرع الحكيم ، الزوجين عامة، والزوج بصورة خاصة بالامتناع عن المضارة للأخر مهما كان الحال، قال تعالى: «ولا تضاروهن لتضيقوا
عليهن» الطلاق 6.
ان في اتباع التعليمات الشرعية الأنفة، تقليلا للمشاكل والخلافات الزوجية، بل حسما لها في أغلب الآحوال.
الاسرة.. المكون الآساسي للمجتمع
والاسرة هي اللبنه الاولى في البنيان الاجتماعي الذي يصلح بصلاحها ويفسد بفسادها، من هنا اعتنت الشريعة الاسلامية بفقه الاسرة في مختلف
احوالها وجزئيات امورها اعتناء يشهد بشموليتها، وتغني المؤمنين بها عن تلمس وسائل تنظيمها لآهواء وقوانين البشر.
فالشريعة الاسلامية تشجع الزواج الشرعي؛ لآنه من سنن الفطرة وهدي الآنبياء والمرسلين «عليهم لاسلام» قال تعالى : «ولقد ارسلنا رسلاً من
قبلك وجعلنا لهم ازواجاً وذرية»؛ ولآنه السبب في نشر الفضيلة ومحاصرة الرذيلة ومن ثم تكون الطهارة والعفة وانجاب الذرية الصالحة، معلومة
النسب، وفي هذا ، الا بقاء على النوع الانساني في أسمى صورة، ولتحقق الزواج على اسس سليمة منذ النشأة الاولى له، وجهت الشريعة الغراء
الآنظار والافكار الى عدة مقدمات لعقد الزواج، أهمها:
- حسن الاختيار: فأما عن حسن الاختيار فلقد سن الاسلام مقاييس صحيحة ، يأتي الالتزام الديني السليم في أولوياتها، ففي الاختيار الصحيح:
(تنكح المرأة لاربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك).
(اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الا تفعلوا تكن فتنة في الآرض وفساد كبير) وعدم الاكراه عليه، (لا تنكح الايم حتى تستأمر، ولا تنكح
البكر حتى تستأذن، قالوا: وكيف اذنها؟ قال: صمتها).
- الخطبة: سنة حميدة متبعة، بها تحصل بدايات التعارف والتآلف، في مختلف الجوانب، لتبنى الاسرة على اسس واضحة.
وبعد مقدمات الزواج، يأتي عقد الزواج بأركانه وشروطه التي فصلتها الاحكام الفقهية تفصيلا محكما ويبنى على الزواج جملة حقوق وواجبات لكل
من الزوجين وبها تستديم الالفة وتنمو المحبة، وتترسخ المودة وينتشر الهناء والصفاء، فمن هذه الحقوق «حسن العشرة» لقوله تعالى :«وعاشروهن
بالمعروف» ولقول الرسول (ص): «خياركم خياركم لنسائهم».
ولاستدامة تلك العشرة الطيبة وتقوية ميثاق عقد الزواج، رتبت الشريعة الغراء للزوجة حقوقا بما يعرف بـ«النفقات» و«الذمة المالية المستقلة»
وللزوج حق القوامة وهي درجة مهمة لنظام البيت واستقرار الحياة، قال تعالى: «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض».
- حقوق الأباء على الآبناء:-
يقول الله عزوجل: «وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا». ونلاحظ هنا، ان السبب الحقيقي لوجود الانسان هو تخليق الله تعالى وايجاد
الانسان، والسبب الظاهري هو الآبوان، ولذا أمر بتعظيم السبب الحقيقي ثم اتبعه بتعظيم السبب الظاهري ويقرن الله تعالى في آية قرآنية اخرى بين
شكره، وشكر الوالدين، يقول عزوجل: «ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك والي المصير».
وتوجه النصوص الشرعية المحكمة ، الآبناء الى اصول البر بالوالدين: «اما يبلغن عندك الكبر احدهما أو كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل ربي
ارحمهما كما ربياني صغيرا».
- حقوق الآبناء على الآباء:
وهي تبدأ باللحظات الاولى لاستقبال المولود الحياة من .
1 - ثبوت النسب: وله طرق شرعية عديدة، منها: الزواج والاقرار والبينة.
2 - الارضاع: «والوالدان يرضعن اولادهن».
3 - النفقات: «وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف».
4 - الحضانة: ومعناها شرعاً: حفظ الولد في نفسه ومؤنة طعامه ولباسه ومضجعه.
5 - التربية الصحيحة: ومنها تعليمه الفرائض وتثقيفه وغرس الاخلاق الفاضلة فيه.
وعموما ان الاسرة الصالحة الناجحة هي التي تقوم على الاسس الشرعية المستمدة من النصوص الشرعية، ومن ثمارها الطيبة: الذرية الصالحة وهي من
أجل النعم والمنن ، قال تعالى: «والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما».
وهكذا فان الاسرة في الاسلام ليست مجرد أحكام او قوالب جامدة بل جزء مهم من النظم الاسلامية ترتبط بالعقيدة والشريعة والاخلاق، بما يعني أنها
نظام الهي يكفل الاستقرار والآمان، فالاسرة هي المكون الآساسي للمجتمع فلا عجب ان تكثر المزاعم ضد التشريع الاسلامي تحت دعاوي الحرية
الفكرية.
source : http://e-resaneh.com