هناك نسبة ثابتة بين الظلم والشرك، بل هما وجهان لمعنى القبح في الوجود، وان البكاء على الحسين عليه السلام هو تعبير عن كراهية محبي الحسين عليه السلام للظلم، وانه عمليا يعزز سيكولوجية بغض الظالمين في النفوس الباكية..تجسيدا لما ناله الحسين من مظلومية متميزة بمنتهى القسوة والغدر والإجحاف، ليس إلا لأنه صاحب دين صحيح جوهره التوحيد الخالص لله تعالى.. حيث يقول (عليه السلام) يوم عاشوراء يخاطب ربه:
تركت الخلق طرا في هواك وايتمت العيال لكي اراك
فان قطعتني في الحب اربا لما مال الفؤاد الى سواك
وإذا كرهت النفوس الظلم حقيقة؛ فإنما هي تكره الشرك؛ فقد جاء في قوله تعالى:
)إِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[1] .
ان البكاء على الحسين عليه السلام - كما هو مفترض- يصدر عن نفوس قومت بتوحيد الله تعالى الخالص، لأنها انطوت على بغض الظالمين وعداوتهم والبراءة منهم. وهذا هو منهج واضح في التوحيد يبرزه القران تعلمناه من سيرة سيد الموحدين النبي إبراهيم الخليل عليه السلام التي يحكيها القران الكريم؛ قال تعالى:
)قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير)[2].
والآية محكمة واضحة المعاني والدلالات على بغض الظالمين كأساس للتوحيد كعقيدة تستوعب النفوس.
وفي موضع اخر من نهج القران في كون بغض الظالمين وعداوتهم هو نهج الموحدين؛ قال تعالى على لسان ابراهيم عليه السلام:
) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ)[3]..
وفي موضع أخر يقول الله تعالى عن سيد الموحدين إبراهيم الخليل عليه السلام في جده لامه أو عمه:
)وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)[4].
تبرء إبراهيم من اقرب رحمه، لأنه علم انه عدو لله تعالى.. والشيء اللافت هنا في هذه الآية الذي يحتاج إلى تأمل كبير، هو تذييل الآية، بمدح إبراهيم بأنه أواه، أي بكاء.
والبكاء على الحسين عليه السلام بما فيه من حسرة وحرقة على مظلوميته ومصيبته الراتبة، فانه يتضمن لعن الظالمين الكبار ومؤسسي الظلم في العالم والبراءة منهم، خصوصا الذين امتطوا الدين الذي جاء بشريعة التوحيد والوحدانية ومحق الظلمة والظلم، فجعلوه سهما لغاياتهم في الحياة الدنيا وعروة للتسلط على الناس بغير عدل افشوه، ولاحسنا فعلوه.
إذا لا توحيد خالص لله تعالى في الأرض بلا بغض حقيقي للظالمين ولا أساس لبغضهم عمليا وعلى الواقع الإنساني اليوم إلا في الباكين على الحسين عليه السلام، ولذا فان أئمتنا(عليهم السلام) قد أسسوا عمليا للتوحيد بدمهم وبدموعنا.
فما أغلى ما أعطوا(عليهم السلام) لتوحيده جل وعلا، وما ارخص ما نعطي، ذلك إن كنا نسكب دمعة حقا في سبيل الحسين عليه السلام.
________________________________________
[1] ) (لقمان:13)
[2] ) (الممتحنة:4)
[3] ) (الشعراء:75-77)
[4] ) (التوبة:114)
source : www.tebyan.net