أجمع عمداء أهل بيت النبوة، أو شيوخ آل محمد، أو الأئمة الأعلام الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب، والذين اختارهم الله، وأعدهم وأهلهم لقيادة الأمة ومرجعيتها طوال عصر ما بعد النبوة، والذين سماهم رسول الله بأسمائهم قبل أن يولد تسعة منهم، بأن المهدي المنتظر هو العميد أو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة وهو:
الإمام محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد النبي الأعظم، وحفيد بنته البتول الزهراء الهاشمي، ويكنى بأبي القاسم، وقد نهى الأئمة الكرام عن ذكر اسمه ـ ربما خوفا عليه ـ فعرف بمجموعة من الاصطلاحات منها الصاحب، والقائم، وصاحب الزمان، وصاحب الدار والحضرة المقدسة، والرجل، والغريم. (راجع في رحاب أئمة أهل بيت النبوة مجلد 2 ـ 3 ـ 5 ص 5 لمحسن الأمين).
وعندما يجمع الأئمة الأعلام على أمر من الأمور ويحدثون به فإنهم لا يجمعون ولا يحدثون بناء على رأي أو اجتهاد منهم، إنما يجمعون ويحدثون بناء.
على حديث رسول الله، فقد جزم الأئمة الأعلام بأنهم قد سمعوا ووعوا وتيقنوا يقينا قاطعا بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبرهم بأن المهدي المنتظر هو محمد بن الحسن المكنى بأبي القاسم، وهو خاتم الأئمة، وتبعا لإجماع أئمة أهل بيت النبوة الأعلام أجمعت شيعتهم التي والتهم، وتتلمذت على أيديهم، ونهلت علومهم. وتحقق عند الشيعة اليقين القاطع بأن المهدي المنتظر الذي بشر به رسول الله وخاتم النبيين هو محمد بن الحسن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة وهو ابن النبي وحفيده، والبقية الباقية من عترته أهل بيته الطاهرين وآله الأكرمين، وصار هذا اليقين جزءا أصيلا من العقيدة الدينية الإسلامية عندهم، وسمة من أبرز سمات مذهبهم. وهكذا وصل أئمة أهل بيت النبوة الأعلام، وهم ناصية آل محمد وتاج أهل بيته إلى القول الفصل واليقين المطلق بهذه الناحية، وأوردوا شيعتهم ومواليهم المخلصين نفس المورد، فتحقق اليقين الكامل عند أهل بيت النبوة وشيعتهم، بأن المهدي المنتظر هو خاتم الأئمة الاثني عشر، وهو محمد بن الحسن.... حتى ينتهي برسول الله أبا وجدا وبعلي بن أبي طالب أبا وجدا، وبالسيدة البتول الزهراء ابنة النبي أما وجدة. وهكذا حسم أهل بيت النبوة بما ورثوه من علمي النبوة والكتاب اسم المهدي المنتظر، واسم أبيه وجده ورهطه وكنيته ونعموا هم ومواليهم بسلام اليقين، وراحته.
اسم المهدي واسم أبيه وجده وبطنه وكنيته عند شيعة الخلفاء أهل السنة:
1 ـ لكي تقف على الحقائق المجردة:
أسست بطون قريش الخلافة التاريخية على أساس أن الهاشميين: (على الأخص عترة النبي وأهل بيته) قد أخذوا النبوة ولا ينبغي لهم، ولا حق لهم بأخذ الملك أيضا. بل يتوجب أن يكون الملك لبطون قريش تتداوله في ما بينها، ولا حرج إن آلت الخلافة لأي مسلم يرى رأي هذه البطون، ويخلص لقضيتها ولو كان من الموالي: (لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته واستخلفته)، ثم إن قيادة بطون قريش لم تكن ترى لأهل بيت النبوة وللهاشميين فضلا أو مكانة خاصة أو تميزا عن غيرهم، وحتى تنجح بطون قريش بدعاويها استولت على السلطة، أو الخلافة بالقوة والقهر وكثرة الأتباع، وسلمت حكم الولايات والأعمال وقيادات الجيش والمناصب العليا في الدولة لأبناء البطون، وشانئي أهل بيت النبوة والكارهين لولايتهم، وحتى لا يحتج أهل بيت النبوة بالأحاديث النبوية التي ذكرت فضائلهم وأكدت على حقهم الشرعي بقيادة الأمة ومكانتهم التأسيسية المميزة في الأمة، فإن قيادة بطون قريش التي صارت دولة منعت منعا باتا كتابة ورواية أحاديث رسول الله، ورفع مؤسسوها وخلفاؤها شعار: (حسبنا كتاب الله)، بمعنى أن القرآن يغني عن حديث النبي، وعللت ذلك بقولها: (أن أحاديث النبي تسبب الخلاف والاختلاف بين المسلمين. وبقي منع رواية وكتابة الأحاديث النبوية ساريا قرابة مائة عام). ولما آلت الأمور إلى معاوية جند كافة طاقات دولة الخلافة وإمكانياتها وقاد بنفسه حملة كبرى يمكن أن نسميها: (حملة الفضائل) كلف أركان دولته بأن يرووا كافة الفضائل التي ذكرها رسول الله عن الخلفاء الثلاثة الأول، وخاصة الثالث وكافة الفضائل الواردة بحق أي رجل من الصحابة لم يوال آل بيت النبوة، ولم يفعل معاوية ذلك حبا بالخلفاء، ولا بالصحابة ولكن إرغاما لأنوف آل بيت النبوة، وحتى تضيع فضائل أه ل بيت النبوة ويميع الأحكام الشرعية، ويطمس أي دليل على أحقية أهل بيت النبوة بقيادة الأمة، بدليل مرسومه الملكي الموجه لعماله والذي جاء بفقرة منه: فلا تدعو لأبي تراب (يقصد الإمام علي) أو لأحد من أهل بيته (يقصد آل محمد وعترته أهل بيته) فضيلة يرويها أحد من المسلمين إلا وتأتوني بما يناقضها في الصحابة!! (راجع شرح النهج ج 3 ص 595 تحقيق حسن تميم نقلا عن المدائني). ولم يكتف معاوية بذلك بل فرض على كل رعيته أن يسبوا عليا بن أبي طالب بالعشي والإبكار وأن يلعنوه، ومن لا يفعل ذلك فقد حل دمه، ولم يكتف ابن هند بذلك بل اعتبر أن موالاة أهل بيت النبوة ومحبتهم من جرائم الخيانة العظمى، وعقوبتها القتل وهدم الدار، وقطع العطاء عن الذرية والتجريد من الحقوق المدنية، فلا تقبل شهادة من يحب عليا، أو أحدا من أهل بيت النبوة، ولما نفذت مراسيم معاوية بحذافيرها، وتمخضت عن مئات الألوف من الفضائل المروية والمختلقة، كما يقول ابن نفطويه، ولما استقرت سنة اللعن والشتم وكراهية أهل بيت النبوة ومن والاهم حولت دولة معاوية والدولة الأموية عامة هذه السنن وتلك المرويات المختلقة إلى مناهج تربوية وتعليمية تدرس في المدارس والمعاهد والجامعات، وتناقلتها الأجيال كمسلمات، وبقيت هذه المناهج سارية المفعول وسياسة عامة للدولة الأموية طوال ألف شهر، ولما سقطت الدولة الأموية، وأفل النجم الأموي الرهيب، لم تسقط الثقافة الأموية، ثقافة الرعب والارهاب وقلب الحقائق، بل أثمرت فقه الهوى الذي صار الأساس الواقعي للفقه الذي عرف بالإسلامي فيما بعد، وبعد قرابة مائة عام اقتنع المسلمون بضرورة كتابة الأحاديث النبوية وروايتها ولمحت الدولة العباسية وأحست بهذا الاقتناع ولم تر بأسا من عدم اعتراضه، ولا حاجة لاستمرارية منع رواية وكتابة أحاديث الرسول، بل رأت فيه الفرصة لدعم الحكم العباسي، فالعباس عم النبي وله فضائل، والعباسيون من بني هاشم، وللهاشميين مواقف مشرفة في التاريخ. فتفتحت أبواب رواية وكتابة الأحاديث النبوية في هذا المناخ السائد والمناخ الوراثي المسيطر.
الآن يمكنك أن تتفهم موقف شيعة الخلفاء من اسم المهدي واسم أبيه واسم رهطه بعد أن توقفنا بالفقرة السابقة وبعمق عند الأساس الذي قامت عليه دولة الخلافة، وعلى الطريقة التي تكونت منها الثقافة التاريخية المعادية تماما لأهل بيت النبوة، والمنكرة لأي حق من حقوقهم، وعلى المحنة التي تعرض لها الحديث النبوي، والغاية من منع رواية وكتابة الأحاديث النبوية، يمكنك أن تتفهم وتفهم موقف شيعة الخفاء من اسم المهدي واسم أبيه ورهطه. لما رفع الحظر وتفتحت الأبواب والمنافذ على رواية وكتابة الأحاديث النبوية، وفوجئ علماء أهل السنة ورعايا دولة الخلافة التاريخية بحجم ونوعية وزخم الأحاديث والأخبار التي تحدثت عن المهدي المنتظر الذي بشر به النبي، وهي من الكثرة ومن الصحة ومن التواتر ومن الشيوع بحيث لا يمكن تجاهلها، وهي فوق هذا وذاك مناقضة لواقع وثقافة دولة الخلافة التاريخية، فاحتارت الدولة العباسية المشرفة بطريقة غير مباشرة على الرواية والكتابة والحاكمة الفعلية للعلماء الذين يروون ويكتبون هذه.
الأحاديث والأخبار فيمكن للدولة العباسية، كما كان ممكنا للدولة الأموية من قبل، وكما كان ممكنا لأي خليفة أن يقتل أي عالم أو أي إنسان لأي سبب يراه دون بيان الأسباب، فحسب الثقافة التاريخية المستقرة بالنفوس ليس أمام المسلم إلا الالتزام بالطاعة، أو مواجهة الموت، وقد فهم علماء دولة الخلافة مضامين هذه الثقافة وقواعد اللعبة، فلم يحرجوا الدولة، ولم يحرجوا أنفسهم فقاموا بعملهم ضمن الإطار العام لهذه اللعبة الرهيبة.
التمييع ومحاولة تفريغ النصوص من مضامينها:
بحثنا هذه الناحية من قبل، ولا بأس من بحثها بمنتهى الاختصار لغايات الربط المحكم للبحث 1 ـ المهدي رجل مجهول الهوية والاسم ولا يعرف له نسب في العرب، إنما هو مجرد شخص من الأمة، هذه مضامين حديث من الأحاديث التي تدخلت الدولة العباسية بوضعها، أو أحد الأحاديث التي رواها طاقم معاوية، ووجدها العلماء مكتوبة وجاهزة، وما يدرينا أن العلماء لم يقووا على مواجهة العامة بحقيقة، أن المهدي من ذرية النبي ومن آل علي لأن قد العامة قد أشربت الثقافة التاريخية وفقه الهوى، فكان لا بد من إعداد العامة لتقبل حقيقة المهدي بالتمهيد بهذا العموم العجيب، وقد ورد حديثان بهذا المضمون أشرنا إليهما بالبحوث السابقة.
2 ـ يبدوا أن الحديث الأول قد أثار ردة فعل وتساؤلات مثل: لماذا لا يكون المهدي من ذرية الخليفة الأول، أو الثاني أو الثالث، أو من ذرية معاوية أو الحكم بن العاص، أو من ذرية العباسيين على الأقل، لقد أحدث الحديث الأول بلبلة في عالم الرواية، فتدخلت الدولة وعملاؤها، وأرادوا أن يضعوا حدا لهذه البلبلة فرووا حديثا ينفي أن يكون المهدي من أمة محمد كلها، ويبين بأن المهدي هو المسيح ابن مريم، وهذه أول مرة يذكر فيها اسم المهدي (المسيح ابن مريم) وما يدرينا أيضا أن هذا الحديث من الأحاديث التي روتها طواقم رواة معاوية بعد أن تيقنوا من أن المهدي من ذرية النبي وآل علي، فأرادوا أن يصرفوا هذا الشرف.
والتكليف الإلهي، وأن يطعموه لعيسى ابن مريم كحل وسط، وقد ثبت لعلماء أهل السنة أن هذا الحديث موضوع ومكذوب، بالرغم من جودة صناعته، وأن بعض الرواة لا وجود لهم بالواقع إنما هم من صنع الأوهام.
3 ـ ثم خطر ببال بعض الأذكياء المرتزقة، أو خططت أجهزة الدولة العباسية لتروي بواسطة أجهزتها وعناصرها المتخصصة أحاديث تفيد، بأن المهدي من ذرية العباس بن عبد المطلب عم النبي، ومثل هذه الروايات تجر مغنما للرواة وترضي الدولة، وتوطد حكمها ويستعقلها العامة، فالعباس عم النبي بالفعل، والعباسيون هم الحكام، ومن بيدهم العطاء والجاه والنفوذ، وشاعت هذه الأحاديث وروج لها جهاز الدولة، وليس من المستبعد أنها قد أدخلت بالمناهج التربوية والتعليمية المعتمدة في دولة بني العباس، ونكاد أن نقطع بأن هذه النماذج الثلاثة من مخلفات روايات طواقم معاوية التي حرصت على صرف كل خير وشرف عن أهل بيت النبوة وإعطائه لأي كان غيرهم، ولما شرع العلماء برواية وتدوين الأحاديث النبوية ومنها أحاديث المهدي وأخباره وجدوا هذه الروايات مكتوبة وجاهزة، وجزءا من المناهج التربوية التي استقرت بنفوس الرعية طويلا، فنقلوها كما هي، ومن يقوى على الجهر بحرمان البيت العباسي الحاكم من هذا الشرف!! بل إن نقلها دليل موضوعية!! وحجة للعالم!! وإثبات وجود!!.