الموضوعية!!
الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة هم ورثة علمي النبوة والكتاب، وهم المرجعية والقيادة الشرعية للأمة، وقد أهلهم الله ورسوله للإجابة على أي سؤال جوابا يقينيا.
لكن الأكثرية الساحقة جدا من رعايا دولة الخلافة، بما فيهم العلماء كانوا يجهلون ذلك جهلا تاما، وتلك نتيجة طبيعية للثقافة التاريخية التي مكنتها دولة الخلافة في النفوس، والتي أشرنا إليها بعمق وإيجاز قبل قليل، ثم بدأ علماء دولة الخلافة يكتشفون المكانة الشرعية لأهل بيت النبوة والمؤهلات العلمية للأئمة الأعلام، ولكن علماء أهل السنة لم يكونوا على يقين من ذلك، ثم إن هناك حالة القسر الاجتماعي والفجوة النفسية التي صنعتها ثقافة التاريخ، والتي تحول دون التيقن من معلومات أهل بيت النبوة!!
لذلك أوجد علماء دولة الخلافة لأنفسهم قواعد ووسائل معينة لرواية أحاديث الرسول، وتميز صحيحها من باطلها، وقويها من ضعيفها، وجدوا واجتهدوا بطلب أحاديث الرسول، وممن رووا عن الثقاة، (ومستوري الحال)، وعن المجاهيل وعن أولياء الجميع، ولكهنم لم يرووا عن أي رجل متهم بموالاة أهل بيت النبوة، أو التشيع لهم، لأنهم رأوا في ذلك إخلال: (بالأمانة والموضوعية) ووفق قواعد هذه الموضوعية، لا حرج على العلماء لو رووا أحاديث النبي عن معاوية، أو عن الحكم بن العاص، أو عن أي رجل من شيعتهم ومن مواليهم، لكن الحرج كل الحرج والاخلال (بالموضوعية العلمية) يتأتى من الرواية عن أي شخص من موالي أهل بيت النبوة!! حتى ولو كان نقيا تقيا صادقا قديسا، لأن الثقة والأمانة والتشيع لأهل بيت النبوة عندهم لا يجتمعان!!! لقد قال أحدهم عن الشافعي عندما سئل عنه ليس بثقة، والسبب أن الشافعي كان يجهر بحب أهل بيت النبوة!! ولما قيل لذلك العالم أن زيدا من الناس ثقة وهو شيعي اندهش ذلك العالم وعبر عن حقيقة مشاعره بقوله: (شيعي وثقة)!!!!!.
هذه هي طبيعة الموضوعية التي التزمتها غالبية العلماء من شيعة دولة الخلافة، ومع هذا فقد توصلت إلى نتائج مذهلة حقا!!!
النتائج المذهلة التي توصل لها علماء شيعة الخلفاء حول اسم المهدي واسم جده ورهطه:
1 ـ لقد تبين لعلماء أهل السنة بعد رواياتهم المكثفة لأحاديث الرسول، ووفق مناهجهم وقواعدهم الموضوعية أن المهدي المنتظر من عترة النبي أهل بيته. (الحديث 44 و 55 و 57 و 59 و 62 و 68 و 69 و 70 و 84 و 88 و 95 و 96 من أحاديث معجم الإمام المهدي ج 1، وراجع عشرات المراجع المبينة إزاء كل منها وقد حكم علماء أهل السنة بصحة هذه الأحاديث وتواترها).
2 ـ وأبعد من ذلك فقد أكد علماء أهل السنة أن المهدي المنتظر من ولد فاطمة. (راجع الحديث 74 و 81 من أحاديث الإمام المهدي، وراجع المراجع المذكورة تحتها، والحديث 77 والحديث 99).
وقد حكم علماء أهل السنة بصحة هذه الأحاديث وتواترها أيضا).
3 ـ وأوضح من ذلك فقد توصل علماء أهل السنة على أن المهدي المنتظر من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب. (الحديث 75 و 76 والحديث رقم 100.
ج 1 من معجم الأحاديث). وقد حكم علماء أهل السنة بصحة هذه الأحاديث وتواترها أيضا.
4 ـ وروى علماء أهل السنة أحاديث عن النبي تضمنت بأنه قد قال:
(المهدي من ولدي) أي من أحفاده وذريته الطاهرة. (راجع الحديث رقم 64 و 72 و 75 و 86 من أحاديث معجم أحاديث الإمام المهدي، وراجع المراجع المدرجة تحت كل واحد منها). وقد صحت هذه الأحاديث عند علماء أهل السنة، وتواترت.
5 ـ وتبين لعلماء أهل السنة أيضا بأن رسول الله قد قال: بأن اسم المهدي كاسم الرسول (محمد). (راجع الحديث 60 و 64، (اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي) و 75 من أحاديث الإمام المهدي ج 1). ثم ذكروا هذه الأحاديث بصيغة أخرى فقالوا أن رسول الله قد قال: (بأن اسم المهدي يواطئ اسم النبي. (راجع الحديث 68 و 90 و 97 و 98 و 99، وقدروا أن المواطأة تعني المتشابهة أي أن اسم المهدي يشبه اسم النبي)!!
وقد صحت عندهم هذه الأحاديث وتواترت أيضا، واقتنع بصحتها العامة والخاصة فيهم.
ومعنى ذلك فإن شيعة الخلفاء أو أهل السنة قد تيقنوا بأن المهدي المنتظر من عترة النبي أهل بيته، ومن صلب علي بن أبي طالب، وبالتحديد من صلب الحسين، ومن أحفاد فاطمة بنت النبي، وأن اسمه كاسم الرسول (محمد) وهذا خط الدفاع الثاني وهم لم يتجاوزوه قيد أنملة، فلا يمكنهم الاعتراف بأن المهدي هو محمد بن الحسن ثاني عشر أئمة أهل بيت النبوة وخاتمهم، لأنهم لو فعلوا ذلك لانهار البناء على ساكنيه، ولسحبوا ضمنا بساط الشرعية والمشروعية من تحت أقدام الخلافة التاريخية كلها، ولكانوا شركاء بالجرم!! ولكن ما توصل إليه علماء أهل السنة الأفذاذ في هذا المجال يعتبر إنجازا علميا بكل الموازين، وتمردا مذهلا على ثقافة التاريخ والحواجز النفسية التي ترسخت في نفوس العامة والخاصة من شيعة الخلفاء وبعض علماء أهل السنة تجاهلوا تلك الثقافة التاريخية وأثرها وصرحوا علنا بأن المهدي المنتظر هو محمد بن الحسن ثاني عشر أئمة أهل بيت النبوة، وقد أشرنا إلى مؤلفاتهم في بحوثنا السابقة.
المهدي المنتظر خاتم الخلفاء أو الأئمة الشرعيين:
أجمع أئمة أهل بيت النبوة الأعلام على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد سمى الأئمة الشرعيين من بعده، وحصرهم بأثني عشر خليفة أو إماما، وأن الرسول الأعظم قد أكد وبكل وسائل التأكيد، بأن عليا بن أبي طالب هو أول الخلفاء أو الأئمة الشرعيين، وأن المهدي المنتظر محمد بن الحسن هو خاتم الخلفاء، أو الأئمة الشرعيين المؤهلين إلهيا للمرجعية وقيادة الأمة.
وتبعا لإجماع أئمة أهل بيت النبوة أجمعت شيعتهم التي تتلمذت على أيديهم، ونهلت العلوم منهم مباشرة، وصارت هذه المعلومات من الحقائق الدينية التي يرسلون صحتها إرسال المسلمات.
وقد روى أهل السنة أحاديث عن رسول الله صحت وتواترت عندهم، مفادها أن المهدي هو آخر الأئمة وخاتمهم مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (بنا يختم الدين كما بنا فتح)... (ابن حماد ص 102، والطبراني في الأوسط ج 1 ص 136 ـ 157، والبيهقي على ما في عقد الدرر، وعقد الدرر ص 25 ب 1 وص 142 ب 7، ومجمع الزوائد ج 7 ص 216، ومقدمة ابن خلدون ص 253 ب 53، والحديث رقم 154 من المعجم).
ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا: (الأئمة من بعدي اثني عشر، أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها). (مناقب ابن شهرآشوب ج 1 ص 298، وغاية المرام ص 710 ب 142 ح 18، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 492 ـ 493، ومنتخب الأثر ص 58، والحديث رقم 155، من المعجم).
ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا: (يا علي إني مزوجك فاطمة ابنتي سيدة نساء العالمين وكائن منكما.. عدتهم عدة أشهر السنة آخرهم يصلي عيسى ابن مريم خلفه).
(النعماني ص 57 ب 4 ج 1، ومنتخب الأثر ص 29، والبحار ج 36 ص 272، والحديث رقم 157 من المعجم ج 1).
ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم (يا علي الأئمة الراشدون.... من ولدك اثني عشر، وأنت أولهم وآخرهم اسمه اسمي يخرج فيملأ الأرض عدلا وقسطا). (الحديث رقم 156 ج 1 من المعجم، والنعماني ص 92 ب 4 ح 27، ومنتخب الأثر ص 60 ـ 61، والبحار ج 6 ص 259).
إجماع الأمة على عدد الأئمة أو الخلفاء:
1 ـ أهل بيت النبوة ومن والاهم وتخرج من مدرستهم يؤكدون بأن الأئمة أو الخلفاء الشرعيين من بعد النبي اثنا عشر، وأن الله قد اختارهم وأعدهم وأهلهم للقيادة والمرجعية من بعد النبي، وسماهم لرسوله وتسعة منهم لم يولدوا بعد، وأن دور الرسول كان مقتصرا على إعلان ما أوحي إليه من ربه. وكان أول أولئك الأئمة علي بن أبي طالب، وآخرهم محمد بن الحسن المهدي المنتظر وأنه قد حيل بينهم وبين الممارسة الفعلية لحقهم الشرعي بخلافة النبي وقيادة الأمة من بعده، لأن الأمة قد اتبعت الغالب وخذلت الأئمة الشرعيين.
2 ـ والخلفاء التاريخيون ومن والاهم وتخرج من مدارسهم يؤكدون جميعا، بأن الرسول بالفعل قد أكد وبين، بأن الخلفاء أو الأمراء أو الأئمة أو النقباء من بعده اثني عشر، وقد جزموا بصدور هذا عن رسول الله وصحت عندهم هذه الأحاديث وتواترت وأرسلوها إرسال المسلمات.
ولكنهم جميعا لا يعرفون أسماء هؤلاء الاثني عشر، ويدعون بأن الرسول لم يسم أي واحد منهم!! ولا يعرفون أول الاثني عشر ولا خاتمهم.
شيعة الخلفاء أمام مشكلة كبرى:
إذا صدق الخلفاء وشيعتهم أهل بيت النبوة وما قالوه عن الاثني عشر إماما، فمعنى ذلك أن الخلفاء وشيعتهم قد أدانوا أنفسهم، وأقروا إقرارا شرعيا، بأنهم قد غصبوا الأمر من أهله، وأخرجوه من معدنه. وفي ذلك قلب كامل للواقع التاريخي كله وسحب لبساط الشرعية من تحت أقدام كافة الخلفاء التاريخيين، ولا يتصور عاقل أن يفعل الخلفاء وشيعتهم ذلك!! وهل يعقل أن يكون الخلفاء التاريخيين الذين ملكوا الجاه والنفوذ وخزائن الأموال ومن والاهم على باطل، وهم الأكثرية الساحقة جدا من الأمة وأن يكون أهل بيت النبوة وآل محمد والقلة المستضعفة التي والتهم على الحق!!
محاولة الخروج من المأزق وإيجاد حل للمشكلة:
لقد تبين للخلفاء التاريخيين وشيعتهم أن عدد الذين تولوا الخلافة أو الإمارة من بعد النبي بالمئات، فكيف يوفقون بين العدد 12 وبين المئات!! لقد انقسموا إلى طوائف، فكل طائفة وضعت قائمة بأسماء اثني عشر خليفة، وزعمت كل طائفة أن الأسماء الواردة في قائمتها ربما كانت هي التي عناها رسول الله!!!
والمدهش أن كافة قوائمهم تضمنت اسم معاوية، مع كل تاريخه، ومع كل ما فعله، وتضمنت اسم ابنه يزيد الذي هدم الكعبة، وأباح مدينة رسول الله، وهتك أعراضها، وقتل ابن النبي، وأباد ذريته، وتضمنت القائمة اسم مروان بن الحكم الذي لعنه رسول الله!! وهم للآن لا يعرفون من هو خاتم الخلفاء الاثني عشر.
هل المهدي في نظر شيعة الخلفاء خليفة؟
أخرج أحاديثه البخاري ومسلم بالوصف و 52 من علماء الحديث عند أهل السنة أخرجوه بالاسم ولكنه عندهم ليس من الاثني عشر الذين عناهم رسول الله، فإذا كان المهدي المنتظر الذي يعترفون بأنه سيفتح مشارق الأرض ومغاربها، ويكون دولة عالمية، وينشر الإسلام في الأرض، ويملأ الأرض قسطا وعدلا ليس خليفة من الاثني عشر على الأقل، فمن هو الخليفة إذا، ومن هو خاتم الخلفاء إذا، وهل يعد المهدي خلفاء أو خليفة يختمهم!! إنهم أمام خيارين، فإما أن التضحية بالدين أو بالتاريخ، وقد عزموا على أن يثبتوا شرعية الخلافة التاريخية وأفعالها وبكل وسائل الإثبات ولو بالقوة!! لأنهم قد أشربوا ثقافتها، واختلط فقهها مع لحمهم ودمهم، فهي حي بشعورهم ولا شعورهم!! إنها حالة عجيبة حقا، فهم يتمسكون برواية رجل يقول إنه قد سمى صحابي يقول إنه قد سمع رسول الله يقول كذا وكذا.
ويهملون رواية أهل بيت النبوة الذين عاشوا مع الرسول تحت سقف واحد طوال حياته المباركة، ورافقوه في حله وترحاله، وورثوا منه علمي النبوة والكتاب، وأكد الرسول بأنهم والقرآن ثقلان، وأن الهدى لا يدرك إلا بهما، وأن الله قد فرض مودتهم على الجميع، وشهد لهم بالطهارة، وجعل الصلاة عليهم جزءا من الصلاة المفروضة على العباد! إن هذا لأمر عجاب!! ما سمعنا بهذا، والأنكى أنهم لا يقبلون رواية من يواليهم!! في نفس الوقت الذي يقبلون فيه رواية أعداء الله ورسوله!!
إنها مشكلة كبرى لا يحلها إلا المهدي المنتظر خاتم الخلفاء الأئمة الشرعيين.
مكانة المهدي المنتظر ومقامه:
للمهدي المنتظر مكانة خاصة، ومقام رفيع عند الله سبحانه وتعالى، فهو أحد سادات أهل الجنة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر والحسن والحسين والمهدي). (راجع تاريخ البخاري على ما في فتن ابن كثير، وفتن ابن كثير ج 4 ص 44 عن ابن ماجة، وراجع سنن ابن ماجة ج 2 ص 1368 ب 4 ح 4087، والطبراني، والحاكم ج 3 ص 211، وتاريخ بغداد ج 9 ص 434، وراجع الحديث رقم 110 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي تجد عشرات المراجع).
ويكفي المهدي شرفا، ومكانته علوا أن عيسى ابن مريم يصلي خلفه، ويرتضي به إماما له، وقد أكد الرسول الأعظم بأن الجنة: (تشتاق إلى أربعة من أهلي قد أحبهم الله وأمرني بحبهم: علي بن أبي طالب والحسن والحسين والمهدي الذي يصلي خلفه عيسى ابن مريم). (راجع الحديث رقم 113 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي). وقد بين الرسول بأن (المهدي طاووس أهل الجنة).
(راجع الحديث رقم 114 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي، وراجع المراجع المدونة تحته منها عقد الدرر ص 148، ومصابيح السنة للبغوي، والحاوي للسيوطي ج 2 ص 83، والفردوس ج 4 ص 222، وينابيع المودة ص 181 ب 56). ثم إن المهدي من خيرة الله سبحانه وتعالى. قال الرسول مرة:
(إن الله اختار من كل شيء شيئا... وأختار من الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، وأختار مني ومن علي الحسن والحسين... تاسعهم باطنهم وهو ظاهرهم وهو أفضلهم وهو قائمهم ينفون عنه...) راجع الحديث 122 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي وراجع المراجع المذكورة تحته).
وهذا الحديث القدسي يبين مقام المهدي ومكانته عند الله وعند رسوله، وجسامة المهام المناطة به. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لما عرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى، ومن السدرة إلى حجب النور، ناداني ربي جل جلاله قائلا: وبك وبه وبالأئمة من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى، وكلمتي العليا، وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي، وبه أظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي، وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي، وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري، وإعلان ديني، ذلك وليي حقا ومهدي عبادي صدقا). (راجع الحديث رقم 123 ج 1 من المعجم والمراجع المذكورة تحته)..