عربي
Saturday 27th of April 2024
0
نفر 0

تأملات وعبر من حياة أيوب (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم


كانت عائلة النبي أيوب عليه السلام مكونة من أيوب -وهو من نسل سيدنا نوح عليه السلام- وزوجته -من نسل سيدنا ابراهيم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-.. وقد ورد ذكر نبي الله أيوب في أكثر من موضع في القرآن الكريم، ومن هذه المواضع قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}.. إن هذا نفس الاسلوب الذي شاهدناه في نبي الله نوح من الأدب إذ {نَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}.. وكذلك أيوب (ع) عندما يريد أن يسأل ربه، لا يقترح على الله اقتراحا، وإنما مجرد خبر {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.. ولم يقل: ربي، أسألك الشفاء!.. والحال بأن ما مرّ على سيدنا أيوب يعتبر من نوادر البلاء.

إن إبليس حسد سيدنا أيوب (ع) على قربه من الله عز وجل، لأن أيوب (ع) كان في حالة جيدة، له زوجة من نسل سيدنا إبراهيم (ع)، وله من الأولاد والمواشي وما شابه ذلك.. فقال: يارب!.. إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة، إلا بما أعطيته من الدنيا، فهو شكور، ولكن شكره مقابل النعم.. فإذا سلبت منه النعمة، فعندئذٍ يُعلم قدر هذا النبي، ولو حرمته دنياه ما أدى إليك شكر نعمة أبداً؛ فسلّطني على دنياه.. فقيل له: قد سلطتك على ماله وولده، ثم انحدر إبليس فلم يبق له مالاً ولا ولداً.

إن القرآن الكريم يصف إبليس بأوصاف أخرى إلى جانب الوسوسة، منها:
النسيان: حيث جعل النسيان من خواص إبليس، حسب ما جاء في هذه الآية: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}.. فإذن، إن النسيان أمرٌ ما وراء الوسوسة، وفي القرآن الكريم نُسب إلى إبليس.
المرض: وليس من البعيد أن يوجب المرض، كما سيأتي في الآيات الكريمة: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}.. بما فيه العذاب البدني، وعذاب فقْد الأولاد.. إن الشيطان يريد أن يوقع المؤمن في بعض الأمراض البدنية، فيرغبه في الأكل الكثير، فيصاب بالتخمة، أو أكل ما يضره.. وعليه، فإن القول بأن الشيطان هو الذي أوقع الإنسان بالمرض، قول صحيح.. ففي هذه الأيام، توجد أمراض كثيرة، كتليّف الكبد أو ما شابه ذلك من أثر شرب الخمر.. والقرآن يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

فإذن، إن للشيطان أساليب كثيرة، في مسألة إيقاع الإنسان في المرض.. ولاداعي لما قد يقوله البعض: أن الشيطان في مثل هذه الموارد قد يكون كناية عن الجراثيم الضارة، لأنها خفية وتعمل عمل الشياطين، أي عمل إضراري في خفاء، فهو فعل الشيطان.. وهذا خلاف الظاهر، أن نقول: بأن المراد بالشيطان في مثل الأمراض عبارة عن الجراثيم.. ومسألة الجراثيم تقرّب لنا صورة الشيطان، كما في بعض النصوص (يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق)، نلاحظ بأن هذه الجرثومة تسرح وتمرح في بدن الإنسان، من مخه إلى قدمه، ولا رادع لها؛ لأنه أصغر من المجاري الدموية.

وبعد كل البلاءات بقى سيدنا أيوب صلوات الله عليه على إيمانه القويم المحكم، حتى أنه قال في آخر الحديث -ما مضمونه-: (إنك لتعلم أنه لم يعرض لي أمران قط، كلاهما لك طاعة، إلا أخذت بأشدهما على نفسي)، فهذا الحديث نُسب إليه بعد البلاء، ومع ذلك يخاطب الله عز وجل بهذا الكلام.. فجاءه النداء بواسطة غمامة أو ماشابه ذلك في الحديث: (يا أيوب!.. من صيّرك تعبد الله، والناس عنه غافلون؟.. فهذه منّة عليك أن جعلناك من الذاكرين).. أي وأنت في ساعة الشدة، وفي ساعة الرخاء، يمكنك أن تتوجّه إلى رب العالمين بجهد بسيط.. أليس هذا من نِعم الله عليك؟.. وتحمده، وتسبّحه، وتكبّره، والناس عنه غافلون؟.. أتمنّ على الله بما لله فيه المنة عليك؟.. فأخذ التراب ووضعه في فيه ثم قال: لك العتبى يارب!.. أنت فعلت ذلك بي.. فهذا النبي العظيم أثبت عبوديته لله عز وجل في مختلف الظروف، وهذا هو المطلوب من أحدنا.

يقول تعالى: {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}.. والسر فيما وصل إليه أيوب هو بسبب حالة العبودية المطلقة.. يقول علماء الأخلاق في كتبهم، لعله في جامع السعادات وغير ذلك:  أنه شتان بين استسلام الميت بين يدي الغسّال، يقلبه حيث ما شاء من دون صراخ وأنين.. وبين  الحمَامي عندما يقلب الإنسان أثناء التحميم والتدليك!.. فمادام هناك رفق وعمل موافق للمزاج، فترى الإنسان المُدلََّك بين يدي المدَلِّك في تمام الاسترخاء والتسليم.. أما إذا وصل إلى موضع جرح، وأخذ يدلك جرحه، بما يثير الألم، عندئذ يبدأ بالصراخ والإعتراض.. فالإنسان بين يدي الله عز وجل، عليه أن يكون كالميت بين يدَي الغسَّال، لا كالمدَلَّك بين يدي المُدلِّك.

إن بعض الروايات تنفي ابتلاء أيوب (ع) بذلك البلاء المنفّر، لأن بعض الروايات تقول بأن الديدان أخذت تخرج من بدنه، وقد هرب الناس منه.. عن الإمام الباقر صلوات الله عليه: (إنّ أيوب ابتُلي سبع سنين من غير ذنب).. إذ لا داعي للذنب حتى يبتلي الإنسان.. (وإنّ الأنبياء لا يذنبون، لأنهم معصومون مطهّرون، لا يذنبون، ولا يزيغون، ولا يرتكبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً.. وقال (ع): إنّ أيوب من جميع ما ابتُلي به لم تنتن له رائحةٌ، ولا قبُحت له صورة، ولا خرجت منه مدّة من دم ولا قيح)..  لعل الإمام يريد أن ينفي هذا التصوير في أذهان البعض، لأن هذا ما ينفّّر الناس كما نعلم.. (ولا استقذره أحدٌ رآه، ولا استوحش منه أحدٌ شاهده، ولا تدوّد شيءٌ من جسده.. وهكذا يصنع الله عزّ وجلّ بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه.. وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره، لجهلهم بما له عند ربّه تعالى ذكره من التأييد والفرج، وقد قال النبي (ص): أعظم الناس بلاءً الانبياء، ثم الأمثل فالأمثل).

أيضاً من الروايات المتعلقة بسيدنا أيوب بعد البلاءات المختلفة التي مرت عليه، سُئل بعد العافية -ما مضمونه-: (أي شيء كان أشد عليك مما مر)؟.. -ففي حياتنا اليومية يقال للبعض: فلان له صبر أيوب، فيضرب به المثل بالصبر.. فالمؤمن عزته من عزة الله عز وجل- فقال –مضمون الحديث-: (شماتة الأعداء الذي أثَر بي).. إن أعداء الدين عندما رأوا أيوب بهذه الصورة، من الطبيعي أن تنتابهم حالة من الشماته.. فإذن، إن من الأدعية التي ندعو بها، ولعله قد ورد فيها بعض النصوص: (اللهم!.. لا تشمت بنا -أو بي- الأعداء).

{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}.. أظهر الله تعالى له عينا هناك، وأمره أن يغتسل منها، ويشرب، حتى يبرأ ظاهر بدنه وباطنه.. فما هي إلا لحظات أو ثوانٍ وانتهى كل شيء، وإذا بالأمور قد انقـلبت رأساً على عـقـب.

{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ}.. ورد في الرواية أنه ابتلي فيما ابتلي بموت جميع أهله، إلا امرأته.. وأن الله أحياهم له، ووهبهم له، ومثلهم معهم.. وقيل: إنهم كانوا قد تفرقوا عنه أيام ابتلائه، فجمعهم الله إليه بعد برئه، وتناسلوا، فكانوا مثلي ما كانوا عددا.

{رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ}.. هذه هي النتيجة الطبيعية للبلاء، فالإنسان بعدما يتعافى من البلاء -عادةً- إن سياسة رب العالمين نعرفها من خلال الإستقراء، بأنه لا يعطيه العافية فحسب!.. وإنما العافية ومعها بعض الإمتيازات.. إن أحد العلماء من الذين كانوا في النجف الأشرف قال: (عندما جاءت موجة من البلاء، فعمت الناس -وفي تلك الأيام، إن الوباء كان يساوي الموت- يقول: عوفي أستاذي من هذا المرض، وبعد ذلك قال لي: لقد زدت علماً، زادني الله علماً بعد هذا البلاء).. فما هو ارتباط الوباء بهذا العلم الإلهــي اللَّدني الإلقائي الذي قد ازداد بعد البلاء؟.. ولهذا نلاحظ بأن بعض المؤمنين عندما يشفى من مرض طويل، أو يخرج من سجن، أو يبتلى ببلاء عائلي، أو مالي، أو غير ذلك.. فإنه يرجع بعد البلاء، وهو أصفى وأنقى مما كان عليه.. ولهذا فإنه من الحرام والخسارة، أن يفقد الإنسان هذا الصفاء، الذي اكتسبه بعد البلاء.. فعليه أن يبقى على هذا الأمر.

{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ}.. إن هذه الآية تبين كيف أن الله عز وجل يلقِّن عبده، للتخلص من مسألة فقهية.. يبدو أنه حصل خلاف بين سيدنا أيوب وبين زوجته، والآيات لم تذكر ما هو الفعل الذي عملته الزوجة، فحلف لئن عوفي أن يجلد امرأته مائة جلدة، حتى حلف سيدنا أيوب بأن يضربها ضرباً.. ولعله نوى مثلاً أن يضربها مئة مرة أو مئة سوط أو ماشابه ذلك، أي عدد من المرات من الضرب.. فالقرآن الكريم لم يذكر ما الذي أثار أيوب حتى حلف هذا الحلف.. ففي بعض الروايات: بأنه في أيام فقر سيدنا أيوب، ذهبت زوجته تطلب طعاماً لأيوب، وكانت لها ذوآبتان جميلتان، أو ظفائر شعرها كانت طويلة.. فعرفوا أن لها شعرا جميلا،  فطلبوا بأن يعطوها الطعام مقابل أن تقص هذه الظفائر، أو أحد منهما أو كلاهما، فاستبدلت شعرها  بمقدار من الطعام، لقوت سيدنا


source : al-amal
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الشعائر الحسينية
الإمام الباقر ( عليه السلام ) مع نافع مولى عمر
حبيب بن مظاهر الاسدي ومكانته عند الحسين (ع)
الهيـبَة في خِـلافَة عُـثمان
الإمام السجاد (عليه السلام) ومحمّد بن الحنفية
زياد ابن أبيه.. أحد رمـــوز الإرهاب الأموي
الأجل والأجل المسمى
مناشدة الإمام علي (ع) يوم الشورى
أو الافطحية وهم الذين يقولون بانتقال الامامة من ...
من خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ...

 
user comment