عربي
Monday 22nd of July 2024
0
نفر 0

تأملات وعبر من حياة أبينا آدم (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وال محمد

إن القرآن الكريم يكثر من ذكر الأنبياء السلف، رغبة في أن نتأسى بهديهم، ونكتشف الدروس من حياتهم -ومع الأسف- فإننا ننظر إلى أن هذه قصص كباقي القصص.. والحال بأن القرآن الكريم، لم يرد ذكر هذه الأمور لمجرد الذكر، وإنما لأجل الاعتبار بما وقع على الأنبياء عليهم السلام.

نبدأ بنبي الله آدم، الذي نرتبط به ارتباطا عاطفيا وعضويا، لأنه هو أبونا وحواء أمنا.. ولهذا فإن البعض من الصالحين، يوصي بأنه في ضمن ذكر الأرحام والوالدين والأجداد، علينا أن نخص آدم بالذكر، لأنه جدنا الأكبر.

إن تذكّر هذه الحالة الجامعة، وهي أننا جميعا من نسل آدم، أيضا يلقننا شيئا من حالة الإحساس بالأخوة مع من حولنا.. فالأخوة الأرضية -بالإضافة إلى الأخوة الإسلامية، والإيمانية، والتقوائية، وغيرها- هي من العناصر المشتركة بيننا وبين كل إنسان على وجه الأرض، كوننا من هذا الوجود المبارك.

هنالك بعض المحطات الملفتة في حياة آدم (ع)، منها:
أولا: خلقة آدم، وقصة السجود له، وتمرد إبليس على السجود.
ثانيا: مسألة الأسماء التي علمها آدم، أو عُرضت عليه.. فما هي هذه الأسماء؟..
ثالثا: مسألة اقترابه من الشجرة المنهية، ووسوسة الشيطان له.
رابعا: الخروج من الجنة، وما آل إليه الأمر.
خامسا: البحث في أن هذه القضية هل هي معصية أو غير معصية؟..

 إن الله عز وجل عندما ذكر آدم في سورة البقرة، جعل الآية تبدأ بهذه المقولة الإلهية: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.. فالمستفاد من هذه الآية، ومن آيات أخرى شبيهة، أن الكلام ليس بالنسبة لآدم فحسب!.. فكلمة الخليفة في القرآن أُطلقت على آدم، كما في هذه الآية.. وفي نفس الوقت في سور أخرى، فبني آدم هم المخاطبون بهذه الخلافة كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ}، {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ}.. فإذن، إن هذه الآيات تؤكد على أن هذه السمة العظيمة -سمة الخلافة الإلهية- سمة أعطيت لآدم، وبني آدم.

ومن أجلّ أوصاف الإنسان على وجه الأرض، أن يكون خليفة لله عز وجل، بمعنى أن يكون عاكسا لصفات الرب في حدود البشرية.. فعادة الخليفة يمثل المستخلف في صفاته الأساسية وبدرجة متقاربة.. ففي السفارات في الدول، إن توجه السفير الفكري، ونمط معيشته، ولغته، وثقافته، وحضارته، وعاداته، تشابه إلى حد كبير الجهة التي أرسلته.. وإلا لو كان على مستوى المرسل، لما كان سفيرا بل كان أميرا.. والفارق هو أن السفير يشبه الأمير، ولهذا اختير كسفير بينه وبين الطرف المقابل.

ومن الأبحاث الملفتة في هذه السورة، هذه الآيات: {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء}.. فمن أين علمت الملائكة بهذه الخصوصية؟.. وهنا رأيان.. الرأي الأول يقول: بأن الملائكة لاحظت أن هذا الوجود يحتوي على قوتين: قوة الشهوة، وقوة الغضب.. ولكل من هاتين الشهوتين آثارهما في الحياة الدنيا: فالشهوة تجر الإنسان إلى الإفساد، وقوة الغضب تجر الإنسان إلى سفك الدماء.. وخاصة عندما يلاحظ أن آدم هو رأس سلسلة، ولو كان يعيش في هذه الدنيا لوحده، أو مع قرينته حواء لهان الأمر.. فالملائكة تعلم أن هناك نسلا، وأن هنالك حضارات، ومدنا: أفرادا ومجتمعات.. ومن الطبيعي عندما تتكاثر الأفراد في البيئة الواحدة، وتتزاحم المصالح.. أن توجد هذه الأرضية.

فإذن، إن القرآن الكريم عندما يعبّر هذا التعبير، يلحظ أن هنالك وجودا مدنيا، ووجودا حضاريا، ولازمة التكاثر في الأفراد، تظهر هذه المفاسد.. ومن هنا نعلم أن الإسلام يريد منا أن نكون على مستوى الخلافة الأرضية، في خضم التعامل مع البشر.. وإلا، فلو كان الإنسان وحيدا في هذه الدنيا، في مغارة، أو في صومعة، قد لا يبتلى بهذه الانحرافات الشهوية والغضبية.

وهناك رأي آخر: مروي هذا عن الإمام الصادق عليه السلام،  قال: (ما عَلِم الملائكة بقولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء}، لولا أنهم قد كانوا رأوا من يفسد فيها ويسفك الدماء).. فهذه النظرية تقول بأن هنالك أجيالا بشرية منقرضة قبل آدم عليه السلام.. وإن كانت هذه الأجيال افتراضا بأنها في مستوى عقلي وشعوري أقل من هذا النسل الأخير، الذي بدئ بآدم، واستمر إلى النبي الخاتم، ثم ينتهي إلى قيام القائم، ثم القيامة بعد ذلك.

ومن الأبحاث الملفتة في هذه الصفحة من القرآن الكريم، أنها تتناول موضوع تعليم آدم الأسماء الحسنى.. فهنا المفسرون عاشوا في بحث، أو في حالة من حالات التنازع فيما بينهم في تفسير هذه الأسماء.. فمنهم من ذهب إلى أنها أسماء لفظية بسيطة، كأسماء الأشياء: هذه شجرة، وهذه أرض، وهذه سماء.. فاقتصروا على الجانب اللفظي، وقالوا: بأن هذه هي الأسماء المتعارفة.. وطبعا هذا الرأي مع التدبر والتأمل، لا يمكن أن يقبل، لأن هذا ليس من باب التميز.. فالطفل عندما يلقن بأن هذه اسمها شجرة، يقول بأنها شجرة، فهذه حالة من حالات البغبغائية في حياة الإنسان.. وليس هذا مما يمكن أن يقدّم رب العالمين آدم كموجود متميز بما يسكتهم.. فالقرآن يريد أن يقنع الملائكة بأن هذا الموجود جدير بالخلافة، وأن هذا الموجود جدير بالسجود له.. فإذاً، إن القضية أرقى من الأسماء العادية، وخاصة عندما نصل إلى قوله تعالى: {فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء}.. فيبدو أن هناك إشارة لموجودات راقية، وأن آدم عليه السلام اطلع على حقائق عالية في هذا الوجود.. وهذه الحقائق لم تكن منكشفة للملائكة حق الانكشاف، وكانت محجوبة بحجاب الغيب.. ومن هنا قال بعض المفسرين: بأن المراد بها الوجودات الطاهرة، المتمثلة بالنبي وآله صلوات الله وسلامه عليهم.. وهذا التفسير مناسب لجو الآية.. فالله عز وجل يبين فضل آدم


source : al-amal.
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

هل صحّ حديث (لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة) من طرق ...
انتشار التشيّع في الريّ(2)
إخبار النبي ( صلي الله عليه وآله وسلّم) بقتل ...
نقش الخواتيم لدى الأئمة (عليهم السلام)
حياة الإمام علي بن موسى الرضا غريب طوس (عليه ...
وصول سبايا الإمام الحسين(عليه السلام) إلى الكوفة
أنَّ الذي تصدى لدفن الحسين (ع) ومن كان معه من ...
أحوال مؤمن آل فرعون و امرأة فرعون
وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان عليه ...
أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) ورواة حديثه

 
user comment