إن الإمام (عليه السلام) يحسب العدالة وظيفة إلهية بل ناموساً إلهياً، فلا يصح أن يقف المسلم العارف بالإسلام وقفة المتفرج عند ترك الناس العدل ولجوئهم إلى الجور والتمييز الطبقي.
فإنه (عليه السلام) بعدما يشير في (الخطبة الشقشقية) إلى بعض الحوادث المؤلمة السياسية السابقة، يقول: (فما راعني إلا والناس كعُرف الضبع إليّ، ينثالون عليّ من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم.. أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز).
هجم الناس عليه من كل جانب ومكان يطلبون إليه بإصرار وإلحاح شديدين أن يتقبل الالتزام بزمام أمور المسلمين. وهو (عليه السلام) لم يكن - بعدما كان من الحوادث المؤلمة الماضية، وفساد الأوضاع الحاضرة - راغباً في قبول هذه المسؤولية العظمى، ولكن بما أنه (عليه السلام) لو لم يكن يتحمل هذه المسؤولية الكبرى كان يشوه وجه الحقيقة ويقال: أنه (عليه السلام) لم يكن يهتم بهذه الأمور ولم يكن راغباً فيها من أول يوم، وبما أن الإسلام لا يبيح للمسلم عند انقسام المجتمع إلى مجتمع طبقي، ظالم ومظلوم، متخم وجائع، أن يقف مكتوف اليدين وقفة المتفرج.. لذلك تعهد الإمام (عليه السلام) بهذا التكليف الثقيل وقال: لو لم يكن ما كان من ذلك الاجتماع العظيم، ولولا قيام الحجة علي وانقطاع العذر بوجود الناصرين، ولولا تحريم الله السكوت عن الحق على العلماء عند ظلم الظالمين وجوع المظلومين.. لكنت ألقي زمام الخلافة على عاتقها وأجلس عنها كما جلست من قبل ذلك.
source : تبیان