مناظرة الامام الرضا عليه السلام مع المأمون العباسي في عصمة الانبياء عليهم السلام
عن علي بن محمد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام فقال له المأمون : يا بن رسول الله أليس من قولك: إن الاَنبياء معصومون ؟
قال : بلى .
قال : فما معنى قول الله عزّ وجلّ : ( وعصى آدم ربه فغوى ) (1) .
فقال عليه السلام : إنَّ الله تبارك وتعالى قال لآدم : ( اسكُن أنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّة وكُلا مِنهَا رَغَداً حيثُ شِئتُما وَلا تَقرَبا هذهِ الشَجَرَة ـ وأشار لهما إلى شجرة الحنطة ـ فَتَكونَا مِن الظالمين ) (2) ولم يقل لهما : لا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة ولم يأكلا منها وإنّما أكلا من غيرها ، لمّا أن وسوس لهما الشيطان وقال : ( مَا نَهاكُما رَبّكُما عن هذهِ الشَجَرةِ ) (3) وإنّما ينهاكما أن تقربا غيرها ولم ينهكما عن الاَكل منها ( إلا أن تكُونا مَلكَينِ أو تكُونا من الخالدين ، وقاسمهُما إنّي لكُما لَمِنَ الناصحين ) (4) ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذباً ( فَدَلاّهُما بغرُورٍ ) (5) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله وكان ذلك من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار وإنّما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الاَنبياء قبل نزول الوحي عليهم فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبياً كان معصوماً لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال الله عزّ وجلّ : ( وَعَصى آدم رَبَّه فَغوى ، ثمَّ اجتباه رَبُّه فتابَ عليه وَهَدى ) (6) وقال عز وجل : ( إن اللهَ اصطفى آدمَ ونُوحاً وآلَ إبراهيمَ وآل عمرانَ على العالَمين ) (7) .
فقال له المأمون : فما معنى قول الله عز وجل : ( فَلمَّا آتاهُما صالِحاً جَعلا له شُركاء فيما آتاهُما ) (8) ؟
فقال له الرضا عليه السلام : إن حواء ولدت لآدم خمسمائة بطن ذكراً وأنثى وإن آدم عليه السلام وحواء عاهدا الله عز وجل ودعواه وقالا : ( لئن آتَيتَنا صالِحاً لنكوننَّ من الشاكرينَ ، فلمَّا آتاهما صالحاً ) (9) من النسل خلقاً سوياً برياً من الزمانة والتامة وكان ما آتاهما صنفين صنفاً ذكراناً وصنفاً إناثاً ، فجعل الصنفان لله تعالى ذكره شركاء فيما آتاهما ولم يشكراه كشكر أبويهما له عز وجل ، قال الله تبارك وتعالى: ( فَتَعالى اللهُ عمّا يُشرِكون ) (10) .
فقال المأمون : أشهد أنك ابن رسول الله حقّاً فأخبرني عن قول الله عز وجل في حقِّ إبراهيم عليه السلام : ( فَلَمَّا جَنَّ عليهِ الليلُ رأى كَوكباً قال هذا رَبّي ) (11)
فقال الرضا عليه السلام : إن إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثة أصناف صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد القمر وصنف يعبد الشمس وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه ( فَلَمَّا جَنَّ عليهِ الليلُ ) فرأى الزهرة، قال : ( هذا رَبّي ) على الاِنكار والاستخبار ( فلمَّا أَفَلَ ) الكوكب ( قال لا أُحِبُّ الآفِلين ) (12) لاَنّ الاَُفول من صفات المحدَث لا من صفات القدم ( فَلمّا رأى القمرَ بازِغاً قالَ هذا رَبّي ) (13) على الاِنكار والاستخبار ( فلمّا اَفَلَ قال لئن لم يهدِني رَبّي لاَكوننَّ مِنَ القومِ الضَّالِّين ) (14) يقول : لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين فلما أصبح و ( رأى الشمسَ بازغةً قالَ هذا رَبّي هذا أكبر ) من الزهرة والقمر على الاِنكار والاستخبار لا على الاِخبار والاِقرار ( فَلمَّا أَفَلت ) قال للاَصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس : ( يا قَوم اِنّي بَريءٌ مما تُشركون ، إنّي وجَّهتُ وجهي لِلذي فَطَرَ السماواتِ والاَرض حنيفاً وما أنا من المُشرِكين ) (15) وإنّما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال أن يبيّن لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم أن العبادة لا تحقّ لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس وإنّما تحقّ العبادة لخالقها وخالق السماوات والاَرض ، وكان ما احتجَّ به على قومه مما ألهمه الله تعالى وآتاه كما قال الله عز وجل : ( وتِلكَ حُجّتُنا آتيناها إبراهيم على قومهِ ) (16) .
فقال المأمون : لله درّك يا بن رسول الله فأخبرني عن قول إبراهيم عليه السلام : ( رَبِّ أَرني كيفَ تُحيي المَوتى قال أوَ لَم تُؤمِن قال بلى ولكن ليَطمئِن قلبي ) (17) .
قال الرضا عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام إنّي مُتخذ من عبادي خليلاً إن سألني إحياء الموتى أجبته ، فوقع في نفس إبراهيم أنه ذلك الخليل فقال : ( رَبِّ أَرني كيفَ تُحيي المَوتى قال أوَ لَم تُؤمِن قال بلى ولكن ليَطمئِن قلبي ) على الخلّة ( قال فَخُذ أَربَعةً من الطّيرِ فصُرهُنَّ إلَيكَ ثُمَّ اجعَل على كُلِّ جبلٍ منهُن جزءً ثُمَّ ادعُهُن يأتينَك سعياً واعلم أَنَّ اللهَ عزيزٌ حكيم ) (18) فأخذ إبراهيم عليه السلام نسراً وطاووساً وبطاً وديكاً ، فقطعهن وخلطهن ثمّ جعل على كل جبل من الجبال التي حوله وكانت عشرة منهن جزء وجعل مناقيرهن بين أصابعه ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبّاً وماءً فتطايرت تلك الاَجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الاَبدان ، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه فخلى إبراهيم عليه السلام عن مناقيرهن فطرن ثمّ وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحبّ، وقلن : يا نبي الله أحييتنا أحياك الله ، فقال إبراهيم : بل الله يحيي ويميت وهو على كلِّ شيء قدير.
قال المأمون : بارك الله فيك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( فَوَكَزَهُ موسى فَقَضى عليهِ قالَ هذا مِن عمل الشَّيطان ) (19) .
قال الرضا عليه السلام : إن موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها وذلك بين المغرب والعشاء ( فَوَجدَ فيها رجُلين يَقتتِلان هذا من شيعتِه وهذا مِن عَدوِه فاستَغاثَهُ الذي من شيعَتِهِ على الذي من عَدوهِ ) (20) فقضى موسى على العدو ، وبحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات ( قالَ هذا مِن عَمَلِ الشَّيطان ) يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعل موسى عليه السلام من قتله ، إنه ـ يعني الشيطان ـ عدو مضل مبين .
فقال المأمون : فما معنى قول موسى : ( ربّ إنّي ظَلَمتُ نَفسي فاغفر لي ) (21) .
قال : يقول : إنّي وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة فاغفر لي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلونني ( فَغَفَرَ لهُ إنَّه هُوَ الغفُورُ الرَّحيم ) (22) قال موسى عليه السلام : ( رَبّ بِما أنعمتَ عَليَّ ) من القوة حتى قتلت رجلاً بوكزة ( فَلَن أكونَ ظهيراً للمُجرمين ) (23) بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى رضى فأصبح موسى عليه السلام في المدينة خائفاً يترقب فإذا الذي استنصره بالاَمس يستصرخه على آخر قال له موسى إنّك لغويٌ مبين قتلت رجلاً بالاَمس وتقاتل هذا اليوم لاَودبنّك وأراد أن يبطش به ( فَلَمّا أن أراد أن يبطشَ بالذي هوَ عَدوٌّ لهما ) وهو من شيعته ( قال يا موسى أتُريدُ أن تَقتُلَني كَما قَتَلتَ نَفساً بالاَمسِ إن تُريدُ إلاّ أن تَكون جبّاراً في الاَرض وما تُريد أن تكونَ مِنَ المُصلحين ) (24) .
قال المأمون : جزاك الله عن أنبيائه خيراً يا أبا الحسن فما معنى قول موسى لفرعون : ( فَعَلتُها إذاً وأنا من الضّالّين ) (25) .
قال الرضا عليه السلام : إن فرعون قال لموسى لما أتاه : ( وفَعَلتَ فعلتَكَ التي فَعَلت وأَنتَ مِنَ الكافرين ) (26) ، قال موسى : ( فَعَلتُها إذاً وأَنا من الضالين) عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك ( فَفَررتُ مِنكُم لَما خِفتُكم فَوَهَبَ لي رَبّي حُكماً وجَعَلَني مِنَ المُرسَلين ) (27) وقد قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وآله : ( ألَم يَجِدكَ يتيماً فآوى ) (28) يقول : ألم يجدك وحيداً فآوى إليك الناس ( وَوَجَدكَ ضالاً ) (29) يعني عند قومك فهدى ، أي هداهم إلى معرفتك ( وَوَجدكَ عائِلاً فأَغنى ) (30) يقول : أغناك بأن جعل دعاءك مستجاباً.
قال المأمون : بارك الله فيك يا بن رسول الله فما معنى قول الله عز وجل : ( ولَمّا جاء موسى لميقاتِنا وكَلَّمَه رَبُّه قالَ رَبِّ أَرني أَنظرُ إِليكَ قال لَن تَراني ) (31) كيف يجوز أن يكون كلم الله موسى بن عمران عليه السلام لا يعلم أنَّ الله تبارك وتعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال ؟
فقال الرضا عليه السلام : إنَّ كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم أنّ الله تعالى أعز أن يرى بالاَبصار ، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجياً رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه ، فقالوا ( لَن نُؤمن لَكَ ) حتى نستمع كلامه كما سمعت ، وكان القوم سبعمأة ألف رجل ، فاختار منهم سبعين ألفاً، ثمّ اختار منهم سبعة آلاف ، ثم اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربهم فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور وسأل الله تعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه ، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام ، لاَنّ الله عز وجل أحدثه في الشجرة وجعله منبعثاً منها حتى سمعوه من جميع الوجوه ، فقالوا : ( لَن نُؤمن لَكَ ) بأن هذا الذي سمعناه كلام الله ( حتّى نرى الله جهرة ) فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقة ، فأخذتهم بظلمهم فماتوا.
فقال موسى : يا ربّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا : إنك ذهبت به فقتلتهم لاَنّك لم تكن صادقاً فيما ادعيت من مناجاة الله عز وجل إيّاك، فأحياهم الله وبعثهم معه ، فقالوا : إنّك لو سألت الله أن يريك ننظر إليه لاَجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته ، فقال موسى : يا قوم إن الله تعالى لا يُرى بالاَبصار ولا كيفية له ، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى تسأله ، فقال موسى : يا ربّ إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل ، وأنت أعلم بصلاحهم، فأوصى الله تعالى إليه يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى عليه السلام : ( رَبِّ أَرني أَنظرُ إِليكَ قال لَن تَراني ولكِن اُنظُر إلى الجبلِ فإِن استَقَرَ مَكانَه ) وهو يهوي ( فَسوفَ تراني فَلمّا تَجَلّى رَبُّه للجبلِ ) بآية من آياته ( جَعَلَه دَكّاً وخرَّ مُوسى صَعِقاً فَلمّا أَفاقَ قال سُبحانكَ تُبتُ إِلَيكَ ) (32) يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي وأنا أوّل المؤمنين منهم بأنك لا تُرى .
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( وَلَقَد هَمَّت بهِ وهَمَّ بها لَولا أن رأى بُرهان رَبّهِ ) (33) .
فقال الرضا عليه السلام : لقد همَّت به ، ولولا أن رأى برهان ربه لهمَّ لها كما همَّت به، لكنه كان معصوماً والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه ، وقد حدّثني أبي عن أبيه الصادق عليه السلام أنّه قال : همَّت بأن تفعل وهمَّ بأن لا يفعل .
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( وَذَا النُّون إذ ذهبَ مُغاضباً فَظَنَّ أن لن نقدِرَ عليه ) (34) .
فقال الرضا عليه السلام : ذاك يونس بن متى عليه السلام ذهب مغاضباً لقومه ، فظن بمعنى استيقن أن لن نقدر عليه ، أي لن نضيق عليه رزقه ، ومنه قوله عزّ وجلّ : ( وأمَّا إذا مَا ابتلاهُ فَقَدَرَ عليهِ رِزقهُ ) (35) أي ضيق وقتر ( فَنَادَى في الظُّلماتِ) أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت : ( أن لا إله إلاَّ أنت سُبحَانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ الظالِمين ) (36) بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرّغتني لها في بطن الحوت ، فاستجاب الله له وقال عزّ وجلّ : ( فَلَولا أَنَّه كانَ مِن المُسبِّحين، للبِثَ في بَطنهِ إلى يوم يُبعَثُونَ ) (37) .
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( حتى إذا استيأس الرُّسُل وَظَنُّوا أنَّهُم قَد كُذِبوا جَاءهُم نَصرُنا ) (38) .
فقال الرضا عليه السلام : يقول الله عز وجل : حتى إذا استيأس الرُّسُل من قومهم، وَظَنَّ قومهم ، أنَّ الرسل قَد كُذِبوا جَاء الرسل نَصرُنا .
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( لِيغفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وما تَأخّر ) (39) .
قال الرضا عليه السلام : لم يكن أحد عند مشركي أهل مكّة أعظم ذنباً من رسول الله صلى الله عليه وآله لاَنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنماً ، فلمّا جاءهم صلى الله عليه وآله بالدعوة إلى كلمة الاِخلاص كَبُر ذلك عليهم وعظم وقالوا : ( أجعلَ الآلِهةَ إِلهاً واحِداً إنَّ هذا لشيءٌ عُجاب ، وانطَلَقَ المَلأ مِنهم أن امشُوا واصبِرُوا على آلِهتِكُم إنَّ هَذا لَشيءٌ يُرادُ ، ما سَمِعنا بِهذا في المِلَّةِ الآخِرةِ إن هذا إلاّ اختِلاق ) (40) فلمّا فتح الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وآله مكة قال له : يا محمد ( إنَّا فَتَحنَا لَكَ ) ـ مكة ـ ( فَتحَاً مُبيناً ، لِيغفر لَكَ اللهُ ما تَقَدَّم مِن ذَنبِكَ وما تَأخّر ) (41) عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر ، لاَن مشركي مكة أسلم بعضهم ، وخرج بعضهم عن مكة ، ومن بقى منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه ، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفوراً بظهوره عليهم.
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أذِنتَ لَهُم ) (42) ؟
فقال الرضا عليه السلام : هذا ما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة ، خاطب الله عز وجل بذلك نبيه وأراد به أُمّته ، وكذلك قوله تعالى : ( لئِن أشركتَ ليَحبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِن الخاسرين ) (43) وقوله عز وجل : ( وَلولا أن ثَبَّتناكَ لَقَد كِدتَ تركَنُ إليهم شَيئاً قَليلاً ) (44) .
قال : صدقت يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( وإذ تَقولُ لِلَّذي أنعَم اللهُ عَليهِ وأنعَمت عَليهِ أمسِك عَلَيكَ زَوجَكَ واتَّقِ اللهَ وتُخفي في نَفسِكَ ما اللهُ مُبدِيهِ وَتَخشى النّاس واللهُ أحقُّ أن تخشاه ) (45) .
قال الرضا عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده ، فرأى امرأته تغتسل فقال لها : سبحان الذي خلقكِ، وإنّما أراد بذلك تنزيه الباري عز وجل عن قول من زعم أن الملائكة بنات الله فقال الله عز وجل : ( أَفأَصفاكُم رَبُّكُم بالبَنينَ واتَّخَذَ مِنَ المَلائكَةِ إِناثاً إِنَّكُم لَتَقُولون قَولاً عَظِيماً ) (46) فقال النبي صلى الله عليه وآله لما رآها تغتسل : سبحان الذي خلقك أن يتخذ له ولداً يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال ، فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجيء رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله لها : سبحان الذي خلقك ، فلم يعلم زيد ما أراد بذلك، وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال له : يا رسول الله صلى الله عليه وآله إنَّ امرأتي في خلقها سوء وإنّي أُريد طلاقها ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : ( أمسِك عَلَيكَ زَوجَكَ واتَّقِ الله ) (47) وقد كان الله عز وجل عرَّفه عدد أزواجه وأن تلك المرأة منهن فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد ، وخشى الناس أن يقولوا : إن محمداً يقول لمولاه : إن امرأتك ستكون لي زوجة يعيبونه بذلك ، فأنزل الله عز وجل : ( وإذ تَقُولُ لِلَّذي أنعَمَ اللهُ عَليهِ )يعني بالاِسلام وأنعمت عليه يعني بالعتق ( أمسِك عَلَيكَ زَوجَكَ واتَّقِ اللهَ وتُخفي في نَفسِكَ ما اللهُ مُبدِيهِ وَتَخشى النّاس واللهُ أحقُّ أن تخشاه ) (48) ثمّ إن زيد بن حارثة طلقها واعتدت منه ، فزوّجها الله عز وجل من نبيه محمد صلى الله عليه وآله وأنزل بذلك قرآناً فقال عز وجل : ( فَلَمّا قَضَى زَيدٌ مِنها وَطراً زَوَّجناكَها لكي لا يَكُونَ عَلى المؤمِنينَ حَرجٌ في أزواجِ أدعيائِهم إذا قضوا مِنهُنَّ وَطراً وكانَ أمرُ اللهِ مفعُولاً ) (49) ثمّ علم الله عز وجل أن المنافقين سيعيبونه بتزوجها فأنزل الله تعالى: ( ما كانَ عَلى النَّبي مِن حرجٍ فيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ ) (50) .
فقال المأمون : لقد شفيت صدري يا بن رسول الله ، وأوضحت لي ما كان ملتبساً عليَّ ، فجزاك الله عن أنبيائه وعن الاِسلام خيراً (51) .
____________
(1) سورة طه : الآية 121 .
(2) سورة البقرة : الآية 35 .
(3) سورة الاَعراف : الآية 20 .
(4) سورة الاَعراف : الآية 20 و21 .
(5) سورة الاَعراف : الآية 22 .
(6) سورة طه : الآية 121 و122 .
(7) سورة آل عمران : الآية 33 .
(8) سورة الاَعراف : الآية 190 .
(9) سورة الاَعراف : الآية 189 و 190 .
(10) سورة الاَعراف : الآية 190 .
(11) سورة الاَنعام : الآية 76 .
(12) سورة الاَنعام : الآية 76 .
(13) سورة الاَنعام : الآية 77 .
(14) سورة الاَنعام : الآية 77 .
(15) سورة الاَنعام : الآية 78 و79 .
(15) سورة الاَنعام : الآية 83 .
(16) سورة البقرة : الآية 260 .
(17) سورة البقرة : الآية 260 .
(18) سورة القصص : الآية 15 .
(19) سورة القصص : الآية 15 .
(20) سورة القصص : الآية 16 .
(21) سورة القصص : الآية 15 .
(22) سورة القصص : الآية 17 .
(23) سورة القصص : الآية 19 .
(23) سورة الشعراء : الآية 20 .
(24) سورة الشعراء : الآية 19 .
(25) سورة الشعراء : الآية 21 .
(27) سورة الضحى: الآية 6 .
(28) سورة الضحى : الآية 7 .
(29) سورة الضحى : الآية 8 .
(30) سورة الاَعراف : الآية 143 .
(32) سورة الاَعراف : الآية 143 .
(33) سورة يوسف : الآية 24 .
(34) سورة الاَنبياء : الآية 87 .
(35) سورة الفجر : الآية 16 .
(36) سورة الاَنبياء : الآية 87 .
(37) سورة الصافات : الآية 143 و 144 .
(38) سورة يوسف : الآية 110 .
(39) سورة الفتح : الآية 2 .
(40) سورة ص : الآية 5 ـ 7 .
(41) سورة الفتح : الآية 1 و2 .
(42) سورة التوبة : الآية 43 .
(43) سورة الزمر : الآية 65 .
(44) سورة الاِسراء : الآية 74 .
(45) سورة الاَحزاب : الآية 37 .
(46) سورة الاِسراء : الآية 40 .
(47) سورة الاَحزاب : الآية 37 .
(48) سورة الاَحزاب : الآية 37 .
(49) سورة الاَحزاب : الآية 37 .
(50) سورة الاَحزاب : الآية 38 .
(51) عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2 ص 174 ـ 182 ب 15.
المُناظرة السادسة والاربعون
مناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع أهل الملل في العصمة
قال أبو الصلت الهروي : لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا عليه السلام أهل المقالات من أهل الاِسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات ، فلم يقم أحد إلاّ وقد ألزمه حجته كأنه ألقم حجراً، قام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له : يا بن رسول الله أتقول بعصمة الاَنبياء ؟
قال : نعم
قال : فما تعمل في قول الله عز وجل : ( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) (1) وفي قوله عز وجل : ( وَذَا النُّون إذ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نقدِر عَلَيه ) (2) وفي قوله عز وجل في يوسف عليه السلام : ( وَلَقَد هَمَّت بِه وَهَمَّ بِها ) (3) وفي قوله عزوجل في داود عليه السلام : ( وَظَنَّ دَاود أنَّما فَتَنَّاه ) (4) وقوله تعالى في نبيه محمد صلى الله عليه وآله : ( وَتُخفي في نَفسِكَ ما اللهُ مُبديهِ ) (5)
فقال الرضا عليه السلام : ويحك يا علي اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش، ولا تتأول كتاب الله برأيك فإنّ الله عزّ وجلّ قد قال : ( وَمَا يَعلمُ تَأوِيلَهُ إلاّ اللهُ والراسِخُونَ ) (6) .
وأما قوله عز وجل في آدم : ( وعصى آدم ربه فغوى ) فإن الله عزوجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده لم يخلقه للجنة وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الاَرض ، وعصمته تجب أن تكون في الاَرض ليتم مقادير أمر الله ، فلما أهبط إلى الاَرض وجعل حجة وخليفة عُصم بقوله عزّ وجلّ : ( إنَّ اللهَ اصطَفى آدَمَ ونُوحاً وآل إِبراهيمَ وآلَ عمرانَ على العالَمِين ) (7) .
وأما قوله عز وجل : ( وَذَا النُّون إذ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نقدِر عَلَيه ) إنّما ظن بمعنى استيقن أن الله لن يضيق عليه رزقه ، ألا تسمع قول الله عز وجل : ( وأَمَّا إذا مَا ابتلاَه رَبه فَقَدَرَ عليهِ رِزقَه ) (8) أي ضيق عليه رزقه، ولو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر .
وأما قوله عز وجل في يوسف : ( وَلَقَد هَمَّت بِه وَهَمَّ بِها ) فإنّها همَّت بالمعصية وهمَّ يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما تداخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة ، وهو قوله عز وجل : ( كَذَلِكَ لِنصرِفَ عَنهُ السُّوءَ والفَحشَاءَ ) (9) يعني القتل والزنا .
وأما داود عليه السلام فما يقول من قبلكم فيه ؟
فقال علي بن محمد بن الجهم يقولون : إن داود عليه السلام كان في محرابه يصلي فتصور له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من طيور فقطع داود صلاته وقام ليأخذ الطير فخرج الطير إلى الدار فخرج الطير إلى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار أوريا بن حنان فاطلع داود في أثر الطير فإذا بامرأة أوريا تغتسل فلما نظر إليها هواها وكان قد أخرج أوريا في بعض غزواته فكتب إلى صاحبه أن قدم أوريا أمام التابوت فقدم فظفر أوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود ، فكتب إليه ثانية أن قدمه أمام التابوت فقدم فقتل أوريا فتزوج داود بامرأته.
قال : فضرب الرضا عليه السلام بيده على جبهته وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد نسبتم نبياً من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته حين خرج في أثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل .
فقال : يا بن رسول الله فما كان خطيئته ؟
فقال : ويحك إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عز وجل خلقاً هو أعلم منه، فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسورا في المحراب فقالا : ( خَصمَانِ بَغَى بَعضُنَا عَلَى بعضٍ فاحكُم بَينَنَا بالحقِّ ولا تُشطِط واهدِنَا إلى سَوَاء الصِّراط، إنَّ هَذا أَخي لَهُ تِسع وتِسعُونَ نَعجَةً ولي نَعجَةٌ واحِدَةٌ فَقَالَ أَكفِلْنيها وَعزَّنِي في الخِطَابِ ) (10) فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه فقال : ( لَقَدَ ظَلَمَكَ بِسؤالِ نَعجَتِكَ إِلى نِعَاجِهِ ) (11) فلم يسأل المدعي البينة على ذلك ولم يقبل على المدعى عليه فيقول له : ما تقول ؟ فكان هذا خطيئة رسم الحكم لا ما ذهبتم إليه ، ألا تسمع الله عز وجل يقول : ( يا دَاوُدُ إنَّا جَعَلنَاكَ خَليفَةً في الاََرضِ فاحكُم بينَ النَّاسِ بالحقِّ وَلا تَتَّبِع الهَوَى ) (12) إلى آخر الآية .
فقال : يا بن رسول الله فما قصته مع أوريا ؟
فقال الرضا ـ عليه السلام ـ : إنَّ المرأة في أيّام داود عليه السلام كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبداً وأوّل من أباح الله له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها كان داود عليه السلام فتزوج بامرأة أوريا لما قتل وانقضت عدتها منه فذلك الذي شق على الناس من قبل أوريا.
وأما محمد صلى الله عليه وآله وقول الله عز وجل : ( وَتُخفي في نَفسِكَ ما اللهُ مُبديهِ وَتخشَى النَّاس واللهُ أحقُّ أن تَخشاه ) (13) فإنَّ الله عز وجل عرف نبيه صلى الله عليه وآله أسماء أزواجه في دار الدنيا وأسماء أزواجه في دار الآخرة وأنهن أُمّهات المؤمنين، وإحداهن من سمى له زينب بنت جحش ، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة فأخفى أسمها في نفسه ولم يبده لكيلا يقول أحد من المنافقين : إنَّه قال في امرأة في بيت رجل إنَّها إحدى أزواجه من أُمَّهات المؤمنين ، وخشي قول المنافقين، فقال الله عزّ وجل : ( وَتخشَى النَّاس واللهُ أحقُّ أن تَخشاه ) يعني في نفسك وإن الله عزّ وجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلاّ تزويج حواء من آدم عليه السلام وزينب من رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله : ( فَلَمَّا قَضَى زَيدٌ مِنهَا وطراً زوَّجنَاكهَا ) الآية، وفاطمة من علي عليهما السلام .
قال : فبكى علي بن محمد بن الجهم فقال : يابن رسول الله ، أنا تائب إلى الله عز وجل من أن أنطق في أنبياء الله : بعد يومي هذا إلاّ بما ذكرته (14)
____________
المُناظرة السابعة والاربعون
مناظرة ابن أبي عمير (1)مع هشكام بن الحكم في العصمة
قال الشيخ الصدوق ـ عليه الرحمة ـ : حدّثنا محمد بن علي بن ماجيلويه قال : حدّثني علي بن إبراهيم ،عن أبيه ، عن ابن أبي عمير قال : ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي له شيئاً أحسن من هذا الكلام في صفة عصمة الاِمام عليه السلام ، فإني سألته يوماً عن الاِمام أهو معصوم ؟
فقال : نعم .
قلت له : فما صفة العصمة فيه وبأي شيء تُعرف ؟
فقال : إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه ولا خامس لها : الحرص والحسد والغضب والشهوة ، فهذه منفية عنه لا يجوز أن يكون حريصاً على هذه الدنيا، وهي تحت خاتمه لاَنّه خازن المسلمين فعلى ماذا يحرص، ولا يجوز أن يكون حسوداً لاَنّ الاِنسان إنّما يحسد من فوقه وليس فوقه أحد فكيف يحسد من دونه، ولا يجوز أن يغضب لشيءٍ من أمور الدنيا إلا أن يكون غضبه لله عز وجلّ ، فإن الله فرض عليه إقامة الحدود ، وأن لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا رأفة في دينه حتى يقيم حدود الله ، ولا يجوز له أن يتبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة لاَنّ الله عزّ وجلّ قد حبب إليه الآخرة كما حبب إلينا الدنيا ، فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا .
فهل رأيت أحداً ترك وجهاً حسناً لوجه قبيح ، وطعاماً طيباً لطعام مرّ، وثوباً ليناً لثوب خشن ، ونعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية (2) ؟
____________
المُناظرة الثامنة والاربعون
مناظرة الشيخ المفيد مع رجل من أصحاب الحديث في آية التطهير ونزولها في أهل البيت عليهم السلام
قال الشيخ الصدوق رحمه الله : ومن كلام الشيخ ـ أدام الله عزّه ـ : قال له رجل من أصحاب الحديث ممن يذهب إلى مذهب الكرابيسي : ما رأيت أجسر من الشيعة فيما يدعونه من المحال ، وذلك أنّهم زعموا أن قول الله سبحانه : ( إنّما يُريد الله ُليذهِب عَنكم الرجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً ) (1) نزلت في علي وفاطمةوالحسن والحسين عليهم السلام مع ما في ظاهر الآية من أنها نزلت في أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك أنك إذا تأمّلت الآية من أوّلها إلى آخرها وجدتها منتظمة لذكر الاَزواج خاصة ، ولم نجد لمن ادعوها له ذكراً.
فقال الشيخ ـ أيده الله ـ له : أجسر الناس على ارتكاب الباطل وأبهتهم وأشدهم إنكاراً للحقِّ وأجهلهم من قام مقامك في هذا الاحتجاج ودفع ما عليه الاِجماع والاتفاق ، وذلك أنه لا خلاف بين الاُمّة أن الآية من القرآن قد يأتي أوّلها في شيء وآخرها في غيره ، ووسطها في معنى وأولها في سواه ، وليس طريق الاتفاق في معنى إحاطة وصف الكلام بالآي وقد نقل المخالف (2) والموافق أنّ هذه الآية نزلت في بيت أُمّ سلمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ ورسول الله صلى الله عليه وآله في البيت ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وقد جللهم بعباءة خيبرية وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأنزل الله عزّ وجلّ : ( إنّما يُريد اللهُ ليذهِب عَنكم الرجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً ) (3) فتلاها رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت أُمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ : يا رسول الله ، ألست من أهل بيتك ؟ فقال لها : إنّك إلى خير ، ولم يقل إنك من أهل بيتي.
حتى روى أصحاب الحديث أن عمر سئل عن هذه الآية فقال : سلوا عنها عائشة، فقالت عائشة : إنها نزلت في بيت أختي أُمّ سلمة فاسألوها عنها فإنها أعلم بها مني، فلم يختلف أصحاب الحديث من الناصبة ولا أصحاب الحديث من الشيعة في خصوصها فيمن عددناه، وحمل القرآن في التأويل على ما جاء به الاَثر أولى من حمله على الظن والترجيم، مع أن الله سبحانه قد دلّ على صحة ذلك بمتضمن الآية حيث يقول جلّ وعلا : ( إنّما يُريد اللهُ ليذهِب عَنكم الرجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً ) وإذهاب الرجس لا يكون إلاّ بالعصمة من الذنوب لاَن الذنوب من أرجس الرجس ، والخبر عن الاِرادة هنا إنّما هو خبر عن وقوع الفعل خاصة دون الاِرادة التي يكون بها لفظ الاَمر لا سيما على ما أذهب إليه في وصف القديم بالاِرادة، وأفرق بين الخبر عن الاِرادة هاهنا والخبر عن الاِرادة في قوله : ( يُريد اللهُ ليُبَيِّنَ لَكُم ) (4) وقوله : ( يُريد اللهُ بكم اليُسر وَلا يُريد بِكُم العُسر ) (5) إذ لو جرت مجرى واحداً لم يكن لتخصيص أهل البيت بها معنى ، إذ الاِرادة التي يقتضي الخبر والبيان يعم الخلق كلهم على وجهها في التفسير ومعناها فلما خصّ الله أهل البيت عليهم السلام بإرادة إذهاب الرجس عنهم دلّ على ما وصفناه من وقوع إذهابه عنهم وذلك موجب للعصمة على ما ذكرناه .
وفي الاتفاق على ارتفاع العصمة عن الاَزواج دليل على بطلان مقال من زعم أنها فيهن، مع أن من عرف شيئاً من اللسان وأصله لا يرتكب هذا القول ولا توهم صحته وذلك أنه لا خلاف بين أهل العربية أن جمع المذكر بالميم وجمع المؤنث بالنون وأن الفصل بينهما بهاتين العلامتين، ولا يجوز في لغة القوم وضع علامة المؤنث على المذكر ولا وضع علامة المذكر على المؤنث ولا استعملوا ذلك في حقيقة ولا مجاز، ولما وجدنا الله سبحانه قد بدأ في هذه الآية بخطاب النساء فأورد علامة جمعهن من النون في خطابهن فقال : ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلاتخضعن بالقول ) إلى قوله : ( وَأطعنَ اللهَ وَرَسولَهُ ) (6) َ ثم عدل بالكلام عنهن بعد هذا الفصل إلى جمع المذكر فقال : ( إنّما يُريد اللهُ ليذهِب عَنكم الرجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً ) فلما جاء بالميم وأسقط النون علمنا أنه لم يتوجه هذا القول إلى المذكور الاَول بما بيناه من أصل العربية وحقيقتها ثمّ رجع بعد ذلك إلى الاَزواج، فقال : ( وَاذكُرنَ مَا يُتلى في بيُوتِكُنَّ مِن آياتِ اللهِ وَالحِكمَة إنَّ اللهَ كانَ لطيفاً خَبيرا ) (7) فدل ذلك على إفراد من ذكرناه من آل محمد عليهم السلام بما علقه عليهم من حكم الطهارة الموجبة للعصمة وجليل الفضيلة، وليس يمكنكم معشر المخالفين أن تدعوا أنه كان في الاَزواج مذكوراً رجل غير النساء وذكر ليس برجل فيصح التعلق منكم بتغليب المذكر على المؤنث إذا كان في الجمع ذكر ، وإذا لم يمكن ادعاء ذلك وبطل أن يتوجه إلى الاَزواج فلا غير لهن توجهت إليه إلا من ذكرناه فمن جاء فيه الاَثر على ما بيناه (8) .
____________
المُناظرة التاسعة والاربعون
مناظرة السيد محمد تقي الحكيم (1)مع أكابر علماء مؤثر البحوث الإسلامية في عصمة أهل البيت عليهم السلام
الحديث الذي أداره مندوب الاِيمان مع سماحة العلامة الكبير السيد محمد تقي الحكيم عميد كلية الفقه بالوكالة، على أثر عودته من القاهرة بعد حضوره مؤتمر البحوث الاِسلامية.
س ـ في الندوات التي حضرتموها في مصر وأثيرت معكم ، فيها أحاديث حول التشيع ، ذكرتم عدة مواضيع أحب الكثير من قراء (الاِيمان) الوقوف على طبيعة ما أثير حولها من حديث ، ومنها ما يتصل بعصمة أهل البيت فهل تتذكرون أين دار الحديث عنها وكيف؟
ج ـ إن الذي أتذكره أن أهم الاَحاديث التي دارت حولها كانت في الاِسكندرية (2) ، وفي ندوة الاُمناء في القاهرة (3) ، في الاُمسية التي اعتادت إحياءها في ليلة الاَحد من كل اُسبوع ، حيث يحضرها شيخ الاُمناء الاَستاذ أمين الخولي وتلامذته لمناقشة بعض القضايا، وقد دعينا من قبل بعض الاِخوان المصريين لحضورها ، واقتصر الحديث عند حضورنا أو كاد على قضايا التشيّع ، وأخذ منها حديث العصمة وقتاً كبيراً ، وقد صحبنا إليها من الاِخوان المصريين واللبنانيين العلامة الكبير الشيخ محمود أبو رية ، والدكتور حامد حفني داود ، والاُستاذ الشيخ عبدالفتاح بركة ، والاُستاذ الشيخ عبدالحميد الحر.
وطبيعة الحديث الذي دار في الاِسكندرية وفي ندوة الاُمناء وغيرها كان متشابه الخطوط بحكم وحدة الموضوع وتشابه الاَسئلة ، لذلك أوثر أن أعطي خلاصة لكل ما دار فيها ، مع ضم بعضه إلى بعض ، دون حاجة إلى تكرار الحديث بعد ذلك عنها.
وكان ممن حضر ندوة الاِسكندرية من أعضاء المؤتمر بعض العلماء الجزائريين والسودانيين والليبيين والمصريين والاَردنيين والصوماليين.
وكان مبعث الحديث عنها ، السؤال الذي وجهه فضيلة الشيخ الجيلالي الفارسي مندوب الجزائر ، وهو من أكابر العلماء الذين التقيتهم في المؤتمر ، ومن أوسعهم معرفة في الشؤون العقائدية ، وقد وهب ملكة بيانية قل نظيرها فيمن رأيت.
قال الشيخ الجزائري ـ وهو يُمهد للسؤال ـ : يسرني أن أحظى بشرف التعرف على إخوان من علماء الشيعة ، طالما تشوقت إلى لقاء امثالهم للاتصال بهم، ومعرفة واقع ما يبلغنا عن عقائدهم ، فإذا سمحتم بتوجيه بعض الاَسئلة عن جملة مما يبلغنا عن الشيعة لاَقرارها ، أو تصحيح أفكارنا عنها أكون شاكراً.
قلت: يسرني ذلك ، وأرجو أن أكون صريحاً في الجواب عليها ، ولك عليِّ أن لا أتطفل على الدخول فيما لا أملك القول فيه ، وأرجع معك ـ إذا شئت ـ فيما أجهله إلى من هم أكثر مني تخصصاً في مبادىء التشيع ، من أساتذة معاهد النجف ومراجع الاُمة فيها.
فأومأ برأسه ـ شاكراً ـ ثم بدأ الحديث بهذا السؤال: هل من الصحيح ما يبلغنا عن إخواننا الشيعة من أنهم ينسبون العصمة إلى أهل البيت عليهم السلام كالنبي صلى الله عليه وآله على حد سواء.
قلت ـ وقد تركزت عليَّ عيون الملتفين حول مائدة الطعام ، وكنا على المائدة ، وقد أهمهم فيما يبدو هذا السؤال ، وربما كان فيهم من يحاول توجيهه ويتحاشى الاِحراج ـ : نعم نؤمن بذلك.
قال: وقد بدا على صوته شيء من التهدج والاستنكار: وكيف وما هي أدلتكم على ذلك؟!
قلت ـ مبتسماً ، وقد أوشكنا على الانتهاء من الطعام ـ : لا أظنك يا سيدي تكتفي مني بالجواب الاِجمالي على مثل هذه المسألة الدقيقة ، ومثلك من لايكتفي بهذا الجواب ، أفلا ترى أن نؤجل الحديث عنها إلى جلسة أطول ، ليتسع فيها مجال الحديث.
قال: معك حق.
ونهضنا عن المائدة ، وقبل أن نتفرق قال : ألا نذهب إلى (كافتريا) الفندق لنأخذ كوباً من الشاي ، ونتمتع بمنظر البحر الجميل؟ وكانت المقهى مطلة عليه وجميلة جداً، وقبل أن يسمع الجواب أخذ بيدي وتبعنا بقية الاِخوان ، وتحلقنا حول مائدة مستديرة فيها ، وطلبوا لنا الشاي ، ثم التفت إليَّ وقال: إن في هذا المكان الهادىء الجميل متسعاً للحديث ، وبخاصة وأنّ أمامنا من الوقت عدة ساعات لم يسبق أن شغلت بموعد من قبل إخواننا المضيفين ، وإنما تركوا لنا فيها حرية قضائها كيف نشاء.
قلت ـ وقد رفعت كوب الشاي إلى فمي ـ : إن الاستدلال على عصمة أهل البيت عليهم السلام لا يمكن أن يُستوفى بجلسة واحدة ، مهما طال أمدها ، لكثرة ما ساقوه عليها من الاَدلة التي استغرق بحثها لدى بعض المؤلفين مئات الصفحات ، وكتب فيها عشرات المؤلفات، ولكن نأخذ منها ما يتسع له الوقت أخذاً بقاعدة الميسور، ولكم جميعاً حرية المناقشة فيما نعرضه من أدلة ، واظن أن صدورنا جميعاً مما تتسع لها للموضوعية التي أعهدها في إخواني العلماء.
وإذا سمحت ـ يا سيدي السائل ـ وجهت إليك ببعض الاَسئلة تمهيداً للجواب ـ عسى أن نتفق على الاَوليات ـ ماذا تريد من كلمة العصمة التي أثبتّها للنبي صلى الله عليه وآله واستكثرتها على أهل البيت : كما تنطوي عليه صيغة سؤالك؟
قال: أريد بالعصمة استحالة صدور الخطأ أو السهو أو النسيان أو الكذب أو أي ذنب عليه ما دام في مقام التبليغ.
قلت: طبعاً تريد بالاستحالة هنا الاستحالة العادية لا العقلية.
قال: طبعاً.
قلت: ولكن الشيعة يا سيدي ـ أو جل علمائهم على الاَقل ـ يوسعون في مفهومها إلى غير مقام التشريع ، وربما أوضحنا وجهة نظرهم في ثنايا الحديث ، ولا يهم الفصل فعلاً في هذه التوسعة ، إذ يكفينا لسد حاجتنا الفعلية أن نؤمن بها في خصوص مقام التبليغ.
ولكن ، هل تسمح لي بسؤال آخر: ما هي الضرورة التي تدعو إلى الاِيمان بعصمة النبي صلى الله عليه وآله حتى بهذا المقدار؟
قال: الاِيمان بالعصمة هو الذي يولد اليقين بكون ما يأتي به إنما هو من عند الله عزوجل ، ومع تجويز الكذب والسهو والنسيان والغفلة عليه لا يبقى موضع ليقين في حكاية ما يبلغه عن الواقع ، ومع دخول التشكيك يسقط اعتبار النبوة من الاَساس.
قلت ـ واسمحو الي أن استطرد قليلاً بهذا السؤال ـ : وهل كان يفرق الرأي العام في صدر الاِسلام بين نوعين من السهو والكذب ، مثلاً أحدهما يقع في غير مجالات التشريع فيسوغونه ، والآخر في مجالاته فيحضرونه عليه، وهل كان حكم العقل لديهم واضحاً في التفرقة إلى هذه الدرجة؟!
قال أحدهم : وماذا تريد بهذا الكلام؟!
قلت: أريد أن أكتشف ـ من اطمئنانهم ـ وهو ما كان واقعاً فعلاً ـ إلى جميع ما يبلغه النبي صلى الله عليه وآله انسجام واقعه السلوكي في مختلف مجالاته ـ تشريعية وغير تشريعية ـ فهو لا يكذب ولا يسهو ولا يغفل ولا ينسى في جميع المجالات، وإلا لما أمكن اطمئنانهم إليه في مقام التشريع، وهم يرونه عرضة لجميع هذه المفارقات في غير مقامه، فالاطمئنان ـ وهو حالة نفسية ـ لا يمكن أن يفرق بين نوعين من الاَحداث المتشابهة ، فينبعث عن أحدهما ولا ينبعث عن الاخر ، وكذلك العلم واليقين، فإيمان الشيعة بتعميم مفهوم العصمة إلى مختلف المجالات هو الذي ينسجم مع الواقع النفسي لنوع الناس، وعلى هذا الواقع يبتني حكم العقل بلزوم العصمة ، لاَن الغرض منها تحصيل اليقين بكل ما يأتي به ، ولا يحصل اليقين من شخص يراه مجتمعه عرضة للوقوع في أمثال تلكم المفارقات، على أن إثبات ذلك كما قلنا ليس له تلك الاَهمية بالنسبة إلينا فعلاً، وحسبنا أن نتفق على هذا الجزء من العصمة ـ أعني امتناع صدور الكذب والسهو والغفلة وغيرها من منافيات العصمة عليه في مقام التشريع ـ فهو يكفينا في مجال التمهيد للجواب عن عصمة أهل البيت.
وسؤال آخر : ما هي مصادر التشريع التي تؤمنون بها؟
قال: كثيرة وأهمها الكتاب والسنة.
قلت: أما الكتاب فهو ليس موضعاً لحديث ، لاَنه جمع ودوّن وحفظ على عهد النبي صلى الله عليه وآله وعقيدة المسلمين جميعاً أن ما بين الدفتين هو الكتاب المنزل قرآناً لم يزد ولم ينقص فيه ، فجعله مصدراً تشريعياً يرجع إليه في كل زمان ومكان أمر طبيعي جداً ، ولكن ماذا يراد بالسنة؟
قال: السنة هي قول النبي صلى الله عليه وآله وفعله وتقريره.
قلت: وهذا ما تعتقده الشيعة أيضاً ، ولكن هل استطيع أن أسألك عن اسلوبه صلى الله عليه وآله في التبليغ كيف كان ، وهل كان يعتمد القرائن المنفصلة ، كاستعمال المخصصات والمقيدات لعموماته ومطلقاته ، والناسخ لبعض ما انتهى أمد مصلحته من أحكامه.
قال: طبعاً : وما أكثر ما يأتي العام في الشريعة ، ثم يأتي بعد ذلك مخصصه ويأتي المطلق ثم يقيد بعد ذلك ، وهكذا.
قلت: وهذا ما نعتقده أيضاً ، وهي الطريقة التي يعتمدها الناس في أساليب تفاهمهم ، ولو كانت له طريقة خاصة تخالف ما ألفوه لوصلت إلينا عادته وطريقته في التبليغ كيف كانت؟ أكان يجمع الناس جميعاً عندما يريد أن يقول أو يفعل أو يقر أمراً يتصل بشؤون التشريع؟ وهل من الممكن له ذلك؟ وإذا أمكن أن نتصوره عندما يريد أن يبلغ من طريق القول ، فهل يمكننا تصوره عند الفعل أو الاِقرار؟ أي إذا أراد أن يفعل شيئاً ، أو يقر جمع الناس كلهم ، ففعل ما يريد فعله أو أقر ما يريد إقراره أمام الجميع ، ستقول بالطبع: لا ، وإنما كان يبلغ على الطرق المتعارفة، كأن يصدر الحكم أمام فرد أو فردين ، وهؤلاء يكونون الواسطة في التبليغ ، وعلى من لم يحضر أن يفحص عما يجد من الاَحكام.
وهنا ذكرت مضمون كلام لابن حزم ، أوثر الآن أن أنقله هنا بنصه لقيمته يقول ابن حزم وهو يتناول هذه الناحية من التشريع : ولا خلاف بين كل ذي علم بشيء من أخبار الدنيا ، مؤمنهم وكافرهم ، أن النبي صلى الله عليه وآله كان بالمدينة وأصحابه رضي الله عنهم مشاغيل في المعاش ، وتعذر القوت عليهم لجهد العيش بالحجاز، وأنه صلى الله عليه وآله كان يفتي بالفتيا ويحكم بالحكم بحضرة من حضره من أصحابه فقط ، وأن الحجة إنما قامت على سائر من لم يحضره صلى الله عليه وآله بنقل من حضره ، وهم واحد أو اثنان ويقول أيضاً: « وبالضرورة نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن إذا أفتى بالفتيا أو إذا حكم حكم بالحكم يجمع لذلك جميع من بالمدينة هذا ما لا شك فيه ، لكنه صلى الله عليه وآله كان يقتصر على من بحضرته ويرى أن الحجة بمن يحضره قائمة على من غاب، هذا ما لا يقدر على دفعه ذو حس سليم » (4) .
ثم قلت: وإذا كان حساب السنة هو هذا ، سواء من حيث الاعتماد على القرائن المنفصلة ، أو من حيث اُسلوب تبليغها ، وهي لم تدوّن على عهده أو عهود الخلفاء من بعده ، فهل يمكن اعتبارها مصدراً تشريعياً يجب الرجوع إليه؟
قال أحدهم : ولِمَ ، ألمْ يجعلها القرآن من مصادر التشريع؟ ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) (5) ( وما ينطق عن الهوى ) (6) الآية.
قلت: لا أشك في ذلك، ومن ينكر حجيتها فهو ليس بمسلم ، لاِنكاره أهم الضروريات الاِسلامية ، ولكن اسألك ماذا يصنع من يحتاج إلى معرفة حكم لم يجده في كتاب الله.
قال: يرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله لاستفساره عنه.
قلت: وبعد وفاته.
قال: يرجع إلى صحابته.
قلت: هب أنه وجد عاماً عند أحد الصحابة ، واحتمل أن يكون له مخصص عند غيره ، أو وجد حكماً واحتمل نسخه ، أو مطلقاً واحتمل تقييده ، فماذا يصنع إذ ذاك؟
قال: عليه الفحص من قبل بقية الصحابة.
قلت: كيف؟ والصحابة مشتتون أيظل هذا السائل ـ وافترضه ممن دخل الاِسلام جديداً ـ يبحث عنهم حتى يستوعبهم فحصاً ، وفيهم من هو في الحدود يحمي الثغور، وفيهم الحكام والولاة في البلاد المفتوحة بعيداً عن الحجاز، وفيهم المشتتون في قرى الحجاز وأريافها، وربما أنهى عمره قبل أن يصل إلى ما يريد؟!
وبعد عصر الصحابة ماذا يصنع الناس.
قال: يرجعون إلى مَنْ أخذ عن الصحابة من التابعين!
قلت: إذا امتنع استيعاب الفحص عن الصحابة مع قلتهم نسبياً ، فهل يمكن ذلك بالنسبة إلى من أخذ عنهم ، وهم أضعاف مضاعفة ، وكثير منهم مجهول، وإذا جاز ذلك في عصر التابعين ، فهل يجوز في العصور المتأخرة عنهم وكيف؟
ألا ترى معي ـ يا سيدي ـ أنه ليس من الطبيعي أن يفرض على الاُمة ـ أية أمة ـ مصدر تشريعي يلزمون بالاَخذ به ، وهو غير مجموع ومدوّن ومحدد المفاهيم ليمكن أن تقوم الحجة به عليهم.
ثم هل يمكن لاَية دولة متحضرة أن تعتبر تصرفات أحد حكامها قولاً وفعلاً وتقريراً في مدى حياته قانوناً يجب الرجوع إليه إلى جنب أحد قوانينها المدوّنة ، مع أن هذه الاَقوال والاَفعال والتقريرات لا تقع إلا أمام أفراد محدودين وغير معروفين تفصيلاً ، ولا الاَحاديث التي جرت أمامهم معروفة ، وهم لم يجمعوها بدورهم ولم ينسقوها ، كأن يضعوا إلى جنب العمومات قرائن التخصيص مثلاً وهكذا.
قال: وكيف نلائم إذن ، بين اعتقادنا بلزوم الرجوع إليها ، وبين الواقع الذي تذكره؟
قلت: الصور المتصورة في المسألة اربعة ، نعرضها ونختار أكثرها ملاءمة للواقع العقلي والتأريخي.
الاُولى: أن نسقط السنة عن الحجية ونكتفي بالكتاب ، وفي هذا محق للاِسلام من أساسه ، وأظن أن إخواني العلماء يؤمنون معي أن الكتاب وحده لا ينهض ببيان حكم واحد بجميع ما له من خصوصيات ، فضلاً على استيعاب جميع الاَحكام ، بكل ما لها من أجزاء وشرائط.
الثانية: أن نحمل النبي صلى الله عليه وآله ـ وحاشاه ـ مسؤولية التفريط برسالته بتعريضها للضياع عندما لم يدونها ، أو يأمر الصحابة بالتدوين والتنسيق.
الثالثة: أن نحاشي النبي صلى الله عليه وآله عن تعمد التفريط ونرميه بعدم العلم ، وحاشاه بما ينتج عن إهماله التدوين من مفارقات ، أيسرها ضياع كثير من الاَحكام الشرعية ، نتيجة موت قسم من الصحابة حملة السنة ، أو نسيانهم أو غفلتهم ـ وهم غير معصومين بالاتفاق ـ وهكذا، هذا بالاِضافة إلى ما يسببه الفحص عن الاَحكام من قبل المحتاجين إليها من المكلفين ، من عسر وحرج بسبب تشتت الصحابة وتشتت رواتهم بعد ذلك ، إن لم يكن متعذراً أحياناً.
الرابعة: أن نفترض له جمعها وتنسيقها وإيداعها عند شخص مسؤول عنها، عالم بجميع خصائصها ليسلمها إلى من يحتاج اليها من المسلمين ، ثم يورثها من بعده لمن يقوى على القيام بها من بعده ، كما ورثها هو ، حتى تستوعب من قبل المسلمين تدويناً ، ويسهل الاِعتماد عليها من قبلهم ، ولو بالطرق الاجتهادية.
فإذا اعتبرنا السنة ـ بحكم الضرورة ـ من مصادر التشريع ، ونزهنا النبي صلى الله عليه وآله عن الجهل والتفريط برسالته ، تعين الاَخذ بالفرض الرابع.
ومن هنا نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله ما كان مسوقاً بدوافع عاطفية ، وهو يؤكد ويحث ويلزم بالرجوع إلى أهل بيته ، بأمثال هذه النصوص، « إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق » (7) . « إن مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له » (8) « إني تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الاَرض، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما » (9) .
وقوله في تحذيرهم ، وهو يمهد لاِعلان النص على الاِمام يوم الغدير : « كأني دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، ثم قال: إن الله عزوجل مولاي ، وأنا مولى كل مؤمن ، ثم أخذ بيد علي عليه السلام فقال: من كنت مولاه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » (10) .
وقوله ـ صلى الله عليه وآله في خصوص الاِمام علي عليه السلام ـ : « علي باب علمي ، ومبين لاَمتي ما اُرسلت به من بعدي » (11) .
وقال له : « أنت أخي ووارثي ، قال : وما أرث منك ؟ قال صلى الله عليه وآله : ما ورّث الاَنبياء من قبلي » (12) .
وفي رواية كنز العمال « ما ورث الاَنبياء من قبلي ، كتاب ربهم وسنة نبيهم » (13) .
قال أحدهم ـ وقد قطع عليّ سلسلة الكلام والتوسع برواية الاَحاديث ـ : نحن لا ننكر علم أهل البيت أو الاِمام علي ، ولا لزوم محبتهم والتمسك بهم ، بل نحن أكثر تمسكاً بهم منكم ، وإنما حديثنا في ثبوت العصمة لهم!!
قلت: صحيح أن حديثنا كان عن العصمة وليس عن العلم ، وما أظن أننا بعدنا عن الحديث لو تركتموني أتم الكلام وأربط بين حلقاته وما أدري ما دخل المفاضلة هنا ، والتماس أكثرنا تمسكاً بأهل البيت ، والحديث ليس مسوقاً لهذه الناحية العاطفية!
وهنا التفت أكثرهم إلى القائل بنظرة عتب ، ثم التفتوا اليّ وقالوا : تفضل فاستمر بالحديث.
قلت: فاذا كنتم قد اكتفيتم بهذاالمقدار من الاَحاديث ـ وفيها فعلاً بعض الكفاية لِما نريد ـ فإني أحب أن أعود إلى السؤال الاَول الذي وجهناه في بداية الحديث ما هو السر في التزامنا بعصمة النبي صلى الله عليه وآله
قال: أحدهم: سدُ فجوات الشك في أن ما يأتي به النبي صلى الله عليه وآله من قول أو فعل أو تقرير فإنما هو من الله عزوجل ، لا مجال فيه لرأي أو شبهة أو سهو أو غفلة أو تعمد كذب.
قلت: فإذا افترضنا أن أهل البيت عليه السلام كانوا هم الامناء على السنة وهم ورثتها بمقتضى هذه الاَحاديث ، ونحن مأمورون بالرجوع إليهم باعتبارهم الورثة لها، أفلا ترون أن الباعث الذي دعانا إلى الاَلتزام بعصمة النبي صلى الله عليه وآله ما يزال قائما بالنسبة اليهم ، وهو سدُ فجوات الشك في أن ما يؤدون إنما هو السنة الموروثة، لا آراؤهم الخاصة، ولا ما ينتجه الخطأ والنسيان والسهو وتعمد الكذب.
وإن شئتم أن تقولوا : إن فكرة الاِمامة امتداداً لفكرة النبوة وبقاءً لها باستثناء ما يتصل بعوالم الاتصال بالسماء من طريق الوحي ، فإذا احتاجت النبوة لاَداء أغراضها ـ بحكم العقل ـ إلى تحصينها بالعصمة ، احتاجتها الاِمامة لنفس السبب ما دامت الاِمامة امتداداً لها من حيث أداء الوظائف العامة كاملة ، وأهمها تبليغ السنة وإيصالها إلى الناس.
على أنا في غنى عن هذا النوع من الاستدلال بالعودة بكم إلى مضمون نفس هذه الاَحاديث ، ليكون استدلالنا بالسنة نفسها على عصمة أهل البيت عليهم السلام بدلاً من دليل العقل ، ولنختر من هذه الاَحاديث ما فيه تعميم لجميع أهل البيت عليهم السلام كحديث السفينة أو الثقلين، والاَفضل أن نتحدث عن:
حديث الثقلين
للتسالم على صحته عند جل المسلمين ، ولوفرة رواته بل ثبوت تواتره، وحسبه أن تصل طرقه لدى الشيعة إلى اثنين وثمانين طريقاً ، ولدى السنة إلى تسعة وثلاثين (14) ٍ. وما أظن أن حديثاً من الاَحاديث التي ادعي تواترها بلغ من وفرة الرواة ما بلغه هذا الحديث.
ثم ما أظن أن كتب الحديث والتأريخ والتفسير على اختلافها قد عنيت بمثل ما عنيت بهذا الحديث ، حتى بلغت الكتب التي روته في مختلف العصور المئات وألّفت فيه رسائل مستقلة (15) .
والظاهر أن سر هذه العناية البالغة بهذا الحديث هو عناية النبي صلى الله عليه وآله واهتمامه البالغ به ، فقد صدع به في حجة الوداع بعرفة ، وفي غدير خم ، وبعد انصرافه من الطائف ، وفي الحجرة قبيل وفاته ، وهكذا.
قال أحدهم: وما نصنع بحديث (وسنتي) لو أخذنا بحديث الثقلين ، ولماذا تقدم حديث الثقلين عليه ، وهو معارض له.
قلت: إنما نقدم حديث الثقلين لاَنه حديث متواتر ، ولا أقل من شهرته وصحة طرقه ، وعناية الصحاح والمسانيد به ، بينما لم يرو حديث وسنتي إلا أفراد محدودون ، ورواياتهم لم تخضع لشرائط الاعتبار ، لوقوع الاِرسال فيها.
وعلى فرض صحتها ، فأين موقع المعارضة بين الحديثين ، وليس لها منشأ إلا توهم التدافع بين مفهوميهما، وهما لا يخرجان على كونهما من مفهومي العدد واللقب، وكلاهما ليسا بحجة في دفع الزائد، فأي محذور في أن يخلف الكتاب والسنة والعترة، وهو ما يقتضيه الجمع العرفي بينهما.
على أن أحدهما يرجع إلى الآخر، لما سبق أن قلنا من أن أهل البيت لا يأتون بغير السنة، لاَنهم ورثتها والمسؤولون عن تبليغها، وكلام أئمة أهل البيت عليهم السلام صريح في ذلك، وما أكثر ما تردد مضمون هذا الكلام على السنة قائلهم: حديثي هو حديث أبي ، وحديث أبي هو حديث جدي رسول الله ، فحديثنا واحد (16) .
ورواية السنة لا يمكن الاَخذ بها على ظاهرها ، لامتناع جعل مصدر تشريعي تسأل الاُمة على اختلاف عصورها عن العمل به، وهو لم يدوّن ولم ينسق على عهده ، ولا العهود القريبة منه، لما في ذلك من التفريط بالرسالة وتعجيز المكلفين دون أداء وظائفها كما سبق شرحه.
فالظاهر أن الحديثين يعضد بعضهما بعضاً ، ويؤديان ـ بعد الجمع بينهما ـ وظيفةً واحدةً ، مرجعها إلزام المسلمين بالرجع إلى السنة المودعة لدى أهل البيت عليهم السلام ، وعدم جواز إغفالهم لها.
قال أحدهم: ومعنى ذلك أنكم لا تأخذون بغير روايات أهل البيت عليهم السلام ، وتلقون بأحاديث أهل السنة ، ولا تعتمدونها؟!
قلت: يا أخي ومن قال ذلك ؟! إن السنة حجة على كل حال ، ثبتت من طريق أهل البيت عليهم السلام أو من طرق غيرهم، شريطة أن تشتمل على ما يوجب الاطمئنان بالصدور ، ولكن أهل البيت عليهم السلام معصومون عن الخطأ في أدائها، ومستوعبون لكل ما يتصل بها، بحكم هذه الاَحاديث التي مرت عليك.
قال: المعروف عنكم أنكم لا تأخذون بأحاديث غير الاِمامية ، ولا تعتمدونها!!
قلت: لا أعرف مصدراً لهذا القول ، كيف وفي كتب الدراية ما يسمى بالحديث الموثّق (17) وهو ما كان في طريقه غير إمامي، واعتماد الموثقات عندنا أشهر من أن يتحدث عنه، وحسبك أن تفتح أي كتاب فقهي شيعي لترى مدى الاعتماد عليه، وما أكثر ما اعتمد فقهاء الشيعة على الاَحاديث النبوية التي لم يقع في طريقها إمامي واحد إذا ثبتت لديهم وثاقتها، والمقياس في الاعتماد على الحديث عندهم حصول الاطمئنان لديهم بصدوره عن المعصوم نبياً كان أو إماماً، من أي طريق حصل، ومزية أهل البيت عليهم السلام ـ كما قلنا ـ استيعابهم لكل ما يتصل بالسنة وعصمتهم في أدائها.
وبتعبير أدل إن الرجوع إلى أهل البيت عليهم السلام قاطع للعذر وموقر للحجة ، فإذا حصلت الحجة من غير طريقهم لزم الاَخذ بها، نعم إذا تعارض كلام أهل البيت عليهم السلام مع غيرهم قدم كلام أهل البيت عليهم السلام ، نقدم كلام المعصوم على غيره للقطع بحجيته بحكم أدلة العصمة، والشك ـ على الاَقل ـ في حجية معارضه، والشك في الحجية من أسباب القطع بعدمها، لما ذكر وقرب في الاُصول من أن القطع مقوم للحجيّة، فمع الشك فيها يقطع بعدمها ، لعدم توفر عنصر العلم فيها.
قال: وحديث الثقلين أين موقع دلالته من العصمة ، وفي أي موقع من فقراته وجدتم ذلك؟
قلت: إن جل فقرات الحديث تدل عليها .
منها : اعتبارهم في الحديث قرناء للكتاب « إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي » (18) وحيث أن الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فكذلك قرناؤه.
ومنها : جعل العصمة للاُمة بالتمسك بهم عن الضلالة « ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي » وفاقد الشيء لا يعطيه، بداهةً، وهنا أحب أن أقف قليلاً عند هذه الفقرة ، لاَنبه على ما سبق أن أشرنا إليه من أن الاكتفاء بأحدهما عن الآخر ـ أعني الكتاب والعترة ـ لا يكفي في توفير الحجة القاطعة غالباً ، حيث اعتبرت العاصمية على الاِطلاق للتمسك بهما معاً لا بأحدهما، بل وجدت في الضمير العائد على الموصول فيما إن تمسكتم كناية عن تكوينهما وحدة ، لا تتحقق المعذرية أو المنجزية في الجميع إلا بها.
والفقرة الثالثة وهي قوله : « ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » فإنها من أدل ما يمكن أن يساق في هذا المجال عن العصمة.
قال: أحدهم وكيف؟
قلت: أسألك إذا صدر الذنب من العبد ، أو سها عن أحد الاَحكام ، مثلاً ، فهل هو متفق في حالة سهوه أو عصيانه مع الكتاب ، أو مفترق عنه.
قال: بل هو مفترق ، لاَن الالتقاء لا يكون إلا مع التوافق والانسجام بين الحكم المتبني في الكتاب ، والسلوك الذي صدر عنه ، ومع المخالفة ـ مهما كان شأنها ـ لانسجام بينها ولا وفاق.
قلت: وأضيف إلى ما تفضلتم به أن السهو والغفلة وإن أوجبا لاَصحابهما المعذرية شرعا، إلا أنهما لا يمنعاه من صدق الافتراق، لاَن الافتراق المعنوي كالافتراق الحسي، مداره ابتعاد أحدهما عن الآخر، فالشخص الذي يُقسر على ترك صديقه والابتعاد عنه يصدق عليه الافتراق عنه، وإن كان معذوراً في مفارقته، وهكذا من يخالف الكتاب.
وإذا صح هذا ، عدنا إلى تذكر ما سبق أن اتفقنا عليه ، من مفهوم العصمة التي أوجبناها للنبي صلى الله عليه وآله بحكم العقل ، وهي استحالة صدور الكذب أو الخطأ أو السهو عليه، في مقام التبليغ، لنسأل على ضوئه هل يجوز وقوع افتراق العترة عن الكتاب لاَي سبب كان، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله عن عدم وقوعه بمفاد لن التأبيدية « لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
قال: أحدهم وما في ذلك من محذور؟
قلت: أليس في تجويز وقوع الافتراق عليهما تجويز للكذب أو السهو على الرسول صلى الله عليه وآله الذي أخبر عن عدم الافتراق ـ وهو في معرض التبليغ لاِلزامه صلى الله عليه وآله بالتمسك بهما ، وهو ما سبق أن اتفقنا على منافاته لعصمة النبي صلى الله عليه وآله ، فأهل البيت عليهم السلام إذن بمقتضى هذا الحديث معصومون ، وبخاصة فقرته الاَخيرة.
وما يقال عن هذا الحديث يقال عن حديث السفينة (19) وباب حطة (20) والكثير من نظائرهما.
والواقع يا سيدي أن هذه الاَحاديث وأمثالها مما ورد في أهل البيت عليهم السلام كانت مبعث حيرة ومعاناة لي في التماس بواعثها ، عندما حاولت أكثر من مرة أن أتحلل من رواسب العقيدة ، التي درجت عليها في أهل البيت عليهم السلام ، وأخضعها للمقاييس المنطقية التي أفهمها.
وكان أكثر ما يقف أمامي ويلح عليَّ في طلب التفسير هو اختصاص النبي صلى الله عليه وآله هذه اللمة من بين أمته، بل من بين أهل بيته بالذات ، وفيهم أعمامه وأولاد عمه ، ليؤكد كل هذا التأكيد على لزوم اتباعهم والتمسك بهم بالخصوص، ويعتبرهم أعدال الكتاب تارة، وسفن النجاة اُخرى، والعروة الوثقى (21) ثالثة، والاَمان لاَهل الاَرض من الاختلاف (22) رابعة، ويختصهم بالتطهير من الرجس، ولا يكتفي دون أن يؤكد ذلك بمختلف صور التأكيد ، ويتخذ شتى المحاولات لاِبعاد كل من يحتمل في حقه شبهة المشاركة ، حتى يبلغ به الحال أن يبعد زوجته أم سلمة ـ وهي مَنْ هي في مقامها من الاِيمان والتقوى ـ عن المشاركة في الدخول تحت الكساء الذي طرحه عليهم ، وهو يتلو : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (23) ثم لا يكتفي أيضاً دون أن يقف في كل يوم على باب علي وفاطمة عليهما السلام في أوقات الصلوات ، ليرفع صوته بتلاوته لهذه الآية ، وقد أحصيت عليه تسعة أشهر (24) وهو يكررها دون انقطاع.
إلى عشرات ، بل مئات ، من أمثال هذه الاَحاديث التي ينهى بعضها عن مخالفتهم، ويحذر من عدائهم وبغضهم، ويلزم باتباعهم وأخذ العلم عنهم، « فلا تقدموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم (25)
والصور العقلية التي تصورتها في مجالات التفسير ثلاثة ، نعرضها لنختار أمثلها وأكثرها اتساقاً ، مع ما اتفقنا عليه من إثبات العصمة للنبي صلى الله عليه وآله بالمفهوم الذي حررناه في بداية الحديث.
أولاها: الاِجمال في كلامه وعدم إعطائه اية دلالة تشريعية، وهذا ما تأباه صراحة النصوص بلزوم اتباعهم والتمسك بهم، والتعلم منهم وإثبات العصمة لهم، وقد مرت نماذج منها قبل قليل، وهي ليست موضعاً لنقاش.
الثانية: أن نسلم الدلالة التشريعية ، إلا أننا لا نسلم صدورها عن الله عزوجل، بل نعتبرها صادرة عن النبي صلى الله عليه وآله ، لاَسباب عاطفية محضة اقتضتها علقته القريبة بهذا النفر من أهل بيته عليهم السلام .
وهذا النوع من الحمل مما تأباه أدلة العصمة، لاَن دخول العاطفة وتحكمها في مجالات التشريع مما يهير فكرة العصمة من أساسها، وأي ذنب أعظم من أن يفتري على الله عزوجل ما لم يقله ، مجاراة لعواطفه وميوله وحاشاه.
على أن هذا النوع من الاِغراق في العاطفة تجاه نفر معين ، مع وجود غيرهم من أهل بيته عليهم السلام لو كان له ما يبرره في الواقع النفسي ، فليس هناك ما يبرر التعبير عنه ـ بهذه الاَساليب ـ لمجافاته، لما عرف به النبي صلى الله عليه وآله من الخلق العظيم، وهل من الخلق أن يجحف في إبراز عاطفته تجاه نفر معين ، ليس فيهم ما يميزهم عن سائر أقربائه ، وفيهم مَنْ هو أكبر منهم، كالعباس مثلاً، أليس في هذا النوع من إبراز العاطفة تحدّ لهم لا مبرر له، وهو لا يصدر من أقل الناس عادة.
الثالثة: أن نسلم دلالتها التشريعية ونعود بها إلى أسبابها المنطقية، وأهمها ما توقروا عليه من العلم والعصمة، وهذه المحاولات التأكيدية كان مبعثها تركيز هذا المعنى في النفوس وترويضها لتقبله...
فإذا امتنع الفرض الاَول لصراحة النصوص، وامتنع الثاني لاَدلة العصمة في النبي صلى الله عليه وآله تعين الاَخذ بالفرض الثالث والتعبد به.
قال أحدهم: وهل كانت هذه الصفات ـ أعني العلم والعصمة ـ واضحة لدى معاصريهم ، أي أن واقعهم التأريخي هل ينسجم مع ما يفهم من هذه النصوص.
قلت: هذا أهم سؤال يمكن أن يوجه ـ يا أخي ـ لاَنه يفتح أمامنا مجال التطوير في الاجابة على أمثال هذا النوع من الاستدلال.
فقد كان نوع الباحثين في الشؤون العقائدية ، عندما يريدون أن يتحدثوا أو يستدلوا على أية مسألة من مسائل الفكر التي ترتبط بشؤون العقيدة فإنما يتحدثون عما يجب أن يكون ولا يفكرون فيما هو كائن، وإذا فكروا فيه فإنما يفكرون في إخضاع ما هو كائن لما يجب أن يكون.
ولست أعرف فيهم من حاول تقييم أدلته على أساس من عرضها على الواقع المحسوس ـ فيما يكون له واقع محسوس منها ، ويلتمسون مدى انسجامها معه ، ثم ينطلقون من وراء ما ينتهون إليه إلى الحكم على صحة الدليل وعدمه.
وقد كانت لي محاولة ـ عندما كنت مدرساً لمادة التأريخ الاِسلامي ـ في كلية الفقه ـ أن أجعل من وسائل النقد المضموني لبعض الاَحاديث عرضها على طبيعة زمنها ، ثم بيئتها ، ثم الشخص الذي قيلت فيه ، فإن انسجمت معها جميعاً أمنت بصحتها ، إذا لم يكن في أسانيدها ما يوجب التوقف.
وكأنك ـ يا أخي ـ تريد أن تشير إلى نفس هذا المقياس في إيمانك بهذه الاَحاديث.
ومثل أدلة عصمة أهل البيت عليهم السلام آيات وأحاديث إذا كان فيها مجال لتردد ما من قبل بعض من عاصروا ولادتها، حيث أنها افترضت في الاَئمة واقعاً لم يخضع إذ ذاك لتجربة كاملة ، فهي أشبه بالتحدث عن عوالم الغيب ، فلا يقتضي أن يظل التردد قائماً بعد أن أخذ الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام واقعاً تاريخياً عرضهم في مختلف مجالات السلوك والمعرفة، وبوسع الباحث أن يقطع تردده بدراسة سيرهم، والحكم لهم أو عليهم ، على ضوء ما ينتهي إليه.
والشيء الذي وددت التنبيه عليه أن التأريخ لم يكن في يوم ما ملكاً لهم ولشيعتهم وأتباعهم يسيرونه كيفما يريدون ، وإنما كان ـ كشأنه في أي عصرـ ملكاً للفئة الحاكمة تسيره كيف ما تريد.
ونحن نعلم أن أهل البيت عليهم السلام كانوا يشكلون في جميع أدوار حياتهم جبهة المعارضة للسلطة الزمنية ، المعارضة الشريفة التي لا يمكن أن تهادن على منكر تراه، كما لا تبخل في إرسال كلمة معروف في مشورة أو سلوك.
وكانت السلطة تعلم منهم ذلك وتحسب له حسابه وربما حسبت له أكثر من حسابه، فاتخذت له الحيطة الكاملة، وكثيراً ما تستبد بها الاَوهام والظنون فتوسع في تخيلاتها إلى أن هذا البيت ما يزال يعد عدته للعمل على الاستيلاء على السلطة والنهوض بالحكم ، وهم يعلمون أن الحكم حق من حقوقه المفروضة.
وكان من وسائل الحيطة التي اتخذتها السلطات على اختلافها محاربة شيعتهم وأتباعهم ، وضرب نطاق الحصار الاقتصادي عليهم ، ومنع وصول الحقوق والاَموال إليهم جهد ما يستطيعون ، وجعل العيون والرقباء لاِحصاء حتى عدد أنفاسهم، وربما توسعوا فحملوا أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى عواصمهم ليكونوا تحت الرقابة المباشرة، وقد يدخلونهم السجن ، ليحولوا بينهم وبين ما يتخيلونه من نشاط وقد أنهت حياة أكثرهم بالاغتيال والقتل.
وبالبداهة إن فكرة العصمة والاَعلمية كانتا من أهم الركائز لفكرة التشيع منذ وجد التشيع لاَهل البيت عليهم السلام وكان أهل البيت أنفسهم يصرحون بذلك، ومن الطبيعي أن يبعث هذا النوع من التصريح الحزم واليقظة في مدوني التأريخ لتسليط الاَضواء على كل ما يتصل بحياتهم الخاصة أو العامة ، العثور على شيء من التناقضات بين واقعهم ، وما يدعون ، لتكون أهم وثيقة بيد السلطة للاِجهاز بها على جبهة المعارضة والقضاء عليها بسهولة، وما أيسر الاختلاق لو كان هناك مجال لتزيدٍ واختلاق، ولكن التأريخ ـ وهو ملك أيديكم فعلاً وبوسعكم تتبع أحداثه لم يحتفل ـ فيما قرأت منه ـ بتسجيل حادثة واحدة على أحد من أئمة أهل البيت « الاثني عشر عليهم السلام » تتنافى مع دعوى العصمة أو الاَعلمية.
وهناك شيء ـ وددت التنبيه عليه ـ وقد سبق أن نبهت عليه في مبحث سُنة أهل البيت عليهم السلام من كتاب « الاُصول العامة للفقه المقارن » (26) التمست تفسيره الطبيعي فلم أعثر عليه ، وعسى أن يعثر سادتي على تفسير طبيعي له ـ وهو تولي بعض الاَئمة منصب الاِمامة وهم صغار السن، بل كان بعضهم لا يزيد على العشر سنوات حين توليه لمنصبها الخطير.
ونحن نعلم أن ابن ثمان أو عشر مثلاً مهما بالغنا في إعطائه صفة النبوغ والعبقرية ، وأحطناه بالبيئة الصالحة والتربية السليمة، فإننا لا نستطيع أن نوفر له صفة الاستيعاب لمختلف مجالات المعرفة، وهي المدعاة لاَئمة أهل البيت عليهم السلام ، أو صفة العصمة عن ارتكاب كل ما يتنافى مع أحكام الشريعة مهما كانت المغريات، لاستحالة أن يتسع الوقت لذلك ، ولقصورنا نحن عن مجالات الاستيعاب.
وقد تولى الاِمامان الجواد والهادي عليهما السلام الاِمامة وهما ابنا ثمان، وكانت المعارضة في عهدهما للحكم على أشدها ، حتى اضطرت المأمون أن يظهر التنازل عن الحكم للاِمام الرضا عليه السلام والد الجواد، حتى إذا أبى عليه ألزمه بقبول ولاية العهد كسباً لعواطف الملايين من شيعته، ثم عمد إليه بعد ذلك فقتله بالسم لئلا ينتهي الحكم إليه.
وكانت أقصر الطرق وأيسرها للقضاء على المعارضة لوكان هناك مجال أن يعمد الحكام إلى هذين الاِمامين الصغيرين فيعرضونهما إلى شيء من الامتحان العسيرفي بعض وسائل المعرفة أو السلوك ، ثم يعلنون أمام الرأي العام عن سخف الشيعة التي ما تزال تؤمن بفكرة الاِمام المعصوم، وقدولت عليها أئمة صغاراً ، هم بهذا المستوى من المعرفة (27) أو الانحراف والعياذ بالله.
وأظن أن القضاء على فكرة التشيع بإعلان فضيحتهم من هذه الطريق أجدى على الحكام من تعريض أنفسهم لحرب قد يكونون هم من ضحاياها.
وهؤلاء الاَئمة لو كانوا في زوايا تحجبهم عن أعين النظار، وكان لا يمكن الوصول إليهم إلا من طريق أتباعهم لاَمكن أن يبالغوا في إضفاء المناقبية عليهم، كما هو الشأن في بعض أئمة الاِسماعيلية والباطنية، فكيف وهم مصرحون بعقائدهم ومبادئهم وسلوكهم أمام الرأي العام ، وبمرأى من السلطة ومسمعها، وما لنا نطيل ونحن نعلم أن دعوى استيعاب المعرفة لا يمكن أن يثبت عليها إنسان متعارف مهما كان له من العلم والسن ، لاَن مجالاتها أوسع من أن يحيط بها عمرنا الطبيعي ، والامتحان كفيل بإحباط كل دعوى من هذا القبيل، ومثلها دعوى العصمة بل أشد منها لتحكم كثير من العوامل اللاشعورية ـ وهي غير منطقية في سلوك الاِنسان.
وهاتان الدعويان كانتا شعاراً لاَهل البيت عليهم السلام وشيعتهم منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولم نسمع بتسجيل حادثة واحدة تتعارض مع طبيعة ما ادعياه فيهما.
وما أكثر ما حفل التأريخ بتعريض هؤلاء الاَئمة كباراً وصغاراً لاَشق أنواع الامتحان من قبل السلطة وأقطاب مخالفيهم من العلماء، وبخاصة مع الاِمام الجواد مستغلين صغر سنه.
وما رأيك بأمثال يحيى بن أكثم ـ ومَنْ هو من أكابر علماء عصره ـ عندما يأمره الخليفة بإعداد أعقد المسائل وأخفاها ، ثم يتعرض بها لطفل لا يتجاوز عمره العشر، فهل ينتظر أن يخرج الطفل معافى مِنْ هذا الامتحان؟ إقرأ بعض هذه المحاورات في الصواعق المحرقة (28) لابن حجر وغيرها (29) ، وانظر تصاغر السائل فيها أمام هذا الطفل الصغير والتماس تفسيرها الطبيعي.
قال أحدهم: أتظن أن هذا غير طبيعي، وعيسى بن مريم عليه السلام كان أصغر منه عندما بعث نبياً، والقرآن صريح في ذلك؟!
قلت: يا سيدي وهذا ما تقول به الشيعة ، ولكن بعثة عيسى عليه السلام وهو بهذه السن هل تملك تفسيرها الطبيعي.
الحقيقةيا سيدي ـ أن قضايا الدين لا تخضع دائماً للمتعارف من المقاييس، فمن آمن بالدين آمن بكل ما يأتي به من شؤون الغيب ، وإن خرج على ما لديه من تجارب ومقاييس.
وأخبار العصمة والاَعلمية ـ بعد ثبوتها بالضرورة عن النبي صلى الله عليه وآله فإنها تصلح أن تكون من أعظم دلائل النبوة لصدقها في الاَخبار عن عوالم الغيب ، وبخاصة لاَمثالنا من الناس الذين أدركوا صدقها وتحققت لديهم مضامينها ، بعد أن أخذ أهل البيت عليهم السلام واقعاً تاريخياً محساً لدى الجميع، رسمت أمثال هذه الاَحاديث أهم خطوطه عندما قالت : « إني تركت فيكم الثقلين ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الاَرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض » (30) .
ثم قلت ـ وقد أوشكت الشمس أن تغرب ـ : لقد أخذتُ مِنْ أوقاتكم كثيراً، وأفسدت عليكم نزهتكم في الاِسكندرية لكثرة كلامي، فاسمحوا لي أن نؤجل الحديث في بقية الاَدلةعلى العصمة إلى جلسة أخرى إن أمرتم.
قال أحدهم: بالعكس، لقد كانت هذه الجلسة من أثرى ما مر علينا من جلسات، لما دار فيها من حوار علمي مفيد.
قلت: ولكن لي سؤال أحببت أن أوجهه إلى الاَخوين الجزائري والصومالي، هل فيما سمعتم من عقائد إخوانكم ما لا يسر سماعه ، أو قل ما يتنافى من مبادىء الاِسلام؟
قالوا: كلا ، إنما هو من الاِسلام وضمن إطاره العام، والخلاف فيه لا يتجاوز الخلاف في كل مسألة اجتهادية تقع ضمن نطاق تعاليمه المقدسة.
قلت: هذا يكفينا فعلاً ، ولا يضرنا بعد ذلك أن نختلف، ولكم بعد هذا أن تتأملوا في نتائج ما انتهى إليه الحديث وتواجهونا بملاحظاتكم عليه في جلسة أخرى إن رأيتم فيه ما يوجب ذلك.
قال أحدهم : دعنا نتأمل.
وافترقنا ونحن أكثر إلفة واحتراماً لبعضنا من ذي قبل (31) .
____________
(1) هو : العلامة الكبير الحجة المحقق السيد محمد تقي بن السيد محمد سعيد الحكيم رعاه الله وسدده ، ولد في النجف الاَشرف سنة 1341 هـ ـ 1922 م درس الفقه والاَصول عند كبار الفقهاء والاَساتذة في النجف أمثال : السيد الحكيم ، والسيد الخوئي ، والشيخ حسين الحلي قدّس الله أسرارهم ، ومن خدماته ، سعيه الدؤوب في تطوير جامعة النجف الدينية ، وإنجاح مشروع منتدى النشر الاِسلامي آنذاك ، ومراكز الدراسات العليا آنذاك ، كما عنى بالدراسات الحديثة والعلوم المختلفة ، وساهم في المؤتمرات العلمية الاِسلامية بشكل ملحوظ مما أعطى فيها دوراً هاماً في التعريف بالفكر الشيعي ، كما تولى أيضاً مهمة التدريس في كلية الفقه وعمادتها ، ومن مؤلفاته القيمة : 1 ـ الاَصول العامة للفقه المقارن 2 ـ دراسة عن الزواج المؤقت 3 ـ كتاب سنة أهل البيت عليهم السلام ومواضيع أخرى 4 ـ كتاب شاعر العقيدة 5 ـ مالك الاَشتر 6 ـ الترادف والاَشتراك . استفدنا هذه الترجمة من كتاب (ثمرات النجف ، القسم الاَول السيد محمد تقي الحكيم في حياته وعطائه ج 3) .
(2) الاَسكندرية : مدينة في مصر ، وميناء على المتوسط ، مركز تجاري وثقافي ، نقطة مواصلات بحرية وبرية ، ومركز صناعي هام ، قيل أسسها الاَسكندر الكبير (332 ق . م) فهي إحدى ثلاث عشرة مدينة بناها الاِسكندر وسماها باسمه وهي أشهرها ، اشتهرت بمكتبتها ومنارتها (132م) كما اشتهرت بمدرستها الفلسفية بين أوائل القرن الثالث ، فتحها العرب (642) واستولى عليها الاَتراك (1516) راجع : مراصد الاِطلاع : ج 1 ص 76 ، المنجد (قسم الاَعلام).
(3) القاهرة : عاصمة جمهورية مصر العربية ، أكبر مدينة في افريقيا والعالم العربي ، مركز ثقافي وحضاري هام فيها: الجامع الاَزهر ، وجامعة القاهرة ، وجامعة عين شمس ، والمتحف المصري (آثار الحضارة الفرعونية) المتحف القبطي والمتحف الاِسلامي ، وقلعة محمد علي ، كما تعد مركزاً صناعياً وتجارياً هاماً ، وقيل انّ الذي أسسها هو جوهر الصقلي القائد الفاطمي ، كما زينها الفاطميون بالمباني الفخمة من قلاع وجوامع ومدارس ومقامات ، والتي منها مقام السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والذي يقصده إلى الآن محبوا آل البيت عليهم السلام من شتى الاَقطار ، راجع : المنجد (قسم الاَعلام) .
(4) الاَحكام في اُصول الاَحكام لابن حزم، ج 1 ص111 .
(5) سورة الحشر : الآية 7 .
(6) سورة النجم : الآية 3 .
(7) مجمع الزوائد : ج 9 ص 168 ، الصواعق المحرقة : ص 152 .
(8) مجمع الزوائد : ج 9 ص 168 ، الصواعق المحرقة : ص 152 .
(9) تقدمت تخريجاته .
(10) تقدمت تخريجاته .
(11) كنز العمال : ج 11 ص 614 ح 32981 ، كشف الخفاء للعجلوني : ج 1 ص 236 .
(12) كنز العمال : ج 9 ص 167 ح 25554 ، العلل المتناهية لابن الجوزي : ج 1 ص 219 ، تهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر : ج 6 ص 203.
(13) كنز العمال : ج 9 ص 617 ح 25554 وص 170 ح 25555 .
(14) راجع : إحقاق الحق وإزهاق الباطل للتستري : ج 9 ص 309 ـ 375 .
(15) من الرسائل التي ألفت فيه رسالة اصدرتها دار التقريب بين المذاهب الاِسلامية بمصر ، وفيها عرض لطرقه وأسانيده على اختلافها ، ومنها رسالة للمرحوم الحجة (الشيخ محمد حسين المظفر) باسم (الثقلان).
(16) روي عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيرهما قالوا : سمعنا أبا عبدالله عليه السلام يقول: حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله قول الله عزّ وجلّ . راجع : بحار الاَنوار: ج2 ص 178 ح 28 .
(17) وقد عرفه علماء الدراية بما إذا كان راويه قد نُص على توثيقه ، وإن كان مخالفاً في عقيدته للاِمامية ، وإن كان من الشيعة الواقفة ، وقد عرّفه بعضهم هو : ما رواه العدل غير الاِمامي ، الموثوق بنقله ، المعلوم من حاله التحرز عن الكذب ، والمواظبة على الحديث على ما هو عليه ، وقال الشهيد الثاني : سمي بذلك ـ أي الموثق ـ لاَنّ راويه ثقة ، وإن كان مخالفاً ، وبهذا فارق الصحيح ، مع اشتراكهما في الثقة ، ويقال له : القوي أيضاً لقوة الظن بجانبه بسبب توثيقه. راجع : الرعاية في علم الدراية للشهيد الثاني : ص 84 ، نهاية الدراية في شرح الوجيزة للسيد حسن الصدر : 264 .
(18) تقدمت تخريجاته .
(19) و (20) تقدمت تخريجاتهما .
(21) بحار الاَنوار : ج 10 ص 353 ح 1 وص 361 ح 2 ، وج 16 ص 130 ح 64 .
(22) فقد روي عنه صلى الله عليه وآله انه قال : النجوم أمان لاَهل السماء ، وأهل بيتي أمان لاَهل الاَرض، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون ، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الاَرض ما يكرهون ، بحار الاَنوار : ج 23 ص 19 ح 14 .
(23) سورة الاَحزاب : الآية 33 .
(24) بحار الاَنوار : ج 25 ص 233 ح 20 ، وج 35 ص 207 ح 2 .
(25) مجمع الزوائد : ج 9 ص 164 ، بحار الاَنوار ج 66 ص 17 ح 3 وج 22 ص 465 ح16.
(26) راجع : الاَصول العامة للفقه المقارن للسيد محمد تقي الحكيم : ص 181 ـ 189 .
(27) وقد شهد لهم حتى أعدائهم بأنهم من أهل بيت زقوا العلم زقا ولم يخف عليهم علم من العلوم كما شهد لهم بجدارتهم وأهليتهم لاِمامة الناس كل من ناظرهم وحاورهم مستفهماً كان أو متعنتاً حتى الخلفاء والحكام شهدوا لهم بذلك ، فهذا المأمون العباسي بعدما قرب الاِمام الجواد عليه السلام إليه واختاره على كافة أهل الفضل مع صغر سنه جاء إليه جماعةٌ من العباسيين وقد غاضهم أمر الجواد عليه السلام فأنكروا على المأمون فعله وأشاروا عليه بتبعيده وصرف النظر عنه ، واحتجوا بأنه صبي لا معرفة له ولا فقه ، حتى آل أمرهم إلى امتحانه واختباره ، وعمدوا إلى عالمهم يحيى بن أكثم كي يلقي إليه مسألة من فقه الشريعة لا يهتدي إلىجوابها !! ووعدوه بأموال نفيسة في ذلك إن انتصر عليه ، فاجتمعوا في مجلس المأمون، وكانوا لا يشكون في انتصار يحيى بن أكثم على الاِمام الجواد عليه السلام لجهلهم به ، فما كان من أمريحيى في ذلك المجلس أن ألقى إلى الاِمام عليه السلام سؤالاً زاعماً أنه ملجمه به قائلاً : ما تقول في محرم قتل صيداً ؟ فما كان من جواب الاِمام له أن ابتداءه قائلاً عليه السلام : قتله في حل أوحرم ؟ عالماً كان المحرم أو جاهلاً ؟ قتله عمداً أو خطأً ؟ حراً كان المحرم أو عبداً ؟ صغيراًكان أم كبيراً ؟ فراح يعدد عليه الاِمام فروض المسألة ، فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والاِنقطاع ، وتلجلج حتى عرف أهل المجلس عجزه وانكساره أمام هذا الصبي الذي يزعمون أنه لا معرفة له بالفقه ، حتى أخذ يبين لهم ما جهلوه من فروض هذه المسألة ولما انتهى من الجواب طلب منه المأمون العباسي أن يسأل يحيى عن مسألة كما سأله،فأخذ يسأله ويحيى يقول : ذلك إليك جعلت فداك! فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلا استفدته منك ؟ فألقى إليه مسألة لم يهتدِ ولن يهتدِ إلى جوابها ! فطلب من الاِمام أن يبين له ويشرح ما خفي عليهم من مسألته ، ولما انتهى الاِمام عليه السلام من كلامه وكلهم إذنٌ صاغية لمتكلم هو أصغر منهم سناً ، التفت إليهم المأمون قائلاً لهم : ويحكم ! إنّ أهل هذا البيت خُصّوامن الخلق بما ترون من الفضل ، وإن صغر السّن فيهم لا يمنعهم من الكمال ، أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو ابن عشر سنين، وقبل منه الاِسلام وحكم له به ، ولم يدعُ أحداً في سنه غيرَه ، وبايع الحسن والحسين عليهما السلام وهما دون الست سنين ، ولم يبايع صبيّاً غيرهما ؟ أو لا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم ؟ وأنّهم ذريّة بعضها من بعض ، يجري لاَخرهم ما يجري لاَولهم؟! فقالوا : صدقت . (راجع : الاحتجاج للطبرسي : ج 2 ص 469 ـ 476 ، نور الاَبصار للشبلنجي:ص 177 ـ 178، تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي : ص 359 ، الاِرشاد للمفيد : 319 ـ 323 .
(28) الصواعق المحرقة لابن حجر : ص 206 .
(29) الاحتجاج للطبرسي : ج 2 ص 443 ـ 444 ، بحار الاَنوار : ج 5 ص 73 .
(30) تقدمت تخريجاته .
(31) ثمرات النجف للسيد محمد تقي الحكيم : ج 3 ص 169 ـ 190 ، عن مجلة الاَيمان السنة الاَولى ، عدد 9 و 10 ، محرم وصفر لعام 1384 هـ 1964 م .
المُناظرة الخمسون
مناظرة السيد محمد تقي الحكيم مع أكابر علماء المؤتمر الإسلامي في مصر حول عصمة أهل البيت عليهم السلام وخلافتهم
مندوب الاِيمان.
س ـ في المواضيع التي ذكرتم أنها أُثيرت معكم من قبل العلماء الذين التقيتموهم هناك ما يتعلق بالشيعة والخلافة، وبما أن لهذا الموضوع ارتباطاً قوياً بما نشر في العدد السابق عن الشيعة والعصمة، فهل ترون أن نثير التحدث فيه لنربط بين حلقات هذه الاَحاديث الحساسة.
ج ـ لا مانع لديَّ شريطة أن لا نثقل على القراء ، كما أثقلنا عليهم في الحديث الماضي.
مندوب الاِيمان.
س ـ بالعكس إن القراء رحبوا بهذه الاَحاديث ترحيباً منقطع النظير، ولدينا كتب تشكر المجلة على اهتمامها باستقصاء كل ما دار في الندوات من أحاديث، وهم في أشد الشوق لمواصلة نشرها، وما أكثر ما تلقيت كلمات الحث والمطالبة والتشجيع من قبلهم، والآن هل تتذكرون أين جرى الحديث حول الشيعة والخلافة ومع مَنْ من أعلام الفكر هناك؟
ج ـ جرى هذا الحديث في أكثر من ندوة ـ وكان له في ندوتي الاِسكندرية والقاهرة ـ وهما اللتان سبق التحدث عنهما في موضوعنا السابق ـ مجال واسع.
وهناك جملة من الاَعلام شاركوا في الحديث عنهما ، وبخاصة بعض من شهدوا الندوتين ، ونحن نجمع ـ كما صنعنا في الحديث الماضي ـ جملة ما دار من أحاديث عنها سواء ما وقع منها في الندوتين المذكورتين ، أم غيرهما ملتزمين نفس الخطة التي سلكناها في الحديث الماضي.
س ـ هل تتذكرون كيف بدأ الحديث عن هذا الموضوع؟!
ج ـ بدأ الحديث فيما أتذكر في بعض الندوات عندما وجه إليَّ أحد الاَعلام هذا السؤال الهام: إذا كان في الاَدلة التي ذكرتموها ما ينهض بإثبات العصمة لاَهل البيت عليهم السلام ، فليس فيها ما يثبت الاِمامة بمفهومها العام الذي يتسع لخلافة الرسول صلى الله عليه وآله وتخطئة مَنْ لم يعطهم هذا الحق، وأيُّ محذور في أن نؤمن بالفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، فنعطي حق التشريع للاَئمة المعصومين : مثلاً، وحق التنفيذ لغيرهم ، ممن تختارهم الاُمة لاِدارة شؤونها العامة.
س ـ وماذا كان جوابكم على هذا السؤال؟
ج ـ قلت للسائل : إن سؤالك هذا مما يثير أمامنا عدة تساؤلات ، أظن أننا إذا قُدّر لنا أن نوفق للاِجابة عليها فستتضح وجهة نظر الشيعة في هذه المسألة، وربما تجمعت هذه الاَسئلة حول سؤالين رئيسين:
يتعلق أولهما في طبيعة الحكم في الاِسلام، وهل فيها ما يسيغ الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؟ وعلى تقدير الفصل في هذه المسألة فهل هناك ما يلزم بإضفاء صفة العصمة على رأس الحكم، وما هي الاَسباب الداعية إلى ذلك؟ وهذه الاَسئلة كما ترون إنما تتعلق فيما يجب أن تكون عليه طبيعة الحكم من وجهة عقلية في التشريعات الاِسلامية.
وثانيهما: يتعلق في طبيعة ما هو كائن وهو التساؤل عن واقع ما صدر عن النبي صلى الله عليه وآله وهل كان منسجماً مع ما ننتهي إليه في الاِجابة على الاَسئلة السابقة؟ ولماذا لم يتقبله كثير من المسلمين إذ ذاك؟
أما الجواب على السؤال الاَول: فإن الذي أعتقده أن طبيعة الحكم في الاِسلام تختلف جذرياً عما عليه طبيعة الحكم في الاَنظمة الاُخرى غير السماوية.
فإذا أمكن فصل السلطتين عن بعضهما في الاَنظمة الحديثة وبخاصة الديمقراطية منها، فإن ذلك غير ممكن بالنسبة إلى الاِسلام ، بل إذا أمكن تصوره في الاِسلام نفسه ـ بعد استكمال تشريعاته وتدوينها ـ فإن ذلك لا يمكن تصوره بالنسبة إليه في الفترة التي نؤرخ لها ، وهي أشبه بما يسمى في عرف الثورات الحديثة بفترات الانتقال.
قال أحدهم: وكيف؟
قلت: هذا واضح ، لاَن الاِسلام لا يعترف بوجود شخصية فرديةأو جماعية لها حق التشريع في مقابل ما تأتي به السماء من أنظمة وقوانين لاستئثار السماء في ذلك كله ، وحضرها ذلك على البشر جمعاء ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ) (1).
وإذا عرفنا أن الله جعل لكل حادثة حكماً ولم يغفل في تشريعاته شيئاً مما يحتاج إلى حكم من أفعال العباد إلا وشرع له حكمه الخاص، كما هو فحوى ما ورد في ذلك من حديث، اتضح لنا انعدام السلطة التشريعية في الدستور الاِسلامي وحصرها في الله عزوجل ، والاقتصار على السلطة التنفيذية لتلكم الاَنظمة والقوانين السماوية فيمن يدرك هذه الاَنظمة ويعرفها معرفة تامة من رسولٍ وغيره.
وهذا بخلاف الدساتير الوضعية ،لاِمكان فصلهما فيها ، وذلك بإعطاء حق التشريع ، مثلاً للبرلمانات أو مجالس الثورة، وحق التنفيذ لمجلس الوزراء، وعلى أن راس الحكم فيها لابد وأن يستقطب السلطتين معاً ، برجوعهما إليه لتوقف تحقيقهما على مصادقته وإقراره.
وهنا أود أن اسأل: ألا تعتقدون معي أن وظيفة رأس الدولة هي حماية الدستور وما يتفرع عليه ، من أنظمة دولته وقوانينها الخاصة ، والعمل على سلامة تطبيقها على جميع المواطنين؟
قال أحدهم: طبعاً.
قلت: ألا ترون أن طبيعة الحماية تستدعي إحاطة الحامي بواقع ما يحميه، والتوفر على معرفة كل ما يتصل به ، وإلا لما أمكن تصور معنى للحماية بدون ذلك، إذ لا معنى لحماية المجهول من التجاوز عليه ، وهو غير محدد له ، فحامي الدستور مثلاً كيف يمكن له حمايته ككل إذا كان يجهله كلاً أو بعضاً، وما يدريه تجاوز بعضهم على بعض ، ما يجهل منه ما دام مجهولاً لديه.
قال: بالطبع.
قلت: فحامي الاِسلام إذن يجب أن يكون محيطاً بكل ما يتصل بأنظمته وقوانينه.
قال: وما يمنع أن يكون ذلك متوفراً في غير أئمة أهل البيت عليهم السلام ؟
قلت: إن الذي يمنع عنه هو ما سبق التحدث فيه مفصلاً في المحاورة السابقة ، حيث تساءلنا ـ ونحن نتحدث عن عصمة أهل البيت عليهم السلام ـ عن مصادر المعرفة لحقائق الاِسلام في عصر الصحابة ، وانتهينا إلى أنهما الكتاب والسنة ، وقلنا: إن الكتاب ـ وإن دوّن على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وحُفظ ـ إلا أنه لم يحط بجميع خصائص التشريع، ومن هنا احتجنا إلى السنة لبيان ما أجمل فيه ، والتعرض لمختلف القيود والشرائط والموانع المعتبرة في أحكامه ، مما لم يتعرض لها بشيء من التفصيل ثم التعرف على الاَحكام التي لم يذكرها الكتاب العزيز.
وقلنا: إن السنة لم تدوّن على عهده ولم يلزم هو بتدوينها وتنسيقها بضم القيود إلى مطلقاتها والمخصصات إلى عموماتها،فالاِحاطة بها وبكل ما يتصل في شؤونها تكاد تكون ممتنعة لدى غير أهل البيت عليهم السلام حيث أودعها صلى الله عليه وآله لديهم وألزم بالرجوع إليهم بأمثال أحاديث الباب والثقلين كما سبقت الاِشارة إليه.
على أني لا أعرف أحداً من الصحابة قد ادعى لنفسه المعرفة المستوعبة سواء منهم الخلفاء أم غيرهم، بل رأيت فيهم من يحتاج إلى أن يدل على معنى آية في كتاب الله، ومَنْ يجمع الصحابة لاستشارتهم في حكم من الاَحكام يجهل واقعه، وما أكثر ما أرسل الخليفة عمر قولته المشهورة لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن. (2)
قال أحدهم: ألا ترى أن هذا منتهى الحرص والمحافظة على أحكام الشريعة من قبل هؤلاء الخلفاء، وإلا لما كانت أية ضرورة للاستفسار من قبل الاِمام والصحابة عما يجهلون من أحكام.
قلت: إن الذي يبدو لي أننا نسينا مواقع النقض من كلامنا، فالفحص والحرص على تطبيق ما يعلم من الاَحكام بعد العثور عليها لا ينافيان الجهل أحياناً، وقد قلنا إن حماية المجهول لا يمكن تصورها مطلقاً.
والسؤال في بعض الاَحيان عما يجهل من الاَحكام لا يعني السؤال في جميع الاَحيان، ولا استيعاب كل ما يتصل بأحكام الشريعة، وكيف ندفع احتمال السهو والغفلة ، وحمل الصحة لتصرفات الآخرين ، مما يوجب عدم الفحص عنها.
ومن أراد من السادة الاَعلام أن يتتبع ما صدر عن الخلفاء من الاَحكام التي لا تلتقي مع النصوص ـ كتاباً وسنة ـ فليرجع إلى أمثال كتاب الحجة شرف الدين (النص والاجتهاد) و(الغدير) للحجة الاَميني ليعرف مدى ما استدرك عليهم المعاصرون لهم من الصحابة وغيرهم في ذلك كله.
قال أحدهم: إن ما ذكرتموه لا يفرض أكثر من ضرورة توفر صفة العلم في الحماة ، لا العصمة كما افترضتموها لهم.
قلت: هذا صحيح ، لو كان عنصر الحماية لا يحتاج إلى أكثر من العلم ، أما إذا ضممنا إليه ـ لضمان وجودها واستمرارهاـ ضرورة تمثل المسؤول لواقعها تمثلاً نفسياً يأبى عليه التنكر لها مهما كانت البواعث له ، احتجنا إلى العصمة.
قال أحدهم: وماذا يعني هذا الكلام؟
قلت: إن الذي أعنيه أن لا يختلف الشخص ـ الذي يقوم بدور الحماية ـ في واقعه النفسي عنه في واقعه العقلي ، أي أن لا يحمل في أعماقه من الرواسب ما يتنافى مع طبيعة الرسالة التي آمن بها عقلياً ، لئلاً تستأثر بعض الرواسب في توجيهه الوجهة المعاكسة في حالات غفلة الرقيب ، أو تخديره بغضب أو غيره.
وأنتم ولا شك تعلمون أن الاِسلام جاء بثورة مستوعبة لمختلف أبعاد الاِنسان ، وقد شنها حرباً لا هوادة فيها على جملة ما كان سائداً في عصره من مفارقات، وإن الكثير ممن عاشوا تلكم المفارقات هم الذين اعتنقوا الاِسلام وناضلوا ودافعوا عنه ، وأكثرهم كانوا قد اعتنقوه ببواعث عقلية لا تمت إلى الواقع النفسي بصلة.
ولكن الرسالة ـ أية رسالة ـ لا يمكن أن تأتي من بداية ثورتها على جذور ما قامت عليه من مفارقات ، وبخاصة ما ترسب منها في أعماق الاِنسان ، بل هي تحتاج إلى أن تمر بأجيال يتخفف كل جيل لاحق من رواسب جيله السابق ، بعد تعويضه بما جد من قيم ومفاهيم نتيجة لقيام الثورة الرسالية الجديدة، ووظيفة الرسالة في بداية أمرها كبت تلكم الرواسب المعاكسة بإعطاء طاقة جديدة للضمير، أو الاَنا ليمنع من تسربها إلى الشعور ، والاستئثار بكل مجالات السلوك، وإلا فإن استئصالها لا يمكن أن يتم بعد أن أخذت مكانها بين عوالم اللاشعور.
ومن هنا كنا نرى بروز الكثير من الرواسب إذا تخدر الضمير ، أو وقف تأثيره بفعلٍ من بعض العوامل النفسية كالغضب مثلاً ، وهنا ذكرت مضمون كلام لاَحمد أمين يحسن أن نرجع إلى نصه في فجر الاِسلام.
مندوب الاِيمان ـ ثم تناول السيد كتاب فجر الاِسلام من أحد رفوف المكتبة واستخرج منه ص97 وقرأ فيها ما يلي « وبعد فإلى أي حد تأثر العرب بالاِسلام، وهل أمحت تعاليم الجاهليةونزعات الجاهلية بمجرد دخولهم في الاِسلام، ألحق أن ليس كذلك ، وتاريخ الاَديان والآراء يأبى ذلك كل الاِباء ».
« فالنزاع بين القديم والجديد والدين الموروث والحديث يستمر طويلاً، ويحل الجديد محل القديم تدريجاً ، وقل أن يتلاشى بتاتاً ».
« وهذا ما كان بين الجاهلية والاِسلام فقد كانت النزعات الجاهلية تظهر من حين إلى حين ، وتحارب نزعات الاِسلام ، وظل الشأن كذلك أمداً بعيدا ولنقصُ طرفاً من مظاهر هذا النزاع ».
« جاء الاِسلام يدعو إلى محو التعصب للقبيلة والتعصب للجنس ، ويدعو إلى أن الناس جميعاً سواء ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (3) وفي الحديث « المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم ، وهم يد على من سواهم » (4) ، وخطب النبي صلى الله عليه وآله في خطبة الوداع « يا أيها الناس إن الله تعالى أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وفخرها بالاَباء ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى (5)، وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية ، أو يدعو إلى عصبية ، أو ينصر عصبية ، فقتل قتل قتلة جاهلية » (6) وآخى رسول الله صلى الله عليه وآله بين المهاجرين والاَنصار بعدما كان بين المكيين والمدنيين من عداء ».
« ومع كل هذه التعاليم لم تمت نزعة العصبية ، وكانت تظهر بقوة إذا بدا ما يهيجها، أنظر إلى ما روي في غزوة بني المصطلق أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج في جماعة من المهاجرين والاَنصار فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الاَنصار، فكان بينهما قتال إلى أن صرخ يا معشر الاَنصار ، وصرخ المهاجر يا معشر المهاجرين ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فقال: ما لكم ولدعوة الجاهلية، فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الاَنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : دعوها فإنها منتنة، فقال عبدالله بن أبي أبن سلول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاَعز منها الاَذل » (7) .
« أفلست ترى أن نزاعاً تافهاً ، لسبب تافه هيج النفوس ودعاهم إلى النزعة الجاهلية وتذكر العصبية المكية والمدنية ».
ومن يتصفح التأريخ يجد المئات من الشواهد أمثال ما ذكره الدكتور أحمد أمين ، ولعل أهم نقاط الضعف التي أجهز بها الخليفة أبو بكر على الاَنصار في سقيفة بني ساعدة هو إثارة هذه النزعة في أعماقهم ، عندما ذكرهم بالقتلى والجراح التي لا تداوى ما بينهم في الجاهلية ، وكان قد خدرها الاِسلام عندما ألف بين قلوبهم، ولقد ذكرت هنا مضمون حديث رواه الجاحظ يحسن أن نعود إلى نصه ففيه أعظم الدلالة على صدق ماذكره الدكتور أحمد أمين.
وهنا تناول السيد كتاب البيان والتبيين واستخرج ص181 من جزئه الثالث وقرأ فيها عيسى بن نذير قال : قال أبو بكر : نحن أهل الله ، وأقرب الناس بيتاً من بيت الله ، وأمسهم رحماً برسول الله صلى الله عليه وآله إن هذا الاَمر إن تطاولت إليه الخزرج لم تقصر عنه الاَوس، وإن تطاولت إليه الاَوس لم تقصر عند الخزرج، وقد كان بين الحيين قتلى لا تنسى، وجراح لا تداوى، فإن نعق منكم ناعق فقد جلس بين لحيي أسد يضغمه المهاجري ويجرحه الاَنصاري ».
قال ابن دأب فرماهم والله بالمسكتة. (8)
وكان من نتائج تأثير هذه الخطبة التي دللت على مدى ما يملكه الخليفة من خبرة بالواقع النفسي أن حولت ذلك الواقع الذي أبعده الاِسلام إلى أعماق اللاشعور ، بفضل تأليفه بينهم إلى واقع شعوري متجسد يعمل عمله في الفرقة بينهم، وهكذا أجهز عليهم من أقرب نقطة ضعف ، وحملهم على التسابق إلى بيعته خشية أن يستأثر بالخلافة أحد الفريقين ، وكان أسرع الفريقين إليها أبناء الاَوس لاَن المرشح الوحيد للاَنصار إذ ذاك كان سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج كما تعلمون.
فإذا صح هذا من وجهة نفسية عدناإلى ما سبق أن قلناه من أن عنصر الحماية الذي يجب توفره في رأس الدولة يستدعي أن لا يحمل رأس الدولة في أعماقه أية رأسية على خلاف المفاهيم الثورية الحديثة ، وإلا لكانت الرسالة هي أو بعض مفاهيمها عرضة للتصدع متى استأثر الباعث اللاشعوري في توجيه صاحبه الوجهة المعاكسة.
وضمان هذه الناحية موقوف على أن يتولى دور الحماية شخص لا يملك اية راسبةفي أعماقه على خلاف هذه المفاهيم الثورية ، بالاِضافة إلى إيمانه العقلي بكل ما صدعت به من أفكار وأحكام.
قال أحدهم: وكيف يتهيأ مثل ذلك الشخص ليقوم بهذا الدور ، وهل في المسلمين إذ ذاك شخص لم يعش فترة من حياته في الجاهلية ليتولى دور الحماية كما تريدون.
قلت: يا سيدي ـ إذا كانت الفكرة سليمة فإن على الاِسلام أن يهيء مثل ذلك الشخص إذا كان يريد لنفسه ضمان التطبيق السليم ، وأنتم تعلمون أن قيمة الرسالة لا تبرز بمجرد التشريع ، وما قيمة تشريع لا يضمن له تطبيق سليم يتمشى مع الاَهداف الاَساسية التي تبرر وجوده ، وتقديم آلاف الضحايا في سبيل تركيز ذلك الوجود.
قال أحدهم: إن هذا صحيح جداً ولكن على الصعيد النظري فحسب ، لما فيه من طوبائية تتجافى مع الواقع العملي لنوع الناس.
قلت: قد يكون ذلك كما تقولون لو كانت الرسالة غير سماوية ، وكانت المخططات لها من صنع بشر عادي يكون معرضاً للخضوع للعوامل الذاتية في تصرفاته ولا أقل من خطئه واشتباهه.
أما وأن الرسالة سماوية ومخططها هو الله عزوجل فليس هناك ما يمنع من وضع مخطط لتهيئة مثل أولئك الاَشخاص وإيداع ذلك إلى النبي لتنشئتهم وفق ذلك المخطط.
على أن دعوى الطوبائية لا أفهم لها دلالة في أمثال هذه المواضع مع إدراكنا لدور التربية السليمة في بناء الاَشخاص وفق المفاهيم التي يراد لها التطبيق ، ونحن نعرف أن الشخص الذي يُربى على أسس معينة لمفاهيم وقيم خاصة ، إذا أبعد عن كل ما يتجافى مع تلكم المفاهيم منذ صغره يكاد يستحيل عليه أن يصدر في تصرفاته عما يخالفها ، وأمامنا في واقعنا المعاش كثير من القيم الحضارية السائدة في بعض البلدان المتحضرة كالدول الاَسكندنافية مثلاً لا يمكن لاَهلها أن يخرجوا عليها ، وبعض هذه القيم انتزعت من واقع مفاهيمنا الاِسلامية كالصدق والاَمانة وغيرهما.
على أن الذي يكفينا الآن ـ ونحن نتحدث عما يجب أن يكون ـ هو اعترافنا بصحة هذه الفكرة على الصعيد النظري لننتقل بعد ذلك إلى دراسة ما هو كائن ثم نرى مدى انسجامه مع هذا الواقع الذي انتهينا إليه.
وأول ما يلفت نظرنا ونحن نستعرض هذا الجانب أن نرى في بعض تصرفات النبي صلى الله عليه وآله ما يبحث عن تفسير ما دامت تصرفاته ـ بحكم رسالته ـ تصرفات كلها هادفة.
وأول ما يبحث عن التفسير احتضانه للاِمام علي عليه السلام من بداية حياته والاِشراف على تربيته بنفسه وهو صبي ، ثم وضع مخطط لاِبعاده عن جميع الاَجواء المعاشة إذ ذاك لاَمثاله من صبيان قريش ، يقول الاِمام علي عليه السلام وهو يتحدث في نهجه الخالد عن لون تربيته في هذه الفترة: « وضعني في حجره ـ يعني رسول الله صلى الله عليه وآله ـ وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده ، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر اُمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة حراء (9) ، فأراه ولا يراه غيري » (10).
وهذه الخطوط التي رسمها الاِمام لاَسلوب تربيته على يد النبي صلى الله عليه وآله ليست طبيعية لو لم يكن الهدف منها أسمى من وجهها البارز ، فهي تريد له الاِبعاد عن جميع الاَجواء التي كانت سائدة إذ ذاك ، مع بنائه على لون من السلوك يختلف عنها في جملة ما له من خطوط ، فهو صلى الله عليه وآله يرفع في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمره بالاقتداء به ، ولا يكتفي بذلك دون أن يصحبه حتى لمواقع تحنثه وعبادته في غار حراء ، فليس غريباً بعد ذلك أن لا يكون لهذا الصبي من الرواسب الجاهلية ما يتجافى مع الاُسس الجديدة التي رسمها النبي صلى الله عليه وآله للسلوك ، وأكد منها الاِسلام بعد ذلك في جملة ما جاء به من تشريعات.
ومن هنا كان من الطبيعي جداً أن يكون هذاالصبي أسرع الناس إلى الاِيمان بالرسالة التي أرسل بها صاحبه لملاءمتها لواقعه النفسي، ولقد تظافرت جملة من الروايات على تسجيل هذا الواقع ومنها ماأثر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: « لقد صلت الملائكة عليَّ وعلى علي سبع سنين وذلك أنه لم يصل معي غيره » (11) ومن مأثور ما نقل عن الاِمام نفسه قوله في إحدى خطبه: « اللهم لا أعرف أن عبداً لك من هذه الاَمة عبدك قبلي غير نبيك ثلاث مرات ، لقد صليت قبل أن يصلي الناس سبعاً » (12) ثم شده النبي صلى الله عليه وآله إلى هذه الرسالة شداً ، ومكنها من نفسه عقيدة ، يفنى من أجلها ويعيش.
وفناؤه في الدفاع عنها وعن صاحبها وهو في مكة أشهر من أن يتحدث عنه.
والعقيدة متى تمكنت من أعماق صاحبها ولم يكن لها في نفسه ما يزاحمها من الرواسب المعاكسة استحال عليه عادة الخروج على تعاليمها ، أو التخلف عما تدعو إليه وتتطلبه من تضحيات ، وهو معنى العصمة الذي نريده ونذهب اليه.
ونجاح هذا الجانب من الاِعداد على يد النبي صلى الله عليه وآله هو الذي أوجب أن يؤهله ( وما ينطق عن الهوى ) (13) للخلافة من عبده ويعد النفوس لتقبل ذلك مبكراً ، وأول نص وصل إلينا في هذا الشأن ما روي على لسان غير واحد من المؤرخين قوله صلى الله عليه وآله لعشيرته الاَقربين وقد أمر بإنذارهم، وقد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فايكم يؤازرني على أمري هذا قال علي7: فقلت : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي فقال : إن هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا » يقول الراوي « فقام القوم يضحكون، ويقولون لاَبي طالب قد أمرك أن تسمع وتطيع لعلي » (14)
ثم توالت بعد ذلك التصريحات منه صلى الله عليه وآله : « لكل نبي وصي ووارث ، وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب » (15) وقوله لعلي « ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » (16) إلى عشرات أمثالها بالاِضافة إلى نوع من التصريحات يتخذ طابع الملاشاة لجميع الفوارق بينه وبين الاِمام ، إلا ما يتصل بالنبوة فهو نفسه في آية المباهلة ، وهو الذي يؤدي عنه ، لاَنه منه كما في حديث براءة ، وحديث « إن علياً مني وأنا من علي ، وهو ولي كل مؤمن بعدي ، لا يؤدي عني إلا أنا أو علي » (17)
والنص الذي اتخذ طابع البلاغ العام هو نص الغدير ، وكان بعد عودته من حجة الوداع وقد صوره ابن عباس ورسم أجواءه بقوله « لما أمر الله رسوله أن يقوم بعلي فيقول له ما قال « فقال : يا ربي إن قومي حديثو عهد بجاهلية ، ثم مضى بحجه فلما أقبل راجعاً ونزل بغدير خم أنزل عليه ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك... ) (18) الآية فأخذ بعضد علي فقال: أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم، قالوا: بلى يا رسول الله قال: اللهم من كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأعن من أعانه ، واخذل من خذله ، وانصر من نصره ، وأحب من أحبه ، وأبغض من أبغضه » (19) .
ومن هنا يتضح أن اختيار النبي صلى الله عليه وآله لعلي ما كان وليد الصدفة ، وإنما كان وليد إعداد وتهيئة ذات جذور عميقة ، تقتضيها طبيعة الحماية للمبادىء الثورية التي أنزلت من السماء لهدم أمة وبنائها من جديد، وعلي هو الوحيد الذي كان إذ ذاك لا يحمل في رواسبه مخلفات الجاهلية بفضل احتضان النبي صلى الله عليه وآله له من صغره، وإبعاده عن جميع أجوائها المعاكسة ، بما هيأ له من وسائل التربية السليمة.
فالفكرة إذن سليمة وليس فيها شيء من الطوبائية كما نتخيل ، ويصدقها واقع الاِمام علي عليه السلام وسلوكه المنسجم معها داخل الحكم وخارجه ، كما يصدقها واقع خلفائه من أهل البيت الذين أعد لهم الاِمام نفس الاسلوب الذي اتخذه النبي صلى الله عليه وآله في تربيته الخاصة ، وقد سبق في أحاديثنا عن العصمة والتماسها في واقعهم التأريخي ما يلقي الاَضواء على ذلك.
قال أحدهم: إن الذي يقف دون تقبل هذه الفكرة وما اعتضدت به من نصوص هو موقف الصحابة منها ومن نظائرها، أتراهم لم يدركوا هذا الواقع الذي تقوله الشيعة أم أدركوه ولم يتقيدوابالاَخذ بمدلوله مع شدة علاقتهم به صلى الله عليه وآله وحرصهم على الاَخذ بتعاليمه أليس في هذا الكلام شيء من الطعن في الصحابة.
قلت: إذا سمحت لي يا سيدي أن أتحدث بشيء من الصراحة سألتك عن رأيك في الصحابة ، وهل إنكم تنسبونهم إلى العصمة كما يعتقد الشيعة في أئمتهم.
قال: لا، إنهم ليسوا بمعصومين ولكنهم لا يتعمدون المعصية لاَنهم عدول، والمسألة هنا لا تحتمل الخطأ مع هذه النصوص.
قلت: ورأيك هذا هل ينطبق على الجميع أم أنهم يختلفون من حيث المستوى الاِيماني باختلاف مدة الصحبة ، وشدة الارتباط بالمفاهيم الجديدة وعدمه.
قال: ماذا تقصد بهذا الكلام؟
قلت: أقصد التساؤل عما إذا كان اعتقادكم قائماً على التساوي بين من دخل الاِسلام من بداية البعثة واعتنق مبادئه ودافع عنها ، وبين من أسلم عام الفتح مثلاً.
قال: أما من حيث عدم تعمد المعصية فنعم ، وأما من حيث التفاوت في المنازل القريبة فلا.
قلت: إذن تعتقدون أن الصحبة ولو كانت لفترة يسيرة كافية لاِحداث ملكة العدالة في نفوس أصحابها.
قال: نعم.
قلت: ولكن النصوص صريحة في خلاف ذلك ، فإن كثيراً من آيات الكتاب العزيز نسبت النفاق إلى بعضهم أمثال قوله تعالى: ( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) (20) وقوله عزاسمه: ( وإذ زاغت الاَبصارُ وبلغتِ القلوبُ الحنَاجِرَ وتَظُنونَ باللهِ الظُنُونا ، هُنالِكَ ابتُليَ المؤُمنونَ وزُلزلُوا زلزالاً شديداً ، وإذ يقُولُ المنافقُونَ والّذينَ في قُلوبِهم مرضٌ ما وَعَدَنا اللهُ ورسُولُه إلا غروراً ) (21) إلى أمثالها من الآيات.
فهل كان هؤلاء من الصحابة أو من غيرهم ، وأين ذهبوا بعد وفاته صلى الله عليه وآله وهل عينهم التاريخ بأسمائهم لنخرجهم من قائمة الحساب!
على أن التاريخ حافل بتجاوز بعض الصحابة على البعض ، ونيل بعضهم من البعض ، فهل كان هؤلاء كلهم على حق.
قال أحدهم: ما بال الشيعة لا يتركون الطعن في الصحابة ، والتجاوز عليهم أحياناً.
قلت: يا أخي لا تقل هكذا، فنحن لسنا في موضع استفزاز أو إثارة عواطف، وليست المسألة مسألة شيعة وسنة، وإنما هي مسألة واقع تترتب عليه ممرات في مجالات العمل والسلوك.
إن عيب الشيعة يا سيدي أنهم لا يستطيعون أن يجمعوا الصيف والشتاء على سطح واحد، فالصحابة لديهم مختلفون في المستوى ، وفي أعمال بعضهم ما لا يعرفون له وجهاً ، وهم وإن وجدوا في الصحبة فضلاً لاَصحابها لا يعادله فضل ، إلا أنه الفضل الذي لا يعفي صاحبه من المسؤولية.
ولكن ما رأيك لو قال لك أحد الشيعة ـ ولوعلى طريق الاستفزاز أو الدعابةـ : إن أول من فتح باب الطعن في الصحابة هم السنة لا الشيعة ، فماذا يكون جوابك على هذا الاَمر ؟
قال: وكيف.
قلت: أسالك : هل هناك أعظم من رمي المسلم بالارتداد؟
قال: لا.
قلت: إن البخاري ـ وهو من أقدم من ألّفوا في الحديث ـ عقد باباً في صحيحه لاَخبار الحوض ، حشده بالكثير من الروايات التي تنسب إليهم أو إلى بعضهم الارتداد اقرأها مفصلة في هذا الباب. (22)
قال: إنا لا نمنع وجود مرتدين أمثال مَنْ حاربهم أبو بكر لردتهم.
قلت: ولكن بعض هذه الروايات لا تستثني منهم إلا مثل همل النعم ، كناية عن القلة وتنسب الارتداد إلى الاَكثر ، ثم ذكرت مضمون رواية لاَبي هريرة ويحسن أن نعود إلى نصها.
مندوب الاِيمان: وهنا أخرج الجزء الثامن من البخاري وقرأ فيه « حدثني إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن فليح حدثنا أبي قال: حدثني هلال عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذاعرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال: هلم فقلت: أين قال: إلى النار والله قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم قلت: أين قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدكعلى أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم » (23)
إن الذي يبدو لي يا سيدي أن أسلافنا كانوا أوسع أفقاً منا وأقرب إلى الموضوعية عند ما حشدوا كل ما عثروا عليه من الاَحاديث التي اطمأنوا إلى صدورها وتركوا للباحثين أمر تمحيصها ، ولم يجعلوا رواسبهم مقياساً لما يروون وما يتركون ، وكان محدثوا الشيعة والسنة سواء من هذه الناحية ، فليس من الانصاف أن نحمل الجميع مسؤولية رأي لم يصرحوا جميعاً بتبنيه ، وحجتنا في ذلك مجرد العثور على رواية في كتاب للسنة أو الشيعة تتعلق في الصحابة أو غيرهم ويستشم منها الطعن مثلاً.
قال أحدهم: وقد وجه بنظرة عتاب إلى المعترض ـ لقد أبعدتنا عن صميم الموضوع، فالسؤال الذي سبق أن أثرناه حول موقف الصحابة من هذه النصوص ما يزال قائماً ، أترى أن الصحابةوفيهم مثل أبي بكر وعمر لم يدركوا هذا الواقع الذي أدركه الشيعة ، وفهموه من هذه النصوص أم ادركوه وانحرفواعنه جميعاً.
قلت: إن الذي أدعيه ـ يا سيدي ـ إن الصحابة جميعاً فهموه ـ كنص ـ بالمستوى الذي فهمه الشيعة ، إلا أن موقفهم منه كان مختلفاً جداً ، وهم ينقسمون في هذاالاَمر إلى أقسام ثلاثة ، وليس في أحد هذه المواقف تشكيك بالنص.
القسم الاَول: وهو الذي يشكل الاَكثرية وقوامه مسلمة الفتح من قريش وبعض المنافقين الذين أشارت إليهم الآيات السالفة ، كان للرواسب التي عرضها الدكتور أحمد أمين في حديثه السابق موقع كبير من نفوسهم ، ومثل هؤلاء لا يسهل عليهم تقبل خلافة الاِمام علي عليه السلام بالذات ، لاُمور عدة أهمها اعتقادهم أن الخلافة إذا دخلت هذا البيت فلن تخرج منه بعد ذلك ، وفي هذا ما فيه من قتل لطموح من يرى لنفسه أهلية الحكم ، وبخاصة من زعماء القبائل الذين كانوا ينفسون على هذا البيت مكانته الجديدة التي ارتفع رصيدهابالاِسلام، والنزعة القبيلية ما تزال متحكمة في أعماق الاَكثر، وقد رأيتم فيما سبق أن حادثة بسيطة كادت أن تثير حرباً بين المهاجرين والاَنصار بباعث من هذه النزعة ، ومن هنا انطلق شعار « وسعوها في قريش تتسع » (24) وقد عكست هذاالواقع محاورة للخليفة عمر مع عبدالله بن عباس يذكرها ابن الاَثير في جزئه الثاني ، ويحسن أن نقف على ما يتصل منها بطبيعة موضوعنا.
يقول ابن عباس ـ من حديث فقال يعني عمر: « يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد صلى الله عليه وآله :
فكرهت أن أُجيبه ، فقلت: إن لم أدر فأمير المؤمنين يدريني .
فقال: عمر كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً ، فاختارت قريش لاَنفسها فأصابت ووفقت.
فقلت له : يا أميرالمؤمنين ، إن تأذن لي بالكلام ، وتمط عني الغضب تكلمت؟
قال: تكلم.
قلت: أما قولك يا أميرالمؤمنين: اختارت قريش لاَنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريشاً اختارت لاَنفسها حين اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود.
وأما قولك: إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة، فإن الله عزوجل وصف قوماً بالكراهة فقال ( ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ) (25) . (26)
فهذه المحاورة ـ ولها نظائر ـ تعكس موقف قريش من النص وتخوفها من تطبيقه ، ووقوفها دون ذلك رغم علمهم بأنه مما أنزله الله كما يبدو من حديث ابن عباس.
وهذا الاِصرار من قبل قريش على الوقوف دونه هو الذي فتح منفذ الاجتهاد أمام الخليفتين أبي بكر وعمر وسعد بن عبادة وأضرابهم ، وهم الذين يشكلون (القسم الثاني) في أن يتداركوا الاَمر كل من زاويته ، فسعد جمع الاَنصار لترشيح نفسه ، أو التماس مرشح للخلافة منهم ـ بعد أن أحس بخطر ما تريده قريش ـ وقد خشي من تغلبهم على الاَمر ، وعداؤهم لواتريهم من الاَنصار معروف.
وعمر أصر على اختيار أبي بكر ، لاعتقاده بأنه أفضل العناصر التي لا يمكن أن تجمع الكلمة إلا عليه ما دامت قريش لا تجتمع على علي عليه السلام .
أما القسم الثالث ويتمثل بأمثال سلمان وعمار وأبي ذر والزبير والمقداد وبني هاشم ، فقد ظلوا مصرين على ضرورة تطبيق النص واختيار علي عليه السلام للخلافة إلى اللحظة الاَخيرة ، فالمسلمون إذن ما كانوا ليشكوا في النص على علي عليه السلام أو لا يرونه، إلا أن قريشاً لا تريد أن تجمع النبوة والخلافة في بيت، والاَنصار يخشون من تمرد قريش وغلبتهم، والخليفتين وجملة من الصحابة كانوا يخشون من تفرق الكلمة عن الاِمام وهكذا.
قال أستاذ كبير في الندوة: إن الذي أراه أن الحق في الخلافة إنما هو للاِمام علي عليه السلام والاَئمة عليهم السلام من بعده، وأن الخلافة لو وصلت إلى الاِمام بعد النبيّ بلا فصل لما انتهت بعد ذلك إلى أمثال يزيد بن معاوية والوليد من الاَمويين.
ولانتهى الاِسلام إلى غير ما انتهى إليه اليوم، ولكن ما رأيكم وقد انتهى عصر الاَئمة ، ولم يعد فعلاً مجال لعودتهم للحكم أن نسدل الستار على الماضي ونتناساه ، ونعود إخواناً يجمعنا كتاب الله وسنةنبيه صلى الله عليه وآله دون أن نسمع كلمة تفرقة أوخصام من أجل عقيدة.
قلت: إن هذه الدعوة هادفة وسليمة جداً ، ولكن لمن لم يكن للماضي علاقة بحاضره، أما والشيعة تعتقد بضرورة الرجوع إلى الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام ورثة السنة النبوية فإن حاضرها لم ينقطع عن ماضيها، بل هي مضطرة للتشبث به وعلى الاَخص فيما يتعلق بإمامة أهل البيت عليهم السلام ولكن ما رأيكم أن نضيف إلى ما ذكرتم ضرورة الرجوع إلى السنة الموروثة لدى أهل البيت عليهم السلام والتي ألزم بها النبي صلى الله عليه وآله بحديث الثقلين بالاِضافة إلى ما صح من غير طريقهم ، ويكون ذلك موضعاً لاتفاق الكلمة ووحدتها ، مع ما في ذلك من الحيطة للديّن كما تعلمون.
قال أحدهم: وكيف يمكن الاتفاق مع الشيعة ، وهم يؤمنون بأن لهم قرآناً يختلف عن قرآن أهل السنة .
مندوب الاِيمان: وبماذا أجبتم على هذا الاَستفزاز؟
ج ـ إن جوابي عليه مما لا يتسع له الحديث في جلستنا هذه ولعلنا نتحدث عنه في جلسة قادمة إن شاء الله. (27)
____________
(1) سورة الاَحزاب : الآية 36 .
(2) ذخائر العقبى للطبري : ص 82 ، كتاب فضائل الصحابة لاَحمد بن حنبل : ج 2 ص 647 ح1100 ، بحار الاَنوار : ج 40 ص 149 ح 54 وص 226 ح 6 .
(3) سورة الحجرات : الآية 13 .
(4) بحار الاَنوار : ج 2 ص 148 ح 22 وج 21 ص 138 ح 33 .
(5) بحار الاَنوار : ج 21 ص 137 ح 31 وح 67 ص 278 ، وج 73 ص 348 ح 13 .
(6) صحيح مسلم : ج 3 ص 1478 ح 1850 ، مسند أحمد بن حنبل : ج 2 ص 296 ، فتح الباري لابن حجر : ج 13 ص 34 ، سلسلة الاَحاديث الصحيحة : ج 2 ص 715 ح 983 .
(7) بحار الاَنوار : ج 17 ص 184 .
(8) البيان والتبيين للجاحظ : ج 3 ص 528 ط سنة 1968 م نشر الشركة اللبنانية للكتاب، بيروت .
(9) حراء : جبل من جبال مكة ، على ثلاثة أميال ، كان يأنس به رسول الله صلى الله عليه وآله ويعتزل للعبادة فيه ، وكان يغدو إليه كل يوم يصعده وينظر من قُلله إلى آثار رحمة الله وبدايع حكمته، إن أن نزل عليه جبرئيل عليه السلام وقال : (إقرأْ باسم ربك الذي خلق) ، وجاء في كتاب (الاَنوار) للشيخ البكري في ذكر مقدمات تزويج رسول الله صلى الله عليه وآله بخديجة عليهما السلام : سار إليه العباس في جبل حراء فإذا هو فيه نائماً في مرقد إبراهيم الخليل عليه السلام ملتفاً ببردة وعند رأسه ثعبان عظيم في فمه طاقة ريحان يروحه بها . راجع : سفينة البحار للقمي : ج 1 ص246 ـ 247 ، مراصد الاطلاع : ج 1 ص 388 ، بحار الاَنوار : ج 16 ص 26 .
(10) نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح : ص 299 ـ 300 رقم الخطبة : 192 ، بحار الاَنوار : ج14 ص 475 ح 37 وج 38 ص 320 .
(11) بحار الاَنوار : ج 22 ص 302 وج 38 ص 226 ح 31 .
(12) بحار الاَنوار : ج 38 ص 241 ح 40 .
(13) سورة النجم : الآية 3 .
(14) تاريخ الاَمم والملوك للطبري : ج 2 ص 321 ، بحار الاَنوار : ج 18 ص 178 ح 7 وج 38 ص 224 ح 24 .
(15) مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لابن المغازلي : ص 201 ح 238 ، بحار الاَنوار : ج38 ص147 ح 115 ، وص 154 ح 127 .
(16) تقدمت تخريجاته .
(17) مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام لابن المغازلي : ص 221 ـ 230 ح 267 ـ 276 ، تاريخ الاَمم والملوك للطبري : ج 11 ص 570 ، بحار الاَنوار : ج38 ص149 ح 118 ، وص 325 ح 37 .
(18) سورة المائدة : الآية 67 .
(19) بحار الاَنوار : ج 23 ص 103 ح 11 ، وج 37 ص 115 ح 6 ، وقد تقدم المزيد من تخريجات حديث الغدير المتواتر .
(20) سورة التوبة : الآية 101 .
(21) سورة الاَحزاب : الآية 10 ـ 12 .
(22) صحيح البخاري : ج 8 ص 148 ـ 152 (ب الحوض) .
(23) صحيح البخاري : ج 8 ص 150 ـ 151 (ب الحوض) .
(24)راجع : السقيفة وفدك ، لاَبي بكر البغدادي : ص 68 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6 ص 43 .
(25) سورة محمد : الآية 9 .
(26) راجع : الكامل في التاريخ لابن الاَثير : ج 3 ص 63 ـ 64 ، تاريخ الاَمم والملوك للطبري : ج 4 ص 223 ، مناظرات في الاِمامة للمؤلف : ص 71 ـ 74 المناظرة السادسة .
(27) ثمرات النجف للسيد محمد تقي الحكيم : ج 3 ص 193 ـ 211 ، عن مجلة الاَيمان السنة الثانية ، عدد 3 و 4 ، لعام 1385 هـ 1965 م .
source : http://www.islamshia-w.com