عربي
Thursday 25th of July 2024
0
نفر 0

بين العادات والتقاليد وبين تعقيدات الحياة المعاصرة

ان العادات والتقاليد والاعراف التي كانت سائدة بين الناس قبل ظهور الاسلام، وفي عهود قديمة ، ليس فيها أي تكريم للمرأة، او يعطيها حقها كانسانة، فهي دائما مظلومة مهانة مقهورة، وتارة منبوذة محتقرة.

ومن الحقائق المسلمة التي لاتقبل الجدل، ان الاسلام منح المرأة كامل حقوقها كانسانة، وقرر لها الاهلية التامة، واعطاها صلاحيات غير محدودة او مقيدة في جميع تصرفاتها الشخصية المدنية والاقتصادية.

ولا غرو ان هذه الدرجة التي رفع الله النساء اليها لم يرفضن اليها دين سابق، ولا شريعة من الشرائع ، بل لم تصل اليها أمة من الامم قبل الاسلام ولابعده. وهذه الامم الغربية التي تدعي انها بالغت في احترام النساء وتكريمهن، وعنيت بتربيتهن وتعليمهن العلوم والفنون المختلفة ، لاتزال دون هذه الدرجة التي رفع الاسلام النساء اليها، ولاتزال قوانين بعضها تمنع المرأة من حق التصرف في مالها بدون اذن رزوجها، وغير ذلك من الحقوق التي منحتها اياها الشريعة الاسلامية قبل اكثر من 14 قرنا.

اذن كانت للناس عادات وتقاليد سلبت المرأة حقها وحريتها، وأهانت كرامتها، وجعلتها من الارقاء وجملة المتاع، بينما كرم الاسلام المرأة واعطاها كامل حقوقها خاصة فيما يتعلق بالزواج.

 

المهر في الاسلام.. تكريم للمرأة ورفع لشأنها

 

الزواج عقد اختياري بين الرجل والمرأة ، يهدف بالدرجة الاولى الى تكوين اسرة يسودها الوئام ويتعاون افرادها على الوصول الى السعادة المبتغاة، مساهمين في بناء مجتمع سعيد.

ومن اجل ان يتم ذلك بصورة صحيحة ويحقق الزواج اهدافه القريبة والبعيدة، شرع الاسلام الخطبة التي تسبق عقد الزواج ، حتى تتاح الفرصة للزوجين المنتظرين ان يتعرف احدهما على الاخر فيجد فيه ما يدعوه للاقتران به.

فاذا ما اقدما على الزواج ، اقدما عليه وهما مقتنعان تمام الاقتناع، ووقع كل منهما من صاحبه موقعا يرضاه ويقبله، والا انصرف كل منهما الى شأنه.

على ان هذا الحق ليس خاصا بالرجل فقط، فقد اعطى الاسلام هذا الحق ايضا للمرأة في اختيار الرجل الذي سيكون زوجا لها، وسيشاركها حياتها، فلا يفرض عليها زوج من قبل احد، مهما كان هذا الحد ، ابا او اخا او عما، او أي ولي امر لها.

ومن ابرز الامور التي يتمثل فيها الظلم والاستبداد هو عدم تمكين المرأة في بعض الاحيان من حقها في المهر الذي يدفعه الزوج نحلة لها وصداقا.

وفي العهود القديمة كان هذا الحق خالصا لابيها او لاخيها او لنحوهما ممن يحق له التسلط عليها حسب العرف او العادة التي كانت سائدة.

وكانت تقدم المهور على قدر احوال الناس وامكاناتهم، وليس هناك نظام او شيء مصطلح عليه يحددون به القدر الذي يبذله الزوج للزوجة حين يريد الزواج بها، فقد يكون المهر شيئا ثمينا  غالبا وذاقيمة كبيرة وليس في مقدور كثير من الناس ان يقدموه، وقد يكون المهر شيئا اخر غير المال، ولكن هذا الشيء يساوي قدرا وقيمة، مثل ان يقوم الرجل بخدمة مالاهل بيت البنت ، فيكافأ هذا الرجل مقابل هذه الخدمة بان يزوجوه ابنتهم، والقرآن الكريم يخبرنا عن قصة موسى (ع) وما حصل له مع شعيب من بلاد مدين، حيث قدم موسى (ع) لابنتي شعيب خدمة جليلة تدل على مرؤة وحسن خلق وتستحق التقدير وقد كان اذ زوجه احدى ابنتيه مقابل ما اسدي من عمل، والقصة جلية في سورة القصص، الايات منن 23 الى 28.

وقد يكون المهر عملا اخر يقدمه الزوج للزوجة المنتظرة، وهذا العمل يتمثل في تعليمها لغة من اللغات، او تحفيظها شيئا من القرآن الكريم، وكتب السيرة النبوية فيها الكثير من هذا القبيل، والمهر في الشريعة الاسلامية واجب، تكريما للمرأة ورفعا لشأنها، والاسلام لايجيز نكاحا ليس فيه مهر مسمى والمدار في مقداره هو مايتفق عليه الزوجان.

وخير الصداق ايسره واسهله، وهو قبل هذا واجب امر به الشارع الحكيم في مقابل التزوج بالمرأة ، وكل نكاح لاصداق فيه يعتبر باطلا فاسدا ولكن يجب ان يكون في حدود المعقول والمقدور عليه.

اما مايجري اليوم في كثير من المجتمعات فان اكثره ينطوي على اسراف وتبذير وتكليف بما لايطاق، مما يترتب على ذلك من الاضرار والمساوىء التي قد تصيب المجتمع باكمله، ويجب ان يكون هناك اعتدال في المهور ونفقات الزواج ايضا حتى يبارك الله في هذا الزواج .

والاسلام اذا اوجب المهر فانه من جانب اخر يحرم البذخ والاسراف والتبذير والتفاخر في كل شيء، وخاصة الزواج وما يتعلق به:

«ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا» الاسراء 27.

ولايقبل احد ويرضى لنفسه ان يكون اخا للشيطان، وهو من جهة اخرى لايحرم على القادر ان يجهز المرأة بالثياب والزينة وما الى ذلك ، ولكن دائما في حدود المعقول وبدون تبذير واسراف وتفاخر.

 

دعوة نبوية لتيسير الصداق

 

والذي لاشك فيه، ان التشديد على الزواج بالغلو في المهر، شاع بين الناس وليس من مصلحة الفتيات ولامن هناءهن في حياتهن الزوجية.

فالزوج الذي يستدين بسبب زواجه، كثيرا ما يصاب بانقباض النفس وضيق الصدر، ويعود بعد الزواج الى التبرم والضيق، ويؤدي ذلك الى مشاكل تكون بداية لما لاتحمد عقباه.

ولهذا كله كان من الوصايا التي تلحق بالتعرف، والاختبار والرضا والكفاءة ، يسر المهور وعدم المغالاة فيها، ومادام المهر هبة، وهدية ومنحة، يهدف الى غايات انسانية نبيلة، فلا داعي لتعقيد امر الزواج بسببه.

جاءت الرسول (ص) يوما، امرأة فقالت: اني وهبت نفسي لك ، فقال رجل: يا رسول الله زوجنيها ، ان لم يكن لك بها حاجة، فقال (ص) : هل عندك من شيء تصدقها به؟ فقال: ماعندي الا ازاري هذا؟ فقال رسول الله (ص): ازارك ان اعطيتها، جلست ولا ازار لك ، فالتمس شيئا ، فقال: ما اجد، قال (ص): التمس ولو خاتما من حديد؟ قال: فالتمس فلم يجد شيئا.

فقال رسول الله (ص): هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، لسور سماها، فقال الرسول (ص) : زوجتكها بما معك من القرآن.

واذا كان حفظ سور من القرآن الكريم يصلح لان يكون مهرا للمرأة ، فأن ذلك يعود الى ان الرجل سوف يبذل ما في وسعه لتحفيظ زوجته هذه السور من القرآن.

واذا كان - كما عرفنا - حفظ بعض سور من القرآن مهرا للمرأة المسلمة فأن الاسلام نفسه كان مهرا للمرأة المسلمة ايضا حين كان الدخول فيه اساس الرضا بالزواج.

فقد خطب ابو طلحة ام سليم، فقالت: والله ما مثلك يا ابا طلحة يرد ، ولكنك رجل كافر، وانا امرأة مسلمة، ولا يحل لي ان اتزوجك، فأن تسلم فذاك مهري، وما اسألك غيره.

هكذا يدعو الاسلام الى تيسير المهور، وان غلاء المهور والمغالاة داء في جسد مجتمعاتنا الاسلامية، واصبح ظاهرة خطيرة تهدد المجتمعات بعواقب وخيمة.

ونستطيع ان نقول بكل ثقة: اننا في اشد الحاجة الى ان نعود الى تعاليم الرسول واهل البيت (ع) التي ارشدوا بها الافراد والمجتمعات في بناء بيت الزوجية، لتكون قوة تعمل في الارض بوعي وفهم.

 

ظاهرة سيئة تهدد بالتفكك الاجتماعي

 

اذا كان الاسلام قد اوجب على الرجل دفع مهر لمن يريد ان يتزوجها ، فقد ورد عن الرسول (ص) ما يشير الى تيسيره، مثل قوله «اعظم النساء بركة ايسرهن مؤونة».

اما المغالاة في المهور واشتراط اولياء الامور، المبالغ الكبيرة على الراغبين في الزواج، فان ذلك قد يترتب عليه احجام الشباب عن الاقدام على الزواج نظرا لعدم استطاعتهم تلبية تلك النفقات الباهظة كما ان هذه المغالاة والتباهي بها ظاهرة تخالف روح القرآن الكريم الذي جاء فيه قول الله تعالى: ان يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله» النور 32.

وها نحن اليوم نشاهد في مجتمعاتنا، ظاهرة المغالاة في المهور، وقد اصبحت واقعا معاشا يكتوي بنارها، شبابنا ذكورا او اناثا بالرغم مما تحمل في طياتها من اخطار جسيمة تعرض كيان المجتمع للهزات الاخلاقية وتهدده بالتفكك الاسري والتخلخل الاجتماعي، مع انه ليس لاولياء الامور نصيب من المهور، اذ هو حق للمرأة يتعين دفعه لها، والى هذا جاء في القرآن قوله تعالى : «آتوا النساء صدقاتهن نحلة» النساء 4.

وهذه الأية الكريمة قد ابطلت ماكان سائدا قبل الاسلام من حرمان ملكية الزوجات لمهورهن، اذ كان وليها اذا قبض مهرها لايعطيه لها واذا اعطاه لها، تصرف فيه زوجها بدون اذنها، فقضى الاسلام على هذه العادة الجاهلية، ولكن وللاسف الشديد نجد في هذا العصر، الكثير ممن يعتبرون المهر، غنيمة وفرصة سانحة لامتلاك صفقة من المال حتى وان كانت على حساب قيمنا الاسلامية وعاداتنا وتقاليدنا التي لاتشترط المال بقدر ما تشترط الاخلاق الفاضلة والتعامل بالمزايا الاخلاقية النزيهة وتحترم الانسان لانسانيته وسموه وليس لماله وثروته.

 

الاثار السلبية المتمخضة عن هذه الظاهرة

 

وتترتب على المغالاة في المهور، اثار سلبية، منها:

- العنوسة ، فنتيجة لاصرار الكثير من الأباء على طلب مبالغ كبيرة لبناتهم وفرض شروطهم فيمن يقبلون بهم، يضطر الكثير من الشباب للعزوف عن الزواج سنوات عديدة، كما يلجأ بعضهم الى الزواج من اجنبيات وينعكس هذا بشكل اكبرعلى الكثير من الفتيات اللاتي يفقدن شبابهن ونظارتهن انتظارا للزواج، وكثيرا ما يلجأن بعد ذلك الى القبول بأي زوج ، وقد يكون متزوجا او كبيرا في السن.

- ونتيجة لعدم قدرة الكثير من الشباب على دفع مبالغ المهور الكبيرة فانهم يلجأون الى الهجرة من اجل جمع المال المطلوب، حيث يقضي احدهم سنوات عديدة في غربته بعيدا عن اهله ووطنه، املافي العودة لاتمام عملية زواجه، وقد يعود فيجد ان من سبق له خطبتها قد زوجت من شخص اخر دفع فيها مبلغا اكبر فيبدأرحلة غربة جديدة لجمع مهر آخر ، وفي كل الاحوال المهر المطلوب على حساب حاجات ومتطلبات اخرى اساسية كتأمين السكن والمستقبل.

- كما ان غلاء المهور، وقف حائلا دون زواج كثير من الفتيان والفتيات ولضعف الوازع الديني لدى البعض منهم ولشدة القوى الغريزية لديهم فانهم يتعرضون للانحراف وخاصة مع وجود وسائل تقودهم الى ذلك ، مثل مشاهدة الافلام الخليعة واقتناء المجلات والصور الماجنة وتبادلها، ما يؤدي الى الوقوع في مستنقع الفاحشة، وذلك من شأنه ان يعمق المأساة في زيادة العزوف عن الزواج ويزيل معاني الثقة والاحترام بين الجنسين.

فلكي يحافظ المجتمع على توازنه ويضمن بقاء القيم الايجابية النافعة ، حية فيه، فانه يتعين عليه تهيئة الظروف التي تكفل توفير الحاجات الضرورية لافراد المجتمع وفي مقدمة تلك الحاجات، تيسير طرق الزواج وذلك بكسر حدة المغالاة في المهور لان في ذلك وقاية للمجتمع من التصدع الاخلاقي وتفشي مظاهر الجريمة.

ان من شأن التكافل الاجتماعي والتعاون بين الناس ان يساهم في تغلب المجتمع على ظاهرة المغالاة في المهور، وكذلك تجنب التقليد العشوائي لبعض العادات الواردة الينا من الغرب كاستئجار الصالات الباذخة والانفاق على الملابس غير اللائقة بتعاليم ديننا الاسلامي الحنيف التي تثقل كاهل الزواج.

ومن المهم توعية الناس باخطار هذه الظاهرة وكذلك توضيح دور الدين الاسلامي وموقفه منها.

ولاينبغي تغليب بعض العادات والتقاليد السيئة على الدين.


source : http://e-resaneh.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أصول الدين عند الشيعة
الأشياء وأضدادها
ما لا يجب أن تفعليه عندما يخونك زوجك
الجنس والاطفال
أزواج وزوجات في مصيدة الملل
الأطفال والقصص الخرافية
اللين والعفو في القران الكريم
ما هي الحاجات العاطفية للرجل والمرأة؟
من هم المخلدون في النار؟
حبس رئيس المجلس الإسلاميّ العلمائيّ 6 أشهر في ...

 
user comment