من سمات العدالة العلويّة
وخصائصها الشريفة التي لمسها الناس وعايشوها:
1. التنزّه عن الأهواء الشخصيّة: وأنّى للإمام الذي يعيّنه الله تعالى خليفةً لرسوله، ووصيّاً ووليّاً وحجّةً له على عباده، أن تكون له أهواء، أو نزعاتٌ تُخِلّ بالعصمة حتّى تجعله كباقي الناس! إذن ما الفرق بين الحُجّة والمحجوج ؟!
وقد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام وصفُه للمتّقي يومَ خطب فقال: « قد ألزَمَ نفسَه العدل، فكان أوّلَ عدلهِ نَفْيُ الهوى عن نفسِه » ( الخطبة 87 ـ من نهج البلاغة ).
هذا من صفات المتّقي المؤمن، فكيف بسيّد الأتقياء والمؤمنين! وكيف بوصيّ رسول ربّ العالمين! فإنّ من بديهيّات خصاله أنّه لم يُفقده الرضى التزامَه بالحقّ، ولم يُدخله الغضبُ في باطلٍ قطّ، ولم تأخذه في الله لومةُ لائم.. وهو في الوقت ذاته عاملٌ بما أمر الله، وحريصٌ على أمان عباد الله، وساعٍ في الناس بالخير والرحمة والإحسان.. هكذا عُرِف الإمام وهكذا عُرِّف، كما في بيانٍ للإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قال فيه: « الإمام، الأنيسُ الرفيق، والوالدُ الشفيق، والأخُ الشقيق، والأُمُّ البَرّةُ بالولدِ الصغير، ومَفزَعُ العباد في الداهية النَّآد » ( الكافي للشيخ الكليني 155:1 / ح 1 ـ باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته ).
فحاشا الإمامَ سلام الله عليه أن يكون له هوىً يحابي به على غير حقّ، أو يدفعه غضبٌ فينتقم بغير حقّ، حاشاه.. وألف حاشاه، وهو الذي رضاه من رضى الله تبارك وتعالى، وغضبه من غضبه جلّ وعلا، وما فيه إلاّ الحقّ، بل هو الحقّ، جسّده اللهُ عزّوجلّ فيه ليكونَ واقعاً حيّاً بين الناس، يفهمونه بعد أن يَعْلموه، ويُدركونه ثمّ يُطيعوه.
وقد شاء الله تعالى أن يكون الحقّ في إمام، فاشتهر على لسان المصطفى حبيب الله صلّى الله عليه وآله قوله الشريف:
ـ « عليٌّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ، لن يفترقا حتّى يَرِدا علَيّ الحوض » ( تحفة المحبّين للبدخشاني:202 ـ عن عائشة ).
ـ « رَحِمَ اللهُ عليّاً، اَللّهمَّ أدِرِ الحقَّ معه حيثما دار » ( المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري الشافعي 124:3، سنن الترمذي 297:5 / ح 3798، فرائد السمطين للجويني الشافعي 176:1 ).
ـ « الحقُّ مع عليّ بن أبي طالب حيث دار » ( فرائد السمطين 177:1 / ح 139 ).
ـ « يا عليّ، إنّ الحقَّ معك، والحقّ على لسانك وفي قلبك، وبين عينَيك » ( نُزل الأبرار للبدخشي:24 ).
ـ « الحقُّ لن يزول مع عليٍّ وعليٌّ مع الحق، لن يختلفا ولن يفترقا » ( تحفة المحبّين:202 ـ بإسناده عن عائشة ).
وفي لغة العرب عُرِّفت « لن » أنّها حرفُ نفي للمستقبل، ورسول الله صلّى الله عليه وآله سيّد العرب، كما أنّ كلامه ـ وقد أُوتيَ جوامعَ الكَلِم ـ سيّدُ كلام العرب. فحَكمَ صلّى الله عليه وآله ـ وحكمه حقّ ـ أنّ عليّاً صلوات الله عليه في كلّ شيء حقّ، وفي كلّ وقتٍ وموقفٍ حقّ، فاستُفيد من كلامه أنّ عليّاً سلام الله عليه معصوم ولن يصدر منه إلاّ الحقّ، وأنّ مخالفيه ومناوئيه ومحاربيه هم على الباطل والضَّلال لأنّهم خالفوا الحقّ. كذلك يُستفاد أنّ قضاءَه وأجوبته كانت جميعها حقّاً لا شكَّ فيه ولا ريب ولا تردّد أبداً.
• ومن هنا أقرّت العقول والأقلام، فأوردت البياناتِ والحقائقَ التي لا يمكن إنكارها، فكتب:
ـ الخوارزمي الحنفي: عن أبي سعيد الخدريّ: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إنّ أقضى أُمّتي عليُّ بن أبي طالب » ( المناقب:39 ـ الفصل السابع ).
ـ وابن حجر بإسناده: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « أقضاكُم عليّ » ( الصواعق المحرقة:73 ).
ـ والشبلنجي الشافعي: قال ابن مسعود: أَفرَضُ أهل المدينة وأقضاها عليّ. ( نور الأبصار:94 ).
ـ وابن عبدالبَرّ: قال عبدالرحمان بن أبي ليلى: قال عمر: عليٌّ أقضانا. ( الاستيعاب:1102 / الرقم 1855 ـ القسم الثالث. ورواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 32:3 / خ 1061 ـ عن أبي هريرة ).
ـ وابن عساكر: بإسناده عن عبدالله بن عبّاس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « عليٌّ أقضى أُمّتي بكتاب الله، فَمَن أحبّني فَلْيُحبَّه؛ فإنّ العبد لا ينال ولايتي إلاّ بحبّ عليّ » ( تاريخ مدينة دمشق ـ ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب 97:2. أمّا في ج 3 ص 120 / خ 1163 فقد روى ابن عساكر عن أبي ليلى الغِفاريّ أنّه قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: « ستكون مِن بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزَمُوا عليَّ بن أبي طالب؛ فإنّه أوّلُ مَن يراني وأوّل مَن يصافحني يومَ القيامة، وهو معي في السماء الأعلى، وهو الفاروقُ بينَ الحقّ والباطل » ).
وفي قضائه سلام الله عليه كان أحرصَ الناس على أن يعامل ذَويه على منهج الحقّ والعدالة والإنصاف كما لو كانوا مِن عامّة الناس، دون تفضيلٍ أو تمييزٍ لهم عن غيرهم.. روى مسلم صاحب الحنّاء يقول:
لمّا فرغ عليٌّ من أهل الجَمَل أتى الكوفة فدخل بيت المال، ثمّ قال: « يا مالُ غُرَّ غيري ». ثمّ قسّمه بيننا، ثمّ جاءت ابنةٌ للحسن أو الحسين فتناولت منه شيئاً، فسعى وراءها ففَكَّ يدها ونزعه منها، فقلنا: يا أمير المؤمنين، إنّ لها فيه حقّاً، فقال عليه السلام: « إذا أخذ أبوها حقَّه فَلْيُعطِها ما شاء » ( أنساب الأشراف للبلاذري 132:2 ).
• وروى هارون بن سعيد قال: قال عبدالله بن الشهيد جعفر الطيار ابن أبي طالب لعمّه عليٍّ عليه السلام: يا أمير المؤمنين، لو أمرتَ لي بمعونةٍ أو نفقة، فَوَ اللهِ ما لي نفقةٌ إلاّ أن أبيعَ دابّتي، فقال عليه السلام له: لا والله، ما أجِدُ لك شيئاً إلاّ أن تأمر عمَّك أن يسرقَ فيُعطيَك.. » ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 200:2 ).
• وجاء أخوه عقيل بن أبي طالبٍ يوماً ـ وكان ضريراً ـ يطلب صاعاً من القمح من بيت المال، يصف ذلك الموقف أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: « واللهِ لقد رأيتُ عقيلاً أخي وقد أملق حتّى استماحني من بُرّكم صاعة، وعاوَدَني في عشر أوسُقٍ مِن شعيركم يُطعمه جياعَه، ويكاد يلوي ثالثَ أيّامه خامصاً ما استطاعه.. »، تذكر بعض المصادر أنّه عليه السلام أحمى له حديدةً على النار ثمّ أدناها من عقيل، ففزع، ثمّ وعظه: « يا عقيل، أتَئِنُّ من حديدةٍِ أحماها إنسانُها لمدعبه، وتَجرُّني إلى نارٍ سَجَّرَها جبّارها لغضبه ؟! أتَئنّ مِن الأذى ولا أَئنّ مِن لظى ؟! » ( بحار الأنوار 347:40 / ح 29 ـ عن: أمالي الصدوق:471 / ح 7 ـ المجلس 90 ).
أمّا مع أعدائه، فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام التزم العدالة أيضاً؛ إذ لم يكن له هوىً أو غضبٌ لغير الله جلّ وعلا، كما لم تكن له نزعةُ انتقامٍ إلاّ بما أمر الله تبارك وتعالى، فهو على فراش الشهادة يُوصي ولدَه الحسن المجتبى عليه السلام: « يا حَسَن، أبصروا ضاربي، أطعِمُوه من طعامي، واسقُوه من شرابي، فإن أنا عشتُ فأنا أولى بحقّي، وإن متُّ فاضربوه ضربةً، ولا تُمثّلوا به؛ فإنّي سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: إيّاكُم والمُثْلةَ ولو بالكلب العَقُور » ( الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة لابن الصبّاغ المالكي:118. وفي نهج البلاغة: الكتاب 47 ـ في وصيته عليه السلام لمّا ضربه ابن ملجم لعنه الله، قال فيها: « يا بَني عبدالمطّلب، لا ألفِيَنّكُم تَخوضون دماءَ المسلمينَ خَوضاً، تقولون: قُتِل أمير المؤمنين! ألا لا تَقتُلُنّ إلاّ قاتلي. انظروا إذا أنا مِتُّ مِن ضربته هذه فاضربوه ضربةً بضربة، ولا تُمثّلوا بالرجل؛ فإنّي سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: إيّاكم والمُثْلةَ ولو بالكلب العَقُور » ).
source : http://www.imamreza.net