العالم الجليل الأوّاه السيد عبدالله سبط المحدِّث الجزائري في شرح النخبة قال: وجدت في عدة مواضع أوثقها، بخط بعض المشايخ الذين عاصرناهم مرسلاً أنه لما رجع مولانا الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن أبي طالب (ع) استقبله أحد الحجاج (الشبلي)، فقال له الإمام (ع): حججت يا شبلي؟ قال: نعم يا ابن رسول الله، فقال (ع): أنزلت الميقات وتجردت عن مخيط الثياب واغتسلت؟؟ .. قال: نعم. قال: فحين نزلت الميقات نويت أنك خلعت ثياب المعصية، وليست ثوب الطاعة؟ قال: لا، قال: فحين تجردت عن مخيط ثيابك نويت أنك تجردت عن الرياء والنفاق والدخول في الشبهات؟ قال: لا .. قال: فحين اغتسلت نويت أنك اغتسلت من الخطايا والذنوب؟ قال: لا .. قال: فما نزلت الميقات، ولا تجردت عن مخيط الثياب، ولا اغتسلت.
ثم قال (ع): حين تنظفت، وأحرمت، وعقدت الحج نويت أنك تنظف بنور التوبة الخالصة لله تعالى؟ قال: لا.
قال: فحين أحرمت نويت أنك حرمت على نفسك كل محرم حرمه الله عزوجل؟ قال: لا.
قال: فحين عقدت الحج نويت أنك قد حللت كل عقد لغير الله؟ قال: لا.
قال له (ع): ما تنظفت، ولا أحرمت، ولا عقدت الحج.
ثم قال (ع): له أدخلت الميقات وصليت ركعتي الإحرام ولبيت؟؟ قال: نعم، قال: فحين دخلت الميقات نويت أنك بنية الزيارة؟ قال: لا.
قال: فحين صليت الركعتين نويت أنك تقربت إلى الله بخير الأعمال من الصلاة، وأكبر حسنات العباد؟.
قال: لا.
قال له (ع): ما دخلت الميقات ولا لبيت، ثم قال له: أدخلت الحرم، ورأيت الكعبة وصليت؟.
قال: نعم.
قال: فحين دخلت الحرم نويت أنك حرمت على نفسك كل غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملة الإسلام؟ قال: لا.
قال: فحين وصلت مكة نويت بقلبك أنك قصدت الله؟ قال: لا، قال (ع): فما دخلت الحرم، ولا رأيت الكعبة، ولا صليت ..
ثم قال (ع): طفت باليت، ومسست الأركان وسعيت؟ قال: نعم.
قال (ع): فحين سعيت نويت أنك هربت إلى الله، وعرف ذلك منك علام الغيوب؟ قال: لا.
قال: فما طفت بالبيت، ولا مسست الأركان، ولا سعيت.
ثم قال (ع) له: صافحت الحجر، ووقفت بمقام إبراهيم (ع)، وصليت به ركعتين؟ قال: نعم، فصاح (ع) صيحة كاد يفارق الدنيا بها ثم قال (ع): آه. آه. وقال: مَن صافح الحجر الأسود فقد صافح الله تعالى، فانظر يا مسكين ولا تضيع أجر ما عظم حرمته، وتنقض المصافحة بالمخالفة وقبض الحرام، نظير أهل الآثام. ثم قال (ع): نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم أنك وقفت على كل طاعة. وتخلفت عن كل معصية؟ قال: لا.
قال (ع): فحين صليت ركعتين نويت أنك بصلاة إبراهيم (ع)، وأرغمت بصوتك أنف الشيطان؟ قال: لا.
قال: فما صافحت الحجر الأسود، ولا وقفت عند المقام، ولا صليت فيه الركعتين.
ثم قال له: أأشرفت على بئر زمزم وشربت من مائها؟ قال: نعم. قال: نويت أنك أشرفت على الطاعة، وغضضت طرفك عن المعصية؟ قال: لا.
قال: فما أشرفت عليها، ولا شربت من مائها.
قال: أسعيت بين الصفا والمروة، ومشيت وترددت بينهما؟ قال: نعم.
قال: نويت أنك بين الرجاء والخوف؟ قال: لا، قال: فما سعيت، ولا مشيت، ولا ترددت بين الصفا والمروة.
ثم قال: خرجت إلى منى؟ قال: نعم.
قال: نويت أنك أمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك؟ قال: لا.
قال: فما خرجت إلى منى.
ثم قال له: أوقفت الوقفة بعرفة؟ .. وطلعت جبل الرحمة وعرفت وادي نمرة، ودعوت الله سبحانه عند الميل والحجرات؟ ... قال: نعم. قال: هل عرفت بموقفك بعرفة معرفة الله سبحانه، أمر المعارف والعلوم، وعرفت قبض الله على صحيفتك، واطلاعه على سريرتك وقلبك؟ ... قال: لا، قال (ع): نويت بطلوعك جبل الرحمة أن الله يرحم كل مؤمن ومؤمنة، ويتولى كل مسلم ومسلمة؟ قال: لا.
قال: فنويت عند النمرة أنك لا تأمر حتى تأتمر، ولا تزجر حتى تنزجر، قال: لا.
قال: عندما وقفت عند العلم نويت أنها شاهدة لك على الطاعات، حافظة لك مع الحفظة بأمر رب السماوات؟ قال: لا.
قال: فما وقفت بعرفة، ولا طلعت جبل الرحمة، ولا عرفت نمرة، ولا دعوت، ولا وقفت عند النمرات.
ثم قال: مررت بين العلمين، وصليت قبل مرورك ركعتين، ومشيت بمزدلفة، ولقطت فيها الحصى، ومررت بالمشعر الحرام؟ قال: نعم، قال: فحين صليت ركعتين نويت أنها صلاة شكر في ليلة عشر تنفي كل عسر، وتيسر كل يسر؟ قال: لا.
قال: فعندما مشيت بين العلمين، ولم تعدل عنهما يميناً وشمالاً، نويت أن لا تعدل عن دين الحق يميناً وشمالاً، لا بقلبك، ولا بلسانك، ولا بجوارحك؟ قال: لا.
قال: عندما مشيت بمزدلفة، ولقطت منها الحصى نويت أنك رفعت عنك كل معصية وجهل، وثبت كل علم وعمل؟ قال: لا.
قال: فعندما مررت بالمشعر الحرام نويت أنك أشعرت قلبك إشعار أهل التقوى والخوف لله عزوجل؟ قال: لا.
قال: فما مررت بالعلمين، ولا صليت ركعتين، ولا مشيت ولا رفعت منها الحصى، ولا مررت بالمشعر الحرام.
ثم قال: وصلت منى ورميت الجمرة، وحلقت رأسك، وذبحت هديك، وصليت في مسجد الخيف، ورجعت إلى مكة، وطفت طواف الإفاضة؟ قال: نعم.
قال: فنويت عندما وصلت منى، ورميت الجمار أنك بلغت إلى مطلبك، وقد قضى ربك لك كل حاجتك؟
قال: لا.
قال: فعندما رميت الجمار نويت أنك رميت عدوك إبليس، وعصيته بتمام حجك النفيس؟ قال: لا.
قال: فعندما حلقت رأسك نويت أنك تطهرت من الأدناس، ومن تبعة بني آدم، وخرجت من الذنوب كما ولدتك أمك، قال: لا.
قال: أفعندما صليت في مسجد الخيف نويت أنك لا تخاف إلا الله عزوجل وذنبك، ولا ترجو إلا رحمة الله تعالى؟ قال: لا.
قال: فعندما ذبحت هديك نويت أنك ذبحت حنجرة الطمع بما تمسكت بحقيقة الورع، وأنك اتبعت سنة إبراهيم (ع) بذبح ولده وثمرة فؤاده وريحانة قلبه وحاجة سنته لمن بعده، وقربه إلى الله تعالى لمن خلفه؟ قال: لا.
قال: فعندما رجعت إلى مكة، وطفت طواف الإفاضة نويت أنك أفضت من رحمة الله تعالى، ورجعت إلى طاعته، وتمسكت بوده، وأديت فرائضه، وتقربت إلى الله تعالى؟ قال: لا.
قال له زين العابدين (ع): فما وصلت منى، ولا رميت الجمار، ولا حلقت رأسك، ولا ذبحت، ولا أديت نسكك، ولا صلي في مسجد الخيف، ولاطفت طواف الإفاضة، ولا تقربت، أرجع فإنك لم تحج، فطفق (الشبلي) يبكي على ما فرط في حجه وما زال يتعلم حتى حج من قابل بمعرفة ويقين. ( مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل/ ج10/ ص166/ رقم الحديث 11770)
* * *
وهكذا ينبغي أن نفهم الحج .. وهكذا ينبغي أن نعيشه ونعايشه: وإلا حق القول علينا: ما أ:ثر الضجيج .. وأقل الحجيج!