فيما يلي أهم النتائج التي نستفيدها من هذه الآية المباركة:
التنزيه من الكذب:
وأهم هذه النتائج أنهم صادقون لا يجوز التشكيك في صدقهم. فإذا صحّ عن هؤلاء الخمسة من أهل البيت (عليهم السلام) قول أو رواية فلا يجوز أن نشك في صدق كلامهم أو روايتهم فان تكذيبهم في قول أو رواية تكذيب لآية محكمة من كتاب الله نزلت في تنزيههم من كل رجس وتطهيرهم من كلّ ذنب وريب.
ومن هذا المنطلق الواضح القوي ننطلق في استعراض مكانة أهل البيت (عليهم السلام)ومراتبهم التي رتّبهم الله تعالى فيها وأشخاصهم الّذين اجتباهم الله تعالى في كلّ عصر أئمّة لعباده وهداة الى دينه.
وفيما يأتي نستعرض هذه النقاط بإيجاز:
1 ـ خلافة أمير المؤمنين وإمامته بعد الرسول (صلى الله عليه وآله).
وهو أمر لا يشك فيه من استعرض طرفاً من سيرة أبي الحسن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فقد كان يرى أنّه هو صاحب الحق في إمامة الأُمّة وخلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته، وقد علم الكل برأي الإمام (عليه السلام) في حقّه في الأمر، والإطالة فيه إطالة في الواضحات.
وإنّما لم يسلك (عليه السلام) مسلك المعارضة في حياته مع الخلفاء الّذين تولّوا الامر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) واحدا بعد آخر، ودافع عنهم، ونصح لهم وبذل أقصى ما يمكن من جهد فى نصيحتهم والدفاع عنهم وحفظ شؤونهم... ايماناً منه (عليه السلام) بأن مصلحة الاسلام الكبرى فى وحدة صف المسلمين، ووحدة موقفهم وكلمتهم فوق أى اعتبار آخر. ولا يجوز التفريط فى هذا الامر لاحد من المسلمين.
ولذلك كله زجر أبا سفيان عندما عرض عليه أن يبايعه يوم السقيفة، ويملأ
(20)
الدار خيلاً ورجلاً وردّ العباس عمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما عرض عليه البيعة.
2 ـ استمرار الامامة فى اهل البيت بعد على (عليه السلام).
وهذا المعنى وارد بصراحة فى حديث الثقلين ـ الذى نقله متواتراً وصحّح كثيراً من أسانيده أئمّة الحديث من الفريقين ـ:
«انى تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والارض وعترتى اهل بيتى وانهما لن يفترقا حتى يردا علَيّ الحوض»(1).
وهذا الحديث صريح فى استمرار اهل البيت الّذين جعلهم الله ائمة على خلقه وادلة على صراطه الى يوم القيامة «حتى يردا عليّ الحوض» باستمرار الثقل الاول وهو القرآن الكريم.
يقول ابن حجر الهيثمى:
وفى احاديث الحث على التمسك باهل البيت اشارة الى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسك به الى يوم القيامة كما ان الكتاب العزيز كذلك ولهذا كانوا اماناً لاهل الارض كما يأتى ويشهد لذلك الخبر السابق: فى كل خلف من أُمتي عدول من اهل بيتى(2).
وقد ورد تسلسل أسماء اهل البيت الذين جعلهم الله تعالى أئمة للناس واحداً بعد الاخر وعصمهم الله من كل رجس وذنب وريب فى أحاديث أهل البيت أنفسهم اجمالاً وتفصيلاً وتلميحاً وتصريحاً. وكثير من هذه الروايات وردت بطرق صحيحة.
ويكفينا ونحن نعرف خمسة منهم شملتهم آية التطهير فى عصر نزولها أن نتعرف الى أسماء غيرهم ممن يخلفونهم فى الامامة والعصمة عن طريقهم، ثم
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 - رسالة حديث الثقلين / اصدار دار التقريب في مصر.
2 - الصواعق المحرقة/ 149.
(21)
نعرف من يليهم من بعدهم فى الامامة والعصمة بواسطتهم وهكذا بالتسلسل.
حجية أحاديث أهل البيت (عليهم السلام):
وهذه هى أهم المسائل التى يواجهها الانسان المسلم فى الجانب العقائدى وفى الجانب التشريعى أيضاً ومن استعراض هذه النتيجة نعرف لماذا يقتصر علماء الشيعة الامامية فى معرفة أحكام الله تعالى على مذهب اهل البيت (عليهم السلام)ولا يأخذون بمذهب الجمهور فى الاعتماد على اجتهاد الأئمة.
مذهب اهل البيت (عليهم السلام):
وفيما يلى اذكر طائفة من النقاط التي تدخل في تكوين الإطار العام لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) وإليك هذه النقاط:
أ ـ عصمة أهل البيت وتنزيههم عن الكذب:
وقد نص القرآن بعصمتهم فى آية محكمة من سورة الاحزاب، ونفى عنهم كل رجس وسوء وفحش.
وادنى مراتب العصمة العصمة من الكذب ولا يجوز لمسلم ان يشك فى صدق حديتهم وروايتهم وقد اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم وتطهيرا والكذب من أفحش الرجس الذى برأهم الله تعالى منه .
والى حد ما يتطابق الفريقان السنة والشيعة فى هذه الحقيقة فلم أصادف في ما قرأت من كتب الجرح والتعديل والرجال من كتن أئمة السنّة من لا ينزه ساحة الائمه الاثني عشر (عليهم السلام) من كل رجس وكذب وريب.
(22)
ب ـ اهل البيت يروون حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
وليس شأنهم (عليهم السلام) شأن سائر المجتهدين وائمة المذاهب الاسلامية فى الاعتماد على الرأى والاجتهاد فى دين الله ولا يصح تسميتهم بالمجتهدين واصحاب الرأى والمجتهد قد يصيب وقد يخطئ والحالات التى يخطئ فيها لا تقل عن الحالات التى يصيب فيها حكم الله تعالى.
وأهل البيت (عليهم السلام) لا يدخلون قطعاً فى عداد هؤلاء المجتهدين واصحاب الاراء، ولا مذهب لهم فى الرأى والاجتهاد وانما هم ينقلون حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)ويحملون الينا ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويستندون فى ذلك الى سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)التي انتهى علمها اليهم ويروونها عنه سواء رووها كما يروي عامة المحدثين الحديث مسلسلاً الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم أرسلوها إرسالا، وهم (عليهم السلام)قد بينوا هذا المعنى فى اكثر من موضع.
1 ـ روى ثقة الاسلام الكلينى عن على بن محمد عن سهل بن زياد عن احمد بن محمد عن عمر بن عبد العزيز عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا: سمعنا ابا عبدالله الصادق (عليه السلام) يقول: «حديثى حديث ابى، وحديث ابى حديث جدى، وحديث جدى حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المومنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) قول الله عز وجل»(1).
2 ـ قال فى بصائر الدرجات: حدثنا عبدالله بن عامر عن عبدالله بن محمّد الحجال عن داود بن ابى يزيد الاحول عن ابى عبدالله (الصادق (عليه السلام)) قال: سمعته يقول: إنا لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ولكنها آثار من
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 - اصول الكافى 1/53.
(23)
رسول الله(صلى الله عليه وآله) اصل علم نتوارثها كابراً عن كابر نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم»(1).
3 ـ وروى ثقة الاسلام الكلينى فى الكافى قال سأل رجل ابا عبدالله الصادق(عليه السلام) عن مسألة فأجابه فيها فقال الرجل: ارايت ان كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟ فقال له: مه. ما اجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله لسنا من أرأيت فى شيء(2).
4 ـ وروى الصفار فى بصائر الدرجات عن الفضيل بن يسار عن ابى جعفر الباقر (عليه السلام) انه قال: لو انا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا ولكنّا حدّثنا ببيّنة من ربّنا بيّنها لنبيّه فبيّنها لنا(3).
5 ـ وروى ايضاً عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال بينة من ربنا بيّنها لنبيه (صلى الله عليه وآله)فبيّنها لنا فلولا ذلك كنّا كهؤلاء الناس(4).
ج ـ النص قبل الاجتهاد:
وانطلاقاً مما تقدم فان احاديث اهل البيت (عليهم السلام) واقوالهم ليست من الرأى والاجتهاد فى شىء وانما هى سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآثاره أودعها عند اهل بيته وتوارثوها (عليهم السلام) عنه (صلى الله عليه وآله) ونقلوها الينا فى الاصول والاحكام وسجلها عنهم الثقات من المحدثين.
فاذا آمنا - بموجب آية التطهير - بانهم مطهرون من كل كذب وريب،
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ بصائر الدرجات/ 319.
2 - اصول الكافى 1/58 ط طهران 1375.
3 - بصائر الدرجات/ 299.
4 - بصائر الدرجات/ 301.
(24)
وصادقون فيما يقولون ويروون فلا يجوز العدول عن احاديثهم الى الاجتهاد والرأى وان كان اجتهادا ورأياً فى حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) فان من غير الجائز ممارسة الاجتهاد والاخذ بالرأى مع وجود النص الصريح.
ويترتب على ذلك انه لا يمكن اعتبار اتجاه اهل البيت (عليهم السلام) فى الاصول والاحكام الاسلامية مذهباً فى عداد المذاهب الاسلامية الاخرى فى الاصول والفروع فإنّ المعنى الاصطلاحى للمذهب: الاتجاه القائم على الراى والاجتهاد الخاص فى فهم الاسلام اصولا واحكاما، واذا كان اهل البيت ينفون عن انفسهم واتجاهم أى رأى أو اجتهاد شخصى، وإنّما ينقلون الينا بأمانة وصدق سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحديثه فاتجاهم لا يعتبر مذهباً فى الاسلام، بالمعنى المصطلح المعروف من المذهب.
كيف استقى اهل البيت (عليهم السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟
وهو سؤال لا شك يختلج فى نفس الانسان وهو يواجه هذا التراث الضخم الذى ورثه اهل البيت (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الاصول والاحكام وفى الكليات والجزئيات والتفريعات الدقيقة للاحكام وفى التفسير والاخلاق والتاريخ.
والجواب: اننا بعد ما عرفنا فى آية محكمة فى كتاب الله انهم صادقون لا يقولون كذبا ولا يدعون باطلا فإنّنا غير مسؤولين بعد ذلك أن نعرف كيف تلقوا العلم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي أي فرصة طويلة كان عليّ (عليه السلام) يخلو إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليأخذ منه العلم ليتسلسل هذا العلم بعد ذلك فى أبنائه اماماً بعد امام.
فاذا ذكروا بأنهم قد ورثوا علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسُنّته في الاصول والفروع وان لديهم من علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحديثه وسنته ما ليس عند غيرهم فهم
(25)
مصدقون فى كلامهم ودعواهم ونعلم أنهم لا يدعون جزافاً وباطلاً فنأخذ عنهم العلم والحديث والفقه فى الحلال والحرام وفى الاصول والاحكام وفى حدود الله تعالى وشريعته ونتعبّد بأحاديثهم ورواياتهم على أنها أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)ورواياته صحّت عنه بطريق صادق سليم لا يرقى اليه الشك.
الإيضاح والتفصيل:
واليك ايضاح وتفصيل هذه الحقيقة ضمن مجموعة من النقاط:
أ ـ يقول الامام على (عليه السلام): وقد كنت أدخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة فيخلينى فيها أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيرى فربما كان فى بيتى يأتينى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنت اذا دخلت عليه بعض منازله أخلانى وأقام عنى نساءه فلا يبقى عنده غيرى واذا أتانى للخلوة معى فى منزلى لم تقم عنى فاطمة ولا أحد من بنىّ وكنت اذا سألته أجابنى واذا سكت عنه وفنيت مسائلى ابتدأنى فما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) آية من القرآن الا أقرأنيها وأملاها علىّ، فكتبتها بخطّى ودعا الله ان يعطينى فهما وحفظا فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه على وكتبته منذ دعا لى بما دعا وما ترك شيئا علمه الله من حلال وحرام ولا امر ولا نهي كان او يكون ولا كتاب منزل على احد قبله من طاعة او معصية الا علمنيه وحفظته فلم أنس حرفاً واحداً ثم وضع يده على صدرى، ودعا الله لى ان يملأ قلبى علماً وفهماً وحكماً ونوراً وفقلت يا نبيّ الله بأبى انت وامّى منذ دعوت الله لم أنس شيئاً ولم يفتني شيء لم أكتبه أفتتخوّف علَيّ النسيان فيما بعد؟ فقال: لا لست أتخوف عليك
(26)
باب ألف باب(2). وروى عن على (عليه السلام) انّه قيل له: ما لك أكثر أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) حديثاً؟ قال: انى كنت اذا سألته أنبأنى وأذا سكت ابتدأنى(3).
وعن على (عليه السلام): «كانت لى منزلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تكن لاحد من الخلائق، فكنت آتيه كل سحر فأقول: السلام عليك يا نبى الله فان تنحنح انصرفت الى اهلى والا دخلت عليه»(4).
وعنه (عليه السلام): «كان لى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) مدخلان مدخل بالليل ومدخل بالنهار فكنت اذا دخلت بالليل تنحنح لى»(5).
وعن انس بن مالك قال: ما رأيت أحدا بمنزلة على بن ابى طالب (عليه السلام) ان كان يبعث اليه فى جوف الليل فيستخلى به حتى يصبح هكذا عنده الى أن فارق الدنيا(6).
ب ـ الكتاب الذى املاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عليّ (عليه السلام) فى الاحكام واسم هذا الكتاب «الجامعة» وقد أملاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فى مجالسه الخاصة على عليّ (عليه السلام) وخطه عليّ (عليه السلام) بيمناه وهو كتاب يشمل كل ما يتعلق بالحلال والحرام وحدود الله تعالى بل فى بعض الروايات على القرآن والانجيل والزبور وقد ورد انه كان بمقدار سبعين ذراعاً وكان الأئمّة من أهل البيت يحفظونه ويكنزونه جيلاً بعد جيل كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم أو أشد حفطاً وكانوا يرجعون اليه كلما
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 - اصول الكافى 1/62، ط مكتبة الصدوق بطهران.
2 - بحار الانوار 40/144.
3 - تاريخ الخلفاء للسيوطى /170.
4 - سنن النسائي 1/178.
5 - سنن ابن ماجة/ ح 3708.
6 - المناقب لابن شهرآشوب 2/257.
(27)
احوجهم الأمر اليه.
1 ـ روى فى بصائر الدرجات عن على بن الحسن بن الحسين السحانى عن محول بن ابراهيم عن ابى مريم قال: قال لى ابو جعفر (الباقر): «عندنا الجامعة وهى سبعون ذارعاً فيها كل شيء حتّى ارش الخدش، املاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط عليّ (عليه السلام)»(1).
2 ـ وفى بصائر الدرجات: عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن الحسين عن ابى مخلد عن عبدالملك قال: دعا أبو جعفر «الباقر» بكتاب عليّ فجاء به جعفر الصادق مثل فخذ الرجل مطوياً فاذا فيه «ان النساء ليس لهن من عقار الرجل اذا هو توفى عنها شيء» فقال أبو جعفر: هذا والله املاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)وخطّه علّى بيده(2).
3 ـ وعن أبى بصير عن ابى عبدالله الصادق (عليه السلام) قال: يا ابا محمد وان عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله واملائه من فلق فيه وخط على بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شىء يحتاج الناس اليه حتى الارش فى الخدش(3).
4 ـ وعن بكر بن كرب الصيرفى قال سمعت ابا عبدالله «الصادق» (عليه السلام)يقول: ان عندنا ما لا نحتاج معه الى الناس وإن الناس ليحتاجون الينا وانّ عندنا كتاباً املاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علىّ (عليه السلام) صحيفة فيها كل حلال وحرام.
5 ـ وعن فضيل بن يسار قال: قال لى ابو جعفر (عليه السلام) يا فضيل عندنا كتاب على سبعون ذراعاً ما على الارض شىء يحتاج اليه الاّ وهو فيه حتى ارش
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 - بصائر الدرجات/ 180 ط الاعلمي بطهران.
2 - بصائر الدرجات/ 5 باختلاف يسير.
3 - الكافى للكلينى 1/239.
(28)
الخدش(1).
ج ـ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يتوارثون كتاب الجامعة:
وقد كان اهل البيت (عليهم السلام) يتوارثون كتاب الجامعة جيلاً بعد جيل وواحداً بعد آخر ويروون عنه سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحديثه.
1 ـ فى بصائر الدرجات حدّثنا الحسن بن على عن احمد بن هلال عن امية بن على عن حماد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليمانى عن ابى الطفيل، عن ابى جعفر (عليه السلام) قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المومنين على (عليه السلام): اكتب ما املى عليك قال على (عليه السلام):يا نبى الله وتخاف النسيان؟ قال: لست أخاف عليك النسيان وقد دعوت الله ان يحفظك فلا ينسيك لكن اكتب لشركائك قال: قلت: ومن شركائى يا نبيّ الله؟ قال: الائمة من ولدك»(2).
2 ـ وروى فى بصائر الدرجات عن ابى القاسم، عن محمد بن يحيى العطار، قال حدّثنا محمد بن الحسن الصفار، قال حدّثنا محمد بن الحسين، عن صفوان، عن معلّى بن أبى عثمان، عن المعلّى بن خنيس عن أبى عبدالله «الصادق» (عليه السلام) قال: «ان الكتب كانت عند على (عليه السلام) فلما سار الى العراق استودع الكتب ام سلمة فلما مضى على (عليه السلام) كانت عند الحسن (عليه السلام) فلما مضى الحسن (عليه السلام) كانت عند الحسين (عليه السلام) فلما مضى الحسين (عليه السلام) كانت عند على بن الحسين (عليه السلام) ثم كانت عند ابى»(3).
د ـ وقد رأى هذا الكتاب بعض أصحاب اهل البيت (عليهم السلام) فى موارد عديدة:
1 ـ عن معتب قال أخرج الينا ابو عبدالله (عليه السلام) صحيفة عتيقة من صحف عليّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 - بصائر الدرجات/ 147.
2 - بصائر الدرجات/ 187.
3 - بصائر الدرجات/ 182.
(29)
فاذا فيها ما نقول اذا جلسنا لنتشهد(1).
2 ـ وعن ابى بصير عن ابى جعفر (الباقر) (عليه السلام) قال: كنت عنده فدعا بالجامعة فنظر فيها ابو جعفر (عليه السلام) فاذا فيها: المرأة تموت وتترك زوجها ليس لها وارث غيره قال: فله المال كله(2).
3 ـ وعن عبدالملك بن اعين قال: دعا ابو جعفر (عليه السلام) بكتاب على (عليه السلام) فجاء به جعفر (عليه السلام) مثل فخذ الرجل مطويا فاذا فيه: ان النساء ليس لهن من عقار الرجل، اذا هو توفى عنها شيء... فقال ابو جعفر هذا والله خط علّى (عليه السلام) بيده واملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)(3).
هـ ـ اسناد الشيعة الى اهل البيت (عليهم السلام) :
واذا علمنا ان حديث اهل البيت (عليهم السلام) من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلمهم من ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا مساغ لاحد فى الاجتهاد مع وجودهم او مع وجود احاديث لهم فى الاصول والاحكام... اقول:
اذا علمنا ذلك فثمة سؤال واحد نطرحه على الفقهاء والمحدثين من اهل السنّة وهو انهم لم لم يعتمدوا أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ؟
وقد يجاب على ذلك بأن أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) لم ترو- فى الغالب - الاّ عن طريق الشيعة وأسانيدهم، وأهل السنّة لا يعرفون هذه الطرق.
فنقول إن علماء الحديث من أهل السنة لا يشترطون فى صحة الرواية غير الوثوق الى صدق الراوى وحفظه فاذا وثقوا بصدق الراوى وضبطه، وسلامة الطريق من حيث الأمانة والصدق، لم يتردّدوا فى التمسك بالرواية وان كان الراوى
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 - بصائر الدرجات/ 145.
2 - بصائر الدرجات/ 145.
3 ـ وسائل الشيعة 26/212.
(30)
على غير عقيدة أهل السنّة ومذهبهم.
وقد ورد كثير من رجال الشيعة فى أسانيد الصحاح الستّة وطرقهم، وأخذ كبار المحدثين من السنّة من امثال البخاري ومسلم واحمد والنسائى وابن ماجة وغيرهم عن مشايخ الشيعة، مع علمهم بأنهم من الشيعة وانهم يختلفون معهم فى المذاهب ومع ذلك فلم يمنعهم ذلك من الاخذ برواياتهم والاعتماد عليها.
وقد ذكر الامام شرف الدين (رحمه الله) مائة من رجال الشيعة فى اسانيد السنّة وطرقهم على سبيل المثال والاستشهاد لا الاستقصاء(1).
فهذا أبان بن تغلب الكوفى احتج به مسلم وأصحاب السنن الأربعة وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجة ووثّقه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم، وكان شيعياً معروفاً . .
يقول الذهبى فى «الميزان» فى ترجمته: «ابان بن تغلب الكوفى: شيعى جلد لكنه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته».
واسماعيل بن زكريا الأسدى الخلقانى روى عنه البخارى ومسلم وترجم له الذهبى فقال: «صدوق شيعى» وعدهّ ممن احتج به أصحاب الصحاح الستّة.
وحبيب بن ابى ثابت الكاهلى الكوفى التابعى عدّه من رجال الشيعة كل من ابن قتيبة فى «المعارف» والشهرستانى فى «الملل والنحل» واحتج به فى الصحاح الستّة جميعاً بلا تردد.
والحسن بن حى واسم حى «صالح» كان من أعلام الشيعة ذكره ابن سعد فى «الطبقات» فقال: «كان ثقة صحيح الحديث كثيره وكان متشيّعاً، واحتج به مسلم وأصحاب السنن».
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 - المراجعات/ 70 - 163.
(31)
وقد روى مسلم فى الصحيح عن كل من سماك بن حرب واسماعيل السدى وعاصم الاحول وهارون بن سعد.
ولو ان اهل السنّة ألغوا روايات الشيعة وردّوها رأساً لذهبت جملة من الآثار النبوية كما يعترف بذلك الذهبى فى «الميزان» فى ترجمة أبان بن تغلب.
وهذا عبدالرزاق بن همام بن نافع الحميرى الصنعانى منسوب الى التشيع، ومع ذلك فقد وثّقه الائمة كلهم الاّ أبا عباس بن عبدالعظيم فتكلّم بكلام وأفرط فيه ولم يوافقه عليه أحد وقال عنه ابن عدى رحل اليه ثقات المسلمين وكتبوا عنه الا انهم نسبوه الى التشيع وهو أعظم ما ذموه به وأما الصدق فأرجو انه لا بأس به واحتج به الشيخان والبخارى ومسلم(1).
فلا يشترط فى صحة الرواية ـ اذن ـ أكثر من الوثوق بالراوي وصدقه، وأمانته وضبطه فاذا تأكدوا من ذلك فان أصحاب السنن والصحاح والأصول لم يترددوا فى الأخذ بروايته وروايتها والعمل بها.
فلا مبرر اذن للتردد فى التمسك بروايات أهل البيت (عليهم السلام) فى الحلال والحرام وفى الاصول والعقائد بحجة أن روايات أهل البيت (عليهم السلام) وردت فى الغالب عن طرق شيعية لا يعرفها أهل السنّة.
ولا نشك فى أن هناك فى أسانيد وطرق روايات أهل البيت طرقاً ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها.
غير أن الاساس السليم فى مثل هذا الموقف أن ينتقي الفقيه السنّي منها ما تجتمع فيه شروط الرواية الصحيحة من حيث السند والمتن ويترك غيره كما يعمل علماء الشيعة ما دام أن الرواية عن الشيعة ليست بأمر محظور وما دام أن كلمات
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 - فتح البارى المقدمة/ 418.
(32)
اهل البيت (عليهم السلام) واحاديثهم لا تزيد ان تكون روايات عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)... فلا يبقى الا التحرى فى اسانيد هذه الروايات وطرقها والتاكد منها، وانتقاء الصحيح منها، كما يفعل اخوتنا السنّة بالاحاديث النبوية الواردة عن طرقهم وكما يفعل الشيعة بالروايات الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) واهل بيته (عليهم السلام) عن طرقهم بالذات.
والحمد للّه رب العالمين.