عربي
Thursday 26th of December 2024
0
نفر 0

ظهور الإسلام وانطلاق الحضارة العربية الإسلامية

- ظهور الدعوة الإسلامية:
وُلِدَ محمد بن عبدالله (ص) في مدينة مكة يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول في عام الفيل، وهي السنة التي غزا فيها أبرهة الحبشي مكة بهدف هدم الكعبة، لكن شاءت الإرادة الإلهية حماية البيت الحرام وإبادة أبرهة وحملته. وينتسب النبي الكريم إلى قبيلة قريش فهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي إلى أن يصل نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل، ويعود نسب والدته آمنة بنت وهب إلى قريش أيضاً، وبذلك فإن شرف بيوت العرب نسباً من جهة الأب والأم قد تمثلت به.
تميزت حياة النبي الكريم بالمصاعب منذ بدايتها، وكان ذلك إختباراً وإعداداً لتحمّل أمانة حمل الرسالة الاسلامية، فقد ولد يتيماً، إذ توفي والده عبدالله قبل أن يبصر نور الدنيا. وعاش بعد ولادته في البادية تحت رعاية مرضعته حليمة السعدية، ولم يهنأ طويلاً بمصاحبة أمّه، إذ توفيت وعمره ست سنوات ليكفله جدّه عبدالمطلب سيد قريش ويغمره بعناية أبوية فاقت اهتمامه بأولاده. ولم يطل المقام بعبدالمطلب، إذ توفي بعد أعوام قليلة موصياً ابنه أبا طالب بكفالة ابن أخيه.
مارس الرسول الكريم العديد من الأعمال منذ طفولته، فرافق عمّه أبا طالب في تجارة إلى الشام حيث حذره الراهب بحيرى من غدر اليهود به لأنه توسم فيه علامات النبوة. ومن الأعمال الأخرى رعي الأغنام كحال الأنبياء الآخرين الذين اشتهروا بالقيام بهذا العمل. ومع السمعة العطرة التي اكتسبها من خلال أخلاقه الكريمة واتصافه بالأمانة والعفة والصدق والابتعاد عن عبادة الأصنام، ازدادت ثقة أهل مكة به وبأمانته ودفع إحدى سيدات المجتمع المكي وهي السيدة خديجة بنت خويلد أن تبعثه بتجارة لها ثم تطلبه للزواج. فتزوج منها وهو ابن خمس وعشرين سنة في حين بلغ عمرها آنذاك أربعين سنة.
وعندما بلغ الرسول الكريم الأربعين من عمره نزل عليه الوحي في غار حراء حيث كان يتعبد هناك كعادته شهراً كل عام ويخلو إلى نفسه للتفكير في خالق الكون، لتبدأ بذلك الدعوة إلى الدين الإسلامي. ومرت الدعوة الاسلامية بمرحلتين: المرحلة السريّة التي استمرت ثلاث سنوات وتمت فيها الدعوة إلى الدين الجديد وترك عبادة الأصنام والأوثان سرّاً. وآمن في هذه المرحلة أهل بيت الرسول (ص) وفي مقدمتهم زوجته خديجة بنت خويلد، وابن عمه علي بن أبي طالب، ومولاه زيد بن حارثة. أما المرحلة العلنية فانطلقت فيها الدعوة عامة نحو قريش والقبائل الأخرى، والتي واجهت المسلمين باستخدام أنواع الاضطهاد والعذاب. فبعد فشل محاولات قريش في إغراء النبي بالأموال والمناصب، عمد المشركون إلى التشكيك بقدراته العقلية، وإيذائه بالكلام مروراً بالتعذيب الجسدي للمسلمين، وحصارهم في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات وقاطعوهم مقاطعة تامة. واضطر الكثير من المسلمين للهجرة إلى الحبشة تخلصاً من الأذى الذي ألحقته بهم قريش حفاظاً على دينهم، إلا أن دخول عدد من أفراد قبيلتي الأوس والخزرج في الاسلام ومبايعتهم للرسول الكريم في بيعتي العقبة الأولى والثانية قد غيّر الموازين لصالح المسلمين.
وحدث انقلاب خطير في حياة الاسلام والمسلمين عندما بدأ المسلمون بالهجرة من مكة إلى يثرب، فانتقل الاسلام من مرحلة الدعوة إلى الدولة، وفسح المجال لتطبيق مبادئ الاسلام عملياً وبناء نواة الدولة الاسلامية. وقد حفلت السنوات الباقية من حياة الرسول الكريم بأحداث جسام، فقام بالعديد من الخطوات لبناء المجتمع الاسلامي في يثرب – التي تحول اسمها إلى المدينة المنورة – فبني المسجد، وأعلنت المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، وتم تحديد العلاقة بين المسلمين واليهود. وتصدى – من جهة أخرى – إلى المخاطر التي مثلتها قبيلة قريش، واشتبك معها بالعديد من الحروب ابتداءً من معركة بدر الكبرى مروراً بمعارك أُحُد والخندق حتى تم فتح مكة في العام الثامن للهجرة.
ولم يهمل النبي الكريم دعوة حُكّام المناطق المجاورة إلى الاسلام، فاستجاب القليل منهم ورفض أكثرهم، ولكن دخل معظم شبه الجزيرة العربية في الاسلام. وبعد أن أكمل الرسول إبلاغ رسالته، ونزلت الآية الكريمة (اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وأتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسلامَ دِيناً) (المائدة/ 3)، وخطبته الجامعة في حجة الوداع عام 10 للهجرة التي حدّد فيها أركان الاسلام وحقوق المسلمين وواجباتهم، اختاره الله تعالى إلى جواره عام 10 هجرية بعد أن وصلت تعاليم الاسلام إلى معظم شبه الجزيرة العربية وطرقت أبواب المناطق المجاورة.
- مصادر التشريع في الإسلام:
1- القرآن الكريم: وهو المصدر الأول من مصادر التشريع الاسلامي أنزل باللغة العربية على النبي محمد بن عبدالله (ص) منجماً، أي متدرجاً وليس دفعة واحدة لمدة ثلاث وعشرين عاماً. وكانت آيات القرآن تنزل إجابة عن سؤال، أو شرح لواقعة معينة، أو إقرار لتشريع. وأول آية أنزلت هي: (إقرَأ بِاسمِ ربِّكَ الذي خَلَق) (العلق/ 1)، وختم بآية: (اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وأتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسلامَ دِيناً) (المائدة/ 3).
2- السنّة النبويّة: وهي كل ما قاله الرسول (ص)، أو فعله، أو رأى فعلاً وأقرّه. وقد أمر الله تعالى في القرآن الكريم المسلمين باتباع أوامر النبي، فهي إذاً واجبة الاتباع على المسلمين. وبذلك أصبحت السنّة النبوية المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، ومن الطبيعي أن تجد العناية من قبل المسلمين لفهم أركان دينهم.
3- الإجماع: ونعني به إجماع المجتهدين من المسلمين في عصر ما على حكم شرعي لم يرد صراحة في القرآن الكريم أو السنّة النبوية. وللإجماع شروط عديدة فيجب توفر شروط الفقيه والمجتهد في الأشخاص الذين يصورون الحكم، وأن لا يتنافى الحكم الذي يتفق عليه المجتهدون مع القرآن أو السنّة النبوية. وإجماع المجتهدين واجب النفاذ على المسلمين ولا يجوز مخالفته لأن القرآن الكريم والسنّة النبوية قد أكدا على ضرورة عدم الاختلاف بين المسلمين، وأنّ الأمّة لا تجتمع على ضلالة.
4- القياس: القياس في اللغة تقدير الشيء بشيء آخر أو تسويته، ويقصد به شرعاً الحكم في أمر لم يرد ذكره في القرآن الكريم أو السنّة النبوية أو الإجماع استناداً إلى حكم آخر ورد في القرآن أو السنّة ويشتركان في العلة. فقد ورد مثلاً في القرآن الكريم حكم تحريم الخمر، وهو اسم لمسكر يستخرج من عصير العنب غير المطبوخ بالنار. ولم تتناول الآية المسكرات الأخرى التي تشترك مع الخمر في علة التحريم من مفاسد ورجس وتغييب للعقل، لذلك حرمت الأنواع الأخرى من المسكرات بالقياس إلى آية تحريم الخمر. وكذلك ورد في الحديث النبوي تحريم قيام شخص بخطبته امرأة سبقه إليها شخص آخر لأن هذا التصرف يؤدي إلى الإيذاء والعداوة والبغضاء، وقياساً عليه حرم على الأشخاص استئجار منزل أو محل سبقه شخص آخر إليه للعلة نفسها.
- أثر الاسلام على العرب:
من الصعب حصر الآثار الكثيرة التي خلّفها الاسلام على حياة العرب بسبب شموليتها لمختلف أوجه الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية والفكرية، فكان عرب ما قبل الاسلام عبارة عن قبائل متفرقة يغزو بعضها بعضاً، ولولا الصحراء القاسية التي كانت بمثابة مانع طبيعي مسخّر لحمايتهم لنالوا نصيباً وافراً من الغزو الخارجي مثلما كان الحال لأطراف شبه الجزيرة العربية. وتحولت هذه القبائل المتفرقة، بفضل الاسلام الذي ألف بين قلوب معتنقيه، إلى قوة ضاربة جعلت من شبه الجزيرة العربية نواة لامبراطورية واسعة امتدت خلال قرن من الزمن من الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، وإسبانيا وجنوب فرنسا شمالاً.
لم يقتصر فضل الاسلام في توحيد العرب على الجزيرة فقط، بل أنقذ العرب في المناطق الأخرى من سيطرة القوى الأجنبية، فحطّم وإلى الأبد الامبراطورية الساسانية الفارسية التي كانت تهيمن على العراق واليمن، وطرد الروم البيزنطيين من سوريا ومصر وشمال افريقيا فحقق بذلك وحدة الناطقين باللغة العربية لأول مرة، ورسّخ وجودهم من خلال الهجرات التي انطلقت شرقاً وغرباً حملت معها المجاهدين وأسرهم.
من جهة أخرى، أرسى الاسلام قيماً اجتماعية جديدة ومبادئ خلقية فاضلة، فعلى الرغم من تمتع العرب قبل الاسلام بالكثير من القيم الأخلاقية السامية ولكن شابتها بعض الممارسات والأنماط السلوكية الخاطئة فجاء الاسلام ليقضي عليها مثل وأد البنات والعصبية القبلية والثأر وغيرها. وقد أكد الاسلام على مبادئ الحرية والمساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات والمكانة الاجتماعية، وأحل الأخوة الاسلامية محل النسب للقبيلة، والولاء للاسلام محل الولاء للقبيلة، والشريعة الاسلامية العادلة محل الأعراف القبلية. ومنح الاسلام المرأة حقوقاً واسعة وحرّم إلحاق الأذى بها، وأوجب عليها التعليم، وأمر بحسن معاملتها.
وأحدث الاسلام انقلاباً شاملاً في الحياة الاقتصادية للعرب فحقّق نظامه الاقتصادي العدالة في توزيع الموارد والثروة، إذ منع تكدس الثروات وتضخمها من خلال تحريمه للربا والربح الفاحش والاحتكار، وتشريعه للزكاة والتقسيم العادل للإرث. وبذلك لم يعد في المجتمع العربي بعد الاسلام فوارق حادة بين طبقة تتمتع بالغنى الفاحش، وأخرى لا تجد ما يسد رمقها.
أما على الصعيد الديني، فقد أزال الاسلام الفوضى والجهالة الدينية التي عمت العرب من خلال تعدد عبادة الأصنام والأوثان، وأبدلها بعبادة الله الواحد الأحد. وبذلك أدت وحدة العبادة والدين إلى تماسك العرب وتقاربهم وضعف عوامل الفرقة والاختلاف بعد أن جمعهم عامل مشترك. وأدى التخلص من عبادة الأصنام أيضاً إلى انطلاق أفق الإنسان العربي الذي كان محدداً بالوثنية إلى مجالات واسعة قدّمها له الإسلام، ووفّر له الطمأنينة والأجواء الروحية ففتح هذا الأمر المجال واسعاً أمام التطور الفكري الكبير الذي جسّدته الحضارة العربية الاسلامية.
إنّ الاسلام بمصادره التشريعية، وفي مقدّمتها القرآن الكريم والسنّة النبوية، هو الأساس الذي فتح آفاق النهضة الفكرية أمام العرب، فبدأت العلوم المختلفة التي ابتدعها العرب أو طوروها من دراسة القرآن الكريم والسنّة النبوية، مع عدم إهمال الأثر الذي تركته حضارات المنطقة وتمكنت الحضارة العربية الاسلامية من استيعابها وإعادة صياغتها وفقاً للأسس الاسلامية بدون أن تلجأ إلى الاقتباس التام أو النقل الأعمى.
ونقل الاسلام اللغة والخط العربي من الصعيد المحلي، الذي كان يقتصر على شبه الجزيرة العربية وأطرافها، إلى لغة عالمية لأكثر من نصف العالم المعروف آنذاك، فقراءة القرآن الكريم وفهم أحكامه يتطلب بلا ريب اتقان اللغة التي نزل بها، فدفع هذا الأمر المسلمين من غير العرب إلى تعلم اللغة العربية لفهم واجباتهم الدينية، وبالتالي فإن التراث الفكري الكبير الذي خلفته الحضارة الاسلامية قد كتب باللغة العربية، ومن هنا أطلق على هذه الحضارة، الحضارة العربية الاسلامية، لأن الاسلام ملهمها وظلت داخل إطار فلسفته، وكانت لغتها العربية. وساعد على تبوأ اللغة العربية هذه المكانة الرفيعة وتحولها إلى لغة للثقافة والحكم مميزاتها التي تتمثل بكثرة مفرداتها ومترادفاتها، وغنى الاشتقاقات فيها، وبلاغتها، ومخارج الحروف فيها.
وينطبق الأمر ذاته على الخط العربي الذي انتشر مع اللغة العربية، وزاد الاسلام من إبداع العرب في استنباط أنواع جديدة من كتابته فظهر الخط الكوفي والبصري والأندلسي والنسخ وغيرها. ومن شدة تأثر الشعوب الاسلامية بهذا الخط، أخذت تكتب لغاتها به مثل اللغة الأوردية في الباكستان، واللغة التركية حتى أوائل القرن العشرين، واللغة الكردية وغيرها.
وخلاصة القول أن الاسلام أحدث ثورة شاملة في حياة العرب شملت مناحيها كافة، ونقلتهم من حالة التردي والضياع إلى أمّة متميزة أدت أعظم الأدوار وأخطرها في مصير العالم والحضارات الإنسانية لقرون طويلة من الزمن.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عشر في تقدم الشيعة في فنون الشعر في الإسلام
حالة العالم قبل البعثة المحمدية
مناظرة هشام مع ضرار
ابو طالب (علیه السلام)
المذهب الحنبلي
المقال الذي سبب أزمة فى مصر
أقوال شاذة :
مقام الإمام المهدي عليه السلام عند الله تعالى:
المتعة ؛ سنة في زمن الرسول(ص) و أبي بکر ـ (الحلقة ...
الأزارقة

 
user comment